في اليوم العالمي للشعر على الشاعر أن يستيقظ قبل العالم ليمسح أثر الجريمة

يأتي اليوم العالمي للشعر اليوم،21 مارس 2024، كما في سنواته الأربع الأخيرة محملا بأسئلة الخراب، منذ وباء كورونا إلى حرب أوكرانيا إلى طوفان غزة. فهل مازال الشعر قادرا على تفكيك خطاب الحرب وإيصال الحواس المتفجرة بالألم إلى قارئه؟ ألا تدفع حرب غزة وكل الحروب التي خاضها الفلسطيني دفاعا عن وطن لم ينضج إلا لغةً في فمه، تدفع الشعر اليوم كتعبير إنساني يتأسس على القيم والحس الإنساني ، إلى كتابة نفسه بشكل مختلف يلتحم فيه مع الألم الإنساني الأكبر الذي يواجهه العالم في مواجهة منطق القوة والهيمنة؟
أي سردية مازال بمُكنتها، إبداعيا، أن تنقل كل هذه الفيوض من لغة الحواس والأجساد التي تصرخ دماؤها الملتحمة بجذور الأرض، رافضة اقتلاع الروح من جسد الأرض الأم بعد أن فشلت  اللغة السياسية والسياسيون في مواجهة جحيم الحرب والدمار؟ وأي لغة بمقدورها أن تترجم هذه التراجيديا الإنسانية المكتوبة بالدم والتراب ونحيب الأطفال والأشلاء بعد أن فشلت لغة السياسي، الباردة، في أداء هذه الرسالة وفي وقف جشع رجال يرتدون الدم والحروب؟ وأي قصيدة يتسع صدرها للصور والذكريات والحنين والجدران ورائحة الأمهات؟ وهل على الشاعر أن يستيقظ باكرا، قبل العالم، ليكنس هذا الخراب ويمسح أثر الجريمة؟
هذه اللغة كما كتب الشاعر الإيطالي الكبير جوزيبي كونتي بعد أن اختاره بيت الشعر في المغرب، ليقول كلمة الشعراء، هي لغة الشعر.. «الشّعر كجوهر للإنساني: جوهر الأخوة بين جميع البشر، وجوهر الأخوة بين جميع البشر والعالم الطبيعي والكوكب. الشّعر هو طاقة اللغة، والروح، والحلم، واليوتوبيا، هو كلّ شيءٍ مقدّس وحُر ظل بيننا. لنحبَّه، ولنحتفيَ به مع وصول الاعتدال الربيعي الذي لا يزال وعْدا دائما بمزيدٍ من الضوء والازدهارات الجديدة. ندعُو إلى وقف إطلاق النار في كلِّ مكان فيه قتل ونرفع علمَ الشعر لنقول:
هنا لا يُمكن ضربُ أي طفل، ولا إطفاء أيُّ حلم بالحياة، ولا إنكارُ كرامة أحد».
وتساءل جوزيبي في كلمته: ماذا يمكنُ للّشعراء أن يقومُوا به في عالمٍ يبدُو متوجّها نحو الكارثة، في حين أنّ حربًا دمويّة تستمرُ في قلب أوروبا، وفي حين يتم افتراض استخدام قنابل ذرية في ظلّ هذيان التهديدات القيّامية، وفي قطاع غزة يستمِرُّ ارتكابُ مجازر وجرائم ضدّ الإنسانية كتلك التي نشهدها كل يوم والتي تزدادُ وحشية وتخريبا؟
ولأنه خلال الحرب، يختبر الإنسان كل المشاعر المختلفة الألم والخوف، التيه، العجز، فإن الشعر كما جاء في كلمة أودري أزولاي، المديرة العامة لليونسكو له وحده «القدرة على مساءلة اليقينيات والمعتقدات الراسخة من أجل أن نظل منفتحين على الآخر، وقبول العالم بكل عناصره المتنوعة، وكلها أسس لا غنى عنها لبناء مجتمعات السلام.» كما أن الاحتفاء به « يُعدّ فرصة لنا جميعاً تمكّننا من التغلغل في القلب النابض بالحياة لذواتنا وللعالم نفسه». على حد تعبير الشاعر والسياسي المارتينيكي العظيم إيميه سيزير، في إطار سيرورة سلام داخلية وكونية على حدّ سواء».
قصيدة العالم اليوم هي قصيدة غزة في مواجهة الإبادة، الإبادة كفعل تدميري للإنسان، للذاكرة، للأمكنة و…للحياة. وهي على خط النار، مطالبة بأن تلبس سترة واقية من الرصاص كي تكتب عن الحب والحزن والفرح المؤجل، وعن الروح كي لا تتعفن. فقطعا، ليست هذه المحرقة، هي الطبعة الأخيرة من الحرب.


بتاريخ : 21/03/2024