تشكل البنيات التحتية عصب الممارسة الرياضية، بالنظر إلى دورها الجوهري في توفير فضاءات ملائمة، يمكنها أن تفرز مواهب قادرة على حمل المشعل وقيادة الرياضة الوطنية إلى محافل التألق.
في هذا الصدد بادرت وزارة الشباب والرياضة وجامعة كرة القدم وأيضا جامعة ألعاب القوى إلى تأهيل مجموعة من الفضاءات الرياضية بغاية الارتقاء بمستوى الممارسة، حيث رصدت ميزانيات كبيرة، أثمرت بعض الملاعب والحلبات، لكن طريقة إنجازها وكلفتها ومدى استجابتها للمعايير المتعارف عليها دوليا طرحت الكثير من الأسئلة، ما دفع إلى تشكيل لجنة برلمانية استطلاعية قامت بزيارات ولقاءات مع المسؤولين والساهرين على هذه المشاريع.
وتعد هذه المهمة الاستطلاعية هي الرابعة للجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، بعد الأولى التي همت ملف كرة القدم وألعاب القوى بتاريخ 7 دجنبر 2006، والثانية حول المنشآت الرياضية وتأهيل كرة القدم بتاريخ 1 أكتوبر 2009، والثالثة حول مركز مولاي رشيد للرياضات ورياضات النخبة سنة 2012.
البرلمان يتحرك لمراقبة المال العام
وحسب ما جاء في ديباجة تقرير هذه اللجنة البرلمانية، فإن من أسباب المهمة الاستطلاعية ما تم تداوله لدى الرأي العام وما تمت مناقشته بلجنة القطاعات الاجتماعية، جراء دراسة موضوع ميزانية وزارة الشباب والرياضة 2017، حيث انصب النقاش حول كيفية إنجاز ملاعـــب كرة القدم وتوزيعها وجودتها والمكلف بإنجازها وبتكلفتها والمبالغ المرصودة لها ومدى صحة الأخبار التي رافقتها آنذاك، والتي كانت تحمل مقارنات وتباينا كبيرا بين ما أنجزته الجامـعة وما أنجزته الوزارة، والذي يصل إلى 6 مليون درهم وكذا إلى الحلبات المطاطية التي أنجزت في إطار عقد البرنامج مع جامعة ألعاب القوى.
ونتيجة لكل هذا، تقدم الفريق الاشتراكي بطلب القيام بهاته المهمة بغاية الوقوف على كل الحقائق المرتبطة بهذا الملف.
ارتجال وتخبط في صفقات زارة الشباب والرياضة
عقد أعضاء المهمة الاستطلاعية أول لقاء لهم بمقر وزارة الشباب والرياضة للوقوف على تفاصيل تكسية 44 ملعبا بالعشب الاصطناعي، حسب الاتفاقية الإطار الموقعة من طرف وزير الداخلية محمد حصاد ووزير الشباب والرياضة محمد أوزين، ووزير التجهيز والنقل واللوجيستيك عزيز الرباح ورئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم فوزي لقجع، والتي تنص مادتها الخامسة كيفية تنفيذ البرنامج، حيث «يقوم الشركاء بتحويل مساهماتهم للحساب البنكي للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم قصد إشراف هذه الأخيرة على إنجاز المشاريع المبرمة، في إطار برنامج تأهيل البنية التحتية الخاصة بكرة القدم برسم الفترة الممتدة من 2014 إلى 2016، مع استثناء المخصصات المالية لمشروع تهيئة 44 ملعب بالعشب الاصطناعي، الذي يوجد في طور الإنجاز من طرف وزارة الشباب والرياضة».
وأكدت الوزارة أنها انخرطت في برنامج تعشيب 44 ملعبا من أجل توفير ملاعب لائقة لممارسة كرة القدم والرفع من مستوى المنافسة، معتبرة أن المعيار الأساسي في اختيار الملاعب المستفيدة، بناء على اقتراح الجامعة وبحسب الأولوية، حيث انقسم نوع العشب إلى قسمين، الأول بسمك 40 ملم زائد طبقة مطاطية 20 ملم والثاني بسمك 60 ملم، وكلا الصنفين يستجيبان لمعايير الفيفا.
