هناك أحداث كثيرة ومواقف متعددة ،وذكريات تراكمت على مر السنين، منها ما تآكل مع مرور الزمن، ومنها ما استوطن في المنطقة الضبابية من الذاكرة، لكن تبقى هناك ذكريات ومواقف وصور ،عصية على الاندثار والمحو ،لأنها بكا بساطة ،كان لها في حينه ،وقع في النفس البشرية، ليمتد هذا الوقع إلى القادم من الأيام من حياة الإنسان.
في هذه الرحلة، ننبش في ذاكرة كوكبة من الفنانين ،حيث منحتهم إبداعاتهم ، تذكرة الدخول إلى قلوب الناس بدون استئذان، وهي إبداعات فنية ، استحقت كل التقدير والاحترام والتنويه داخل المغرب وخارجه، كما استحق أصحابها الاحتفاء بهم ، ويجدوا أنفسهم وجها لوجه مع ملك البلاد.
هنا نستحضر، ونسترجع بعضا من ذكريات هؤلاء الفنانين المبدعين مع ملوك المغرب ، بعدما صنعوا أسماءهم بالجد والاجتهاد والعطاءات الثرية كما وكيفا، واستطاعوا فرضها في ساحة تعج بالنجوم .
سميرة سعيد أو أم كلثوم المغرب آنذاك، كما كان يلقبها عمالقة الفن المغربي، اضطرت إلى التغني بأجمل الأغاني الناجحة لكبار الفنانين الفرنسيين، في حضرة الملك الراحل الحسن الثاني داخل قصره وأمام ضيوفه، ومنهم الرئيس المصري محمد أنور السادات، إلى جانب الفنانة عزيزة جلال والفنانة غيثة بنعبد السلام، في الوقت الذي كان الراحل الحسن الثاني هو من يقود الجوق الملكي، وفعلا كان مايسترو، وفنانا حقيقيا كما قالت الديفا.
سميرة غنت أيضا بالإنجليزية من خلال أغنية «شجرة السلام» في الفاتيكان سنة 1996 في إطارحوار الأديان إلى جانب مغنية إيطالية ذات ديانة مسيحية وأخرى تعتنق اليهودية. والرسالة كما هو مفروض في الفن هو التعايش بين الأديان والعيش في وئام وسلام بين البشرية جمعاء، وحرية الاعتقاد كما قالت الديفا وتقبل الآخر بعيدا عن أي تصنيف ماعدا ماهو إنساني الذي يبقى هو المشترك .
علاقة الديفا بالقصر الملكي كانت مبكرة، وفي هذا أيضا تفردت على باقي الفنانين، إذ يعود الفضل كما تحكي ذلك بلسانها، إلى مؤرخ المملكة المغربية عبد الوهاب بن منصور، الذي كان صديقاً لعائلتها وكان من أوائل الناس الذين سمعوها وأشادوا بصوتها، وهو أول من قدمها للملك الحسن الثاني، بعدما قال له “لا بد أن تسمع هذه الطفلة التي تجيد الغناء لأم كلثوم».
وتستحضر الديفا الفترة المبكرة من حياتها الفنية وتضيف قائلة: “ من وقتها ظللت أزور القصر الملكي، ووقتها تعرفت على الفنانين والمطربين المصريين، لأن معظمهم كانوا يجيئون عند الملك الحسن الثاني رحمه الله، لاهتمامه الكبير بالفن”.
وتتذكر الفنانة سميرة، أنها عندما دخلت القصر الملكي، كانت في الثانية عشرة أو الثالثة عشرة، طفلة صغيرة لا تزال في مرحلة الدراسة، وهناك تعرفت على عبد الحليم حافظ بحكم زياراته المتعددة للملك الحسن الثاني، الذي عرفها عليه في هذه السن الصغيرة.
وأوضحت في أكثر من لقاء أن عبد الحليم حافظ أُعجب بصوتها وأراد أن يقدمها للغناء في مصر على المسرح في إحدى حفلاته في القاهرة، ولكن الملك الحسن الثاني رفض الأمر قائلا إنها لا تزال في مرحلة الدراسة والامتحانات ولكن قد يكون الأمر مستقبلاً.
ولم تخف سميرة سعيد إعجابها وانبهارها بالملك الحسن الثاني، وقالت في أكثر من حوار إعلامي وفي أكثر من برنامج تلفزيوني، إن الملك الحسن الثاني كان شخصية فنية من طراز رفيع، حيث كان متذوقاً للموسيقى ومحباً لها، حيث كان قائدا لفرقة موسيقية أسسها بنفسه، ضمت جميع كبار مطربي الشرق الأوسط مثل النجوم عبد الحليم حافظ ووديع الصافي وفايزة أحمد وغيرهم.
وأضافت أن الملك الحسن كان يتذوق الغناء والفن الحقيقي، ولو سمع مطربا يغني عُربة بصوته يقف عندها ويستمتع بها ويعبر عن هذا الاستمتاع، مؤكدة أنه كان يمتلك أذناً موسيقية ليست لدى كثيرين.
وقالت سميرة إن الملك الحسن لم يكن فقط مستمعاً جيداً، بل كان مايسترو وقائدا للفرقة بالإضافة لكونه كان يعزف على آلة الأكورديون.
وكشفت الديفا أنها عندما كبرت، تقول لم يعد الملك يحب أن يسمعني أغني لأم كلثوم، وأصبح يطلب مني الغناء بالفرنسية، مشيرة إلى أنه أثناء زيارة الرئيس محمد أنور السادات إلى المغرب، واستقبال الملك الحسن الثاني له، غنت المطربة المغربية عزيزة جلال حينها لأم كلثوم واسمهان، في حين طلب مني المرحوم الحسن الثاني الغناء بالفرنسية لمطربين فرنسيين…