في تقديم روايتها الأولى: « أثر الطير» ثريا ماجدولين: الرواية عن امرأة تقف على الحافة ولا تسقط

 

في تقديمها للروائية ثريا ماجدولين ولأثرها الجمالي «أثر الطير»، اعتبرت الإعلامية بالقناة الثانية سعاد زعيترواي، أن الشاعرة ثريا ماجدولين ظلت طيلة تجربتها الشعرية منذ «أوراق الرماد « إلى «لا شئ أجمل»، ظلت « تضيء اللغة من الداخل، وتحول الكلمة إلى نسيج من الشفافية والعمق».
في انتقالها إلى مغامرة السرد من خلال روايتها « أثر الطير»، تقول زعيتراوي، حملت ماجدولين عدتها الشعرية وذخيرة الخيال الشعري لتشيد» بناء سردیا مفعما بالتأمل الوجودي»، فهي لم تسْعَ في عملها هذا إلى «سرد حكاية بقدر ما فتحت مجالا للتأمل في الحكاية نفسها». وبهذا فهي «تعيد للرواية المغربية حيويتها الخلاقة وحساسيتها الشعرية التي تمزج بين الرهافة والوعي في تجربة تزاوج بين الوعي الفني والقلق الوجودي».
من جهته، قارب الكاتب والإعلامي عبد العزيز كوكاس رواية « أثر الطير» من خلال تفكيك ملمحين رئيسيين بها هما: الحقيقة والأثر .
ولفت کوکاس إلى أن الحقيقة في هذه الرواية «تستعاد في تلك المنطقة الملتبسة التي تسبق اللغة وتوقظ الذاكرة»، إذ لا تقدم «أثر الطير» حقيقة بقدر ما تفتح باب السؤال حول «إمكان الحقيقة في عالم تتنازع فيه الخطابات»، وهي أسئلة مفتوحة حول حقيقة الحب، حقيقة السلطة، حقيقة الصحافة…
إن رواية «أثر الطير» تضعنا، يقول كوكاس، «أمام نص يعيد مساءلة العلاقة بين الذاكرة والنسيان، بين الهوية والتشظي من خلال بطلتها الصحافية فريدة «.
إنها رواية لا تسعى إلى التأريخ الواقعي للأحداث، بقدر ما «تحاول اختبار الذاكرة على التحرر من الزمن» ..
وفي ما يخص الأثر، فإن المتدخل توقف عند ارتباط هذا الأخير، أي الأثر، بالذاكرة في الرواية
من خلال الحضور القوي لأفعال التذكر داخل فصولها، ما يجعل الرواية عملا فنيا يترك بصمة خالدة وأثرا خاصا، حيث تتحول معه الرواية الى «أثر مفتوح»، مضيفا أن هذه لا تكتب الرواية لا تكتب عما كانـ بل عن ما لم يعد، و»لا تعيد بالتالي الماضي كما هو وكما حدث بل تخلقه من جديد».
وخلص صاحب «حبل قصير للمشنقة» إلى أن « الذاكرة في الرواية تتخذ «شكل نص يكتب ذاته من داخل النسيان».
ولأن الكتابة تشبه عملية كاتارسيس تضع الذات في مواجهة المرايا العاكسة لصراعاتها وتناقضاتها وحقيقتها، فإن الناقد محمد علوط وضع عينه و»أنامله التي تحت الحراسة النظرية» على أشعة هذا الانعكاس، مبينا أن المحفل الرئيسي في «أثر الطير» هو هذه المرايا التي وردت 84 مرة في الرواية، بما يمكن اعتبارها الكلمة المفتاح في طبوغرافية التخييل
السردي في هذا هذ العمل، بالإضافة إلى ثيمة الإخفاق، حيث يُطلُّ شاهدا على العطب الاجتماعي وانكسار الوعي والواقع، الحب والجسد، القيم والمصير.
وأضاف علوط في مداخلته الموسومة بـ « بين رمزية القربان ورمزية التطهير» أن حبكة الرواية تنهض على مرايا تتكسر، وصورة مرآة كبرى تحاول ترمیم أعطاب الذات والواقع والقيم بواسطة التخييل الروائي.
هذه المرايا المنكسرة لن تلم ثريا ماجدولين شظاياها طيلة أربعة فصول في الرواية إلا في الفصل الخامس بعد تقديم الهوية السردية المتفككة والمتشظية. ففي فصل النهاية، يشير علوط، ستُجَمِّع ثريا ماجدولين الصورة كاملة ما يجعل منه «فصل المصالحة مع الذات، وفصل فض التنازع بين الذات الأنا المرجعي والأنا التخييلي»، وهو الفصل الذي تعْبُر به بالبطلة فريدة من هوية القربان إلى هوية التطهير.
«من النهايات الصغيرة التي بقيت معلقة في القصائد، ولدت « أثر الطير.»
جملة تلخص دوافع الشاعرة ثريا ماجدولين لكتابة الرواية، وهي تجيب عن سؤال واجهته مرارا بعد صدور روایتها، مؤكدة أن تراكم الخسارات التي عاشتها، لم يعد بوسع القصيدة استيعابه لهذا اتجهت نحو رحابة السرد «لتوصيف تجارب الحياة والإمساك بتعقيداتها»، وإعادة تشكيل الواقع من منظور سردي دون ترميز كما في الشعر.
إن كتابة الرواية، حسب ماجدولين، لم تكن قرارا جماليا فقط أو هجرانا، فقد فرضها الإحساس بأن زاوية النظر القديمة لم تعد كافية، ومن ثم «البحث عن شكل تعبيري يتجاوز الإيجاز الشعري».
وفي حديثها عن بطلة الرواية فريدة الصحافية ، أكدت ماجدولين أنها لم تسْعَ الى صورة رسم بطلة، بل كانت تود فقط الحديث عن «امرأة تقف على الحافة ولا تسقط، تقاوم دون أن تتخلى عما تبقى فيها من صدق…عن امرأة تقاوم التلاشي وتستعيد ذاتها في عالم ينزع منها إيقاع الحياة ومعناها».
ثیمات الحرية والنضال والحب والذاكرة التي حفلت بها الرواية، تُستحضَر من زاوية «استعادة الذات عبر الكتابة دون الهروب من الواقع، ومن زاوية توصيف الإحساس الجماعي المتفاقم بالخذلان «. فقد حاولت ثريا الكتابة عن الحرية حين تُقايَض، وعن النضال حين يفقد بوصلته، عن الحب والنسيان، والذاكرة حين تُرْهِق وتُرهَق، عما يوجع على هيئة أثر، كتبت عن بلد تحول إلى سؤال، وتعاملت مع الأحداث السياسية بمنظور سردي فني، هدفها تلمُّسُ أثر هذه الأحداث على الأفراد والجماعات.
كتبت ثريا ماجدولين عن كل هذا، للقبض على ما ينفلت من الزمن، وليس ما يثبته الواقع وتركت فراغات كثيرة عن قصد.. تركتها لذكاء القارئ وتأويله.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 01/11/2025