في  حوار مع عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب: اختيارات الحكومة الاقتصادية تناقض طموح بناء الدولة الاجتماعية، لأنها تخضع لمنطق الموازنات المالية على حساب التوازنات الاجتماعية

 

التاريخ لم يسجل، أبدا، أن حكومة ما تعاملت بهذا الكم من الاستهانة، حتى لا نقول اللامبالاة،

مع خطر يهدد بشكل مباشر التوازن الاجتماعي بالبلد

 

تطرق عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، في حوار أجرته معه جريدة الاتحاد الاشتراكي، لمجهود سنة من العمل الشاق من أجل تجويد النصوص التشريعية في مجال تبسيط المساطر الإدارية وتوفير الحماية للأجراء والجالية المغربية بالخارج، مسجلا أن الفريق الاشتراكي قدم 340 تعديلا على 11 نصا تشريعيا رغم ضعف تجاوب الحكومة والأغلبية، ورقابيا سجل رئيس الفريق الاشتراكي أن أكثر من 350 سؤالا ما زالت لم تعرف أجوبة الحكومة في المجال الرقابي، أما على المستوى المتعلق بالوحدة الوطنية فقد شدد شهيد على أن الفريق الاشتراكي، وانطلاقا من مرجعيته الحزبية لم ولن يتوانى عن بذل كل الجهود الممكنة من أجل الترافع والدفاع عن القضية المقدسة لجميع المغاربة، وذكر بعديد المبادرات التي بذلت، داخليا وخارجيا، مشيرا إلى دور الفريق في التصدي لتحرشات وتجاوزات البرلمان الأوربي الأخيرة، وأكد شهيد أن تاريخ المغرب لم يسجل أن حكومة ما تعاملت بلا مبالاة مع مشكل ارتفاع الأسعار إلا الحكومة الحالية التي لم تتحمل حتى عناء التواصل مع الشعب القلق والمنهك من موجة الغلاء، كما تحدث رئيس الفريق الاشتراكي عن النظام الداخلي لمجلس النواب وأهم ملاحظات الفريق حوله، وهذا نص الحوار .

 

 كيف تقيمون مساهمة الفريق الاشتراكي في المجال التشريعي؟

انطلاقا من مسؤولياته التاريخية، ومن وعيه وإدراكه للتحديات المطروحة على بلادنا خلال هذه الظرفية، حرص الفريق الاشتراكي بمجلس النواب على استثمار كل آليات العمل النيابي، المكفولة بأحكام الدستور ومقتضيات النظام الداخلي للمجلس والقوانين التنظيمية ذات الصلة، على مستوى جميع وظائف المجلس.
ففي المجال التشريعي نعتبر أن مساهمتنا كانت متميزة ونوعية على المستويين الكمي والكيفي، حيث عمل الفريق طيلة مسطرة المصادقة على قانون المالية برسم سنة 2023، على تقديم العديد من التعديلات ذات الطابع الاجتماعي، وعمل على تنبيه الحكومة إلى كون اختياراتها الاقتصادية تناقض طموح بناء الدولة الاجتماعية، لكونها تخضع لمنطق الموازنات المالية على حساب التوازنات الاجتماعية. وهو ما جعله ينتقد بقوة عجز الحكومة عن إعادة التوازن الاجتماعي، وقصورها عن إقرار تدابير حقيقية لمواجهة الارتفاع المهول لأسعار المواد الاستهلاكية والمحروقات، وبالتالي عجزها عن حماية القدرة الشرائية للمواطن التي ما زالت تتضرر إلى اليوم.  وقد تقدم الفريق بخمسة مقترحات قوانين تستهدف:
تبسيط المساطر الإدارية وتيسير حصول المواطنات والمواطنين على النسخ الكاملة أو الموجزة من رسوم الحالة المدنية، خارج دائرة ضابط الحالة المدنية لمكان التصريح بالولادة.
توفير الحماية القانونية للأجير المصاب بالإنهاك المهني، انطلاقا من حقه الدستوري في تلقي العلاجات الضرورية، وحتى لا تبقى الصحة النفسية للأجير مهملة.
تقوية الترسانة القانونية، الموجهة إلى حماية الطفولة، وملاءمة القوانين الوطنية مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وذلك بتجريم  كل أشكال الإيذاء الذي يمكن أن يتعرض له الأطفال.
ملاءمة القوانين الوطنية مع اتفاقية حقوق الطفل لاسيما الفصل 19 منها، وذلك بتجريم استغلال الوالدين للأطفال في التسول.
تحديث وتأهيل الإطار المؤسسي، الخاص بالجالية المغربية بالخارج. وتفعيل كل المقتضيات الدستورية، والآليات الكفيلة بضمان حماية حقوقهم، وتقوية قدراتهم في مختلف المجالات والاستفادة من طاقاتهم وكفاءاتهم وتجاربهم، وتعزيز انخراطهم ومساهمتهم في المسار التنموي الذي تعرفه بلادنا.
وفي إطار تفاعله مع المبادرات التشريعية الحكومية، قدم الفريق الاشتراكي العديد من التعديلات على مشاريع القوانين المحالة على اللجان الدائمة والتي فاقت 340 تعديلا على 11 نصا تشريعيا تقدمت بهم الحكومة.
غير أننا نسجل، بكل أسف، تواضع التجاوب والتفاعل الحكومي مع مقترحات القوانين التي تقدمنا بها، حيث وكما كان عليه الأمر خلال الدورة السابقة، لم تقبل الحكومة خلال هذه الدورة أيضا سوى مقترح قانون واحد من مجموع مقترحات القوانين المقدمة من طرف الفريق الاشتراكي. كما نسجل تجاهل الحكومة لمعظم التعديلات التي تقدم بها الفريق بخصوص مشاريع القوانين التي عرضت للمصادقة، سواء على مستوى اللجان الدائمة أو على مستوى الجلسات العامة.

