قدّم الباحث والإعلامي جمال المحافظ كتابه الجديد بعنوان «الإعلام ومونديال 2030»ضمن فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب، يوم الأحد 20 أبريل 2025، وذلك أمام حشد من الإعلاميين، والجامعيين، والفاعلين الجمعويين. وقد قدّم الإعلامي والباحث سعيد منتسب قراءة نقدية للكتاب، شكّلت مدخلًا لمقاربة الأسئلة التي يطرحها المؤلَّف.
يتناول هذا الكتاب، الصادر عن الدكتور جمال المحافظ، جملة من التساؤلات المرتبطة بالتحديات الكبرى التي سيواجهها المغرب في أفق تنظيم كأس العالم 2030، لا سيما تلك المتعلقة بالجوانب غير الرياضية، ويتساءل المؤلف:
هل إعلامنا مؤهل لخوض هذا التحدي؟
وهل تم توفير الوسائل الكفيلة بمشاركته الفعلية في هذا الحدث التاريخي؟
وهل يدرك المسؤولون عن هذا الورش الوطني أهمية الرهانات المطروحة وضرورة إشراك مختلف الفاعلين لإنجاح محطة 2030؟
في هذا الإطار، يطرح الدكتور جمال المحافظ سؤالًا جوهريًا، ينطلق من تصوّر فلسفي عميق، يرتبط بما سمّاه جيل دولوز «مجتمع السيطرة»، أو ما أشار إليه ميشيل فوكو بـ»المجتمعات التأديبية». والسؤال هو: هل من الممكن ممارسة سيطرة إعلامية مستمرة على «الفضاء الخاص بالمونديال»، بوصفه فضاءً مشتركًا تعبره اختلافات ثقافية وهوياتية، في لحظة يتسم فيها العالم بالاتصال الفوري والتداخل المتسارع للثقافات، المتصادمة أحيانًا؟
ثم، هل يستطيع الإعلام أن يُساهم في «تهدئة الاختراقات الثقافية» التي تُعد جزءًا لا يتجزأ من طبيعة المونديال؟
يؤكد سعيد منتسب في تقديمه للكتاب أن هذا الإشكال هو جوهر الكتاب، الذي قُسِّم إلى جزأين دالّين:وهل ستتأهل الصحافة للنهائيات؟والإعلام أفقًا للتفكّر». ومن هنا، يتضح أن هناك شروطًا أساسية لا يمكن تجاوزها، تفرضها اللحظة الكروية الاستثنائية. فـ»التأهيل» الإعلامي لا بد أن ينطلق من تفكير عميق في السياق الثقافي والاجتماعي والقانوني، وكذلك في طبيعة الوعي المحلي وسلوكياته. وهذا، حسب المؤلف، يتطلب العودة إلى الممكن وتطوير أدوات جديدة لمواجهة تحديات جديدة
ومن هنا ينبثق سؤال آخر محوري، يضيف منتسب مفاده: ما الذي ننتظره من الإعلام الوطني خلال لحظة المونديال؟
وهل هو قادر على تحقيق التميز؟ وهل يستطيع الأداء المهني أن يُخفف من حدة الصدامات الثقافية الناتجة عن اجتماع ثقافات متباينة في فضاء جغرافي واحد؟
ثم، هل يمكن لهذا الإعلام أن يخلق ميدانًا ثالثًا للحوار والتعايش، واحترام مبدأ الاختلاف والحقوق المتعارف عليها دوليًا، بالنظر إلى أن المونديال هو فضاء رمزي تتجلى فيه التوترات والهويات الثقافية والجنسانية؟
الكاتب جمال المحافظ يدرك تمامًا أن تحديات كأس العالم تقتضي استراتيجية متعددة الأبعاد، كما أنه يُقر بأن هذه التظاهرة لا تقتصر على الجانب الرياضي فقط، بل تمتد إلى ما هو سياسي، ثقافي، واقتصادي.
فكأس العالم ليس مجرد كرة وملعب وجمهور وكأس، بل هو أيضًا ما يحدث خارج المستطيل الأخضر، أي ما يُطلق عليه السينمائيون «خارج الحقل». وهذا بالتحديد ما يسميه المؤلف: نجاح «إخضاع الاختلاف للتشابه» من خلال التعامل مع المونديال كـ»كرنفال للهويات»، أو كتجمّع احتفالي لإبراز المشترك، وتجاوز التناقضات.
يُلاحظ الباحث أيضًا أن أداء الصحافة الرياضية لا يزال دون المستوى المطلوب، نظرًا لضعف المحتوى والمضامين، التي تنحصر غالبًا في تغطية النتائج والأخبار، في وقت بات فيه الجمهور يتلقى هذه المعلومات مباشرة عبر الوسائط الرقمية المتاحة للجميع.
ينبّه جمال المحافظ في كتابه إلى أن المونديال يُعد فرصة تاريخية للمغرب، وفرصة فاصلة بين مغربين: مغرب الانغلاق ومغرب الانفتاح، مما يستدعي الانتقال من بيئة تقوم على المراقبة والضبط، إلى بيئة إعلامية حرة تنفتح على جمهور غير منقاد، أكثر وعيًا ومطالبة بالجودة والمهنية.
ويختم سعيد منتسب مداخلته بالتأكيد على أن أحد لا يستطيع التنبؤ بما سيحمله مونديال 2030 من مظاهر ثقافية غير مألوفة، ولكن الإعلام مطالب، بكل الإمكانات المتاحة، بالعمل على تجنّب الانزلاقات التي قد تخرج عن السيطرة، والحدّ من تأثير الاختلاف الثقافي المتفجر، ذلك لأن الإعلام، بحسب جمال المحافظ، هو الضامن الثقافي الأول لسلوك الجمهور داخل الملاعب، وهو أيضًا الحصن الذي يقي من الاصطدام العنيف بين التعبيرات الثقافية المختلفة: الشعارات، الأغاني، التيفوهات، وغيرها.