التراكمات الإبداعية شكلت أرضية لولوج عدد من الأدباء المغاربة عالم السينما
شهدت الساحة الثقافية والنقدية نقاشات جادة حول طبيعة العلاقة الممكنة بين الأدب والسينما، وبغض النظر عن اختلاف الآراء، وتداخل وجهات نظرها، بين مؤيد ومعارض حول تحويل الأعمال الأدبية والتاريخية، وحتى الشعرية إلى أعمال سينمائية. على أن الهدف الذي نسعى إليه من خلال هذا الحوار المفتوح مع الدكتور عزيز زروقي مدير المهرجان الوطني لسينما المقهى بتازة أحد الفاعلين المهمين في مجال السينما هو تسليط الضوء على طبيعة العلاقة بين الأدب والسينما عموما والأدب والسينما في المغرب على نحو خاص: كيف يمكن للتقنيات السينمائية أن تشارك كأداة في تناول المادة التاريخية لبلد كالمغرب؟ ما هو عدد الأفلام المغربية التي تعاملت مع هذا الأدب؟ وكيف يتَشكل مفهوم التاريخ ويتبلور ويستحضر في الانتاجات السينمائية؟ هل اعتباره وثيقة تاريخية، تستثمره الصورة الفوتوغرافية، مكتسبة شرعيتها في التأريخ؟ أم اعتباره مادة تاريخية، تصرف في منجز سينمائي، بطريقة يغدو التاريخ معها حكاية متخيلة؟ الاتحاد الاشتراكي حاورت عزيز زروقي مدير ومؤسس المهرجان الوطني لسينما المقهى بتازة الذي يحضر للدورة التاسعة دجنبر القادم. حاصل على دكتوراه في موضوع ” تاريخ الأندلس خلال العصر الوسيط في الدراما التلفزيونية ” فجاءت الورقة التالة:
p أين تكمن هذه العلاقة؟ وأين هو أثرها؟ هل السينما المغربية على علم بوجود أدب مغربي؟
n بلا جدال عرفت الساحة الإبداعية المغربية تراكمات مهمة، إن على صعيد أدب الرحلة، الأدب السفاري الذي لم يلج بعد محترف السينما أو السير الذاتية، والروايات التاريخية، التي ظهرت في مرحلة الأربعينات. لقد شكلت هذه التراكمات أرضية لولوج عدد من الأدباء المغاربة عالم السينما، ونستطيع حص عدد الأدباء والمسرحيين المتعاملين مع السينما المغربية في ثمانية، كان أولهم الأديب الروائي عبد الكريم غلاب بمساهمته في كتابة سيناريو فيلم “شمس الربيع” إخراج لطيف لحلو سنة 1969. أما من حيث المستوى الإبداعي والفني، فتبقى السينما المغربية متأخرة عنها جميعها. ويقدم الناقد خالد الخضري معطيات إحصائية جديرة بالتأمل. إذ وجد أن عدد الأفلام التي تجسد العلاقة بين الأدب والسينما المغربيين هي: ثلاثة من واحد وخمسين فيلما، ويتعلق الأمر ب “حلاق درب الفقراء” و “بامو” و “الزفت”. أي 6% من الأدب بصفة عامة. أما الرواية فالعدد هو: واحد من واحد وخمسين ” بامو”، أي بنسبة مئوية لا تتجاوز 2% .وهو ما دفع الباحث خالد الخضري إلى نفي العلاقة بين السينما والأدب المغربيين. ويمكن هنا إسقاط الخلاصة المريبة على دول المغرب العربي فيما يتعلق بقلة تعاملها مع أدبائها وآدابها.
p هذا يجرنا إلى سؤال إشكالي هل هي أزمة إمكانيات أم أزمة إبداع؟
n هو فعلا سؤال إشكالي يحيلنا إلى آراء مختلفة بغض النظر عن التي تؤمن أو لا تؤمن بتماسك العلاقة بين السينما والأدب. في هذا السياق اعتبر الراحل مصطفى المسناوي أن مئة فيلم روائي طويل، أنجزها مخرجون مغاربة منذ الاستقلال، قليلة نسبيا مقارنة مع عدد الأفلام التي ظهرت في بلدان عربية أخرى، ويعود ذلك في نظره إلى كون الإنتاج والإخراج يخضع لوتيرة ظهور مضطربة، تتعاقب فيها غزارة الإنتاج وندرته. وفق هذا المعطى يتشعب السؤال عن أزمة السينما المغربية. وفي هذا الصدد نعتمد كذلك رأي خالد الحضري على سبيل المثال لا الحصر، حيث يرى أن القضية هي قضية إمكانيات لا غير. ويؤكد على وجوب حصول تراكم كمي في مجال العلاقة بين الأدب والسينما، وطبعا لا يقف عند هذا الحد، بل يرى بأن مشكلة الاقتباس عن الأدب المغربي ليست المشكلة الوحيدة التي تعرقل تطور وازدهار السينما المغربية.
