«فحم كل المآسي» كتاب لحسن بنطالب .. عن التاريخ المنسي لعمال المناجم المغاربة في فرنسا

صدر للكاتب الصحفي حسن بنطالب مؤلف جديد باللغة الفرنسية بعنوان «فحم كل المآسي: التاريخ المنسي لعمال المناجم المغاربة في با-دو-كاليه»، عن دار نشر القلم.
الكتاب عبارة عن عمل توثيقي وتحقيقي يُعيد إحياء واحدة من أكثر الصفحات إيلاما وتهميشا في تاريخ الهجرة المغربية، حيث يكشف النقاب عن معاناة آلاف العمال المغاربة الذين جُنِّدوا خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي للعمل في مناجم الفحم الفرنسية.
حسن بنطالب يغوص، من خلال تحقيق تاريخي معمق، في الظروف القاسية التي أحاطت بترحيل هؤلاء العمال من قراهم النائية في المغرب إلى أعماق المناجم الفرنسية، حيث واجهوا الاستغلال والتمييز والعزلة بعيدا عن أسرهم وبلادهم. ويستحضر بنطالب دور «فيليكس مورا»، الذي عُرف بلقب «نخاس الزمن الحديث»، في قيادة عمليات الانتقاء المهينة لهؤلاء الرجال، الذين كانوا غالبا من الأميين والفقراء، وحُرموا من أبسط حقوقهم، وعوملوا كقوة عاملة خام قابلة للاستبدال.
الكتاب لا يكتفي بسرد المآسي، بل يسعى إلى توثيق أشكال الظلم والتعسف التي كان هؤلاء الرجال ضحية لها، كما يُسلّط الضوء على الانتهاكات القانونية التي تعرضوا لها، بما فيها حرمانهم من حقوق السكن والتدفئة التي كانت تُمنح لنظرائهم الفرنسيين، وقد أثار هذا الوضع موجة من النضال القانوني، توجت في سنة 2011 بصدور حكم قضائي أنصف بعض العمال بعد أكثر من عشرين سنة من الكفاح. وقد أشار الكاتب إلى هذا الحكم في مقدمة الكتاب، مستعرضا قرار محكمة الاستئناف بمدينة «دوَي» الفرنسية، الصادر في مارس 2011، والذي قضى بمنح عشرة عمال مغاربة تعويضا قدره 40 ألف يورو، جراء ما تعرضوا له من تمييز بعد تصفية شركة المناجم، وحرمانهم من حقوقهم الاجتماعية.
إنه كتاب يُعيد إلى الذاكرة المغربية صفحة منسية من تاريخ المهاجرين، ويطرح أسئلة مؤلمة حول دور الدولة الفرنسية والدولة المغربية والمسؤولية الأخلاقية تجاه جيل من العمّال الذين تحملوا المعاناة بصمت كما لو كانت مصيرا محتوما فرض عليهم «:مثلهم مثل العبيد في العصور القديمة، أو الأقنان في العصور الوسطى، أو عمّال المراحل الأولى من الثورات الصناعية، يبدو أن المنجميين المغاربة قد استبطنوا وضعهم كضحايا للاستغلال. ويبدو أنهم قبلوا دون نقاش نمط الحياة البائس الذي فُرض عليهم. إن الاستسلام والتخلي عن الأمل هو مصدر بؤسهم». مقتطف من الكتاب.
«فكرة الكتاب راودتني خلال إحدى زياراتي المهنية إلى مدن الجنوب المغربي، حيث لفت انتباهي تكرار اسم معين على ألسنة الشباب وسكان هذه المنطقة»، يقول حسن بنطالب في تصريح لجريدة الاتحاد الاشتراكي، مستحضرا الدافع الذي حفزه على كتابة هذا المؤلَّف، ويضيف: «لم يكن هذا الاسم سوى «فيليكس مورا»، المعروف محليا بـ»موورا»، وهو شخصية محورية تستحق البحث والتقصي. فقد قام مورا بتجنيد الآلاف من المغاربة وفق شروط صارمة، من أبرزها أن « يكون المرشحون أميين، أي لا يُجيدون القراءة والكتابة، وأن يكونوا في كامل صحتهم الجسدية وقويي البنية، وقد كانوا يُعرضون أربع مرات على الفحص الطبي: مرتين في المغرب، ومرتين في فرنسا (مرة بمرسيليا، ومرة بالمنجم)، وذلك لانتقاء الأجدر والأقوى للقيام بالأعمال الشاقة المطلوبة في المناجم.» يوضح حسن بنطالب.