وبالنسبة لكلفة الملاعب فقد حددت في 6,4 مليون درهم بالنسبة لملاعب 60 ملم و7,5 مليون درهم بالنسبة لملاعب 40 مـــلم و20 ملم كطبقة مطاطية.
وسجلت اللجنة البرلمانية أن ملعبين لم يتم إنجازهما، ويتعلق الأمر بملعب التحرير بمدينة طنجة، حيث تم تعشيبه طبيعيا خارج إطار هذا البرنامج، وملعب سيدي إفني، الذي وصلت فيه الأشغال مراحل متقدمة، لكن الفيضانات التي عرفها الإقليم آنذاك أتلفتها وجعلته غير صالح.
وسجل النواب، بناء على وثيقة سلمت إليهم في الاجتماع الأول مع الوزير، أنه تم تقسيم هذا المشروع إلى ست حصص بناء على التموقع الجغرافي، كما تبين لهم أن الملاعب التابعة للمجالس البلدية، لم تعقد الوزارة بشأنها أية اتفاقية فيما يتعلق بالوعاء العقاري. حيث اقترحت الجامعة تعشيب 25 ملعبا، فيما اختارت الوزارة 19 ملعبا آخر، بناء على تعليمات الوزير حسب الوثيقة التي وضعت بين يدي النواب، الذين سجلوا تضاربا في الجدول المتضمن للملاعب التي تم اعتمادها من طرف الوزارة بناء على اختيار الجامعة، حيث لم يدرج ملعب سيدي بنور في وثيقة الجامعة المسلمة إلى الوزارة، و”يبدو أن اختياره تم من طرف الوزارة وليس الجامعة”، وأيضا ملعب هوارة، الذي سمي في وثيقة الجامعة بملعب 16 نونبر، بينما جاء في وثيقة الوزارة باسم ملعب الحسن الثاني، ما خلف ارتباكا لدى النواب، الذين تساءلوا هل الأمر مجرد تباين في الأسماء أم هما ملعبان؟. ثم ملعب بوزنيقة، الذي تؤكد وثيقة الوزارة أنه في ملكية المجلس البلدي، بينما تبين للنواب، بناء على ما توفر لديهم من معطيات، أنه في ملكية الوزارة، اللهم إذا كان الحديث عن ملعب لم ينجز بعد.
وفي جرد للكلفة المالية لكل ملعب على حدة، سجل النواب أن عشـــب الملعب البلدي بالفقيه بن صالح، ذي 60 ملم، كلف أزيد من 460 مليون درهم، وهو رقم يقل بحوالي 360 مليون درهم عن عشب الملعب البلدي بسيدي بنور (20 ملم من الطبقة المطاطية و 40 ملم من العشب)، الذي كلف حوالي 830 مليون درهم.
ووقفت اللجنة الاستطلاعية على وجود فرق شاسع بين المبالغ المرصودة للملاعب المعشوشبة من صنف (40 ملم + 20 ملم طبقة مطاطية) وعشب (60 ملم دون طبقة مطاطية) بلغت في بعضها 3,6 مليون درهم، إلا أن ما يثير الاستغراب هو الارتفاع الكبير لكلفة الملعب البلدي للصويرة، الذي اختير له صنف 60 ملم، حيث بلغت ميزانيته حسب الوثيقة المقدمة إلى النواب أزيد من 900 مليون درهم، وهو رقم يفوق بكثير كلفة عشب ملعب الحسن الثاني بهوارة الذي اختير له (عشب 40 ملم + طبقة مطاطية 20 ملم) الذي بلغت كلفته 7.555.590,48 درهم، أي بفارق يقارب 1,6 مليون درهم وأكثر من 4 مليون درهم و 40 مليون سنتيم إذا ما قورن مع ملعب الفقيه بن صالح.
