في جلسة مناقشة تجربة المغرب في الإصلاحات: بنموسى .. النموذج التنموي الجديد يروم تحقيق التكامل بين الدولة والمجتمع

وزيرة المالية البولندية: شرط نجاح الإصلاح أن تعود منافع النمو على الجميع البروفيسور ريكاردو هاوسمن: الأساسي هو ردم فجوة الدخل

 

تتواصل بمراكش أشغال الاجتماعات السنوية لمجموعة صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، التي انطلقت يوم الاثنين 09 أكتوبر الجاري وتستمر إلى 15 منه، وتلتئم بمشاركة حوالي 14 ألف مشارك من وفود رسمية وممثلي القطاع الخاص والمجتمع المدني، حول عدد من اللقاءات والندوات الموضوعاتية التي تهم تمويل التنمية في البلدان النامية، والعمل المناخي، والشمول المالي، ومعالجة قضية الديون، وتحليل الاتجاهات العامة للنمو، وغيرها.
وتميز اليوم الأول من هذه الاجتماعات بعقد لقاء لتقديم الكتاب الذي أصدره صندوق النقد الدولي حول تجربة المغرب في الإصلاحات الاقتصادية، والذي حرره روبرتو كارداريللي وتالين كورنشليان، بعنوان « جهود المغرب من أجل نمو أكثر قوة وشمولا.» وساهم فيه عدد من الأكاديميين والمحللين الماليين والخبراء الدوليين.
ويؤكد الكتاب أنه علـى مـدار العقـود الثلاثـة الماضيـة، خـاض المغـرب رحلـة مميـزة نحـو تحقيـق اسـتقرار الاقتصـاد والتنميـة الاقتصاديـة. موضحا أنه فـي أعقـاب حقبـة الثمانينيـات المضطربـة، عندمـا اسـتلزمت مواجهـة الاختلالات الحـادة فـي الاقتصـاد الكلـي برامـج تصحيـح يدعمهـا صنـدوق النقـد الدولـي، اتسـمت العقـود الثلاثـة الماضيـة باسـتقرار اقتصـادي كبيـر، وتقـدم مطـرد فـي تحسـين مسـتويات المعيشـة. وقـد أمكـن تحقيـق هذيـن الأمرين بفضـل اتبـاع منهـج متحفـظ نحـو سياسـة الماليـة العامـة، وبرنامـج فعـال للاسـتثمارات العامـة أدى إلـى تحسـين البنيـة التحتيـة، وسلسـلة مـن الإصلاحـات التـي نتـج عنهـا: تحديـث السياسـة النقديـة وأطـر الرقابـة الماليـة، وفتـح البـلاد أمـام التجـارة الدوليـة وجـذب المسـتثمرين الأجانـب، وتعزيـز حوكمـة الإدارة العامـة تدريجيـا.
ويسجل الكتاب أنه وليـس مـن قبيـل المصادفـة أن يحصـل المغـرب، بفضـل هـذا التقـدم واعترافـا بكفـاءة مؤسسـاته الاقتصاديـة، علـى ترتيـب خـط ائتمـان مـرن مـع صنـدوق النقـد الدولـي فـي عـام 2023، وهـو خـط ائتمـان وقائـي يخصـص للبلـدان التـي لديها سياسات وأطر مؤسسية قوية للغاية.
ويؤكد الكتاب أنه علـى الرغـم مـن هذه المجهودات، لا يـزال أمـام المغـرب شـوط طويـل فـي سـعيه لتحقيـق نمـو قـوي وقـادر علـى الصمـود وشـامل للجميـع. فقـد تباطـأت وتيـرة تقـارب الدخـل مـع مسـتويات الدخـل فـي الاقتصـادات المتقدمـة علـى مـدى السـنوات الخمـس عشـرة الماضيـة بعـد تسـارعها فـي العِقـد الأول مـن الألفية الجديـدة. وعلـى الرغـم مـن أن منافـع التنميـة الاقتصادية تُعـد أفضـل ممـا كانـت عليـه منـذ عِقـد مضـى، فإنهـا لا تـزال بعيـدة المنـال عـن جـزء كبيـر مـن سـكان المغـرب، ولاسـيما الشـباب والنسـاء، نظـرا لارتفـاع نسـبة البطالـة بينهـم ووجـود قطـاع اقتصادي غير رسمي كبير.