ظروف انتقاء هؤلاء المنجميين المغاربة تشبه ما كان يُمارس على العبيد في العصور الغابرة، لكن «نخاس العصر الحديث» فيليكس مورا أعاد إنتاجها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. لقد كانت له اليد الطولى في التصرف كما يريد، بمباركة من السلطات التي منحته كافة الصلاحيات لنقل المغاربة وتهجيرهم في ظروف مهينة.
«لكن الغريب»، يقول الكاتب، «أن الذاكرة الجماعية للجنوب المغربي، وحتى عند الأجيال الجديدة من شباب ومراهقين، يتمنون إعادة تجربة الآباء والأجداد مع فيليكس مورا. هم يحلمون بالهجرة دون الاكتراث بما عاناه أسلافهم من ظلم وحيف واستغلال. فشباب تلك المناطق لا يرون سوى المظاهر المادية والتأثير الإيجابي لتلك الهجرة على تنمية دواويرهم، وعلى تحسن الوضعية الاجتماعية للمهاجرين وأسرهم، بغض النظر عن الثمن الباهظ الذي دفعوه مقابل ذلك. وهو ما استفزني أكثر لأطرح السؤال: هل هؤلاء الشباب يعرفون ما يقولون أم لا؟ ألا يعرف هؤلاء الواقع المرير الذي عاشه المنجميون المغاربة المهاجرون؟ لقد تم إعطاؤهم قيمة رمزية مع التغاضي عما وقع لهم وما عاشوه من تضحيات وآلام».
أما الدافع الثاني بالنسبة للكاتب، فكان يتمثل في قلة المراجع التاريخية المتوفرة حول الموضوع، باستثناء بعض الكتابات الأجنبية، مع وجود استثناءات مغربية قليلة، من بينها كتابات المؤرخ المغربي عطوف الكبير حول الهجرة.
هذا النقص في التوثيق، كما يقول الكاتب، كان من بين الأسباب التي شجعته على إنجاز هذا العمل، الذي يجمع بين المقاربة الأكاديمية العلمية والأسلوب الصحفي الاستقصائي.
بالنسبة للكاتب حسن بنطالب، فالتاريخ يعيد نفسه، حيث شبّه ما تعرض له أولئك العمال المغاربة في زمن فيليكس مورا بما تعانيه اليوم العاملات الموسميات المغربيات في حقول الفراولة الإسبانية، ضمن ما يُعرف بـ»الهجرة الدائرية».
ففي نظره، هناك تشابه كبير بين الحالتين، سواء من حيث ظروف العمل والانتقاء، أو من حيث ما تتعرض له هؤلاء النساء من استغلال، وعنصرية، بل وحتى اغتصاب. وتماما كما تواجه اليوم هؤلاء النساء مصيرهن في عزلة وصمت، دون تدخل حقيقي ينهي هذه المعاناة المتكررة، واجه المنجميون المغاربة مصيرهم وحدهم في القرن الماضي، في تجاهل تام ونسيان لقصتهم المؤثرة.
يُذكر أن حسن بنطالب هو صحافي بجريدة «ليبيراسيون» المغربية، وباحث مختص في قضايا الهجرة واللجوء. حاصل على دكتوراه في الجغرافيا، كما أنه متخرج في القانون العام (جامعة الحسن الثاني – المغرب)، والعلوم السياسية (جامعة مونبلييه 1 – فرنسا)، والصحافة. يعمل كمدرب ومحاضر، وهو عضو في مجموعة» Integration Strategy Group»، وهي مبادرة مشتركة بين الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) وصندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة (GMF)، تجمع خبراء لمناقشة سياسات الإدماج في ألمانيا، المغرب، وتركيا.
فاز بمنحة التميز في الصحافة حول الهجرة، كما تم اختياره ضمن المتأهلين الستة الناطقين بالفرنسية في النسخة الثالثة من جائزة «التحقق من الأخبار»، الإفريقية سنة 2016.


الكاتب : خديجة مشتري

  

بتاريخ : 03/06/2025