في تقرير لمرصد العمل الحكومي : غياب الثقة لدى فئات واسعة من المجتمع بخصوص ورش الحماية الاجتماعية

نظام المعاشات يواجه خطر الإفلاس بحلول سنة 2028
الحكومة مطالبة بحوالي 143 مليار درهم من أجل تحقيق التأمين الطاقي
التشغيل من أبرز نقاط ضعف الحكومة ونسبة البطالة وصلت مستويات مقلقة بنسبة %13،7

 

الاحتقان الاجتماعي يصل إلى مستويات غير مسبوقة في مختلف القطاعات وتزايد المطالب الاجتماعية وتأثير ارتفاع الأسعار ومستويات التضخم على القدرة الشرائية

مستويات الديون ترتفع إلى مستويات غير قابلة للاستدامة وصلت إلى 69% من الناتج الداخلي الخام مما يؤثر على التصنيف الائتماني للبلاد ويحد من قدرتها على الاقتراض بشروط ميسرة مستقبلا

الفساد في عهد الحكومة الحالية وصل إلى مستويات خطيرة تهدد الاقتصاد الوطني واستقرار المجتمع

 

كشف مرصد العمل الحكومي التابع لمركز الحياة لتنمية المجتمع المدني ، في ورقة سياسية حول تحديات الدخول السياسي في ظل السنة الرابعة من ولاية
حكومة عزيز أخنوش في عامها الرابع، عن مجموعة من التحديات المعقدة التي تضع استقرار المغرب ومستقبله الاقتصادي والاجتماعي على المحك، ويأتي في مقدمة هذه التحديات تفشي الفساد، الذي يُعتبر من أبرز المعيقات أمام التنمية، حيث تشير التقارير إلى أن كلفة الفساد في المغرب تتجاوز 50 مليار درهم سنويًا، مما يؤثر سلبًا على الموارد المالية للدولة وفرص تحسين مستوى معيشة المواطنين.
ومن التحديات الأخرى التي تواجه الحكومة الحالية وفق ما جاء في الورقة السياسية لمرصد العمل الحكومي، التحدي الكببر المتعلق بتوفير الموارد المالية اللازمة لمشاريع الإصلاح والتنمية، في ظل ارتفاع النفقات الحكومية وضغوط الالتزامات الاجتماعية، ما يتطلب تحقيق توازن دقيق بين الوفاء بالتزامات التنمية والحفاظ على الانضباط المالي، مع ضرورة تعزيز العائدات الضريبية وتشجيع الاستثمارات الأجنبية.
وفيما يتعلق بالحماية الاجتماعية، يرى المرصد أن ورش الحماية الاجتماعية الذي أطلقته الحكومة، يواجه تحديات تتعلق بالاستدامة المالية وفعالية آليات تحصيل الاشتراكات، ما يُشكل ملف إصلاح التقاعد أزمة معقدة تستلزم حلولاً عاجلة، إذ يواجه نظام المعاشات خطر الإفلاس بحلول عام 2028، مما يتطلب إصلاحات جذرية تضمن حقوق المتقاعدين وتوازن النظام المالي.
التحديات التي عددتها الورقة السياسية لاتقتصر على الجوانب المالية والإصلاحية، بل تشمل أيضا قطاع الطاقة والماء، حيث يُعد التحول الطاقي ضرورة ملحة لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على المصادر التقليدية، ويتطلب ذلك استثمارات ضخمة وتطوير بنية تحتية فعالة، بينما تزداد أزمة المياه تعقيدًا في ظل التغيرات المناخية،لكن يبقى التشغيل من أبرز النقاط الضعيفة، إذ تسجل البلاد مستويات مقلقة من البطالة، تتجاوز 13.7%، مما يستدعي تدخلا عاجلا لتعزيز التشغيل وتحسين الظروف المعيشية للفئات الهشة. ويُعد تعزيز القوانين الاجتماعية ضرورة حيوية لتوفير بيئة عمل مناسبة تُحفز الاستثمارات وتضمن حقوق العمال.
هذه التحديات يرى مرصد العمل الحكومي تجتمع لتشكل مشهدا معقدا يتطلب استجابة شاملة وفعالة من الحكومة، حيث ينبغي عليها تعزيز الثقة بين المواطنين والدولة، والاستثمار في مشاريع تنموية تساهم في تحسين جودة الحياة.