 ما هي أهم تدخلات الفريق في المجال الرقابي، وهل كان تجاوب الحكومة وتفاعلها في المستوى المطلوب؟

في ما يتعلق بالجانب الرقابي، نسجل للأسف أن الحكومة لم تتفاعل مع مبادراتنا الرقابية حيث لم تجب على أزيد من 350 سؤالا كتابيا تقدم بها الفريق، كما أنها لم تستجب لمعظم طلبات عقد اجتماعات اللجان لمساءلة أعضاء الحكومة. وهو ما لم يثننا عن القيام بها إذ نعتز بالحضور الوازن والفاعل على مستوى الجلسات العامة وعلى مستوى اللجان الدائمة ومجموعات العمل الموضوعاتية، وجلسات الاستماع، واللجان المخصصة للمهام الاستطلاعية.
وعموما تنوعت مبادرات الفريق الرقابية بين الأسئلة الشفهية والكتابية حيث تم تقديم أزيد من 570 سؤالا همّ مختلف القطاعات الحكومية، والتي كان مضمون جلها مرتكزا على القضايا الاجتماعية ذات الأولوية، وبين طلبات التحدث في موضوع عام وطارئ، وطلبات عقد اجتماعات اللجان الدائمة، وطلبات القيام بالمهام الاستطلاعية.
كما تمكن الفريق الاشتراكي، عبر جميع نائباته ونوابه، من المشاركة الفاعلة والمسؤولة في أشغال جميع اللجان الدائمة والمجموعات الموضوعاتية والمهام الاستطلاعية، ومن تقديم العديد من المقترحات والملاحظات التي تهم القضايا المرتبطة بمجال مراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية.

 قمتم بالترافع داخليا وخارجيا حول قضية المغاربة الأولى المرتبطة بالوحدة الوطنية، ماهي الحصيلة؟

