فوزية عدنان : الخط العربي فن يسير بخطى ثابتة لترسيخ الثقافة العربية الإسلامية في بعدها الفكري والفني

 

نظمت «جمعية الكامليون للفنون» بفاس، بدعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل- قطاع الثقافة، المهرجان التاسع لفن الخط العربي والزخرفة، واحتضن رواق القاسمي بمديرية الثقافة بفاس فعاليات حفل افتتاح المعرض، يومي 29و30 يونيو 2024، تحت شعار «سفير» بحضور الدكتور أحمد حمدان الزيودي المستشار بالديوان الأميري من الإمارات العربية المتحدة، ذة نورية رياضي المغرب وأعضاء «جمعية كامليون» المنظمة للتظاهرة، أعضاء جائزة البدر والدكتورة فوزية عدنان أكاديمية مهتمة بالخط العربي والخطاط المغربي، زكرياء عبد الرحمان مزيان، وعدد من الخطاطين والخطاطات المغاربة والعرب ونخبة من المثقفين والإعلاميين المساهمين في المعرض عربا وأجانب..
ووفق ما صرحت به الخبيرة والأكاديمية المغربية فوزية عدنان فقد تم التنسيق مع ضيوف الإمارات في إطار انفتاح المهرجان كل سنة على تجارب دولية متنوعة، وقد رحبت جائزة «البدر» بالدعوة التي تلقتها من الجمعية، وأبدت رغبتها في الانفتاح على التجربة المغربية في مختلف الفنون وبخاصة فن الخط العربي. وتميزت هذه الدورة بتكريم الدكتور أحمد حمدان الزيودي مدير مكتب ولي عهد الفجيرة (الجهة الراعية لجائزة البدر) بالإمارات العربية المتحدة، كما حظيت بتكريم إحدى رائدات الخط المغربي، الخطاطة المغربية الأصيلة نورية رياضي. وتوزعت فعاليات المهرجان بين ورشات تفاعلية ومداخلات نظرية ما بين رواق القاسمي ومركز نجوم المدينة بالبطحاء. وتضمن المعرض لوحات فنية وخطية وزخرفية وعرض خاص للأعمال الفائزة بجائزة «البدر» بالمشرق.
في تصريح خاص للاتحاد الاشتراكي، أكدت الدكتورة فوزية عدنان ضرورة إعادة النظر في آلية تنظيم المهرجان الدولي في فن الخط والزخرفة في نسخته التاسعة المنظمة بفاس. وأضافت الخبيرة والأكاديمية في مجال فن الخط العربي، أن الإعلان عن المشاركة في المهرجان ابتداء من الدورة العاشرة، لابد أن يكون بوقت كاف حتى يتسنى فتح باب المشاركة للجميع من داخل الوطن وخارجه. مؤكدة في السياق نفسه على أهمية إشراك السلطة الرابعة بجلال أجناسها السمعية البصرية ونجاعتها في الترويج للمهرجان إعلاميا، تعميما للفائدة خدمة للثقافة والفن. وانفتاحا على جمهور عريض مغربي وعربي. حتى يظل الخط العربي خير سفير يجمع المغرب بثقافات العالم.
وعلى صعيد آخر، اعتبرت فوزية عدنان التجربة المغربية في فن الخط العربي والزخرفة من التجارب الرائدة، وهي تسير بخطى ثابتة لترسيخ الثقافة العربية الإسلامية في بعدها الفكري والفني والتاريخي. مشيرة إلى أن تعزيز سبل الشراكة بين الجانبين المغربي والاماراتي وتعزيزها التعاون الثقافي والفني بين المملكة المغربية ومنطقة الخليج العربي من الأهداف الأساسية وقيمة مضافة للدورة التي جمعت في معرضها الفني بين إبداعات الرواد وإبداعات الشباب على المستوى الوطني في أفق خلق جسر تواصل بينهم خدمة لفن الخط وارتقاء بمستواه الفني الكلاسيكي والحديث.