ورصد مركز الحياة لتنمية المجتمع المدني ،تغول الفساد،الذي وصل إلى مستويات خطيرة تهدد الاقتصاد الوطني واستقرار المجتمع،حيث بلغت كلفة الفساد في المغرب ما يزيد عن 50 مليار درهم سنويًا، وهو ما يشكل نزيفًا حقيقيًا لموارد الدولة، ويؤثر بشكل مباشر على فرص التنمية الاقتصادية وتحسين مستوى معيشة المواطنين، وازداد الوضع تعقيدا يضيف المركز،مع تراجع تصنيف المغرب في مؤشر إدراك الفساد العالمي، حيث انخفض ترتيبه من المرتبة 73 إلى المرتبة 97 عالميا في غضون خمس سنوات، مما يعكس انتشارا متزايدا للفساد في مختلف القطاعات وضعف الجهود الرامية إلى محاربته.
ورأى المرصد أن حكومة أخنوش، لم تتمكن حتى الآن من تقديم تصور واضح وفعّال لمواجهة الفساد والحد من تداعياته، بل على العكس من ذلك، أشار تقرير الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها لعام 2023 إلى عدم انخراط المؤسسات الحكومية والإدارية بالشكل المطلوب في تفعيل استراتيجية محاربة الفساد التي تم وضعها منذ سنوات، حيث يظهر التقرير غياب الالتزام الفعلي من طرف الجهات المسؤولة في تنفيذ التدابير والإجراءات الموصي بها، مما يُفاقم من انتشار الفساد ويُضعف من فعالية السياسات الرامية إلى تحسين الحكامة، ما يزيد من التحديات التي تواجهها الحكومة، حيث يضعها تحت ضغط متزايد لإيجاد حلول سريعة وملموسة تعيد الثقة للمواطنين وتساهم في تحسين مناخ الأعمال وجذب الاستثمارات.
وبخصوص الموارد الماليةوالحفاظ على التوازنات، سجل مرصد العمل الحكومي، زيادة النفقات الحكومية نتيجة لمشاريع الإصلاح والتنمية التي أطلقتها الحكومة تتطلب تمويلا أكبر، مما يضعها أمام تحدي كبير يتعلق بإيجاد مصادر تمويل مستدامة للحفاظ على وتيرة تنفيذ هذه المشاريع دون التأثير سلبا على استقرار الميزانية العامة، حيث تواجه الحكومة ضغوطا لتحقيق توازن بين الوفاء بالتزاماتها التنموية، مثل تحسين البنية التحتية و مشاريع الطاقة و الماء وتطوير قطاعي الصحة والتعليم والقدرة الشرائية للمواطنين و تحسين الدخل ، وبين الحفاظ على الانضباط المالي وخفض العجز، حيث يصبح البحث عن موارد جديدة مسألة ضرورية، سواء من خلال تعزيز العائدات الضريبية بطرق أكثر فعالية وعدالة، أو عبر تشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي يمكن أن تساهم في تمويل المشاريع الكبرى ، والاستفادة من التمويلات الدولية، سواء من خلال القروض الميسرة أو الشراكات مع مؤسسات مالية عالمية.
وبخصوص الخيارات،دعا المرصد إلى إدارة حذرة لضمان عدم ارتفاع مستويات الديون إلى مستويات غير قابلة للاستدامة (تصل نسبة الاستدانة في المغرب الى 69 في المئة من الناتج الداخلي الخام)، مما قد يؤثر على التصنيف الائتماني للبلاد ويحد من قدرتها على الاقتراض في المستقبل بشروط ميسرة، كل ذلك يجعل من الضروري تحسين فعالية الإنفاق العمومي وضمان توجيهه نحو القطاعات الأكثر أولوية وتأثيرا على التنمية، مما يساهم في تحقيق أهداف النمو الاقتصادي دون الإخلال بالتوازن المالي.
أما بالنسبة لورش الحماية الاجتماعية ،يقر المركز إلى أن هذا الورش الذي أطلقه المغرب ،يواجه تحديا كبيرا يتعلق بضمان الاستدامة المالية، حيث تصل كلفة هذا المشروع إلى حوالي 51 مليار درهم سنويًا، تُمول من خلال مساهمات الدولة إلى جانب اشتراكات المنخرطين، إلا أن تقرير المجلس الأعلى للحسابات كشف عن وجود خلل كبير في آلية تحصيل الاشتراكات، إذ أن إيرادات الاشتراكات لم تتجاوز نسبة 27 في المئة من إجمالي المشتركين المستهدفين.
