يلتئم شملنا اليوم في هذا المحفل الحقوقي الذي ينظمه حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بتعاون مع الأخوات والإخوة في الائتلاف الصحراوي للدفاع عن ضحايا سجن الرشيد بتندوف، وذلك في سياق إقليمي موسوم بالمكاسب المؤسساتية والشعبية التي تعرفها قضية وحدتنا الترابية من جهة، وفي سياق دولي عنوانه العريض التداعي الحر لمبادئ القيم الكونية لحقوق الإنسان من جهة أخرى، وذلك بعد تواتر المحطات التي كشفت عن انتقائية الخطاب الحقوقي أمميا ودوليا، وعن ازدواجية في معاييره عبر توزيع غير عادل للحق في الأمن والسلم والحياة، وكأن الإنسانية هي مركز غربي وهوامش ثالثية.
ولأن قدر اليسار يشاء له أن يكون في خط التماس الأول لمواجهة كل انحراف ينتهك مبادئ حقوق الإنسان كما هي في التعاقد الأممي، فإن حزبنا كان وسيظل على الدوام في طليعة القوى الحية، خاصة في قضية من حجم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بسجون ميليشيات البوليساريو بتندوف، التي تعد فعليا الآلة التنفيذية لأجندات وأوهام الزمرة المتغلبة على إرادة الشعب الجزائري الشقيق ومقدراته.
إن لقاءنا اليوم من المفروض أن يشكل منعطفا حاسما في مقاربة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بسجن الرشيد، قاطعين مع سرديات البكائيات، ومتجاوزين لعتبات الرصد نحو أفق ترافعي ونضالي مندمج، لا تنفصل فيه مناصرة حقوق الضحايا عن نضالنا الوطني والحزبي من أجل قضية الوحدة الترابية، وذلك على هدي التوجيه الملكي السديد الداعي إلى الانتقال في التعامل مع القضية الوطنية من التدبير إلى التغيير.
إن سجن الرشيد يحضر في مخيلة المناضلات والمناضلين كعنوان لبنية قسرية متسلطة تعتمد مأسسة الممارسات المتنافية مع المواثيق الدولية وتمعن في ابتكار نسخة غير مسبوقة من أساليب التعذيب الجسدي والنفسي، كما هو مثبت بالتوثيقات المتراكمة والشهادات المتعددة على البعد الممنهج للتجاوزات، وكما ترصده التقارير الدولية. فإذا كانت تندوف فضاء احتجاز وقهر كبير، فإن سجن الرشيد هو فضاء لتصفية كل الأصوات المعارضة والضمائر الحية التي توقظ همة المحتجزين وتزيل عن عيونهم غشاوة التضليل الانفصالي الذي يعلن إفلاسه يوما بعد يوم.
إن فداحة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سجن الرشيد، تضع المنتظم الدولي والأممي أمام مسؤولية ذات بعدين:
البعد الأول يتمثل في المسؤولية القانونية: حيث يعتبر القانون الدولي لحقوق الإنسان أن كل أشكال الاحتجاز غير القانوني والمعاملة اللاإنسانية والإخفاء القسري انتهاكات جسيمة تستوجب محاسبة مرتكبيها المباشرين وغير المباشرين تنفيذا وتواطؤا وصمتا وتسترا عليها.
البعد الثاني يتمثل في المسؤولية السياسية: حيث تتحمل الزمرة المتغلبة في الجزائر، مسؤولية احتضان هذه الممارسات القروسطية داخل أراضيها، وهو ما يقتضي ضرورة التحرك الدولي بما يضمن مساءلة هذا الضلوع الجزائري الصريح وفقًا للآليات الحقوقية المتاحة.
علاوة على ذلك، فإن الزمرة المتغلبة في الجزائر تضع نفسها ومعها المنظمات الدولية في تناقض أخلاقي ومنهجي فاضح، حينما تعتبر الصحراويين في مخيمات العار بمثابة لاجئين، ثم تتواطأ في تشييد سجون لتعذيب اللاجئين على أراضيها، وهي حالة فريدة دوليا لبنية قهرية في حق اللاجئين، على الأقل حسب التوصيف الجزائري.
