جماهري: حياة مترامية المعنى والشساعة
ماء العينين: مشروع نقدي ريادي، مغربيا وعربيا
أيت لعميم: قدرة متميزة على تجديد النظر في قضايا الكتابة النسائية
احتفى معرض الكتاب بالرباط في دورته الثلاثين يوم الأحد 27 أبريل الجاري، بمسار امرأة استثنائية، في الكتابة والسياسة والفعل المدني، مسار الكاتبة والناقدة رشيدة بنمسعود التي وعت سلطة اللغة وارتباطاتها الإيديولوجية، ووعت سلطة المهيمنة الذكورية، وأسئلة الكتابة النسائية والجندر في إطار رؤية للعالم تشتغل على الجسد وتفجر اللغة في سياق الحديث عنه، وهو ما ظل يشغلها كمشتغلة بالنقد تحاول في أعمالها التصدي لهذا الخطاب وتفكيك هذه المهيمنة الثقافية التي ينبغي إعادة قراءتها على ضوء نماذج نقدية، تعيد في نفس الوقت قراءة التراث والدين والموروث..
اللقاء الاحتفائي شارك فيه كل من الشاعر والإعلامي والسياسي عبد الحميد جماهري، الناقدة العالية ماء العينين، والناقد محمد ايت لعميم، وسير فقراته البلاغي محمد الولي.
وجد الشاعر والإعلامي عبد الحميد جماهري نفسه في حيرة أمام الأبواب المتعددة التي تقوده إلى حياة المحتفى بها «تلك الحياة المترامية المعنى والشساعة التي من المستحيل تلخيصها»، مضيفا أن تجربتها فريدة متعددة تعدد اهتماماتها «من العمل الحقوقي إلى العمل الثقافي، من اتحاد الكتّاب إلى الجمعيات، من العمل الديمقراطي في معبده السياسي، الحزبي، والنقابي، والمؤسساتي في البرلمان، إلى العمل الجماعي في القضايا النسائية»، ما يجعلها «أجيالا من النساء في أنثوية واحدة»، متسائلا: «كيف استطاعت هي، الواحدة، أن تعيش تعددها، فتعيش الممكنات الكثيرة في تعدديتها، وتربّت عليها لكي تتعايش جنباً إلى جنب في شخصيتها الوحيدة والفردية؟».
إن هذا التعدد، حسب جماهري، والذي يبرز فرادة تجربة صاحبة «جماليات السرد النسائي» «جعل ذاتها تتوزع بين هويات متعددة في الفعل كما في التفكير: في وقت كانت رفيقاتها، أجيالا وأفرادا، منهن من تستنفذ العمر كله في المتاريس السياسية لوحدها، ومنهن من استغرقتها دروب وتدريبات الجبهات التنظيمية، ومنهن من لم تغادر معسكرات المعارك الثقافية..» وفي كل هذه الجبهات، يضيف «رشيدة كانت كل هذا الأعمار، وهاته الأجيال دفعة واحدة».
من جانبها، لفتت الباحثة والأكاديمية العالية ماء العينين إلى ريادة المشروع النقدي للناقدة رشيدة بنمسعود ، التي» كرست بصمتها كناقدة في مسار النقد الأدبي في المغرب عموماً، وبالنسبة للنساء بشكل خاص. فهي، وإن كانت جزءاً من حركة نقدية نسائية عربية، إلا أنها حققت الريادة في مشروعها النقدي».. مشروع يأتي ضمن مسار موسوم بـ» بالمسؤولية وروح المبادرة إبداعيا وفكريا وتنظيميا».
وأضافت ماء العينين أن «بنمسعود كانت من اللواتي فتحن أعينهن على السؤال والتساؤل، في وسط عزَّز في روحها أهمية المعرفة» خاصة في جو يؤمن بأهمية تعليم المرأة، وهو ما وجّه كتاباتها ووعيها، قبلاَ، إلى الإضاءة على تجارب نسائية مغمورة «تحت وطأة التّحجّر والتسلط».
الناقد وأستاذ التعليم العالي محمد أيت لعميم توقف في مسار المحتفى بها عند صورة «المثقفة الطليعية والمناضلة المتزنة التي راكمت خبرات معرفية أثناء تكوينها العلمي بين جامعة ظهر المهراز بفاس وبين باريس التي عشقتها قبل الذهاب إليها بعدما قرأت رحلة الطهطاوي ورواية «الحي اللاتيني» لسهيل إدريس»، لافتا إلى أن تكوينها سواء بالكوليج دوفرانس أو معاهد ثقافية أخرى وحضورها دروس ومحاضرات لكبار النقاد والمفكرين مكنها من « أن تؤسس لنفسها مسارا ومشروعا نقديا وفكريا من خلاله ترافعت عن قضايا المرأة في المغرب وفي العالم العربي» وهو ما جعلها كتابها «المرأة والكتابة: سؤال الخصوصية وبلاغة الاختلاف»، عمدة الدراسات في الكتابة النسائية وهو الكتاب الذي اعتبر أيت لعميم أنه « جاء الكتاب ناضجا منذ الطلقة الأولى وكان ملهما لتوالي الدراسات في هذا الموضوع لاسيما في الشرق» .
وتوقف آيت لعميم، مليا، عند القضايا التي طرحها هذا الكتاب بنفس نقدي مختلف عن المقاربات السابقة، وأولها «الكشف عن خصوصية الكتابة النسائية ومساءلة التراث الأدبي عن حدود وإمكانية وجود أدب نسائي متميز بغية التأريخ لهذا السؤال، وتجاوز المنظور النقدي الذكوري الفحولي الذي يحاول أن يجعل المرأة المبدعة مجرد صدى واسترجاعٍ لما يكتبه الرجل».
وقد ختم أيت لعميم حديثه عن هذا المنجز بكون رشيدة بنمسعود تميزت في بحثها الرصين هذا « بهدوء في بسط الحجج المعتمدة على أسس تحليلية تنهل من نتائج السيميائيات ومن فتوحات النقد الموضوعاتي ومن آليات السردياتي». وكل هذا التنوع في المقاربات ينم «عن مظاهر الوعي النقدي لدى بنمسعود كونها تحترس من الذهاب إلى أن هناك تجزيئا قطعيا بين الكتابة النسائية والكتابة الرجالية «، محاولة فهم ومناقشة الاختلاف والتعدد داخل الوحدة ، وعي عزز مسارها ومشروعها بكتاب آخر يحمل عنوان « جمالية السرد النسائي» الذي «ابتعدت فيه عن الأسئلة النظرية وعن اجترار الأسئلة التقليدية وإنتاج الخطاب السجالي، ساعية «إلى «تعميق أطروحتها والوقوف عيانا على طبيعة الكتابة النسائية ومغايرتها» ، ما أكسبها قدرة على تجديد النظر في قضايا الكتابة النسائية التي كانت مثار إشكالات وأسئلة مزمنة.