هذا الواقع وفق الورقة السياسية، يثير تساؤلات جوهرية حول مدى انخراط المغاربة في هذا المشروع الوطني، ومدى فعالية السياسات المتبعة لضمان مشاركة أوسع وشاملة، فضعف الإقبال على الاشتراك يرى المرصد يعكس غياب الثقة لدى فئات واسعة من المجتمع، خاصة في ظل غياب إصلاحات مرافقة تزيد من جاذبية الورش وعدالته، وهو ما لم تعالجه حكومة عزيز أخنوش بشكل كاف، حيث أن تحسين جاذبية هذا المشروع يتطلب إجراءات فعالة تسهم في تحسين التواصل حول فوائده وتعزيز العدالة الاجتماعية بين مختلف الفئات، مما يشجع المواطنين على الانخراط والمساهمة بشكل أكبر في هذا النظام، فمن دون هذه الإصلاحات، يبقى المشروع معرضا لضغوط مالية متزايدة قد تؤثر على استدامته، وهو ما يهدد بتحقيق أهدافه في تحسين الحماية الاجتماعية وتوسيع نطاقها ليشمل الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع.
وحذر مرصد العمل الحكومي من خطر الإفلاس الذي يهدد إصلاح التقاعد،حيث يرى أن هذه الأزمة المعقدة ، تتطلب حلولا عاجلة ومستدامة، حيث يواجه نظام المعاشات المدنية خطر الإفلاس بحلول سنة 2028، إذ من المتوقع أن يستنفد هذا النظام كامل احتياطاته، مما سيجبر الدولة على ضخ ما يقرب من 14 مليار درهم سنويا للحفاظ على استمرارية صرف المعاشات لفائدة المتقاعدين.
ودعا المرصد بخصوص ملف الطاقة والماء، إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وفعالة للتغلب عليها، ففي مجال الطاقة، يجب تقليص الاعتماد على الطاقة الأحفورية التي تساهم في عجز الميزانية، حيث تشير التقديرات إلى أن تكاليف الطاقة التقليدية تمثل حوالي 50% من إجمالي العجز في الميزان التجاري، و لتحقيق أهداف الطاقة المتجددة، يتوجب على الحكومة العمل على هدف بلوغ 52% من المزيج الطاقي الوطني بحلول عام 2030، وهو ما يستلزم استثمارات ضخمة تُقدر بحوالي 143 مليار درهم. تحقيق هذا الهدف يتطلب تحسين البنية التحتية، بما في ذلك تطوير محطات الطاقة الشمسية والريحية وتطوير عرض المغرب (الهيدروجين الأخضر)، إلى جانب توفير التمويلات اللازمة من القطاع الخاص والجهات الدولية، حيث يُعتبر جذب الاستثمارات أحد العناصر الأساسية لنجاح هذا التحول.
أما في مجال الماء، فإن الأزمة يقول المرصد، تزداد تعقيدا بسبب التغيرات المناخية ونقص الموارد المائية. ووفقا للتقديرات ، يُتوقع أن يرتفع الطلب على المياه في المغرب بنسبة 30% بحلول عام 2030، مما يفرض ضغطا إضافيا على الموارد المائية المتاحة، ولمواجهة هذه التحديات، تسعى الحكومة إلى إنشاء 36 محطة لتحلية مياه البحر بحلول عام 2030، والتي تتطلب استثمارات ضخمة تقدر بحوالي 10 مليارات درهم، هذا بالإضافة إلى مشاريع الربط المائي بين الأحواض المائية، التي تتطلب استثمارًا إضافيًا قدره 20 مليار درهم، ويُعتبر التنسيق بين القطاعات المختلفة تحديا كبيرا في هذا السياق، إذ أن عدم التنسيق بين الوزارات المعنية يؤثر سلبا على فعالية البرامج والمشاريع المائية والطاقية، مما يستلزم ضرورة تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وأكد مركز الحياة لتنمية المجتمع المدني، أن من أبرز نقاط ضعف حكومة عزيز أخنوش،يبقى ملف التشغيل، حيث تُسجل البلاد مستويات مقلقة من نسبة البطالة، إذ وصلت هذه النسبة إلى 13.7% كرقم قياسي، مما يثير مخاوف كبيرة بشأن القدرة على توفير فرص الشغل للشباب، بالإضافة إلى ذلك، يواجه المغرب تحديا آخر يتمثل في تزايد أعداد الشباب الذين لا يعملون ولا يتلقون التعليم أو التدريب (NEET) الذين بلغوا أزيد من مليون ونصف، مما يعكس فشل المنظومة في تلبية احتياجات فئة حيوية من المجتمع.