وعن مشاركتها كخبيرة في الخط المغربي قالت إن حضورها في مهرجان فاس الدولي لفن الخط والزخرفة كمحاضرة في الموسم السابق، قبل انضمامها إلى الجمعية كعضو فاعل، وعدد مهامها داخل الجمعية بتقييم أعمال المشاركين ضمن لجنة تحكيمية. والتنسيق بين مهام أعضاء الجمعية من جهة، والإشراف على تنظيم وتسيير فعاليات المهرجان من جهة ثانية. فضلا عن العمل على تطوير التجربة من خلال نقلها خارج مدينة فاس. وتبقى أقوى لحظة في الدورة، وفق الخبيرة المغربية، هي تلك التي جمعت جمهورا وضيوفا وفاعلين حول مائدة الفن حتى وقت متأخر من الليل، وهي شهادة تؤكد على نجاح المهرجان، بالإضافة إلى شهادات الضيوف بغنى الموروث الفكري والفني المغربي، وإسهامه في إغناء الثقافة العربية. مؤكدة الحضور المغربي الوازن في الدورة التاسعة من مهرجان فاس التاسعة، من خلال مشاركة واسعة جمعت عددا من الرواد، إلى جانب تجارب شابة، من مختلف ربوع بلدنا الحبيب وهي تسير بخطى ثابتة لترسيخ الثقافة العربية الإسلامية في بعدها الفكري والفني والتاريخي.
وخلصت المتحدثة إلى أن كل الجهود تظل قاصرة عن بلوغ الهدف المنشود في غياب دعم حقيقي من طرف الجهات المختصة، وتشجيع المبادرات التي تعنى بخلق وعي جماهيري بين مختلف فئات المجتمع، حفاظا على الهوية المغربية والتعريف بخصوصياتها في المحافل الوطنية الدولية. وشددت على أن أهم قيمة مضافة للدورة، مشاركة المرأة المغربية وحضورها كفنانة مبدعة تستحق التكريم والتقدير على ما تبذله من جهد خدمة لوطنها وثقافتها. وهويتها.
وبعد أن ثمنت النهضة الخطية التي تشهده بلادنا في ظل الاهتمام المولوي السامي بهذا الموروث الحضاري، وتفتح الباب أمام المبدعين، والباحثين والمهتمين للارتقاء به وترسيخ قيمه الفنية والحضارية. لفتت الانتباه إلا أن هذه التجربة النهضوية تحتاج إلى تكاثف الجهود بشكل أكبر لتعميمها وإرساء دعائمها داخل منظومتنا التعليمية. لتتشبع بها الأجيال الصاعدة، في إطار المشروع التنموي الذي تنهجه بلادنا في مختلف المجالات الفنية والثقافية والمعرفية والعلمية والاقتصادية. مما يدعو إلى ضرورة الانفتاح على المؤسسات التعليمية، بإشراف من المسؤولين عن القطاع، لأننا نفتقر في مؤسساتنا إلى التأطير والتكوين الفني لتلاميذنا في مختلف المراحل العمرية.
وبخصوص ما نراه اليوم من أنشطة موازية هنا وهناك، في مدارسنا الخاصة والعمومية أوضحت المتحدثة أن ذلك لا يعدو كونه تجارب خاصة، واجتهادات شخصية تظل محدودة النتائج والمخرجات. وخصت بالحديث هنا الاهتمام بما يتعلق بجمالية الفنون البصرية ومنها الخط العربي والزخرفة وفن الحروفية، والفن التشكيلي، وفنون السينما وغيرها. لأنها فنون ترقى بالحس الوجداني للمتعلم، وتجعله ينفتح فكريا على أبعادها الثقافية والتاريخية والحضارية. وغيابها عن الحقل التعليمي، يعني فقدان ركن أساس من أركان الهوية المغربية. يقابله انخراط كلي في استهلاك الثقافة الغربية داخل المدارس، بتزكية من وسائل الإعلام، وعلى صفحات الفضاء الافتراضي. كنوع من الغزو الفكري، الذي أراه أخطر أنواع الغزو وأكثرها فتكا. لأنه يستهدف قتل الفكر والشعور بالانتماء، وهو خطر يتهدد أمة بأكملها.
وعلى صعيد السياسة التعليمية في مجال الخط والزخرفة استطردت الخبيرة المغربية قد يبدو الحديث ذا بعد فلسفي، لكننا صدقا نحتاج إلى إعادة التفكير وإعادة النظر في سياستنا التعليمية لنصنع جيلا متشبعا بوطنيته، متشبعا بثقافته، مؤمنا بمهاراته وقدراته، لمسايرة ركب التطور والتجديد الذي لا ينبع إلا من الداخل. فقد شهد التاريخ أن الأمم أبدا لا تنهض بثقافة غيرها. ولن يتأتى هذا كله إلا في ظل دعم حقيقي تحفيزي دافع، يؤمن أصحابه بأن بناء الإنسان أساس بناء العمران. وأن تاريخ أمة يبنى بسواعد أبنائها، وأن وجودها رهين بالذود عن هويتها ، والسعي إلى التعريف بامتداداتها الثقافية والمعرفية ونشرها خارج حدود جغرافية المكان والزمان.
