أجرت قناة « شوف تيفي» حوارا مطولا مع إدريس لشكر الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لامس فيه عدة قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية في ظل زمن فيروس كورونا المستجد، الذي مازال شبحه جاثما على أنفاس العالم ويخنق مسار الحياة اليومية عبر تداعياته العميقة والمتشابكة وانعكاساته السلبية على كافة الأصعدة وطنيا وجهويا ودوليا.
قال الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، صعب أن ننخرط في أي تكثل سياسي محدود اليوم، ونحن مازلنا في ظل مواجهة فيروس كورونا المستجد، داعيا جميع مكونات الشعب المغربي إلى الانخراط بكل فعالية في المجهود الوطني لهزم الجائحة.
ودعا الكاتب الأول للحزب، في هذا الحوار، الشعب المغربي إلى الوحدة والتضامن وتقوية ثقته في جميع مؤسسات الدولة، وعلى أن تتم هذه الوحدة في إطار سلم اجتماعي يهم كل مختلف مكونات المجتمع المغربي حتى نجتاز هذه الجائحة.
وفي ذات السياق رفض إدريس لشكر الحديث عن رغبة حزب الاتحاد الاشتراكي حاليا التفكير في أي تحالف سياسي مرحلي، خاصة وأن الوضع يتطلب تكاثف الجهود وتعاظمها لمواجهة فيروس كورونا ودعم مؤسسات الدولة لهزم الجائحة، رافضا أيضا أي استغلال سياسي للجائحة التي يعيشها المغاربة والعالم أجمع، من أجل تحقيق مصالح ضيقة حزبية من قبل أي جهة سياسية كانت.
وشدد لشكر على أن المغرب محتاج اليوم لوقت أكثر من مضى إلى الدولة القوية بكل مؤسساتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ونرفض أي مساس بتماسك هذه المؤسسات خاصة في الظرف الحالي، ويجب على البعض أن يعي أن رئيس الحكومة هو المسؤول عن السياسات العمومية، والحزب الأول الذي يقود الحكومة هو المفروض فيه أن يبذل مجهودا للحفاظ على الائتلاف الحكومي، لكن حين يتحلل البعض من هذه الضوابط، فإنه يمس بالمؤسسات، وفزاعة من مثل هذه الممارسات والأفكار للمحافظة على المواقع يجب أن تنتهي، مبرزا في هذا الصدد أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لا يهمه حاليا أين سيكون غدا، بقدر ما يهمنا جيدا أين ستكون البلاد مستقبلا.
الإجماع الوطني والرعاية السامية لليوسفي بمثابة حكم بنجاح حكومة التناوب
وأكد الكاتب الأول للحزب على أن الإجماع الوطني والاحترام والتقدير للقائد الراحل عبد الرحمان اليوسفي من قبل الشعب المغربي وكل مكونات الطيف السياسي، فضلا عن الرعاية الملكية السامية له في حياته، وتكريمه قيد حياته بعدد من المبادرات، وزيارته في المستشفى والتحية الخاصة له من طرف الملك، كل هذا الإجماع الوطني بمثابة حكم سياسي على تجربة حكومة التناوب بقيادة المجاهد الراحل عبد الرحمان اليوسفي الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية آنذاك، هذه التجربة الحكومية التي قادها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في ظروف صعبة للغاية وصفها الملك الراحل الحسن الثاني بأن المغرب مقبل على السكتة القلبية قبل تشكل هذه الحكومة، التي تمكنت من إنقاد البلاد وتأمين الانتقال السياسي للسلطة ووضعها على سكة الانتقال الديمقراطي.
علاقة الراحل السي اليوسفي
بالكاتب الأول للحزب الحالي
وسخر الكاتب الأول للحزب ممن يدعون أن الراحل اليوسفي كان له خلافات مع قيادة الاتحاد الاشتراكي الحالية، مبرزا أن الكاتب الأول الحالي إدريس لشكر والكاتب الأول للحزب السابق الراحل عبد الرحمان اليوسفي، ينتميان لجيل مختلفين، مشيرا إلى أن القيادي السي اليوسفي في الوقت الذي أسس فيه حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، لشكر لم تكن له أنذاك سوى أربع سنوات ولما خرج سنة 1965 وعاش في المنفى لمدة 15 سنة كان لشكر الشاب في بداية تكوينه ضد الظلم والاستبداد، كما أفصح لشكر أنه لم تجمعه بالرجل حين رجع من المنفى أية علاقة تنظيمية، لكن كان يتابع تدخلاته وتدبيره وإدارته للحزب عن بعد وهو في الشبيبة الاتحادية.
