هناك أحداث كثيرة ومواقف متعددة ،وذكريات تراكمت على مر السنين، منها ما تآكل مع مرور الزمن، ومنها ما استوطن في المنطقة الضبابية من الذاكرة، لكن تبقى هناك ذكريات ومواقف وصور ،عصية على الاندثار والمحو ،لأنها بكا بساطة ،كان لها في حينه ،وقع في النفس البشرية، ليمتد هذا الوقع إلى القادم من الأيام من حياة الإنسان.
في هذه الرحلة، ننبش في ذاكرة كوكبة من الفنانين ،حيث منحتهم إبداعاتهم ، تذكرة الدخول إلى قلوب الناس بدون استئذان، وهي إبداعات فنية ، استحقت كل التقدير والاحترام والتنويه داخل المغرب وخارجه، كما استحق أصحابها الاحتفاء بهم ، ويجدوا أنفسهم وجها لوجه مع ملك البلاد.
هنا نستحضر، ونسترجع بعضا من ذكريات هؤلاء الفنانين المبدعين مع ملوك المغرب ، بعدما صنعوا أسماءهم بالجد والاجتهاد والعطاءات الثرية كما وكيفا، واستطاعوا فرضها في ساحة تعج بالنجوم .
علاقة الفنان عبد الهادي بلخياط بالقصر الملكي، علاقة وطيدة، حيث كان من الأسماء التي تتم دعوتها للمشاركة في الحفلات التي تقام هناك، خاصة في المناسبات الوطنية.
وقد وشحه جلالة الملك محمد السادس سنة 2015، بوسام المكافأة الوطنية من درجة قائد، وكان قد قدم أغنية آنذاك بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء.
وعن علاقته بالملك محمد السادس، يقول المطرب الكبير إنه كان يلتقي به منذ أن كان صغيرا، ودائما ما يرى فيه صورة الإنسان الطيب والمؤمن واللطيف المؤدب، يساعد المريض، يعطي للفقير، يعمل جميع الوسائل حتى يؤدي دوره كاملا: «الله يحفظوا ويشافيه من كل مرض والله يجازيه على الخير كله، الحمد لله. الله يجازيه بيخير» .
ويتذكر الفنان عبد الهادي بلخياط، حينما تعرض لحادث خطير كاد أن تتسبب له في شلل مجموعة من أطرافه، ويقول إن العناية الإلهية وتدخلات الأطباء، كانت وراء نجاته من هذا المصير، مضيفا أن الملك أوصى بالتكفل به.
ويشرح في أحد حواراته أن الوعكة كانت بسبب سقوطه على رأسه مما نتج عنه شلل على مستوى العنق، الأمر الذي أدى إلى إصابة جزء من النخاع الشوكي، وأضاف أن الملك محمد السادس هو من تكلف بعلاجه في المستشفى العسكري، وقد استقبلت استقبالا لائقا، وتلقيت عناية جيدة، ونحن دائما في طاعة الله سبحانه وطاعة ملكنا حفظه الله.
صاحب أغنية المنفرجة، الذي كان من وراء انتشارها بعدما أعاد توزيع موسيقاها، وغير فيها على مستوى اللحن، يقول في هذا الصدد، إن هذه القصيدة، بعد أن بعثت له، و»كانت الأغنية تغنى بشكل مغاير، قمت بالاشتغال عليها، بطلب من الملك الراحل الحسن الثاني»، وشارك بها في مهرجان فاس للموسيقى الروحية وحقق بسببها نجاحا كبيرا، واعتبرها العديدون منعرجا هاما في مسار ه الفني، وهو ما أثر بشكل إيجابي على نسبة مبيعات الأغنية على الأقراص المدمجة.
عبد الهادي بلخياط، رد على الاتهامات الموجهة له بخصوص هذه الأغنية، والتي تتهمه بالسطو عليها، وهي كما هو معلوم، لصاحبها الشاعر الأندلسي ابن النحوي، والتي كان سلطان فن المالوف الليبي حسن عريبي، قد لحنها سنة 1964 ، وسبق أن غناها الفنان السعودي طلال مداح سنة 1969.
في أحد حواراته، يقول بلخياط، «لقد جعلت من المنفرجة قطعة عالمية، وأنا أضفت إليها أكثر من النصف، وما قمت به كان فقط احتسابا لله عز وجل.»
ولم ينف الفنان عبدالهادي بلخياط أن اللحن يعود للفنان الليبي حسن عريبي واعتبر أنه كان على ربع المقام، ولا يمكن أن يسمعه إلا القليل، بينما أضفت في المقدمة، وأعدت التوزيع بمعية شاب من مدينة فاس، وأكد أن القطعة تنتمي للتراث الفني الإنساني على اعتبار أن صاحبها يوسف بن محمد بن يوسف التوزري التلمساني، أبو الفضل، المعروف بابن النحوي المزداد سنة 1041 والمتوفى سنة 1119م، هو ملك لكل قارئ ومتذوق للعربية.
وفي سؤال حول الشريط المدمج الذي يشار فيه إلى أن الأستاذ عبدالهادي بلخياط هو صاحب اللحن، أجاب أن الأمر لايعدو عن كونه خطأ ارتكبته الشركة المنتجة.
ويتذكر الفنان الكبير بلخياط، أنه ذات يوم كان مدعوا عند جلالة الملك الحسن الثاني، رحمه الله، «فطلب مني جلالته أن أعيد غناء « عيد الصحراء «، وكان كلما أكملت الأغنية، يطلب مني إعادتها، وقد غنيتها ذلك اليوم، خمس مرات».
دارت الأيام على هذا الأمر، قبل أن نتفاجأ بالملك الحسن الثاني رحمه، يتذكر بلخياط، يدعو إلى المسيرة الخضراء، وبعد ذلك وفي أحد الأيام، طلب مني أن أغني هذه الأغنية، فقلت لجلالته، علي أن أراجع كلماتها، لأنني نسيتها، فقال لي « غير غنيها « وحينما كنت أغلط في كلمة ما، كان رحمه يوقفني، ويقوم بالتصحيح، لقد كان يحفظ الكلمات أكثر مني، وكان يقول رحمه الله، « نهار سمعت هاد الأغنية منعست، وعبد الهادي مشى ينعس «.