ملاعب الوزارة
من دون دراسة
أوضحت وزارة الشباب والرياضة في معرض جوابها أنها لم تجر أي دراسة قبلية أو جيوتقنية، نظرا لعدم أهميتها ولعدم وجود أي مكتب دراسات متخصص في هذا الأمر بالمغرب، الأمر الذي أثار استغراب أعضاء اللجنة، الذين تأسفوا لضياع مبالغ هامة، كان بالإمكان تداركها بدراسة قبلية لا تكلف الكثير.
وأشار مهندس الوزارة في اجتماعه بأعضاء اللجنة إلى أن العشب الاصطناعي لا يتطلب السقي إطلاقا، وهو ما استغربه النواب بشكل كبير.
لقد عقد أعضــــاء المهمة الاستطلاعية لقاء ثانيا بتاريخ 19 يوليوز 2018 بمقر الوزارة، أكدوا فيه أن الوثائق التي سلمت لهم كانت دون المستوى المطلوب وغير موقعة من طرف مصالح الوزارة، الأمر الذي يطرح عددا من التساؤلات حول توزيع الملاعب المستفيدة من التعشيب والتي لم تحترم المعايير المنصوص عليها، حيث بررت مصالح الوزارة عدم الاستناد على المعايير لتعشيب 19 ملعبا مرده إلى التعليمات الصادرة عن الوزير، وأيضا إلى وجود مشاكل بخصوص الوعاء العقاري، بحيث لم تكن هناك دراسة قبلية لهذا الوعاء، ليتساءل النواب عن مدى إنجاز دراسات طبوغرافية جيوتقنية حول أرضيات الملاعب لمعرفة نوعية التربة، وخصوصياتها، وهو ما كانت نتائجه سلبية في بعض الأحيان، على غرار ما وقع في ملعب سيدي إفني، الذي جرفته الفيضانات. إذ لو كانت هناك دراسة قبلية لكان بالإمكان إيجاد ملعب آخر، وبالتالي عدم إهدار الكثير من الأموال، التي جرفتها السيول.
وسجل أعضاء اللجنة أيضا تقصيرا وعدم احترام آجال التسليم النهائي لبعض الصفقات، ومسؤولية الوزارة عن التأخر في الخدمة ببعض الملاعب، لأن مدة الأشغال كانت محددة سلفا في ثمانية أشهر، لكنها تجاوزت في بعض الأحيان سنتين.
واستغرب النواب توقف الأشغال ببعض الملاعب المستفيدة من العشب الاصطناعي، وهو ما بررته الوزارة بالتساقطات المطرية، رغم أن العديد منها يقع في مدن ذات مناخ صحراوي كمدن طانطان وورزازات وسيدي إفني وتزنيت وبوجدور وكلميم، رغم تباعدها.
الوزارة مستعدة للتعاون
أبدت وزارة الشباب والرياضة استعدادها للتعاون مع اللجنة في ملف تعشيب ملاعب كرة القدم وكشف الحقيقة حول طريقة الإنجاز، حيث أكدت على أن التعليمات الشفوية لبعض الوزراء السابقين في تحديد ملاعب كرة القدم المستفيدة من العشب الاصطناعي، وإلى أن هناك أمورا تتجاوز المساطر الإدارية، مثل ما وقع في أحداث مدينتي جرادة وتنغير اللتان كانتا تعيشان الاحتقان الاجتماعي.
وأضافت الوزارة في تعليلاتها أن ما جاء في مداخلات أعضاء المهمة الاستطلاعية سبق تناوله في مداخلات عدة تحت قبة البرلمان، ومن الصعب الإجابة على كل الأسئلة، وأن كل الملفات توجد الآن بين يدي قضاة المجلس الأعلى للحسابات.