وختمت حديثها متسائلة «هل ستظل الأنشطة الجمعوية من مهرجانات وملتقيات وطنية ودولية، مجرد التماعات وإشراقات تشع في سمائنا وتأفل ولا يذكر لها، بعدئذ، أثر، ومن ذا الذي سيعول عليه في حمل المشعل؟ واستطردت منبهة إلى جمالية فن الخط العربي، وأهميته. باعتباره من الفنون الجميلة التي تأخذ بالعقول والأبصار. فقد منحت طواعية الحرف العربي وانسيابيته وتعدد أشكاله، للخطاط المغربي مساحة واسعة لإبداع تركيبات خطية، في لوحات تنوعت بين الأسلوب الكلاسيكي والحروفي الحديث. وتناولت أشهر الخطوط المغربية كالكوفي، والثلث المغربي، والمبسوط والمجوهر. بلغت غايتها في الدقة والإتقان. وقد أصبح الاهتمام بفن الخط والزخرفة متزايدا ببلادنا في العقدين الأخيرين، خاصة بعد الإشراف الملكي على تأسيس أكاديمية الفنون التقليدية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، سنة 2012، وإدراج شعبة فن الخط ضمن موادها الدراسية، وتدشين مدرسة الصهريج بفاس سنة 2017 التي تحتضن سلك التكوين في فنون الخط. ليتعزز المشهد الخطي بين سنة 2007و2017 بإحداث ثلاث جوائز ملكية، جائزة محمد السادس لفن الخط المغربي، وجائزة محمد السادس للزخرفة وجائزة محمد السادس لفن الحروفية. مما خلق إقبالا وتنافسا كبيرا، من قبل الأفراد، والمؤسسات، فأحدثت مراكز وجمعيات أولت عنايتها بهذا الفن تنظيرا وتطبيقا، من خلال إقامة مهرجانات وملتقيات كان لها إشعاع كبير امتد إلى خارج حدود المغرب.
وفي موضوع ذي صلة، يعتبر كتاب “صنعة الخط العربي نظرات في جماليات الخط العربي المبسوط “آخر إصدار للدكتورة فوزية عدنان عن دار كنوز المعرفة -عمان – الأردن. والكتاب محاولة جادة، إذ لم تكن متفردة، في إبراز جماليات الخط المغربي المبسوط منذ النشأة إلى اشتداد العود، حيث شكل ظهور مدارس الخط العربي في مراحل متباينة من الحضارة العربية إسهاما حقيقيا في تمايز خطوط بلدان الغرب الإسلامي، ومنها الخط المغربي الذي تفرد في إنجاز سماته المحلية المتفردة، بعد أن أتقن خطاطون مغاربة رواد أساليب كتابته، وتفننوا في رسمه وإبداع أشكاله إلى درجة الإبهار. لم يعد الخط العربي مجرد تشكيلات حروفية بزوايا هندسية متباينة التصميم، بل تحول إلى إرث ثقافي وحضاري يحمل في عمقه القدرة على التعبير عن القيم الحسية والفكرية فضلا عن المبادئ السامية للدين الإسلامي وكذا ارتقائه إلى مرتبة يسمو فيها كأحد أهم آليات تدوين مختلف المعارف والعلوم التي تعد نتاجا لتزاوجها بروح وثقافة الخطاط المبدع.
وتخلص المؤلفة إلى اعتبار الخط المغربي المبسوط أحد أرقى وأيسر الخطوط العربية؛ فقد حظي بشرف كتابة القرآن الكريم لدى المغاربة، فجود الخطاطون في صنعته، وأبدعوا في زخرفته. ويعتبر المصحف الحسني السباعي أنموذج الجمال الفني في صناعة الخط المغربي المبسوط، ودليل ذلك أن هذا المصحف اليوم شبه نادر، والذي يتحصل عليه يحصى في عداد المحظوظين، وكيف لا وقد رعى صنعته عاهل المغرب الراحل الحسن الثاني، وتشرف بتخطيطه وزخرفته سبعة من أشهر خطاطي المغرب الحديث.
ومن الخلاصات القيمة للكتاب هي حث الخطاط على منح الخط نفسه وفكره وصفاء ذهنه. وتشجيعه على مداومته للتمارين اليومية كشرط أساسي في إجادة الخط بأبعاد فنية وجمالية أخاذة. كما أن تأمل نماذج السابقين الذين برعوا فيها، وتقليدها من أجل الوقوف على سحرها، واستكناه مكامن السر والجمال فيه تعد فكرة نبيلة وعلى قدر كبير من الأهمية. “فمما تناهى ذكره عن الخطاط التركي سامي أنه قضى ستة أشهر في كتابة كلمتين بخط ثلث الجلي لمساحة قدر فتحة الشباك، فاستغرب معاصروه منه ذلك فقال: لا أسأل عما قضيت فيها من زمن، لكنني مطالب بجودتها وبراعتها”.


الكاتب : عزيز باكوش

  

بتاريخ : 17/08/2024