في الجلسة الثالثة حول «حقوق الإنسان بين التشريعات والسياسات العمومية والممارسات»

حورية إسلامي:
تأخر كبير في التفاعل مع ما يعرف بـ «الإجراءات الخاصة» للأمم المتحدة

أحمد مفيد:
مسؤولية التجاوب مع منظومة حقوق الإنسان لم تعد مقتصرة على الدولة فقط بل هي مسؤولية وطنية

 

شهدت  الجلسة الثالثة من اللقاء السياسي العام الذي نظمته اللجنة السياسية المنبثقة عن اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني الثاني عشر، يوم السبت 28 يونيو 2025، بالمقر  المركزي للحزب حول « حقوق الإنسان بين التشريعات والسياسات والممارسات»، والتي  أدار أشغالها عبد الحميد جماهري، عضو المكتب السياسي للحزب، (شهدت) مشاركة كل من حورية إسلامي الفاعلة الحقوقية والرئيسة السابقة لفريق الاختفاء القسري التابع  للأمم المتحدة، أحمد مفيد أستاذ القانون الدستوري.
وفي بداية  مداخلتها، تطرقت إلى السياق الدولي العام لحقوق الإنسان، مبرزة الوضع المأساوي الذي تعيشه الإنسانية اليوم، خصوصا في الأراضي الفلسطينية، حيث أكدت أن ما يجري في غزة من جرائم يعكس فشل المنظومة الحقوقية الأممية في حماية المدنيين، معتبرة أنه «تطهير عرقي»، مشيرة  إلى أن هذا الفشل يبرز هشاشة النظام الحقوقي العالمي، الذي بدا عاجزا أمام الحروب والنزاعات، ما يستوجب مراجعة عميقة لوظائفه وآلياته،
ولدى تقييمها لموقع المغرب داخل المنظومة العالمية، كشفت حورية إسلامي، أن المملكة المغربية تفاعلت بشكل طوعي مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان من خلال التوقيع والمصادقة على عدد كبير منها، وهو ما يُحتسب لها في رصيد التفاعل الدولي، لكنها في المقابل سجلت تأخرا كبيرا في التفاعل مع ما يعرف بـ»الإجراءات الخاصة» للأمم المتحدة، وهي آليات يعدها خبراء حقوقيون وتعتبر صوت الأمم المتحدة المستقل في مراقبة أوضاع حقوق الإنسان، محذرة من تأخر تقديم التقارير الدولية الخاصة بالمغرب في آجالها، وهو ما من شأنه أن يطرح تساؤلات على مستوى الالتزام والتتبع المؤسساتي.
وشددت  إسلامي أن هذه التحديات تفرض نفسها اليوم على مختلف الفاعلين بالمغرب، من سياسيين، وحقوقيين، ومجتمع مدني، معتبرة أن مسؤولية التجاوب مع منظومة حقوق الإنسان لم تعد مقتصرة على الدولة فقط، بل هي مسؤولية وطنية تتطلب تشارك الجهود وفتح نقاش واسع حول كيفيات التفاعل مع الآليات الأممية والجهوية، وعلى رأسها مجلس حقوق الإنسان وهيئات المعاهدات والإجراءات الخاصة، بالإضافة إلى اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.
من جهته، قدم الأستاذ الجامعي أحمد مفيد قراءة شاملة للمكاسب التي راكمها المغرب في مجال حقوق الإنسان، بدءا بتجربة هيئة الإنصاف والمصالحة، مرورا بمراجعة عدد من القوانين، وانخراط المملكة في منظومة واسعة من الاتفاقيات، وصولا إلى التنصيص الدستوري الواسع على الحقوق والحريات في دستور 2011. لكنه في المقابل، اعتبر أن التحدي اليوم لا يكمن في النصوص، وإنما في مدى تفعيلها على أرض الواقع، قائلا إن الفجوة بين الدستور والممارسة باتت عميقة في عدد من المجالات.
وسجل مفيد أن النقاش لا يدور فقط حول التوفر على قوانين متقدمة، بل حول قدرة السياسات العمومية على ضمان التمتع الفعلي بالحقوق، مستعرضا عددا من المؤشرات التي تُظهر ضعف الترجمة العملية لمبادئ المساواة والمناصفة، التي لا تزال بعيدة عن التحقيق الكامل في الحياة اليومية، منبها إلى محدودية إدماج المقاربة الحقوقية في السياسات العمومية، مشيرا إلى أن ما هو قائم اليوم لا يتجاوز الطابع الشكلي أو المحتشم.
كما شدد على  غياب آليات فعالة للتقييم والمساءلة في ما يخص احترام الحقوق والحريات، مشيرا إلى ضعف التنسيق بين القطاعات الحكومية، ومحدودية الالتقائية بين البرامج، وغياب قاعدة بيانات واضحة تمكن من تتبع التزامات الدولة في المجال الحقوقي، مؤكدا أن هذه الفجوات تكرس التفاوت الاجتماعي والمجالي، وتحد من فرص تحسين المؤشرات الاجتماعية المرتبطة بالكرامة والعدالة.
وأبرز  الأستاذ مفيد أن الأحزاب السياسية مطالبة اليوم بإعطاء مكانة مركزية لقضايا حقوق الإنسان في برامجها ومشاريعها المجتمعية، مشيرا إلى أن حزب الاتحاد الاشتراكي دأب دائما على استحضار البعد الحقوقي كجزء من هويته السياسية والتاريخية، داعيا إلى تعزيز الشفافية والولوج إلى المعلومة، وإلى إشراك فعلي للمجتمع المدني والهيئات المستقلة في تنفيذ وتقييم السياسات العمومية، من أجل ضمان أثرها الحقوقي الفعلي.
وخلص  مفيد  في مداخلته، إلى دعوة واضحة  لتضمين خلاصات هذا النقاش في الأرضية السياسية التي تشتغل عليها اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني الثاني عشر، من أجل بناء رؤية تقدمية لحقوق الإنسان، قائمة على التخطيط، والتقييم، والشفافية، والتقائية البرامج، وتخصيص الموارد الكافية، بما يعزز التمتع الفعلي بالحقوق والحريات ويكرّس المسار الديمقراطي للمغرب.
وقد شكل هذا المحور لحظة تقييم دقيق وموضوعي لمسار حقوق الإنسان في المغرب، ودعوة صريحة لتجاوز منطق النصوص نحو فعلية الحقوق، عبر سياسات عمومية متماسكة، وبتشارك بين مختلف الفاعلين، بما ينسجم مع المرجعية التقدمية التي يسعى حزب الاتحاد الاشتراكي إلى ترسيخها في مؤتمره الوطني المقبل.
وأعقب المداخلات نقاش غني ومستفيض من قبل أعضاء اللجنة السياسية في إطار التفاعل مع المداخلات.


بتاريخ : 30/06/2025