وجاء أيضا في معرض أجوبة الوزارة أن مصالحها لا يمكنها أن تلتزم بتمكين اللجنة من وثائق أخرى، ولا تعتقد أن هناك وثائق أخرى بأرشيف مصالح الوزارة والتي تخص من أشرف على ورش تعشيب ملاعب كرة القدم، حيث عبر الوزير شخصيا عن امتعاضه من العشوائية التي تمت بها مباشرة وتدبير أغلب الملفات بالوزارة، موردا مثالا بأن الوزارة لحد الآن لا تتوفر على قاعة مغطاة تحترم معايير لإجراء مقابلة لكرة السلة تخص المنتخب الوطني.
جامعة كرة القدم
«تورط» الوزارة
اجتمع أعضاء المهمة الاستطلاعية بمقر المركز الوطني لكرة القدم بالمعمورة، بفوزي لقجع، رئيس جامعة كرة القدم، وبعض موظفي الجامعة، بمعية مديرة التجهيزات العامة بوزارة التجهيز والنقل واللوجيستيك والماء، تمت فيه مناقشة السياق العام الذي أتت فيه اتفاقية إنجاز الملاعب المعشوشبة، بناء على الاتفاقية الإطار 2014 – 2016، وكذا الملحق الذي تم توقيعه في غشت 2017 والذي بموجبه تم تمديد إنجاز البرنامج إلى سنة 2021، حيث تم اختيار الملاعب بناء على معايير محددة، بغاية تكسية 113 ملعبا لكرة القدم بالعشب الاصطناعي، مع تعشيب 11 ملعبا بالعشب الطبيعي، وتجهيز 22 ملعبا بالإنارة، وتأهيل 13 ملعبا وتجهيزها بمعدات السلامة وضمان الأمن، فضلا عن تأهيل المركز الوطني لكرة القدم بالمعمورة وتوسيعه وإحداث 5 مراكز جهوية للتكوين، مع إنجاز أو تمويل بعض مراكز التكوين الخاصة بالأندية.
وسجلت اللجنة بعد عرض مفصل لرئيس الجامعة أن المجهودات التي بذلها في هذا الجانب غير كافة لتحقيق الرهانات المرجوة، حيث مازلنا «بعيدين كل البعد عن المعايير الدولية المعمول بها». ففي مدينة الرباط مثلا نجد أحياء بها ما يزيد عن 200 ألف نسمة و30 ألف من الفئة العمرية، التي في سن ممارسة كرة القدم، لا تتوفر على ملعب رياضي واحد، بل أن حتى الأحياء المشيدة حديثا تفتقر للفضاءات الرياضية.
وأكد لقجع على ضرورة توحيد الرؤية بين الوزارة والجماعات الترابية وجامعة كرة القدم من أجل إنجاز البنيات التحتية لكرة القدم في إطار اتفاقية محددة لكي ترقى هذه البنيات للمعايير الدولية، فحاجيات المغرب اليوم هي 500 مركب رياضي، إذا ما أردنا ضمان ظروف ممارسة لائقة لكل المباريات التي تجري كل نهاية أسبوع.
ودعا رئيس الجامعة إلى إحالة أي اختلال مالي ثبت على القضاء، مبديا استعداد جامعته للتكفل بمصاريف تدقيق الحسابات في حال تبين مجرد شك في إحدى الصفقات. وأكدت الجامعة أن اختيار تزويد الملاعب بالعشب الاصطناعي هو عمل يدخل في إطار تطوير ممارسة كرة القدم، تبعا لاختصاصات الجامعة، كما حددتها قوانين وأنظمة الفيفا.
وأجرت اللجنة في تقريرها مقارنة بين مجهودات الجامعة والوزارة، أوضحت فيه أن الأخيرة تتحرك ببطء، ما جعلها تطالب باستمرار الجامعة في تدبير المرافق الرياضية لأن هناك حكامة ونجاعة في المجال.
