فلسفة التأويل في خدمة الإصلاح الديني

فلسفة الدين نوع من التفكير يعتمد العقل في البحث وتحليل المقدسات والمعتقدات والظواهر الدينية وتفسيرها بعيداً عن التنظير اللاهوتي التبشيري ، ولا تتوخى الركون في حدود معينة، بل تطلق العنان لتفكيرها دون وضع سقف له، ففيلسوف الدين باحث يتحرى الحقيقة بموضوعية وحياد تامين بهدف تحرير الدين من سجن الماضي،  وتجنب الغرق في التفسيرات التراثية وتأويلات تبرر أجندة سياسية.
لقد درس» فيبر Vebre» و «دوركايم Durkhiem» وغيرهم سوسيولوجية الدين بشكل مستفيض، وأكدا أن الدين يمثل دوراً وظيفياً مهماً في تعزيز التماسك والتضامن الإجتماعيين، وله دور في إحداث تغير إجتماعي ، ولن تتحقق وعود ماركس بإختفاء الدين بفعل تتطور وسائل الإنتاج، فما زالت المعتقدات الدينية تؤثر تأثيراً بالغاً ،حيث خرجت من النمط التقليدي (في الغرب)،إذ أن عدداً من الغربيين يعتبرون أنفسهم متدينين وملتزمين لكن يمارسون شعائرهم خارج إطار المؤسسات الدينية التقليدية، بالتالي إذا كان مفعوله على الأفراد على هذا النحو من التأثير، فلا بد من الاشتغال الجاد وتظافر الجهود لنخلص الدين وأعني هذا حرفياً . فمن الصعب بمكان تخليص الدين من الأطماع إلا بجهد جهيد فهذا أشبه بنزع الجلد عن اللحم، فما يبقي سلطة رجال الدين إلا النزاعات الطائفية – فرق تسد – و الدعاء (للكفار) بالتشرذم والإنقسام فوق المنابر وتوهيم السامع بأن العالم كله يتآمر علينا. وفي الدول النامية أو الدول التي تتبنى «ديناً» ،رغم أن الدولة كيان غير مادي لا ديني، ففي هاته الدول مازال الدين يكتسي طابع التقليد وما زال الطوطم متفشياً ، ولقد فهمت الأجهزة القمعية في هذه الدول هذا الشئ واستعملته في قضاء حوائجها وطمس الأعين عن الظلم و العنف والطغيان الذي يظل على الدوام يستغل صورة الله ، ويمارس العدوان ويسفك الدماء بإسمه.
علينا أن نفهم أن التفاسير المتعددة قد تؤدي إلى سوء فهم متعدد ، لذا من الضروري إيجاد مبادئ أو قوانين للتفسير لكي يكون التفسير معقولاً ومنطقياً وصحيحاً، من هنا لعبت (الهرمونيطيقا Hermeneutics) كوسيلة لفهم النصوص الدينية دورا مهما وقد أصبحت مبحثاً فلسفياً قائماً منذ عهد «شلايرماخر Schleiermaher».
لا يمكننا تحديث التفكير الديني والإصلاح والتخلص من شبح الماضي إلا بإعلاء سلطة العقل، والتخلص من الخلط والتلبيس بين مفهوم الله وتصورنا له وبين المقدس وتصور البشر له . فالسبيل للنهوض لا يكمن إلا بإيجاد منهج عقلي ومنطقي رصين ، دون الغرق في التأويلات النصوص الدينية التي تبنى على بعد نفسي للمفسر وبعده المعرفي والحقبة التاريخية. فهذه الأبعاد والمتغيرات تتداخل لتعطي تأويلاً نأخذه نحن على أنه مسلمة ،الله لم يعطنا عقولاً لتخالف شرائعه، وعلينا أن نفهم أن النزاعات الدينية داخل الدين الواحد أو بين الأديان ليس بتنوع الشرائع بحد ذاتها، بل بتناقض الأطماع الإقتصادية والسياسية. ولا يمكن إصلاح العلاقات بين الأديان وبين الشيعة والسنة بوجه الخصوص إلا بتحكيم العقل وتقليص سلطة رجال الدين وجعل التدين أمراً شخصياً ، بمعنى العلمنة.
إن في المخيال الشعبي فكرة مفادها أن هناك قطيعة بين الفلسفة كتفكير نقدي منطقي والشريعة، وحتى الأفكار اللائكية والإسلاموية التي تدخل في تسطيح وتخدير الوعي الفردي والجماعي تخدم هذه الفكرة من خلال بث خطابات عاطفية فوق المنابر و القنوات، حيث نرى في مجتمعنا هذا إقصاء يكاد يكون كليا للفلسفة ، إذ يتجلى ويتمظهر في نعت كل ماهو تافه و زندقة بالتفلسف، لكن لا يمكن العودة إلى الدين الصحيح إلا بتكريم العقل باعتباره الوجه الآخر  للإجتهاد ولا يمكن أن نغفل عن جهود «أبوالوليد ابن رشد Ibn Rochd» وكتابه «فصل المقال» في توضيح أوجه التوافق و الإتصال بين الفلسفة و الشريعة باعتبار أن كل ما يتم التوصل به بواسطة العقل فهو حق وإذا كان مناقضاً للنص القرآني في ظاهره، فعلينا التأويل بغرض الوصول إلى الحقيقة، وفي النصوص الدينية الإسلامية هنالك تناغم منشود بين الدين والدنيا. فلا يمكننا أن نستعين بالعقل لهدم العقل كما يقول «اسبينوزا .
وخلاصة القول نحن لا نريد إسقاط ونسخ وإعادة التجربة الأوروبية كما يقول بعض الإسلامويين، لكن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها.
إننا في أمس الحاجة لجهود ودراسات جادة  في حقل الهيرمونيطيقا بهدف إرساء قواعد لثورة  علمية كبيرة تهز أركان السلوكات اللاعقلية ، وعلينا عدم قمع الإصلاح فهذا لن يأتي إلا بتفاقم الويلات ،والقمع آخد بالزوال لا محالة فهذه حتمية تاريخية لا مناص منها والشعوب العربية لن تستكين عن مطالبتها بالإصلاح .

باحث  في فلسفة الأديان


الكاتب : محمد بن الظاهر

  

بتاريخ : 04/04/2018