لم تكن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سجن الرشيد مجرد حالات فردية، بل هي عمل إجرامي منظم برعاية جزائرية مكشوفة، وبآثار نفسية واجتماعية تلازم الضحايا وأسرهم، وهي الجراح التي تخترق ذاكرتنا الجماعية كمغاربة بعد أن أدمت قلوب أسر المختطفين ومجهولي المصير من ضحايا سجن الرشيد.
ولئن كنا ندعو إلى ضرورة القطع مع سرديات البكائيات، وتجاوز عتبات الرصد نحو أفق ترافعي ونضالي قوي، يعيد توطين مناصرة حقوق الضحايا في سياق نضالنا الوطني والحزبي من أجل قضية الوحدة الترابية، فإننا نقترح المداخل النضالية الآتية:
wأولا، مدخل الدبلوماسية الحقوقية:من خلال تفعيل آليات الدبلوماسية الحقوقية التي تجعل من العدالة محورًا في العلاقات الدولية وفي بناء الطرح الترافعي أمام آليات حقوق الإنسان وفي محافل الحركات السياسية ذات التوجه الديمقراطي والتقدمي، ومن جملتها الأممية الاشتراكية التي نتشرف بكوننا الحزب الوطني العضو الفاعل فيها، وذلك بما يسمح بإعادة ضبط بوصلة النقاش الحقوقي حول انتهاكات سجن الرشيد نحو اتجاهات أممية أكثر تأثيرا، بما يجعلها هي نفسها في طليعة المترافعين.
wثانيا، مدخل التربية والثقافة والإعلام: إذ يتعين على مثقفات ومثقفي حزبنا وشبيبته الاتحادية وكل مناضلاته ومناضليه أن يستثمروا ممكنات العمل التربوي والثقافي والإعلامي، من أجل التملك المجتمعي للقضية، وفي أفق نقل قصص سجن الرشيد إلى محكي جمالي ملتزم، مع استثمار ذكي للعرض الرقمي القادر على تعريف الجمهور الواسع بهذه الانتهاكات الجسيمة، وعلى تدويلها كسلطة رقمية ناعمة تكشف زيف روايات المشككين والمتقولين بغير علم عبر تسخير الخوارزميات من أجل عدالة عابرة للحدود.
wثالثا، مدخل البحث العلمي التاريخي: ذلك أن الشهادات والتوثيقات وغيرها من الحجج التاريخية على فداحة الجرم المشهود بتواطؤ الزمرة المتغلبة في الجزائر، تتطلب من الباحثين في التاريخ أن يعيروها ما تستحق من دراسة وتوثيق، حتى يتم إخراجها من دائرة خطاب الذاكرة الموسومة بكونها جزئية ومتحيزة إلى خطاب التاريخ لأنه عادل ومنصف ولا يقبل النسيان.
إننا، في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، قطعنا على أنفسنا العهد بأن يظل اصطفافنا الأبدي والمتجدد مع القضايا العادلة، والتي تعد قضية ضحايا سجون تندوف واحدة منها، لكونها تتشابك مع الشرط الإنساني والحقوقي والوطني، في تجسيد قوي للتضحيات الجسام وللشجاعة من داخل مخيمات العار في الدفاع عن الوحدة الوطنية والترابية للمملكة، باذلين الجهد في التعريف بهذه الانتهاكات واستعمال كل الوسائل الممكنة لملاحقة الجناة المسؤولين عنها بشكل مباشر أو غير مباشر.
ولئن كنا نؤكد على ضرورة فتح أفق مبتكر بمداخل عملية في الترافع عن ضحايا سجون تندوف، فإن ذلك لا ينفصل عن الأفق التغييري الذي دشنه بكل شجاعة جلالة الملك، والذي يتساوق مع التقدم الباهر الذي يعرفه مسار الاعتراف النوعي والحاسم بمغربية الصحراء، تمهيدا للطي النهائي لهذا النزاع الإقليمي المفتعل.
واسمحوا لي في الختام أن أعبر باسمي وباسم جميع الاتحاديات والاتحاديين عن الشكر الجزيل لكل المساهمين في تنظيم هذا اللقاء، متمنيا لأشغاله أن تكلل بالنجاح.