وأكد رئيس الجامعة أن تعشيب أي ملعب لا يمكن أن يكون دون دراسة، معتبرا أنها ضرورية وجوهرية، مضيفا أن دفتر التحملات المعتمد من طرف الجامعة مشروط من طرف الفيفا، ملمحا إلى أن التأكيد على أن الملاعب التي تشتغل عليها الجامعة تسير وفق معايير الفيفا، ويستحيل أن يتم إنجاز ملعب من هذا المستوى بأقل من الثمن المعلن عليه في البطاقة التقنية لكل ملعب.
وفيما يخص السقي، أكد أنه يتم بواسطة الآبار أو الصهاريج وهو ضروري لهاته الملاعب، مشددا على أهمية التتبع والصيانة لضمان ديمومة الاستفادة من الملاعب لمدة أطول مع الإشارة إلا أن الصفقات التي عقدتها الجامعة، تضمنت تنصيصا واضحا على ضرورة قيام الشركات الحائزة لهذه الصفقات، بالصيانة لمدة سنتين بعد التسليم المؤقت للملاعب دون أن تؤدي الجامعة مبالغ إضافية مقابل ذلك.
ومن جانبها أكدت مديرة التجهيزات العامة بوزارة التجهيز أن العشب الاصطناعي عرف منذ أكثر من عقد عدة مشاكل، مشددة على أن وزارة التجهيز في هذا المجال تعتبر المتدخل التقني فقط ولا علاقة لها بالأمور الأخرى، حيث ألمحت إلى أن التعشيب الاصطناعي للملاعب هو عمل يتوجب تقنيا دراسته، لأنه يعتمد على شروط وأمور ومعايير واضحة. معتبرة أنه لا يمكن القيام بأي صفقة دون دراسة قبلية طبوغرافية وجيوتقنية، وتتبع ومراقبة.
وتقدرالكلفة المالية الإجمالية لهذا البرنامج، خلال الفترة الممتدة بين 2014 و2016، بـ 1,5 مليار درهم، تتضمن مبلغ 786,26 مليون درهم لتجهيز 90 ملعبا لكرة القدم بالعشب الاصطناعي.
أما بالنسبة لملحق تعديل الاتفاقية الإطار، فيشمل الفترة الممتدة من 2017 إلى 2021، وتم توقيعه من طرف نور الدين بوطيب الوزير المنتدب لدى وزير الداخلية ومحمد بوسعيد وزير الاقتصاد والمالية وراشيد الطالبي العلمي وزير الشباب والرياضة وعبد القادر عمارة وزير التجهيز والنقل واللوجيستيك والماء وفوزي لقجع رئيس جامعة كرة القدم، حيث ينص على مواصلة إنجاز برنامج البنية التحتية على المستوى الوطني، خاصة تجهيز الملاعب بالعشب الاصطناعي، بالإضافة إلى ما تم الاتفاق عليه في الاتفاقية الإطار. مع تخصيص تكلفة إضافية للبرنامج والالتزامات المالية للأطراف المساهمة كما نصت عليه المادة 3 من هذا الملحق والتي تقدر بمليارين وخمس مائة مليون درهم، على أن تصرف المساهمات المالية للأطراف في حساب بنكي مفتوح باسم جامعة كرة القدم. وتسند الجامعة مهمة الإشراف المنتدب على البرنامج إلى وزارة التجهيز والنقل واللوجيستيك والماء. وهذا الإشراف يسري على جميع العمليات والتدابير الضرورية من أجل إنجاز الدراسات وعقد الصفقات وتتبع الأشغال.
وبناء على الوثائق التي تسلمها أعضاء اللجنة الاستطلاعية، فقد حددت الجامعة نوعا واحدا من تقنيات التعشيب الاصطناعي، بخلاف وزارة الشباب والرياضة، حيث أن جميع الملاعب أنجزت بعشب بسمك 40 ملم مع طبقة مرنة بسمك 25 ملم ومليئة بالرمل السلس المستورد وبحبيبات «EPDM»، ذي النوع الجيد التي تنعدم فيها الروائح، وذلك بخلاف «SBR» أي المطاط الأسود الذي تنبعث منه رائحة المطاط ويتأثر بسـرعة بارتفاع درجات الحرارة، وتتضمن كل هذه المعطيات التقنية في دفاتر التحملات.