وأضاف لشكر أن السي اليوسفي بالنسبة له هرم سياسي، استفاد من تجربته السياسية وتدبيره وإدارته للحزب خاصة في أجواء سياسية صعبة ومتوتّرة كالأحداث الاجتماعية الأليمة ل 20 يونيو 1980، التي شهدها المغرب، ثم الوضع المتوتّر بين قيادة الحزب والدولة بعد البيان السياسي للمكتب السياسي، الذي رفض إجراء الاستفتاء في الصحراء المغربية، وكذلك عدم حضور الفريق الاشتراكي للجلسة الافتتاحية لمجلس النواب بتزامن مع اعتقال قيادة الحزب في ميسور بسبب الموقف السياسي من الاستفتاء…
وأوضح الكاتب الأول للحزب، أن العلاقة المباشرة مع الراحل السي اليوسفي، بدأت سنة 1998 مع بداية حكومة التناوب، التي تعرضت لما تعرضت له، وكنت من المدافعين والمقتنعين بهذه التجربة والمرحلة السياسية، في الوقت الذي يفاجئ اليوسفي بأن الحلقة التي كانت تحيط به، كانت الأكثر رفضا لهذه الحكومة، وهكذا توطدت العلاقة السياسية من خلال دفاعي سياسيا عن المرحلة، ومن خلال البرلمان، وجعل الفريق الاشتراكي كقوة اقتراحية وداعمة لحكومة التناوب.
وأشار لشكر كذلك بهذا الخصوص إلى أن الراحل السي عبد الرحمان حين اختار اعتزال السياسة وتخلى عن مسؤولية الكتابة الأولى للحزب، لم يسجل عليه أن تدخل في مهام أو شؤون الحزب، وظلت علاقاته الإنسانية مستمرة، موضحا أن الرجل كان بطبعه كتُوما وصامتا ومسؤولا، ومن الصعب أن تخرج منه موقفا سياسيا قبل اعتزاله السياسة وبالأحرى لما قرر ذلك.
الذكرى الأربعينية للراحل
عبد الرحمان اليوسفي
أكد لشكر أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، قرر تنظيم الأربعينية للمجاهد الراحل عبد الرحمان اليوسفي، أربعينية بما يليق وحجم الرجل سياسيا وحقوقيا وإعلاميا على المستوى الوطني والجهوي والدولي قيد حياته، وذلك حسب الظروف التي يعيشها العالم بسبب فيروس كورونا.
وأشار لشكر إلى أن هذا القرار، جاء خلال لقائه لأعضاء المكتب السياسي، من خلال منصات التواصل الاجتماعي، الذي تزامن مع الوقفات التي نفذها مجموع الاتحاديات والاتحاديين في ربوع المملكة المغربية في أكثر من 600 نقطة، من أجل قراءة الفاتحة جماعة على الروح الطاهرة لفقيد المغرب ككل القائد السياسي الكبير عبد الرحمان اليوسفي.
وأكد ادريس لشكر الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن الحزب عازم على تنظيم أربعينية القائد الكبير الفقيد، بما يليق بمقامه ووزنه على جميع المستويات قيد حياته، وعلى أن تنظيم هذه التظاهرة الأربعينية، ستكون مكيفة حسب الظروف التي يشهدها العالم، ففي حالة رفع الحجر الصحي سيكون حضور أصدقاء ومعارف الفقيد سواء على مستوى الأممية الاشتراكية والمنطقة البحر الأبيض المتوسط وعلى المستوى العربي والمغاربي.
أما في حالة ما لم يتم رفع الحجر، فقد شدد الكاتب الأول للحزب، على أن تنظيم أربعينية تليق بمقام الراحل، لابد من تنظيمها بما يتوافق وظروف الحجر الصحي التي نعيشها، لكنها ستكون في مستوى الحدث واللحظة الأليمة التي عاشها الاتحاديات والاتحاديون وكل المغاربة.
