الحبيب المالكي رئيس المجلس: نحن اليوم في حاجة ملحة إلى رؤية شمولية ومراجعة شاملة لنظام التوجيه والإرشاد لمعالجة الاختلالات والإكراهات
نظم المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي يوماً دراسياً حول نظام التوجيه المدرسي والمهني والإرشاد الجامعي، يوم أمس الأربعاء 17 ماي 2023، بمقر المجلس بالرباط.
يتوخى المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، من خلال هذا اليوم الدراسي، الإسهام في إرساء نظام ناجع للتوجيه المدرسي والإرشاد الجامعي، تماشياً مع مُقتضيات القانون الإطار 51.17، عبر فتح حوار واسع ومنفتح على جميع القطاعات المعنية.
وتميزت الجلسة الافتتاحية لهذا اليوم الدراسي، بكلمة الحبيب المالكي، رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، التي ثمن في مستهلها، المبادرة الملكية الكريمة لجلالة الملك محمد السادس، بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية، بما تجسده هذه المبادرة السامية من دلالات رمزية قوية، وأبعاد دستورية وتاريخية وحضارية وثقافية، تسند دعائم هذه الأمة وتعضدها؛ وتفتح آفاقا كبرى للارتقاء بمكانة المكون الأمازيغي في جميع دعائم نموذجنا التنموي، السياسية والاقتصادية والثقافية والتربوية.
وفي ذات السياق أكد رئيس المجلس أن هذه مسؤولية الجميع للتفاعل والارتقاء إلى الغايات التي ينشدها جلالته. ولا أدل على ذلك تأكيده الراسخ في الخطاب التاريخي بأجدير سنة 2001، على أن النهوض باللغة والثقافة الأمازيغيتين مسؤولية وطنية جماعية، وأن الأمازيغية ملك لكل المغاربة دون استثناء، ومبعث اعتزاز لهم، وتجسيد لقوة إيمانهم بالمستقبل، مستقبل مغرب التضامن والتلاحم، مغرب الجميع، القوي بوحدته الوطنية.
واعتبر رئيس المجلس أن هذا اليوم الدراسي تمليه في هذه الظرفية، عدة اعتبارات، لعل أهمها ورش تعديل ومراجعة مجموعة من المقتضيات التشريعية المؤطرة لمنظومة التوجيه والإرشاد، والحاجة جميعا كأطراف معنية إلى الانخراط والتعاون الأمثل لإرساء نظام ناجع للتوجيه المبكر في المدرسة والجامعة ومؤسسات التكوين المهني، ومواكبة ومساعدة المتعلمين في بناء مشاريعهم الشخصية، وتحديد اختياراتهم الدراسية والمهنية.
وبالموازاة مع ذلك، نبه رئيس المجلس إلى المآلات التي آلت إليها منظومة التوجيه التربوي في البلاد، والإكراهات المتنوعة التي تحد من نجاعتها وفعاليتها؛ على المستوى القانوني والتدبيري، والاختلالات التي تطال عملية وقرارات التوجيه التربوي في كل الأسلاك ومراحل التعليم؛ مع ما يشكله ذلك من هدر للجهود والموارد المادية والبشرية؛ وهو ما يسهم في تضخم وعاء الهدر المدرسي والجامعي.
وتابع رئيس المجلس قائلا،»وإن كنا نقر «بمحدودية « نجاعة التدابير المتخذة، في هذا المجال، فإن ضعف انخراط الأسر والمؤسسات المهنية والاقتصادية، وما يسهم فيه المحيط الاجتماعي والثقافي والإعلامي، كلها عوامل -أيضا-تسهم في الوضع الحالي لنظام التوجيه، وتشكل تحديا كبيرا لنا جميعا، للدفع بالمكتسبات المحققة إلى مستويات أرقى من الجودة والنجاعة».
