n أندري أزولاي : المغرب يتميز بخصوصيات فريدة تشكلت عبر قرون من الزمن ساد فيها التآخي والتناغم والاحترام
n مصطفى البكوري : النموذج الوطني المغربي في التعايش هو نموذج الحياة والأمل
n بوشتى المومني : الملوك والسلاطين المغاربة حرصوا على صيانة مقومات الهوية الوطنية في إطارها المتعدد المشارب والروافد
n أنس اليملاحي : هناك وثائق مهمة في أرشفة التاريخ اليهودي بالمنطقة وإغناء البحث العلمي المرتبط بالدراسات التوثيقية الخاصة بيهود تطوان
أكد مستشار جلالة الملك والرئيس المؤسس لجمعية «الصويرة موكادور»، أندري أزولاي، أن المغرب غني ومتميز، ليس فقط بموروثه الحضاري والثقافي، بل أيضا بفضل تماسك مكوناته المجتمعية وتعدد روافده الثقافية التي تشكل جميعها مكونا جماعيا متفردا.
وأضاف أزولاي، في كلمة له أثناء الجلسة الافتتاحية لفعاليات «مؤتمر تطوان للتسامح والسلام وقيم التعايش المشترك»، مساء يوم الجمعة 7 يوليوز 2023، برحاب رئاسة جامعة عبد المالك السعدي، أن القيم والمبادئ التي يحملها كل المغاربة على اختلاف معتقداتهم الدينية وهويتهم الثقافية واللغوية تتقاسمها الأجيال، مشيدا بعمل المؤسسات التعليمية، بكل مستوياتها، للحفاظ على الموروث المشترك وصيانة القيم المغربية الأصيلة وترسيخها في وجدان المغاربة.
وأوضح أزولاي في هذا المؤتمر، الذي عرف حضور شخصيات رسمية ومدنية وسياسية، أن المغرب باستقراره وأمنه وسلمه وتعايشه وتسامح مجتمعه وتشبثه بالقيم الإنسانية المثلى يعد شعلة منيرة ومضيئة في عالم يعيش جزء منه على نبض الإقصاء الاجتماعي والتمييز والصراعات العرقية، مسجلا أن المغرب يتميز بخصوصيات فريدة تشكلت عبر قرون من الزمن ساد فيها التآخي والتناغم والاحترام بين المكونات الثقافية المتعددة، الأمازيغية واليهودية والعربية والأندلسية، التي أغنت الحضارة المغربية.
النموذج الوطني المغربي في التعايش هو نموذج الحياة والأمل، والتفاؤل بالمستقبل
من جهته أوضح رئيس جماعة تطوان مصطفى البكوري سعيه رفقة كل الشركاء إلى «جعل مدينة تطوان حاضرة للمحبة والتسامح والتعايش، وناشرة لهذه القيم النبيلة، ومروجة لها لدى المنظمات الدولية المعنية بالثقافة». وأضاف قائلا، «سنسعى لجعل مؤتمرنا هذا موعدا سنويا مستقطبا لكبار المفكرين والعلماء، وسنجعل مدينتنا حاضرة لكل الديانات والأعراق».
وأردف رئيس جماعة تطوان: «إننا لا ندعي الاستثناء على هذا المستوى، بل نسعى لنساهم وندعم كل المبادرات، لنعطي الوجه المشرق لوطننا كنموذج فريد في محيطه الإقليمي والدولي، في ظل عالم مضطرب ينخره التعصب والتطرف والإقصاء والحروب الدامية»، مشيرا إلى أن النموذج الوطني المغربي قائم على مبادئ وقيم السلام والتعايش والتسامح، وهي القيم «التي سنبقى مستميتين في الدفاع عنها وفق الرؤية المتبصرة والحكيمة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده». معتبرا أن «النموذج الوطني المغربي هو نموذج الحياة والأمل، والتفاؤل بالمستقبل، نموذج يعلي من مكانة الإنسان ويرفعه درجات، نموذج قائم على السلام والتسامح والتعايش».
ومن جهة أخرى أشار رئيس جامعة عبد المالك السعدي، بوشتى المومني، أن تراث المملكة المغربية في مجال العيش المشترك والتسامح غني بالعبر والأمثلة على مدى قرون تشكلت فيها الهوية المغربية الأصيلة، مذكرا بأن الملوك والسلاطين المغاربة حرصوا على صيانة مقومات الهوية الوطنية في إطارها المتعدد المشارب والروافد.
وقال المومني «لعل المتتبع لروافد التعابير الثقافية المغربية لا يجد أدنى صعوبة في اكتشاف العمق الإنساني الفسيح والأصيل الذي يميز الفنون المغربية بمختلف تلويناتها وأنماطها وتجلياتها، سواء في الموسيقى والأهازيج أو القصيد والمنظوم أو المعمار والصناعات الحرفية أو في الطبخ وفن الحياة والحياكة والألبسة وتفاعل الناس بعضهم مع بعض».