حلم تجميع عائلة اليسار
شدد الكاتب الأول للحزب على أن الاتحاد الاشتراكي لم يكتفِ بأن يترك تجميع عائلة اليسار كحلم، بل ساهم عمليا بالعديد من المبادرات السياسية، لكن تأكد أن هذا اليسار الحامل ل 17 مشروعا متضخما جدا بفعل الأنانيات التي يتشبث بها البعض، مبرزا أن قيادة الاتحاد الاشتراكي حرصت على التجميع من خلال اندماج كل من الحزب الاشتراكي الديمقراطي والحزب العمالي وحزب الاشتراكي داخل الاتحاد الاشتراكي، كما قمنا بالتوجه للآخرين رغم أننا الحزب الأول في اليسار وبكل تواضع لكن أصبنا بالإحباط، لأن هناك نوعا من الغرور وخطاب الصالونات، في الوقت الذي توجد فيه قيم اليسار على أرض الواقع داخل المجتمع بكل شرائحه وفئاته خاصة النساء للائي يعانين القهر.
نرفض أي مساس بتماسك مؤسسات الدولة وأي استغلال سياسي للجائحة لتحقيق مصالح حزبية ضيقة
استضاف الزميل ادريس شحتان مدير قناة «شوف تيفي» و»أسبوعية المشعل» في برنامجه «ضيف خاص» ، نهاية الأسبوع الماضي ، ادريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، الذي حل ضيفا على برنامجه عبر تقنية التواصل عن بعد ، والذي ناقش معه مجموعة من المحاور في ظل حالة الطوارئ الصحية التي تعيشها البلاد، وماهي اقتراحات الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وإسهاماته الميدانية ورؤيته لما بعد الأزمة… من خلال طرح جملة من التساؤلات أجاب عنها الكاتب الأول بخطاب مطبوع بالمسؤولية الالسياالسية والشجاعة الفكرية في المواقف تجاه الدولة والمجتمع والمشهد الالسياالسي المغربي..
في هذا الالسياق، تناول ادريس لشكر، مجموعة من القضايا التي أفرزتها تداعيات جائحة كورونا على المغرب والعالم، وآثارها البعيدة المدى على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والجيو- السياالسية، والفكرية.. ، وذلك في السياق مقاربات مطبوعة بالتحليل الدقيق، والوضوح والواقعية في التشخيص، والشجاعة الفكرية والالسياالسية في المواقف تجاه الدولة والمجتمع من جهة ، وتجاه حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية واليسار، سواء في العرض التقديمي أو في تفاعله مع الأسئلة المطروحة عليه ،حيث تطرق إلى الحياة الحزبية والالسياالسية ،وناقش الوضع الالسياالسي الراهن وطموحات الحزب في انتخابات 2021..
كما أن الكاتب الأول لم ينهج في حديثه إلى الرأي العام ، أسلوب الغموض والتبرير ونصف المواقف.. أو تفادي الغوص في حقيقة الواقع والوقائع التي تطرحها إكراهات المشهد الالسياالسي ..
وبنفس المسؤولية الالسياالسية ، أشاد الكاتب الأول بالحس الوطني والالسياالسي والإنساني الذي ميز الراحل المجاهد عبد الرحمان اليوسفي قيد حياته ، واستعدادات الحزب لإحياء الذكرى الأربعينية للراحل .. ، مشددا ، في إجاباته على أن مغرب اليوم في محك حقيقي ، أثبت فيه بالفعل بأنه دولة قوية تحترم المؤسسات ، سواء في صيغتها الدستورية أو القانونية ، وأن عملية تنزيل وتطبيق الحجر الصحي كانت نموذجا واضحا في الثقة ، ودليلا على أن هناك تجاوبا مطلقا مابين المؤسسات ومكونات المجتمع المغربي ..
