فضالة أرض للتعايش الديني والثقافي .. «من أعلام زناتة في ذاكرة فضالة»

 

عن دار الثقافة بالدار البيضاء وفي طبعة أولى لسنة 2024، صدر كتاب «من أعلام زناتة في ذاكرة فضالة» لدليلة طيب.
وقد جاء في الورقة تقديمية التي تم فيها الإهداء والإشارة إلى جميع المساهمين في إنجاز هذه الدراسة ومن بينهم الأستاذ نور الدين فردي كمهتم ومختص في التاريخ، جاء أن هذا الكتاب هو خلاصة لبحث علمي تطلب مجهودا فكريا لجمع كل العناصر والأدوات الضرورية بمنهجية واضحة الملامح لأجل الوقوف على الأحداث والتطورات التي عرفتها مدينة فضالة بكل مقوماتها الاجتماعية والتاريخية والسياسية في بعض الأحيان وللوقوف على أهم المصادر المساهمة في تأثيث هذه الفترة التي حددتها المؤلفة في القرنين 19 و20 مع الاعتماد على بعض المصادر الشفهية لإغناء الموروث الثقافي والمعرفي في هذه المنطقة.
كما أشارت الكاتبة إلى ضرورة الاهتمام بأحداث هذه المنطقة لانتمائها الروحي لها ولفتح باب الاجتهاد والبحث في وجه الأجيال القادمة، ونظرا لندرة البحث في هذا المجال تاريخيا، فكان هذا الكتاب بمثابة الحديث عن فترة منسية ودعوة لإعادة التفكير في إشكالياتها بالنسبة لتاريخ منسي جديد.كما أن الكاتبة دليلة الطيب وعلى لسان الباحث نور الدين فردي كما جاء في مقدمته بأنها «عملت على طرح مواضيع متعددة تتجاوز موضوعها الأساسي لخلق نقاش، والعمل على توثيق تاريخ المنطقة وتراثها المادي واللامادي…».
الجميل في هذا المؤلف، هو إلمامه بعدد من التطورات عبر عصور مختلفة بأحداثها التاريخية والسياسية.. كظهور البورغواطيين وسيطرتهم على جزء مهم من جغرافية المغرب منها مدينة فضالة ونواحيها، ومدى تأثير زعيم بورغواطة الذي ادعى النبوة وهو من أصل يهودي واسمه كان هو صالح بن طريف بن شمعون، مشيرا بذلك الى الباحث شعيب حليفي ودعوته إلى ضرورة إعادة تاريخ بورغواطة وأن الدولة العباسية هي التي قامت بتشويه صورة طريف بن صالح مؤسس دولة بورغواطة.
ثم تحدث الكتاب عن نشوء بلدة المنصورة التي تسمى حاليا بالمنصورية بفضل المنصور الموحدي. وبعد الحديث عن تفاصيل الأحداث التاريخية والسياسية، انتقلت المؤلفة إلى الحديث عن فضالة في الجزء الثاني من الكتاب كأرض للتعايش الديني والثقافي، وزيارة المولى السلطان سيدي محمد الخامس لفضالة ما بين 1927 و1961.
كما عاد بنا الكتاب إلى حقبة وحضور اليهود في الدولة الإدريسية ثم الدولة المرابطية والموحدية والمرينية والسعدية وهجرتهم، وخاصة اليهود السفرديم من الأندلس إلى شمال إفريقيا، وذلك في القرن الخامس عشر الميلادي، ثم أخيرا حضورهم في عهد الدولة العلوية.
والمثير أيضا في هذا الكتاب، هو جرد بعض أسماء العائلات اليهودية في فضالة ووظائفها في القرن العشرين، ثم الحديث عن الجالية الفرنسية بفضالة والجالية الإسبانية.كما تحدث الكتاب عن مفهوم القبيلة وتحليل وجودها ودراستها من الناحية الأنتروبولوجية.
أما في الفصل ما قبل الأخير في هذا الكتاب، فقد تناولت فيه الكاتبة دليلة الطيب، مسألة محورية كانت هي الدافع الأساسي من التدوين والتحقيق في معطياته، فاعتمدت على الذاكرة لتؤرخ جل ما قيل عن حيثيات هذه المدينة على لسان قاطنيها، نظرا كما أشرنا لذلك سابقا لندرة المراجع أو الغياب شبه الكلي لها، وبهذا استرجعت المؤلفة جل المعطيات الخاصة بتطورات هذه المنطقة، وذلك بدافع موضوعي أولا على مستوى البحث التاريخي، وثانيا بدافع ذاتي أرادت من خلاله تدوين حضور أقرب الناس إليها ممن ساهموا علميا ودينيا وسياسيا رسم معالم هذه المنطقة أي زناتة.
أما الفصل الرابع من الكتاب، فقد تناول البيوتات الزناتية من داخلها شكليا وبعض النماذج الرائدة منها في مجالات متنوعة أخرى، تارة استنادا للروايات الشفهية التي تعاقبت على مجمل السلاطين بأزمنتهم، وتارة أخرى مع توطيد هذه الحقائق بظهائر ملكية مصورة لإثبات ذلك، إيمانا منها بضرورة مواصلة تعميق البحث في هذا المجال.


الكاتب : شفيق الزكاري

  

بتاريخ : 10/05/2025