وتبين للجنة البرلمانية أن الجامعة قامت بالدراسات الأولية الطبوغرافية والجيوتقنية، عبر الاستعانة بمهندس مساح ومختبر، عكس ما كان العمل عليه بوزارة الشباب والرياضة، والتي أكدت ذلك بشكل واضح وقاطع، علما بأن هذه الدراسات تكلف مبالغ زهيدة، مقارنة مع مجموع المبلغ المرصود للملعب، حيث إذا كان متوسط إنجاز ملعب يقدر بـ 8 مليون درهم، فإن مبلغ الدراستين لا يتجاوز 40 ألف درهم أي بنسبة 0,5% من تكلفة المشروع.
وحسب الوثيقة المسلمة من طرف الجامعة ومديرية التجهيزات العامة، فإن صفقات إنجاز ملاعب العشب تمت باللجوء للمساطر التنافسية في معظم الحالات، واستثنائيا للمسطرة التفاوضية بالاستناد على أخفض الأثمان التفصيلية التي تم التعاقد بشأنها مع الشركات المعنية في إطار طلبات العروض المفتوحة، وهو ما تم العمل به بالنسبة للملعب البلدي فم الواد بإقليم العيون والملعب البلدي ببنسليمان وملعب سانية الرمل بتطوان، حيث أبرمت هذه الصفقات بالاتفاق المباشر واختيار المقاول المتفاوض معه الموجود في المنطقة لإنجاز صفقة مماثلة أبرمت عن طلب عروض مفتوح.
ويستنتج من كل ذلك أن الحسابات المالية التي قدمتها الجامعة، مكنت من توفير مبلغ مهم بعد إنجاز الملاعب، في حين لم يتمكن أعضاء المهمة من الحصول على الوثائق المحاسبية التي تبين هل قامت وزارة الشباب والرياضة بنفس الشيء فيما يخص الملاعب 44 التي تكلفت بإنجازها أم أنها تجاوزت مبالغ الأشغال.
وقرنت اللجنة بين كلفة الملاعب التي أنجزتها الوزارة من صنف 40 ملم كعشب و20 ملم كطبقة مطاطية، وبين الملاعب التي أنجزتها الجامعة في كل ملاعبها من صنف 40 ملم كعشب و25 ملم كطبقة مطاطية، حيث تبين لها أن متوسط كلفة إنجاز ملاعب الوزارة هو 8.050.247,12 درهم، فيما بلغ متوسط كلفة الملاعب التي أشرفت عليها الجامعة 8.059.157,66 درهم، وهي كلفة شبه متطابقة، دون الحديث عن الجودة، حيث رصدت وجود فرق كبير.
فمثلا على مستوى تعبئة العشب، نصت دفاتر تحملات الوزارة على إمكانية اختيار الشركة الحائزة للصفقة على العشب بحبيبات المطاط «SBR»، الذي تنبعث منه رائحة كريهة ويهدد سلامة اللاعبين أو وضع حبيبات من صنف «EPDM» الممتاز الذي لا تنبعث منه أي رائحة ويعتبر إيكولوجيا، رغم أن الفرق بين المنتوجين يصل إلى 90 درهم للمتر المربع. بحيث أنه إذا كانت مساحة الملعب 7500 متر مربع كمعدل، فإن الفرق في التكلفة قد يصل إلى 675.000 درهم، هذا دون ذكر الفرق في أثمنة نوعية العشب وطبقة المرونة ومعدات السقي ونوعية السياج. ليخلص التقرير إلى أن كلفة الملاعب التي أنجزتها الجامعة أقل بأكثر من مليون درهم لكل ملعب عن تلك التي أنجزتها وزارة الشباب والرياضة.