إن الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة كانت ومازالت موضوع إجماع وطني لمختلف مكونات الشعب المغربي، وإلى جانب الدبلوماسية الرسمية التي حققت إنجازات مهمة وغير مسبوقة خلال السنوات الأخيرة، تعد الدبلوماسية الموازية جزءا أساسيا من هذا الإجماع الوطني، وقد ظلت قضية الوحدة الترابية دوما في صلب وعلى رأس أولويات الفريق الاشتراكي، من خلال تواجدنا الفاعل والوازن في الأممية الاشتراكية، والرابطة التقدمية التي تضم الأحزاب الاشتراكية الأوربية، واستغلال علاقاتنا الوطيدة مع أحزاب اليسار الأوروبية والأمريكية اللاتينية على وجه الخصوص، واستثمار التراث المشترك بين مكونات العائلة الاشتراكية الديمقراطية، لخدمة قضايا بلادنا والدفاع عن مصالحنا الوطنية، وصدّ كل مناورات خصوم الوحدة الترابية في أفق سحب مزيد من الاعترافات بـالكيان الوهمي.
ومن هذا المنطلق، نظمنا في الفريق الاشتراكي خلال هذه الدورة التشريعية يوما دراسيا حول «تطورات القضية الوطنية وجهود الديبلوماسية الموازية: المكتسبات ومتطلبات الترصيد»،  هذا اليوم الذي عرف مشاركة أزيد من 300 مشاركة ومشارك، والذي اندرج  في إطار مساهمة الفريق في الترافع على القضية الوطنية، حيث فتح المجال فيه أمام ثلة من المسؤولين الحكوميين ورؤساء مؤسسات وطنية ومجموعة من الخبراء والأكاديميين لإبداء وجهات نظرهم وتصوراتهم حولها، وقد تبلورت المحاور الأساسية لهذا اليوم الدراسي، حول التفاعل مع التطورات الأخيرة لملف الصحراء المغربية، التفكير في سبل تقوية المكتسبات وترصيدها، التركيز على الجهود الدبلوماسية الموازية في تعزيز  التموقع الجيد للدبلوماسية الرسمية، ثم رصد مختلف التطورات التنموية والحقوقية التي عرفتها الأقاليم الجنوبية للمملكة في انسجام مع الاختيار الديمقراطي للمملكة المبني على التعددية واحترام الحقوق والحريات وبناء الجهوية المتقدمة.
كما حرص عضوات وأعضاء الفريق على المشاركة الفعالة كما وكيفا، في التجمع الخطابي الذي نظمه مؤخرا حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بمدينة العيون حاضرة الصحراء وحاضنة الوطنية، والذي توج بإصدار «نداء العيون» الذي عبر عن انحياز الحزب الثابت واللامشروط إلى الرؤية الملكية المتبصرة والصارمة صرامة الحق والحقيقة، والتي جعلت من الاعتراف بحقوق المغرب المشروعة في صحرائه، قاعدة للتعامل الدولي، والنظارات التي يقيس بها المغرب جدية الشراكات ونجاعة الصداقات، كما ورد ذلك على لسان جلالته في خطاب 20 غشت 2022.

تصديتم لتجاوزات البرلمان الأوروبي تجاه المغرب، كيف ترون التحول الأوروبي ومبرراته؟