ونظرا لأهمية ما جاء في الحوار ، ننشر الحوار على جزأين : الأول منه ، تناول فيه الكاتب الأول علاقته بالراحل المجاهد عبد الرحمان اليوسفي ، وماهي التدابير التي نهجها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في زمن الجائحة أو مابعد رفع الحجر الصحي .. ، على أن ينشر الجزء الثاني من الحوار الذي تناول فيه الكاتب الأول العديد من القضايا الالسياالسية والحزبية ،إضافة إلى مجموعة من النقط ندرجها في نص المقابلة ، كالتالي :
ادريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يعد واحدا من أبرز الوجوه الالسياالسية والحزبية بالمشهد الالسياالسي المغربي ، له تاريخ طويل من النضال والممارسة الالسياالسية على أعلى مستوى، تدرج في محطات عديدة، وكانت له بصمته الخاصة حتى وصل الآن إلى قيادة حزب عتيد، له ماض عظيم في وجدان عدد كبير من المغاربة، حتى كان لعقود طويلة الحزب رقم واحد في المغرب، بدون منازع حتى لا أقول بدون منافس..
حزب قاد الى جانب حزب الاستقلال المشهد الحزبي بالمغرب بزعامات كانت لها كاريزمة استثنائية يكفي أن نذكر الشهيد المهدي بنبركة، والقيادي التاريخي عبد الرحيم بوعبيد، والمجاهد الراحل عبد الرحمان اليوسفي وغيرها من الأهرامات التي تركت بصمة لن تمحي من تاريخ هذه البلاد العريقة..
فهل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قادرعلى العودة لتصدر المشهد الحزبي المغربي بقيادة ادريس لشكر؟..
وهل الحزب مازالت في جعبته مادة خام لصناعة زعامات إن لم نقل شبيهة ،على الأقل، تكون في مستوى تطلعات مناضلي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية؟..
ماذا ينقص ادريس لشكر لتجميع أسرة اليسار تحت يافطة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، وهل الحلم مازال قائما؟..
وهل خفت بريق الاتحاد الاشتراكي في زماننا الحالي، ولماذا، ومن المسؤول؟ ..
لماذا طفت بعض الصراعات الداخلية العادية إلى خارج مطبخ الحزب ، وأصبحت حديث الخاص والعام؟..
وماهو مستقبل الحزب في أفق استحقاقات 2021؟..
وماهي نظرته الواقعية للحروب الخفية التي تندلع بين الحين والآخر، وتستهدف أطر وقيادة الحزب؟ ..
وما رأيه فيما يعتمل في المجتمع والنخبة من نقاشات على مواقع التواصل الاجتماعي، وكان فيها حزب ادريس لشكر محور هذه النقاشات؟..
كل هذه الأسئلة وأخرى، سنناقشها مع الكاتب الأول الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
اليوم ما طرحته من خلال الورقة التي قدمت بها هذا الحوار، قياسا على الكيفية التي تعيشها البشرية اليوم وضمنهم المغاربة، وما تنتظرهم غدا يجعل هذه الأسئلة مهمة ، ولابد أن يكون لنقاشنا ما يمكن أن يفيد ويستفيد منه المغاربة .
أكثر من أسبوع على وفاة الراحل المجاهد عبد الرحمان اليوسفي، ماهي كلمة ادريس لشكر في حق الراحل؟
كلمة في حق الراحل لن تكون منصفة .. لأنه يكفي الإجماع الذي وقع على الالسي عبد الرحمان من الشعب المغربي برمته، ابتدأ من الرعاية السامية لأخينا عبد الرحمان اليوسفي، والمكانة المرموقة التي وضعه فيها جلالة الملك ، سواء في زيارته له لما كان في المستشفى أو تلك الصورة التي جمعت مابين جلالته والراحل، والتي وثقت للتحية الخاصة التي عبر بها جلالته عن تقديره للراحل، وما تركته من انطباع لدى الرأي العام المغربي، أو من خلال قرار تسمية شارع باسمه الشخصي، وهو على قيد الحياة.. كلها دلالات حقيقية من طرف أعلى سلطة بالبلاد تقدم لنا قيمة الرجل ووزنه وهو قيد حياته ، إضافة إلى الإجماع الوطني الذي نتحدث عنه اليوم ،بشكل إيجابي وجدي تجاهه – بمن فيهم المختلفون معه قيد حياته إبان إدارته حكومة التناوب – ..
الأستاذ ادريس لشكر، تطرقت للإجماع الذي لقيه الراحل من طرف كل المغاربة،بمن فيهم المختلفون معه قيد حياته إبان إدارته حكومة التناوب ..
لكن راج مؤخرا نقاش ، مضمونه أن الأمور لم تكن على ما يرام ما بينكم والراحل عبد الرحمان اليوسفي،هل بالفعل هذا صحيح أم هناك من تفالسير لهذا المضمون ؟
بالعودة إلى التاريخ ،أنا والالسي عبد الرحمان، ننتمي لجيلين مختلفين..