بدوره أشاد الرئيس المؤسس لمركز الدراسات والأبحاث حول القانون العبري بالمغرب، عبد الله اوزيتان، بمؤتمر تطوان، الذي يعكس مميزات المملكة المغربية، التي باختلاف جهاتها وجغرافيتها وتقاليدها، توحدها قيم مشتركة عميقة وأصيلة، متوارثة عن الأجداد وتتشبث بها الأجيال الصاعدة في عالم يعيش على إيقاع النزاعات والاختلافات، مبرزا أن الهوية المتفردة للمغرب ليست مجرد إرث معنوي وحضاري، بل هي تتجسد في التشريعات الوطنية، بما فيها الدستور، الذي اعتبر أن مختلف الروافد الثقافية واللغوية هي ثروة وطنية وقاعدة من قواعد اللحمة الوطنية ووسيلة للدفاع عن الهوية والإرث .
كما شكل هذا اللقاء أيضا، الذي أدار فقراته نائب الرئيس أنس اليملاحي، فرصة للإشادة والتنويه بأهمية انعقاده، واعتباره بمثابة يوم تاريخي، حيث أوضح اليملاحي في هذا السياق، أهمية التعدد الثقافي بالمغرب على المساهمة في نشر وترسيخ قيم التعايش والتسامح والسلام بين كافة مكوناته. وكذا التفرد الذي يميز المغرب بخصوص احتضانه لكل أبنائه.
كما تميز هذا اللقاء أيضا بتوقيع اتفاقية بين جماعة تطوان، وجامعة عبد المالك السعدي والأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين، وجمعية «الصويرة موكادور»، ومركز الأبحاث والدراسات حول القانون العبري، وكرسي القانون العبري بجامعة محمد الخامس، من أجل العمل على تعزيز قيم التسامح والتعايش من خلال تأسيس الأندية التلاميذية والجامعية.
ويأتي تنظيم هذا المؤتمر خلال يومي 7 و8 يوليوز بمقر رئاسة جامعة عبد المالك السعدي، وجماعة تطوان في إطار متابعة اللقاء الوطني الأول حول «دور اليهود المغاربة في إغناء الذاكرة الجماعية الوطنية» الذي احتضنته مدينة تطوان خلال شهر فبراير المنصرم.
هذا وواصل المؤتمر أشغاله، يوم السبت 8 يوليوز الجاري بمقر جماعة تطوان ( الأزهر سابقا )، باجتماع تنسيقي بين الأطراف المنظمة للمؤتمر بخصوص تفعيل اتفاقية فبراير المنصرم وكذا عرض مسرحيتين جسدتا ديانات مختلفة منها الإسلام واليهودية والمسيحية، وتضمنت رسائل قدمها تلميذات وتلاميذ مؤسسة سيدي إدريس الابتدائية بتطوان مفادها أننا «كلنا إخوان يجب أن نعيش في سلام»، وأن علينا أن نحترم الجميع ولا تفرقنا الديانات.
واستطاعت هذه العروض المسرحية أن تنال إعجاب الحاضرين الذين تفاعلوا مع مشاهدها، والتي تهدف إلى نبذ العنف والكراهية وإشاعة روح وقيم التسامح والتعايش بين مخنلف الأديان، حيث ارتدى الجميع ملابس ترمز لأديان مختلفة وقسموا أنفسهم لمجموعات استمرت في صراع طويل مع الحق ليدرك الجميع في الختام أن الحق ضاع بينهم ووجدوه في قيم العيش المشترك والألفة والمحبة.
كما عرف هذا اليوم افتتاح رواق خاص يضم عدة وثائق تتعلق بالمكون اليهودي بتطوان، وفي هذا الصدد أوضح أنس اليملاحي أن الرواق يقدم لزواره مجموعة من الوثائق المرتبطة بالمكون اليهودي بتطوان، خاصة منها أكثر من 300 وثيقة تخص البيوعات المرتبطة بأملاك الدولة في منطقة الفدان والملاح توثق للمعاملات التجارية بين الدولة وبعض اليهود المغاربة، بالإضافة إلى أكثر من 3000 وثيقة للحالة المدنية، التي تؤرخ لولادة ووفاة المواطنين المغاربة اليهود تم تسجيلها وتوثيقها بجماعة تطوان، مشيرا إلى أن هذه الوثائق لها أهمية كبرى في أرشفة التاريخ اليهودي بالمنطقة وإغناء البحث العلمي المرتبط بالدراسات التوثيقية والتاريخية الخاصة بيهود مدينة تطوان، وهي تقدم أسماء وأصول يهود المدينة بالإضافة إلى توثيق مهنهم ومهن الرجال والنساء في ذلك الوقت والأحياء التي كانوا يقطنون بها .
وخلال هذا المؤتمر قدم طلبة الإجازة المهنية في المقاولة الثقافية بجامعة عبد المالك السعدي بعض إنتاجاتهم تتمحور حول التعايش، ويتعلق الأمر بنقل الزليج المغربي والتطواني على الخصوص إلى منتوجات أخرى بالاعتماد على الصباغة اليدوية.