وشدد المالكي على أن معالجة هذه الاختلالات والإكراهات، تجعلنا اليوم في حاجة ملحة إلى رؤية شمولية، ومراجعة شاملة لنظام التوجيه، ترتكز على الأرضية والمستلزمات. أولا، استكمال الترسانة القانونية الخاصة بالتوجهات المتعلقة بمنظومة التربية والتكوين، على مستوى التعليم المدرسي والجامعي والتكوين المهني (باعتبارها مرجعية أساسية وضرورية)؛ وثانيا، الحسم في أسس ومضامين النموذج البيداغوجي الذي جاء به الإصلاح (في المناهج والبرامج والتكوينات وحركية المتعلمين . . . إلخ ) ؛ وثالثا، ربط نظام التوجيه بالسياسات العمومية المرتبطة بتفعيل الإصلاح التربوي والنموذج البيداغوجي (حركية المتعلم، العلاقة بسوق الشغل، ربط التعليم المدرسي والجامعي بالتكوين المهني )؛ ورابعة اعتماد سيرورة تحضيرية، تستوعب مقومات وغايات النموذج البيداغوجي الجديد وأسس الإصلاح برمته؛ وتعزيز التشارك والتفكير مع الفاعلين جميعا؛ ثم خامسا، تقوية نظام تقييم المكتسبات عند المتعلمين في كل الأسلاك التربوية، وتعزيز العرض التربوي ونظام الإشهاد ومسالك الإدماج؛ كدعامة لمنظومة التوجيه والإرشاد ؛ سادسا، ضرورة مراعاة الانسجام والتنسيق بين مسالك الدراسة والتكوين، وإلزامية اعتماد أي مشروع للتوجيه على مبدأ التجسير والتنسيق بين القطاعات الحكومية المعنية.
وختم المالكي كلمته بالتذكير على أننا نمر من مرحلة دقيقة بالغة التعقيد، ألقت بظلالها على منظومة التربية والتكوين. وهذا ما فرض على أنظمتنا التربوية والتعليمية تحديات جديدة وكبيرة. والإرشاد والتوجيه، جزء مهم من أي نظام تربوي يتطلع إلى تحقيق رؤيته المستقبلية المستدامة، وبالتالي أصبح لزاما أن نضع له منهجية تتناسب مع تحولات نظم التعليم والمهن المستقبلية وشخصية المتعلمين، والاستفادة المثلى من التقنيات الحديثة، والممكنات الرقمية، تحقيقا للغايات التي تطمح لها بلادنا مستقبلا .
وتأسيسا على ما سبق، أكد رئيس المجلس على أن موضوع هذا اليوم الدراسي، يشكل فرصة مهمة للتداول والنقاش مع أعضاء المجلس والخبراء والمسؤولين القطاعيين، للوقوف على مختلف جوانبه، والإشكالات المرتبطة به، ومحاولة تدارك النقائص والثغرات التي يمكن أن تشوب مشاريع النصوص المعنية به، من أجل تجويدها وإحاطتها بكل ضمانات النجاعة؛ غاية في إرساء نظام جديد وشامل للتوجيه، مرتبط بمشاريع الإصلاح التربوية، وغايات النموذج البيداغوجي، ومستوف لعمق الإصلاح المنتظر الذي جاءت به الرؤية الاستراتيجية والقانون الإطار .
وتناول الكلمة في هذه الجلسة الافتتاحية لليوم الدراسي كل من شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، ويونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، والكاتب العام لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار نيابة عن وزير هذا القطاع.
وبعد ذلك، تواصل الحوار والتبادل بين المُشاركين من مُختلف التخصصات والمشارب، في إطار جلسات مغلقة تضم المحاور التالية: غايات ووظائف منظومة التوجيه؛ ثم نظام التوجيه وعلاقته بالنموذج البيداغوجي؛ وأخيراً حكامة منظومة التوجيه الوطنية.
وللإشارة شارك في هذا اليوم الدراسي ممثلو كل من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو)، وبعثة الاتحاد الأوروبي بالمغرب وممثلو القطاعات الوزارية وأعضاء المجلس وعدد من الخبراء.