غياب وثائق الصفقات لدى جامعة ألعاب القوى
اعتمدت اللجنة الاستطلاعية على نفس المنهجية ونفس التصور الذي نهجته بشأن الملاعب، على حلبات ألعاب القوى التابعة للجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى، بغاية ملامسة وضعيات الحلبات الرياضة، المحدثة خلال الاتفاقية الإطار التي أبرمتها الحكومة مع الجامعة، والتي أنجزتها مديرية التجهيزات العامة بوزارة التجهيز.
وعقد أعضاء المهمة لقاء بمقر الجامعة بتاريخ 17 يناير 2019، حضره عبد السلام أحيزون، رئيس الجامعة وأعضاء المكتب التنفيذي والتقني، وتم خلاله الاستماع إلى عرض من طرف رئيس الجامعة.
ووضعت جامعة ألعاب القوى وثيقة واحدة بين يدي أعضاء اللجنة، تتضمن العرض الذي قدمه رئيس الجامعة ووثيقة أخرى من طرف مديرية التجهيزات العامة بوزارة التجهيز، دون أن تكلف الجامعة نفسها عناء الاتصال بوزارة التجهيز لإمداد أعضاء المهمة بالوثائق المطلوبة.
وأشار رئيــس الجامعة إلى أن إنجاز برنامج تشييد الحلبات تم في ظرف زمنـــي قياسي، بالرغم من الإكراهات التي أعاقته كصعوبة توفير الأوعية العقارية وتأمين وسائل التمويل الضرورية، مشيرا إلى قيام الجامعة لمشروع برنامج تكميلي ثان ابتغاء لسد الخصاص الملاحظ بالنسبة للحلبات، آملا أن يصبح المشروع موضوع برنامج تعاقدي مع الحكومة. وبعد أن أشاد النواب في تقريرهم بالعمل المنجز من طرف الجامعة على مستوى تشييد الحلبات المطاطية والمراكز الجهوية، والذي احترم البرنامج المسطر وتواريخ تنفيذه رغم الإكراهات التي تتمثل في العمليات المحيطة بإبرام الاتفاقية، وإنجاز الدراسات المرتبطة بالمشروع، إضافة إلى صعوبات عديدة تطلبت جهودا كبيرة، طالبوا بالاتفاقية التي أبرمتها الوزارة مع الجامعة للوقوف على بنودها ومعرفة التزامات كل طرف على حدة، إضافة الى معرفة التزام القطاعات الحكومية الموقعة على الاتفاقية المذكورة لمعرفة الاعتمادات المالية المرصودة، ونوعية الصفقات والشركات التي فازت بالصفقة، وكيفية العناية بالمساحات الخضراء، والمباني، والمرافق المتعلقة بالحلبات المطاطية، وكدا تدبير الحراسة.
وتساءل تقرير المهمة الاستطلاعية حول وجود اتفاقيات أخرى لتشييد المراكز الجهوية والوطنية وحلبات ألعاب القوى، أم أن الأمر اقتصر فقط على اتفاقية وحيدة أبرمت سنة 2007، كما تمت المطالبة بتمكين أعضاء المهمة الاستطلاعية المؤقتة من نسخ اتفاقيات أخرى في حالة إبرامها، مع التساؤل حول معايير اختيار الحلبات المطاطية والمراكز الجهوية والوطنية التي برمجتهم الجامعة حسب المجال الجغرافي، وكذا مدة إنجازها والطرف الذي عهد له بتشييدها سواء كان الأمر يتعلق بالجامعة أو الوزارة الوصية أو جهة أخرى، ومدى احترام المعايير والمواصفات التي وضعها الاتحاد الدولي لألعاب القوى، خصوصا أنه سبق الإشارة إلى أنه لا يمكن تنظيم بطولات دولية في حلبات بست ممرات التي أنجزتها الجامعة، وبذلك لا يمكن محاسبة الأبطال على النتائج المحصلة، إذا لم توفر لهم حلبات بمواصفات دولية وذات جودة عالية.