ففي الوقت، الذي كان فيه السي عبد الرحمان في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1959، كان عمري آنذاك على مشارف الأربع سنوات..
السي عبد الرحمان لما خرج من المغرب ،كنت قد حصلت على الشهادة الابتدائية..
السي عبد الرحمان، غاب خمس عشرة سنة في المنفى ، وهنا كانت بداية تعرفي أو معرفتي بالمجتمع ، وبداية تكوين مرجعيتي وثقافتي ضد الظلم والاستبداد..، يعني أنه بداية تفتحي على أحوال العالم ومعرفته، وقتها كان السي عبد الرحمان بالمنفى خارج المغرب..، وبالتالي أول علاقة لي مباشرة معه كانت عن بعد، أي عن طريق السماع، ضمن القيادات الاتحادية التاريخية الموجودة بالمنفى..
ولما عاد إلى المغرب، لم تكن تجمعني به إطارات تنظيمية، لكن كنت ككافة الاتحاديين أتابع عن بعد تدخلاته في تدبير وإدارة الحزب..
في هذا السياق، كان التدخل الأول الذي عشناه معه خلال فترة الثمانينيات، من خلال الأوضاع الصعبة التي عاشها الحزب مع إضراب 20 يونيو 1981، ومع البيان التاريخي للمكتب السياسي في رفضه للاستفتاء حول الصحراء، وما أدى ذلك إلى اعتقال القيادة الحزبية ، إضافة إلى انسحاب الفريق الاشتراكي لأول المرة من البرلمان الذي لم يحضر للجلسة الافتتاحية التي يترأسها جلالة الملك .. إذن مع هذه الأوضاع الصعبة التي عاشها الحزب، كان يتطلب آنذاك الكثير من المسؤولية والكفاءة والجرأة ، في تدبير هذه المرحلة..
في هذا السياق، يمكن أن أقول إلى جانب الأخ عبد الواحد الراضي الذي عرف من قيادات الداخل، وهو سابق لي كجيل، يمكن لي أن اقول إنني تعرفت على السي عبد الرحمان ، الرجل القائد ، المناضل ، الصامد ، المسؤول ، المدبر للأوضاع الصعبة ،أي أنه تحمل وعمل على مجموعة من السبل منها تدبير الادارة الحزبية واتخاذ القرارات..
إذن، أخونا عبد الرحمان، دبر هذه المرحلة الصعبة المطبوعة بالاعتقالات والمحاكمات التي عاشها الحزب ، بما فيها الحركة الطلابية داخل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب التي عرفت آنذاك فشل أشغال المؤتمر الوطني 16 وما عرفه من أحداث تاريخية..
إذن في خضم كل هذه السياقات، كانت طبيعة العلاقة التي تجمعني بالسي عبد الرحمان ، علاقة مناضل قيادي في الشبيبة الاتحادية، وكمسؤول في الأجهزة الوسطية للحزب،حيث لم تستطع هذه العلاقة أن تتطور ونشتغل معا.
وبطبيعة الحال، في المجال السياسي، لكل منا شكله ومنهجيته وطريقة في اشتغاله،ولاشك أنه في هذه المرحلة ، كان هناك إخوان وأخوات أقرب إليه مني ،وبالتالي ماهي المحطة التي ستجعلني أقرب إلى الرجل؟..
مع سنة 1998، عند بداية حكومة التناوب، كنت من المؤمنين والمدافعين عن هذه المرحلة.. وحينها أخونا عبد الرحمان، ربما فوجئ بأن الحلقة التي كانت تحيط به في هذه المرحلة وتشتغل برفقته، كانت الأكثر رفضا للانتقال إلى حكومة التناوب ، حيث اشتغلت في المؤسسة التشريعية، ودافعت عن المرحلة برلمانيا وحزبيا.. وهنا بدأنا نعرف بعضنا بعضا.. لأننا كاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كانت لنا مجموعة من المبادرات المتمثلة في المبادرات الحكومية التي كنا نعمل على دعمها ومساندتها، وفيها مبادرات حزبية وشعبية منها: إصلاح الانتخابات بالمغرب، موضوع عدم المساواة فيما يتعلق بإعطاء الجنسية للأبناء بين المرأة والرجل، وكذلك محاربة الفساد..، إذن هنا عرفت عن قرب السي عبد الرحمان، حيث كان لنا نقاش وتواصل.
