إجماع على أن المغرب فقد وطنيا كبيرا ومناضلا فذا واتحاديا صادقا
إدريس أبو الفضل : محمد لخصاصي كان مترجما أمينا لأفكار الاتحاد ولمواقفه ومدافعا
عن الوطنية الصادقة
مصطفى الكثيري: دفع الراحل ثمنا غاليا من حريته وراحته في سبيل الدفاع
عن قناعاته وأفكاره
عبد الحق عندليب : محمد لأخصاصي لم يكن مجرد مناضل عادي، بل كان فاعلا ومحركا للأحداث
في جو روحاني ونضالي كبير، خلدت أسرة الراحل المناضل الفذ محمد الخصاصي وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أربعينية الفقيد بحضور عدد وازن من أعضاء وعضوات المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، يتقدمهم الكاتب الأول الاستاذ ادريس لشكر، وحضور قيادات اتحادية سابقة وعدد من المناضلات والمناضلين جاؤوا من مختلف الأقاليم، وضمنهم وفد هام من أعضاء الكتابة الإقليمية لمراكش وأقارب وأصدقاء فقيدنا الكبير السي محمد الخصاصي، تتقدمهم أرملته السيدة عزيزة مساء الثلاثاء 1 أكتوبر 2024 بالرباط..
هذا الحفل التأبيني تميز بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم وعرف فقرات من الأمداح النبوية تخللها الدعاء بالرحمة والغفران لفقيدنا الكبير..
هذه الذكرى نسق بين فقراتها عضو المكتب السياسي عبد الله الصيباري وتم الاستماع إلى بعض الشهادات من مناضلين جايلوا السي محمد الخصاصي والتي أجمعت على ان المغرب فقد وطنيا كبيرا ومناضلا فذا واتحاديا صادقا.
وفي كلمة للقيادي الاتحادي وعضو المكتب السياسي سابقا الأستاذ النقيب إدريس أبو الفضل..قال بأن محمد لخصاصي كان مترجما أمينا لأفكار الاتحاد ولمواقف الاتحاد ومدافعا عن أفكار الوطنية الصادقة في مرحلة دقيقة جدا.. وأضاف بأن الخصاصي اعتقل في إحدى المظاهرات واستنطق، وكان ينتظر تقديمه للمحاكمة مع زمرة من زملائه، فإذا بالذي يستقبله حينها، الكوميسير إدريس البصري. وفي الوقت الذي كان سي محمد ينتظر أن يخبره بإحالته على المحاكمة، فإذا بالبصري يعتذر له ويطلب منه مغادرة المؤسسة.
وقال إدريس أبو الفضل بأنه حدثت أمور غريبة مع سي محمد لكنها لم تزده إلا صمودا وإصرارا في معاركه النضالية. ففي سنة 1973 وهو مسؤول في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، كان لديه اجتماع في فرنسا، وعند وصوله إلى مطار أورلي سيخبره أحد معارفه بأن الإذاعة المغربية أذاعت في نشرتها بأنه مطلوب لارتباطه بأحداث 73 . فيتحول السفر الذي كان في البداية عاديا من أجل اجتماع عادي، إلى لجوء سياسي. إلى أن يصدر العفو في بداية الثمانينات ليعود مع عدد من الاتحاديين الذين كانوا في المنفى.
وأضاف أبو الفضل: “لما عاد من المنفى، استأنف عمله النضالي، وكانت أول صدفة أنه رغم كونه كان من ضمن القيادات الحزبية بالخارج إلى جانب عبد الرحمن اليوسفي وآيت قدور وغيرهم، فقد واجه فورا الانتخابات، حيث ترشح في مراكش، وفاجأ المناضلين وساكنة المدينة بتواضعه، فالرجل الذي كان في شروط مختلفة في المنفى، يأخذ المعركة الانتخابية ببساطة وبحوار مسؤول وواع و فصاحة استثنائية جعلت عددا كبيرا من المواطنين وخاصة من سكان المدينة، يرتبطون به. فتعود مراكش إلى حيويتها الاتحادية المعهودة على يده.”