وتساءلت اللجنة عن مدى مواكبة التشييد وإصلاحات الحلبات المطاطية خصوصا أن الدولة ساهمت بمبالغ كبيرة. واعتبر التقرير أن إنجاز 19 حلبة مطاطية غير كاف، إذ يجب توسيع الشبكة في إطار برنامج جديد يترافع الجميع عليه كل من موقعه (حكومة، وبرلمانيين)، مع الأخذ بعين الاعتبار المغرب العميق، كما تم اعتبار 4 مراكز تكوين غير كافية إذ يجب أن يكون بكل جهة بالمملكة مركز للتكوين، قبل ان يتأسف لتراجع ألعاب القوى، التي كانت تحتل مراتب عليا على الصعيد العالمي، رغم إحداث حلبات مطاطية جديدة وتوفير تجهيزات متطورة، والإشارة إلى أن النتائج المحصل عليها من طرف الابطال المغاربة في البطولات العالمية لألعاب القوى كانت نتيجة مجهوداتهم الذاتية وعصاميتهم.
وسجل التقرير أيضا عدم نجاح استراتيجية بلوغ خمسة ملايين ممارس لرياضة ألعاب القوى في أفق سنة 2020، كما صرح بذلك وزير الشباب والرياضة في لقاء تواصلي بجهة فاس مكناس، والذي كشف فشل رفع عدد الممارسين إلى الرقم المذكور، وقد تبين من خلال الأرقام التي أعلنت عنها الوزارة بأن تحقيق هذا الهدف لم يتجاوز (1%)، لأن العدد لم يتجاوز عتبة مئتين وثلاثة وستين ألف، رغم المجهودات التي بذلت على مستوى البنية التحتية.
وفي معرض جوابه، قال أحيزون إن الجامعة لم تصرف الاعتمادات المالية المتعلقة ببناء المراكز الجهوية والوطنية وتشييد الحلبات المطاطية، قبل أن يشير إلى إحدى أطر وزارة التجهيز لتقديم التوضيحات الإضافية، لأن بناء المراكز الجهوية والوطنية والحلبات المطاطية يعد برنامجا حكوميا.
وأشار إلى ان الجامعة برمجت 8 ممرات في الحلبات المطاطية، لكنها اقتصرت على تشييد 6 منها، مع قابلية الإضافة حسب الحاجة.
وقال أحيزون إن الجامعة تراهن على توسيع رقعة ممارسة رياضة ألعاب القوى، حيت كان الأمر في السابق يقتصر على 4 آلاف مجاز فقط، ويتم التركيز والاهتمام بعدد محدود من الأبطال، في حين أن استراتيجية ألعاب القوى يجب أن تهتم بفئات عريضة من الممارسين، بحيث انتقل عدد المجازين منهم إلى 54 ألف، وأصبح عدد الأندية الرياضية اليوم 284 ناديا.
وسجل التقرير عدم توصل الأعضاء بأي وثيقة من الاتفاقيات التي تم توقيعها في هذا الشأن، حيث أكد رئيس الجامعة أنه بمجرد انتهاء الحلبات من طرف مديرية التجهيزات العمومية ووضعها رهن إشارة الجامعة، قامت هذه الأخيرة بإبرام عقود مع شركات متخصصة طبقا لمساطر طلبات العروض لتأمين استعمال الحلبات.
وكانت الوثيقة الوحيدة التي تسلمتها اللجنة، تؤكد أن ما تم إنجازه يحترم دفاتر التحملات وشروط الاتحاد الدولي لألعاب القوى وقد تتبع الإنجاز مختبر خاص بفرنسا، مكلف بمراقبة جودة المواد ومكتب دراسات للتتبع والمراقبة ومكتب للمراقبة التقنية.