كذلك، سنعرف بعضنا البعض أكثر، مع المؤتمر الوطني السادس سنة 2001، حيث سأعمل إلى جانبه في قيادة الحزب..، لهذا أقول، إنني كنت تلميذا، تعلم من حكمة الرجل، وكيفية تدبيره وإنصاته لقضايا الحزب ، إلى جانب قادة آخرين في الاتحاد ساهموا في تكويني وتربيتي الاتحادية.
نفهم من جوابكم ، أنه لم يكن هناك أي خلاف مابين الاستاذ ادريس لشكر والراحل السي عبد الرحمان اليوسفي، وكل ما قيل هو كلام غير واقعي؟
الرجل هو الأسلوب. الرجل لم يكن له خلاف مع أي أحد.. وكان يدبر قناعاته كما يؤمن بها.
الرجل، لما اختار الانسحاب من المشهد الحزبي، الذي يحيطون به، هم الذين يقولونه، وهناك من قوله أقوالا في الأسبوع الأخير لوفاته . وأنا أعرف الرجل، إنه كتوم وصامت ومسؤول، ومن الصعب أن تخرج منه موقفا لا يريد قوله ،لأنه يعتبر من الضروري أن يترك مسافة مع ما يحيط به من قضايا وإشكالات..
لقد كان الراحل رجلا مسؤولا، ولما استقال من الكتابة الأولى للحزب ، لم يتامر عنها وعن الحزب..
وأنا أقول بكل مسؤولية ، أن السي عبد الرحمان اليوسفي تميز بأنه لما تخلى عن مسؤولية الكتابة الأولى في الحزب ،لم يتدخل أبدا في الشؤون الحزبية ، وظلت كل علاقاته الحزبية، إنسانية ورفاقية مع إخوانه وأخواته في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
في إطار هذا النقاش، قررتم الاستعداد لإحياء الذكرى الأربعينية للراحل عبد الرحمان اليوسفي بعد رفع الحجر الصحي،كيف سيكون الاحتفاء بهذا الهرم السياسي؟
رجل بهذا الإجماع ، شاءت الأقدار بأن يتوفى في ظروف الحجر الصحي، والتزاما بإجراءات الحجر، الاتحاديات والاتحاديين الذين يكنون له الوفاء إلى جانب محبيه من الشعب المغربي، كان بودهم أن يحضروا جنازته لتوديعه في جنازة الوداع الأخير ..
لهذا قرر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بأن يفتح المجال لهم ، حيث إنه على امتداد الوطن، وفي أكثر من 600 نقطة التأم الاتحاديات والاتحاديون (يوم الجمعة الأخير) في مقراتهم أو خارجها – مع الانضباط لشروط السلامة والوقاية – أو من خلال المنصات الرقمية، حيث توفقنا في أن نجتمع على كلمة واحدة من خلال قراءة الفاتحة ترحما على روح الراحل السي عبد الرحمان اليوسفي.
أما فيما يخص الحفل التأبيني للراحل والتحضير له، بطبيعة الحال، لا نعرف المعطيات التي ستفرزها الأسابيع القادمة مع قانون حالة الطوارئ الصحية، لذلك فإن هذه الذكرى الأربعينية، سنفكر فيها باستحضار عنصرين هامين، هما:
في حالة رفع الحجر الصحي ونهاية حالة الطوارئ الصحية، آنذاك سيسمح بأن ننظم مهرجانا كبيرا لتكريم الراحل، وبالتالي ستكون مناسبة لحضور الجميع.. وأما في حالة، أن ظروف حالة الطوارئ ستفرض المزيد من الإجراءات وما ستحمله من تطورات..، لذلك فإننا نفكر أن نوظف ما يعرف بتقنيات التواصل الرقمية عن بعد في الاحتفال بالذكرى الأربعينية للراحل..