وأكد إدريس أبو الفضل أن عمل الفقيد محمد الخصاصي كان متميزا وهو تميز لا يمكن أن يقوم به إلا رجل من طينة الأخ لخصاصي. ” وفي مطلع التسعينات – يشير المتحدث- سيمثل الحزب في مؤتمر لحزب البعث، وكان لديهم تقليد باستدعاء الضيوف لترؤس جلسات المؤتمر، فكان مطلوبا من الأخ لخصاصي أن يسير المؤتمر وفي غضون ذلك دخل الرئيس صدام حسين فحاول سي محمد الانسحاب، لكن صدام طلب منه بإصرار مواصلة عمله، وجلس إلى جانبه. التقطت صور للرئيس صدام في هذه الجلسة. وبعدها بقليل ستجتاح جيوش العراق الكويت، فلا يجد الإعلام من أحدث صورة لصدام حسين سوى تلك التي كان بجانب الأخ لخصاصي. فبدأت التساؤلات حول علاقة الأخ لخصاصي بالقائد صدام، وطرحت إشكالات بالداخل، حتى أن سي محمد لم يترشح في انتخابات 1992 لأن الظروف كانت غير مناسبة. وقال إدريس أبو الفضل:
” في سنة 2008 انعقد المؤتمر الوطني، واختارت قيادة الحزب الأخ محمد لخصاصي لترؤسه. وكانت ظروف المؤتمر صعبة، لكن دربة وحنكة سي محمد وتجربته المتواصلة أهلته لأن يقود المؤتمر على الأقل في الشطر الأول منه، لأنه عقد على مرحلتين، و بينهما سيعين سي محمد سفيرا للمغرب بسوريا، فوضع مرة أخرى في المحك: هل يذهب إلى مسؤوليته الجديدة أم يبقى ليواصل مهمته في ترؤس المؤتمر، وقد أسّر لي أنه يفكر في الاستقالة من منصبه كسفير لكي لا يتخلى عن الحزب في تلك الشروط الصعبة، فكانت محاولات لإقناعه بأن يحتفظ بمسؤوليته الجديدة لأن في الحزب رجالا آخرين بمقدرتهم أن يتحملوا المسؤولية الحزبية في هذا المؤتمر. ”
وختم الأستاذ إدريس أبو الفضل كلمته بقوله:”هذه رؤوس أقلام فقط لما كان عليه الفقيد من تميز و كفاءة، فكان إنسانا رائعا في تصرفه، صادقا لا يكن حقدا ولا كراهية لأحد، و أعطى نموذجا إيجابيا لحزبنا ندعو الله أن يسكنه فسيح جنانه مع الصديقين والمؤمنين والشهداء وحسن أولئك رفيقا”.
وفي شهادته قال عبد الحق عندليب الكاتب الإقليمي للاتحاد الاشتراكي بمراكش:
“لم يكن السي محمد الخصاصي بالنسبة لنا رجلا عاديا، فقد فقدنا فيه المناضل الفذ والقدوة والرمز، فقدنا فيه المعلم الذي مثل مع أقرانه من شهداء وفقداء الحزب، المهدي بن بركة وعمر بن جلون وعبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمان اليوسفي وعبد الواحد الراضي وثريا السقاط، واللائحة طويلة، أقول مثل الفقيد مدرسة الاتحاد، مدرسة النضال والتضحية والعطاء من أجل الوطن، من أجل الحرية والديمقراطية والكرامة. ” وأضاف بأن السي محمد الخصاصي لم يكن مجرد مناضل عادي، بل كان فاعلا ومحركا للأحداث، حيث ترأس أكبر تنظيم طلابي ألا وهو الاتحاد الوطني لطلبة المغرب الذي شكل رافدا من روافد الحركة التقدمية والحركة الاتحادية في بلادنا. كما حظي الفقيد بعضوية اللجنة الإدارية والمجلس الوطني للحزب لعدة مرات متتالية. وحاز فقيدنا على ثقة الاتحاديات والاتحاديين بترؤسه للمؤتمر الوطني التاسع للحزب، وحظي الفقيد كذلك بثقة الحزب من خلال تبوئه لعضوية لجنة التحكيم والأخلاقيات إلى جانب الفقيد السي عبد الواحد الراضي.
وقال عبد الحق بأن كل رفاقه في الحزب الذين عايشوه عن قرب يشهدون له بأنه كان مجمعا وموحدا ومنصتا، ولم ينخرط قط في خصومات أو صراعات إلا مع خصوم الحزب وأعداء الديمقراطية. وأضاف:
“نحن مناضلات ومناضلو الاتحاد الاشتراكي في مراكش الذين تعرفنا على الفقيد عن قرب في عز المعارك السياسية والانتخابية، نشهد بأن فقيدنا العزيز السي الخصاصي كان قدوة لنا في النضال الملتزم والواعي والمسؤول والمتخلق. وبهذه الخصال حظي الفقيد بدعم ومساندة كافة مناضلات ومناضلي الاتحاد بمراكش كما حظي بدعم ومساندة ساكنة المدينة الحمراء، مسقط رأس الفقيد، حيث انتخب مرتين ليمثل السكان تحت قبة البرلمان وليمثلهم كذلك في المجلس البلدي آنذاك للمدينة، حيث كان من أشرس المدافعين عن المصالح العليا للوطن وللمواطنات والمواطنين..فلم تثنه عن خدمة منتخبيه بوفاء وإخلاص كل العراقيل التي واجهته وكل المصاعب التي اعترضته.”
وقال الكاتب الإقليمي للاتحاد الاشتراكي بمراكش:
” لايزال جيلي يتذكر آيات الصمود والإقدام الذي تميز به الفقيد حين كان يواجه القمع السياسي الذي سلط على حزبنا لعدة عقود، حيث نال حظه من المطاردات والأحكام الجائرة والنفي الاضطراري. كما لازلنا نتذكر ذلك الصوت الجهوري المجلجل الذي كان يصدح من إحدى الإذاعات بمنفاه الاضطراري وذلك بعد أحداث مولاي بوعزة التي اندلعت يوم 3 مارس 1973، حيث كان الفقيد ينتقد مظاهر الظلم والاستبداد بشجاعة وإقدام ومسؤولية، تلك الانتقادات وتلك الشجاعة وذلك الصمود الذي مهد الطريق لبلادنا لكي تشق طريقها نحو الإصلاح والتغيير الذي أعطى للمغاربة جرعة قوية للتفاؤل والأمل في المستقبل.”