في ظل توالي الأزمات الاقتصادية الدولية والجفاف الذي أثر بشكل كبير على الأنشطة الاقتصادية، وخاصة في القطاع الفلاحي ، انخفض عدد مناصب الشغل في المجال القروي بأكثر من 160 ألف منصب، مما يزيد من حدة أزمة البطالة.
وتواجه الحكومة مجموعة من التحديات البارزة المتعلقة بالقوانين الاجتماعية، والتي تمثل عوامل حاسمة في تعزيز مناخ الأعمال وتحقيق العدالة الاجتماعية في المغرب، حيث تعتبر قضايا مثل قانون الإضراب، وتعديل مدونة الشغل، وتنظيم عمل النقابات من الملفات الحيوية التي تعكس التزام الحكومة بتحسين ظروف العمل وتعزيز حقوق العمال، ورغم تضمين هذه القضايا في اتفاق الحوار الاجتماعي، فإن الحكومة لم تُحرز تقدما ملموسا في معالجتها، مما يُثير تساؤلات حول قدرة الحكومة على تنفيذ هذه الالتزامات.
ولم يفت المرصد التطرق إلى الاحتقان الاجتماعي الذي يرى أنه يتزايد يشكل مقلق، حيث تواجه الحكومة ،حالة احتقان اجتماعي غير مسبوقة في مختلف القطاعات، وتعكس هذه الأوضاع الصعبة تزايد المطالب الاجتماعية من قبل المواطنين نحو زيادة الأجور، وتحسين مستوى الدخل، والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، وهو ما يضع الحكومة أمام تحديات كبيرة.، إذ تتطلب الاستجابة لها زيادة في الميزانيات المخصصة للبرامج الاجتماعية، مما يرفع من مخاطر الالتزامات المالية للحكومة.
يضاف إلى هذه التحديات وفق الورقة السياسية، تأثير ارتفاع الأسعار ومستويات التضخم على القدرة الشرائية للمواطنين.إذ شهد المغرب خلال الفترة الأخيرة زيادة ملحوظة في الأسعار، لا سيما في المواد الغذائية والطاقة، مما أثر سلبا على حياة الأسر المغربية،كما يُعتبر التضخم أحد العوامل الرئيسية التي تضعف القوة الشرائية، مما يجعل من الصعب على المواطنين تلبية احتياجاتهم الأساسية، وبهذا، يصبح تحقيق الاستقرار الاجتماعي أمرا بالغ الأهمية لضمان تمكين المغاربة من شروط حياة كريمة.
ودعا المرصد إلى تبني سياسات اقتصادية فعالة تتضمن إصلاحات هيكلية تهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل، كما ينبغي للحكومة أن تعمل على تحسين الظروف المعيشية للفئات الأكثر هشاشة، بما في ذلك الفئات العاملة في القطاعات غير المهيكلة.
ورأى المركز أنه يتوجب على الحكومة أن تُظهر جدية في التعامل مع هذه التحديات، وأن تتبنى مقاربات شاملة تتضمن إشراك جميع الفاعلين الاجتماعيين، بما في ذلك النقابات والهيئات المدنية، من أجل تحقيق التوازن بين مطالب المواطنين وقدرة الدولة على الاستجابة لها، فالنجاح في هذا المجال يقول المرصد، سيكون له تأثيرات إيجابية على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في المغرب، مما يعزز من ثقة المواطنين ويحقق أهداف التنمية المستدامة.


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 16/10/2024