لذا نحن حريصون، أنه على الصعيد الوطني، حتى مع الذين اختلفوا معنا، يعلن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أنهم سيكونون ضيوفنا، كما أننا سنحرص أن يحضر معنا كل محبي وأصدقاء الراحل من قادة المنطقة المغاربية والعالم العربي، وفي فلسطين، وأصدقائه بدول البحر الأبيض المتوسط، والأممية الاشتراكية..، لأنه ما يهمنا هو أن نشرك الجميع في تأبين وتكريم المجاهد عبد الرحمان اليوسفي.
تجميع عائلة اليسار، أين وصل هذا الحلم؟
أعتقد لم أترك هذا الموضوع في خانة الحلم، بل حاولت أن أعمل عليه، حيث اشتغلت على أساس الإطارات الموجودة، لكن تأكد لي بأن هذا اليسار الحامل لسبعة عشر مشروعا لنفس الوضعية متضخم . وهذا التضخم مصدره الأنانيات والإفراط في الانشقاقات،ولذلك حرصت منذ البداية، أن أعمل على التجميع، حيث كانت لنا محاولات نجحنا في بعضها.. ومن موضعي القيادي، لا مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي، ولامع الحزب العمالي، ولا مع الحزب الاشتراكي ، عشنا معهم تجارب وحدوية جعلتهم يندمجون في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
لكن مع باقي الأحزاب بذلنا مجهودات لا يمكنها أن تتصور، تجاوزنا فيها عن ذاتيتنا وأنانياتنا، حيث كنا نتوجه للآخرين بكل تواضع ، لكن مع كامل الأسف، يمكن لي أن أقول بكل مسؤولية ، إننا أحبطنا،لأنه كان هناك نوع من الغرور والتعالي، ونوع من خطاب الصالونات ، فقلنا لماذا لا نتوجه إلى اليسار في أماكن تواجده..
في هذا السياق نتساءل أين هي قيم اليسار اليوم ؟ ..
هذه القيم نجدها اليوم، في نصف المجتمع الذي هم النساء، وبالتالي رغم ما نطرحه بخصوص المسألة النسائية، وقضايا الحداثة..، نجده يلقى أحيانا مقاومة حتى من بعض اليسار، لأنه فقط مصدره حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
وفي الوقت الذي كنا نعتبر فيه ، أننا قوة اقتراحية كبرى في المجتمع ،وفي كل القضايا المتعلقة بالنساء بما فيها آخر القضايا المتعلقة بالحجر الصحي.. في هذا السياق، اليوم، المتضرر الحقيقي من الحجر الصحي بالمغرب، هي المرأة في المجتمع.. كذلك، فيما يتعلق بالشباب،كل مقترحاتنا فيما يخص هذا الموضوع مع الأسف، لم نجد دعما من هذه الإطارات السياسية، حيث اكتفت بدور المتفرج، لذلك قلنا بأن اليسار موجود في المجتمع، لهذا توجهنا نحوه من أجل العمل معا للدفاع عن الحريات الفردية ، والحياة العامة..، وأعتقد أنه أصبح على اليساريين أن ينصتوا جيدا لما يجري في المجتمع..
ماهو الدور الذي لعبه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تجاه المجتمع المغربي، بعد ظهور جائحة كورونا؟
المتأمل لهذه الجائحة وتداعياتها، لابد أن تخلق عنده إحساسا بأن كل شيء سيتغير في العالم . بمعنى، أنه في الوقت الذي كانت فيه البشرية ، في سباق مع الزمن لتطوير أسلحتها النووية والكيماوية، وبسط سيطرتها على العالم، جاء هذا الوباء، وهدم كل هذه النظريات والتكهنات، لأنه ثبت أنه أضعف ما في خلق الله ، قادر أن ينفذ للشعوب والمجتمعات، ويلحق بها كارثة إنسانية . لهذا اعتبر،اليوم، أننا محتاجون إلى تعاقد جديد، يحفظ للأجيال القادمة هذه الأرض، لتكون قابلة للحياة فيها.. لهذا أصبح من الضروري أن نتجه للاشتغال على تطوير البحث العلمي، والاقتصاد الصناعي، والاقتصاد الأخضر، ونقوي الفلاحة العضوية والفلاحات الصغيرة، وحماية الأراضي الفلاحية من بشاعة التقدم العمراني..