وفي الختام قال عبد الحق عندليب:
“نعاهد فقيدنا بأننا سنواصل حمل مشعل النضال الذي حمله منذ شبابه سعيا إلى تحقيق ما كان يصبو إليه الفقيد من حرية وديمقراطية وعدالة اجتماعية.”
وفي كلمة للمندوب السامي للمقاومة وجيش التحرير مصطفى الكتيري ألقاها نيابة عنه مستشاره، قال إنه لا يستطيع التعبير عن عمق الأسى ومدى حزنه الشديد والعميق لرحيل الفقيد محمد الخصاصي، مشيرا إلى أن الحزب خسر منارة ووجها من الوجوه المناضلة البارزة.
وأضاف الكثيري:”تعرفت على الفقيد في فترة التألق النضالي للإتحاد الوطني لطلبة المغرب، بحيث واصل نضاله في صفوف الاتحاد الوطني للطلبة كمناضل ملتزم بخدمة الحركة الطلابية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس، تم كعضو بالمكتب المركزي قبل أن يحظى بانتخابه رئيسا له، ويشهد له حضوره المتواصل والمثابر في الساحة النضالية داخل الوطن وخارجه، ومعانقته لقضايا وتطلعات الحركة التقدمية”.
وتابع قائلا:”وفي الشأن الحزبي ناضل فقيدنا في الصفوف الأولى للحزب الوطني للقوات الشعبية، وظل ملتزما ووفيا لمبادئه واختياراته وتوجهاته الهادفة إلى تركيز دولة الحق والقانون والمؤسسات، وإرساء الديموقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية”.
وأضاف المتحدث ذاته:” لقد أدى الأستاذ محمد الخصاصي ثمنا غاليا من حريته وراحته في سبيل الدفاع عن قناعاته وأفكاره التي آمن بها وعانقها طيلة حياته، لا يمل ولا يستكين. يجهر بالحق ولا يخشى في قوله لومة لائم”.
وأكد الكثيري على أنه كان شاهدا على أشكال المعاناة التي تعرض اليها الفقيد قائلا:” لقد تعرض لشتى المضايقات في سنوات الستينات في القرن الماضي والملاحقات من لدن الشرطة بمنزله في أكدال الذي كان محاصرا في الكثير من الأوقات بالليل وكذا النهار، إلى أن اضطر للاغتراب والمنفى بفرنسا. وطيلة إقامته في المنفى ظل على علاقة ودية مستمرة مع إخوانه بأرض الوطن، لا يفتأ يسأل عن أحوالهم ويمني النفس بالعودة ومواصلة النضال الوطني إلى جانبهم في سبيل تقدم الوطن وازدهاره، ومن أجل الوحدة الترابية المقدسة والتي كان من خيرة المدافعين عنها وعليها بحزم وإصرار”.
وأضاف المندوب السامي للمقاومة وجيش التحرير :”شاءت الأقدار أن يعود الفقيد لأرض الوطن في بداية الثمانينات مع المنفيين والمغتربين السياسيين ليواصل عمله النضالي بعزم واقتدار وبعد نظر، واضعا بين عينيه خدمة القضايا المصيرية والحتمية لوطننا، إذ دفعته الوطنية التي كانت تجري في عروق الفقيد مجرى الدم بأن يظل لصيقا بقضايا الوطن في مشاريعه العلمية والأكاديمية وبالمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وكان خير جليس ومفكر ومؤرخ سكنته قضايا الذاكرة التاريخية المشتركة للمغرب مع بلدان شقيقة وصديقة، واستجاب لدعوتنا لانضمامه للجنة العلمية والاستشارية المنضوية بهذه المؤسسات، من سنة 2016 إلى حدود سنة 2022، لم يبعده عنها إلا السقم الذي أعياه، وخلال هذه السنوات وجدنا فيه الانسان الحريص والمخلص في العمل، المرتب والمنظم في أفكاره”.
وختم الكثيري كلمته بقوله:”لروحك السلام لقد عدت لأصلك كما عاد النبيئون والصديقون والشهداء، ولنقل كذلك سيدي محمد أنت ورقة من دوحة الوطن سقطت لتغذي أرض وطننا العزيز حتى تنبت شجيرات أخرى تكمل مسيرة هذا الوطن، فسلام عليك أيها الرجل الراحل في الخالدين وسلام عليك يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعث حيا إلى جوار النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين”.
هذا وعلى هامش هذه الذكرى قام وفد من أعضاء الكتابة الإقليمية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بمراكش، ومعهم عدد من المناضلين بزيارة لبيت الكاتب الأول حيث قدموا له تعازيهم في وفاة اخته وكذا في وفاة السي محمد الخصاصي. وقد كانت مناسبة للحديث عن خصال ومناقب للفقيد الاتحادي الكبير وتاريخه النضالي المجيد.