ويلاحظ الكتاب أنه علـى الرغـم مـن أن المغـرب ليـس البلـد الوحيـد فـي العالـم الـذي يكافـح مـن أجـل ضمـان فـرص أكبـر وأكثـر عدالـة لمواطنيـه، فـإن تجربتـه تتميـز بـإدراك صنـاع السياسـات أن التصـدي لهـذه القضايـا سـيتطلب سلسـلة جديـدة مـن الإصلاحـات الجريئـة والطموحـة. موضحا أنه، بـدءا مـن عـام ،2020 ولاحقا فـي خضـم جائحـة كوفيـد19- وأكبـر حالـة ركـود يشـهدها المغـرب فـي تاريخـه الحديـث، أعلنـت السـلطات تنفيـذ سلسـلة مـن الإصلاحـات الشـاملة التـي مـن شـأنها أن تمكـن البـلاد مـن التحـول إلـى النموذج التنموي الجديد ، ويعتمـد هـذا التحـول علـى مبـدأ أساسـي، وهـو أن النمـو الاقتصـادي فـي المسـتقبل سـيتحقق علـى نحـو متزايـد عـن طريـق اسـتثمارات القطـاع الخـاص، وتراكـم أقـوى لـرأس المـال البشـري، ومزيـد مـن مشـاركة المـرأة فـي الحيـاة الاقتصاديـة، ونظـام حمايـة اجتماعيـة يتسـم بالكفـاءة فـي اسـتهداف الفئـات التـي هـي بالفعـل بحاجـة لدعـم مـن الدولـة، وقطـاع مالـي يجمـع بيـن الاسـتقرار والديناميكيـة فـي تخصيـص المـوارد، وتقـدم مسـتمر فـي تعزيـز حوكمـة المؤسسات العامة.
وفي جلسة المناقشة المواكبة لتقديم الكتاب، والتي ترأسها جهاد عزور، مدير الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في صندوق النقد الدولي، وشارك فيها كل من شكيب بنموسى وزير التعليم، ووزيرة المالية البولندية ماجدالينا رزيكوفسكا، والبروفيسور ريكاردو هاوسمن، وضعت التجربة المغربية في اختبار مجموعة من الأسئلة التي تتعلق بمستقبلها، في مقارنة مع تجارب بلدان أخرى، وفي ارتباط بأسئلة الاقتصاد العالمي وتقلباتها، ومعايير قياس نجاعة الإصلاحات.
وفي سياق إجابته عن أسئلة منشط الندوة، أبرز شكيب بنموسى الذي ترأس لجنة صياغة النموذج التنموي الجديد، مرتكزات الإصلاح التي يستوعبه هذا النموذج، موضحا أنه نموذج للتنمية يروم الاستجابة لتطلعات المغرب في الازدهار، لكنه أيضا مشروع مجتمعي. وأكد في هذا الصدد أن النموذج ينطلق من هوية المغرب وثقافته ومؤسساته القوية، ويهدف إلى تحقيق التكامل بين الدولة والمجتمع، وهو التكامل الذي أظهره الزلزال الأخير، حيث التدخل القوي للدولة وتضامن المجتمع.
واعتبر شكيب بنموسى أن نهج المغرب في التنمية يتدرج في الاستدامة، ويطور القدرات، ويعزز الثقة من خلال تدابير الحكامة الجيدة. مؤكدا أن النموذج التنموي الجديد، يعتبر مرجعا للحكومة والأطراف السياسية، دون أن يكون برنامجا سياسيا.
وأوضح أن منطلقات النهج المغربي في التنمية، تقوم على تحقيق الإصلاحات وفق رؤية شاملة ومتكاملة، يشترط نجاحها في تحقيق أهدافها أن يتم اعتمادها معا، وليس وفق منطق تسلسلي، وتجمع في نفس الوقت بين التضامن والحماية الاجتماعية وتأهيل وضعية المرأة والشباب، وسن السياسات القطاعية القادرة على إحداث النمو، وتدابير الحوكمة الجيدة، والتحول الرقمي وإصلاح العدالة و التعليم…
وأبرز أن المغرب يدرك أن القدرة على تنفيذ الإصلاحات ليست بالضرورة قدرة مالية، وإنما أيضا قدرة مؤسساتية. منبها إلى أهمية بناء إجماع حول الأهداف من الإصلاحات حتى تتمكن من الوصول إليها.
ومن جهتها اعتبرت وزيرة المالية البولندبة ماجدالينا رزيكوفسكا، في سياق أجابتها عن سؤال لمسير الندوة حول السر وراء نجاح الإصلاحات في بولندا وتحولها إلى إحدى أنجح القصص في أوروبا، أن ذلك يعود إلى التحول الديمقراطي، ومفتاحه المجتمع الشامل. حيث أبرزت أن بولندا بفضل الإصلاحات التي نهجتها منذ عقد التسعينيات، كانت البلد الوحيد في الاتحاد الأوروبي الذي تجنب الركود عقب الأزمة المالية العالمية لسنة 2008.