في هذا السياق، أعتبر ما جعل المغرب يصمد أمام كل هاته المشاكل التي أفرزتها الجائحة، هو أن الدولة اشتغلت على الفلاحة، وكان لنا الاكتفاء الذاتي.. لكن في المقابل، وقفنا على نقط ضعفنا التي أفرزتها هاته الجائحة، حيث ظهر أننا لم نشتغل على اللامركزية و اللوجستيك الذي يتطلب منا مجهودا كبيرا لتطويره، كما أفرزت هاته الجائحة، أن كل الذين كانوا ينتقدون نظامهم المؤسساتي بالمغرب أي النظام السياسي، ونحن نراقب ما يجري في العالم، تأكد بأن نظامنا المؤسساتي نظام جيد، لماذا؟..
لأن جلالة الملك، استخدم كل سلطاته ، سواء منها إمارة المؤمنين أو رئاسته للدولة، أو من خلال قيادته للقوات المسلحة الملكية، إضافة إلى تأقلم السلط التشريعية والتنفيذية والقضائية مع هذه الوضعية الجديدة.
وهذا معناه أن كل التشككات غير المشروعة التي كانت حول المؤسسات، سقطت بمجرد اجتيازنا هذا الامتحان ،وتأكد بالفعل أن مؤسساتنا قوية ، وفرت الأمن والحياة ، ثم الدعم والمساعدة…
لهذا أقول إنه لا أحد يمكنه أن يتنبأ بما سيقع، لأن الأزمات والآثار التي خلقتها هاته الجائحة، يجب أن نشتغل عليها من خلال البحث عن الحلول الاقتصادية والاجتماعية الناجعة، وعن الكيفية التي سنضمن بها السلم الاجتماعي بين كافة فئات المجتمع لكي نضمن نجاحنا في محاربة آثار هذا الوباء.. كما أن هذه الجائحة، أظهرت وفضحت أن أكثر من 60 في المئة من الاقتصاد المغربي غير مهيكل،وأن الحكومة والبنك المركزي وغيره من المؤسسات تشتغل فقط مع 40 في المئة من القطاع المهيكل..
لهذا أصبح من الضروري التفكير في الخروج من هذه الوضعية، وهذا المشهد الاقتصادي المعطوب، وذلك من خلال مأسسة هذه الحماية الاجتماعية،وهذا يظهر مع أهمية ما يعني الضمان الاجتماعي والاشتراك في الصناديق الاجتماعية.. كما أن البنك الذي خلقته الدولة من أجل تدبير هذه الجائحة، يجب أن يصبح رأسمالا للدولة ، تشتغل عليه مستقبلا من أجل تطويره لمواجهة مثل هاته الطوارئ التي نعيشها اليوم..
لهذا أصبح من غير المقبول، في مواجهة هذا الوباء، اعتقال السجل الاجتماعي..، لأنه لا يمكن أن نواجه كورونا ، ونحن ليست لنا عدالة ضريبية، ولم نبذل مجهودا فيما يتعلق باللاتمركز الإداري، مع إعطاء القيمة للجهات والأقاليم لتدبير شؤونها .. كما أنه لا يمكن مواجهة كورونا، ونحن لا نهتم بالثورة الرقمية، رغم المجهودات الأولية التي بذلت مع هذه الجائحة .. ، لأن ما ينتظر المجتمع المغربي غدا، من تباعد واحتياطات يستدعي تطوير هذا القطاع الحيوي..
هل أنتم مع رفع الحجر الصحي (يوم 10 يونيو)، أو مع تمديده ، وكيف تتصورون أن يتم الرفع التدريجي؟
اليوم العملية الاقتصادية ميتة ، والذي أعطانا المناعة، هو كل المجهودات التي بذلت في المجال الاجتماعي والتضامني والغذائي ..
وبما أن الدولة وحدها لن تستطيع وتستمر في توزيع الأموال، لأنه بدورها هي في حاجة للمداخيل التي تقلصت بشكل كبير في الآونة الأخيرة مع هذه الجائحة سواء في المجال الضرائبي والجمركي والسياحي وعائدات مغاربة الخارج…
ودون أن يفسر كلامي بأنه يحل محل البنية التقنية التي لها كل المعطيات حول كيفية رفع الحجر، وحتى وإن كنت مبدئيا مع رفع الحجر، أدعو إلى الاحتفاظ بقانون الطوارئ الصحية وبكل التدابير الوقائية التي يجب أن تستمر، والتي يجب أن تعلن عنها الحكومة في المستقبل..