p هذا بالضبط ما نريده حجم ونوع وتأثير هذه المشكلات على مسألة الإبداع في السينما المغربية
n طبعا هناك مشاكل أخرى متداخلة ومتبادلة التأثير (بشرية، تقنية وإدارية) لأن السينما هي في حد ذاتها أدب إلى جانب كونها آلة وتقنية، وكلما خدمت الآلة إنتاجا جيدا، خلق ذلك تكاملا فنيا في التعبير عن واقع الشعوب وثقافتها وتاريخها. وفي تقديري يمكن الاستفادة من الآراء التالية:
الرأي الأول ويرى أصحابه أن المشكل يرتبط بقصور على مستوى الإبداع، فنجد محمد الركاب لا يتوانى في التشديد على أن أزمة السينما المغربية هي أزمة إبداع قبل كل شيء، فالعملية الإبداعية تكون عملية ضرورية تثقيفية، تقوم بدور تكوين شخصية المواطن وبلورة ذوقه، وخلق شيء من المسؤولية تجاه الواقع المعايش. انسجاما مع منطقه يقر بأن السينما المغربية لم تنجز شيئا يذكر. إن هذه اليقينية يتبناها أيضا مصطفى المسناوي، حيث يقرن أزمة السينما المغربية بإبداعية المخرجين المغاربة أكثر مما يقرنها بعوائق الإنتاج.. ويخلص إلا أن التحدي الأكبر الذي تواجهه السينما المغربية هو أن توجد أولا، وأن تربط علاقة وثيقة بمشاهدتها بعد ذلك. أما أحمد السيجلماسي، فإنه يتبنى موقف المتسائل عن إمكانية السينمائي في البحث عن أفكار أصيلة للأفلمة بشكل فني مبدع.
الرأي الثاني: للانفلات من طوق هذا السؤال ودون العزف على وتر نفي العملية الابداعية، فإنه يركز في تصنيفه أشكال وأنماط الخطاب النقدي المغربي حول السينما، على مسألة الغياب الأساسي لعملية التوثيق التاريخي. وإن كان السيجلماسي يعني بذلك كل ما يتعلق بالنشرات التي تقدم ولو فكرة عامة عن تاريخ السينما وثقافتها، وروادها ببلادنا. إن عدم وجود قاموس سينمائي يوثق بشكل علمي الفعاليات السينمائية والأفلام الوطنية، يدفع بنا إلى القول: “إن تاريخنا السينمائي لم يكتب بعد، وحضور السينما في الحقيقة هو حضور »منسحب « بل إنها غائبة في حضورها.
الرأي الثالث: يؤكد أصحابه أن ضعف المنتوج السينمائي المغربي يرجع بشكل كبير إلى ضعف الإمكانات المادية، وفي هذا الصدد نعتمد رأي خالد الخضري على سبيل المثال لا الحصر الذي يرى أن القضية هي قضية إمكانات لا غير.
الرأي الرابع: أن ظهور الأفلام السينمائية بالمغرب لا تتحكم فيه رغبات الأفراد، ولا إرادتهم، بقدر ما تتحكم فيه الدولة، وتدخلها في مجالي الانتاج والتشريع. من هنا عدم انتظام ظهور تلك الأفلام، وتوقف هذا الظهور، على مساعدة الدول للقطاع السينمائي من خلال صندوق الدعم.
الرأي الخامس: أن القاعدة العامة للإخراج بالمغرب هي عدم الاستمرار: فمعظم المخرجين المغاربة أنجزوا فيلما واحد فقط، ولم يعيدوا الكرة مع ملاحظة أن عددا مهما من هؤلاء المخرجين قدموا أفلاما هي من أجود ما قدم في السينما المغربية، ” وشمة”،” السراب”، “حلاق درب الفقراء”. وبالمقابل فإن عددا من المخرجين مثل: عبد الله المصباحي بأفلامه الأربعة، و نبيل لحلو بأفلامه الستة، قد أنجزوا أفلاما ضعيفة تفتقد لكثير من مقومات العمل السينمائي الصالح للعرض على المتلقي. إذ تعاني من ثغرات على المستوى التقني – الجمالي (حالة الأول)، كما تعاني من تفكك على مستوى الرؤية والبناء السينمائيين (بالنسبة الثاني).وفي هذا السياق ،يجمل مصطفى الداشي هذه الآراء معتبرا الخطاب السائد حول السينما المغربية غارقا في الحديث عن السياسة الثقافية، ويتعلق هذا الخطاب بنقطتين:
-النقد الأدبي لموضوع الشريط، ونقد الصناعة السينمائية من خلال فروعها الأربعة: الإنتاج، التوزيع، الاستغلال، الصناعة التقنية. فيفسر هذه الوضعية بكون المغرب لم يعرف تقاليد سينمائية متجذرة. ولتجاوز هذين الرأيين، يعالج محمد نورالدين أفاية الظاهرة السينمائية من منطلق جعلها موضوعا للمراجعة المعتمدة، على مقاربات متعددة تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاجتماعية، والنفسية، والجمالية، والتاريخية.
p إلى أي حد يكون النقد عاملا موضوعيا ومساهما في التطوير وإحداث الفرق ؟
n نعتقد أن العملية السنيمائية هي نتاج عمل جماعي، ولذلك فإنها تشترط قاعدة إنتاجية، والعمل الانتاجي بدوره يقتضي عقلنة فعلية لكل العلائق مع الفعاليات التي تكون وراء صنع الفيلم. فالدعوة ملحة إلى إنصات منتج بين مختلف الفعاليات التي تسهم في صياغة الفيلم، والتي تستطيع تحويل ضعف السينما المغربية، إلى مصدر قوتها، وهذا بالطبع يجب أن يواكب من طرف نقد هادف، يعي الخط الرفيع اللامتناهي الذي يربط بين فعلي الكتابة والابداع، ويرصف آليات الوعي السينمائي.