وأكدت الوزيرة البولندية أن نجاح الإصلاح رهين بالإرادة السياسية أولا، ويستدعي شرطا أساسيا هو أن يلمس المواطنون وكل الفئات جدواه، إذ ينبغي أن تكون فوائد النمو شاملة للجميع، حيث تحسن دخل الأفراد وشروط عيشهم.
وبعد تأكيدها أن لكل إصلاح فاتورة سياسية، شددت على أن ذلك ينبغي أن ينتهي بربح كبير للمجتمع والمواطن.
واعتبرت أن أحد مفاتيح نجاح الإصلاح هو التخصيص السليم للأموال العمومية، موضحة أنه لولا انضمام بولندا للاتحاد الأوروبي لما كان بإمكانها تحقيق هذه الإصلاحات وإنجاحها. مشددة على أن الإصلاح يجد أرضية نجاعته في البناء الديمقراطي لمؤسسات قوية، وفي الشمول الاجتماعي، وفي ثقافة تستطيع أن تدعمه.
وبعد تأكيدها على أن من شروط نجاح الإصلاحات، ألا تتم على أساس التضحية بالفئات الضعيفة والهشة، أبرزت الوزيرة البولندية أهمية تحسين بيئة الأعمال، مع إحداث إصلاح عميق للسوق، باعتماد مبادئ الشفافية وتعزيز الثقة في القضاء، وتقوية جاذبية البلاد للاستثمار الأجنبي، الذي ينمو في بولندا ب5 في المائة سنويا، وباستغلال الرقمنة لفرض الامتثال الضريبي، والشرط الأساسي كما قالت « هو جعل النمو مفيدا لجميع الفئات، لا أن يقتصر على فئة بعينها.» مشددا على الدور الحاسم الذي تلعبه السياسات الاجتماعية في هذا الإطار، بالتركيز على الفئات الأكثر عرضة للخطر والأكثر تأثرا بالتحولات.
أما الأكاديمي ريكاردو هاوسمن فانتقد معايير الإصلاح ومسلماته، موضحا أن الأبحاث والدراسات التي أجراها على الإصلاحات الاقتصادية في بلدان العالم، بينت أن حزمة الإصلاحات التي يسلم بأنها محدثة لتغيير حقيقي، كتحسين الولوج إلى الصحة وإدخال المرأة إلى سوق العمل، وتوسيع الاستفادة من التعليم وخاصة في صفوف النساء لأن ذلك يؤدي إلى تخفيف حدة الضغط الديمغرافي، كل ذلك لم يفد في تحقيق الهدف الأساسي، وهو ردم فجوة الدخل. موضحا في هذا السياق أن 40 بالمائة من الدول هي التي تمكنت من تحقيق هذا الهدف، رغم أن البلدان الأخرى حققت الإصلاحات السابقة.
وأكد في السياق نفسه أن الإصلاحات الهيكلية لا تساهم في استراتيجية الرفاه والثروة، معتبرا أن هذه الإصلاحات ليست بدائل وإنما إجراءات مكملة.
وبعد تأكيده أن النمو السيء يدمر الدول، أبرز نماذج من المفارقات التي تتضمنها الرؤية للإصلاح بناء على المسلمات السابقة، حيث قال» يمكننا أن نعلم مزيدا من الأشخاص، لكن إذا كان الاقتصاد غير قادر على استيعابهم، فلن نستفيد منهم . الاقتصاد الشامل يصبح حاجزا في هذه الحالة.»
وقال أيضا « كلما قرأنا شيئا عن الشركات المملوكة للدولة، تتبعها عبارة «خوصصة». لكن ينبغي أن ندرك أن لشركات القطاع العالم دورا مهما في قيادة التحول في سياسات الإنتاج والتصنيع. «
واستمرت فعاليات اليوم الثاني بتنظيم عدد من اللقاءات وفي مقدمتها جلسات الركن التحليلي، الخاصة بالدروس المستخلصة من مائة صدمة، وتحفيز التغيير، مرونة الشركات والتحول الأخضر، وتحديات المناخ في البلدان الهشة.


الكاتب : مراكش: عبد الصمد الكباص

  

بتاريخ : 11/10/2023