بكل تأكيد، يعتبر موقف البرلمان الأوروبي مغامرة بالمعنى الحقيقي للكلمة لأنه يجازف بالشراكة الاستراتيجية التي تجمع المملكة المغربية بالاتحاد الأوروبي ويضر بمصالحهما المشتركة في مختلف المجالات. وإذ نشجب في الفريق الاشتراكي هذا السلوك المتسرع الذي يعبث بالثقة المشتركة كما راكمتها السنوات الأخيرة، فإننا نسجل، بارتياح كبير، الموقف الإيجابي لنواب الحزب الاشتراكي الإسباني بالبرلمان الأوروبي الذي تحلى بالشجاعة اللازمة لإعلان اعتراضهم الصريح.
وينبغي التذكير بهذه المناسبة أن المملكة المغربية انخرطت، منذ مدة طويلة، بقناعة ومسؤولية، في مسار تطوير نموذجها الديمقراطي بتفعيل مجموعة من الإصلاحات السياسية والمؤسساتية العميقة. ولعل أبرز هذه الإصلاحات المبادرات الحقوقية الجريئة وخلق جو من الانفراج السياسي بالإعلان عن هيئة الإنصاف والمصالحة لتحقيق المصالحة الوطنية. وتكرست هذه الإصلاحات بإصدار دستور 2011 الذي أرسى فعليا مرتكزات دولة المؤسسات، وكرس مبدأ الاختيار الديموقراطي، وأقر منظومة من هيئات ومؤسسات دستورية معنية بحماية الحقوق والحريات والنهوض بها، حيث توج المغرب هذا المسار الإصلاحي بالانخراط الفعلي في منظومة حقوق الإنسان الدولية، والانفتاح الطوعي على الإجراءات الخاصة والتي توجت بزيارة العديد من المقررين الخاصين وفرق العمل بوتيرة متواصلة للمغرب، وكذا تقديم المملكة تقارير إلى المفوضية السامية لحقوق الإنسان والتفاعل مع آليات التظلم لدى مجلس حقوق الإنسان، والتفاعل الدائم مع آلية الاستعراض الدوري الشامل.
ولذلك، نستغرب التجاهل المقصود لكل هذه المسارات والآليات الأممية التي تناقش مختلف الحالات التي اختار البرلمان الأوروبي الحديث عنها، وتبنيهم لمغالطات تبدو في مظهرها حقوقية مرتبطة بالدفاع عن حرية الرأي والتعبير. لكن حقيقة الأمر أن الهدف من وراء ذلك سياسي مكشوف تم اعتماده من أجل تصريف الأزمات التي تحاصر المجموعة الأوروبية كتكتل سياسي واقتصادي أو كدول مستقلة في مواجهة تداعيات وباء كوفيد والحرب الدائرة في شرق أوروبا. كما يأتي هذا الموقف في سياق خدمة مصالح لوبيات متعددة من مصلحتها مهاجمة المغرب وخوض حرب بالوكالة لصالح خصوم وحدته الترابية.
وعلى هذا الأساس، دعونا في الفريق الاشتراكي بمجلس النواب أعضاء البرلمان الأوروبي، أصحاب الموقف المغامر، إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية المغربية والتفرغ لمعالجة الفساد القيمي والمؤسساتي الذي أظهرته فضائح الرشوة الأخيرة.
ووعيا منا بضرورة العيش المشترك في عالم اليوم والمستقبل، نؤكد على أهمية الشراكة الأوروبية المغربية، ونشدد على ضرورة استمرار العمل المشترك لتطويرها من أجل تعزيز ما تم بناؤه من علاقات الثقة المتبادلة بين المغرب والاتحاد الأوروبي. وبقدر تثميننا انفتاح المغرب على المناقشة المؤسساتية المبنية على الشراكة والاحترام المتبادل لمختلف القضايا المرتبطة بحقوق الإنسان والحريات وقضايا الأمن والجريمة المنظمة ومحاربة الإرهاب، نرفض أي تدخل في شؤوننا الداخلية ومحاولات استهداف المغرب وابتزازه من خلال التشكيك في اختياراته الديمقراطية والحقوقية واستهداف مؤسساته الدستورية وفي مقدمتها استقلالية السلطة القضائية.

قمتم بتنظيم عدة أيام دراسية داخل مجلس النواب كفريق، كيف ترون الفائدة منها وآثارها؟

في إطار مساهمة الفريق في تكريس الديمقراطية التشاركية، فقد نظم العديد من الأنشطة واللقاءات والندوات والأيام الدراسية واللقاءات مع جمعيات المجتمع المدني والهيئات المهنية، كمساهمة منه للترافع حول العديد من القضايا الوطنية، حيث نظم الفريق ثلاثة أيام دراسية، ويتعلق الأمر بالأنشطة التالية:
يوم دراسي حول «الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء من خلال مشروع قانون المالية 2023»، وهو اليوم الذي نظمه الفريق بشراكة مع المنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات، والذي كان مضمونه مساءلة مشروع قانون المالية من منظور مقاربة النوع الاجتماعي، باعتباره القانون  الذي يحدد السياسات العامة والأولويات، وخارطة الطريق الأساسية لما سيتم التركيز عليه بخصوص تدخلات الحكومة لإقرار وحماية حقوق المغاربة.
يوم دراسي حول «مشروع قانون المالية لسنة «2023، وهو اليوم الذي أطره مجموعة من الخبراء والمتخصصين في المجالات المرتبطة بهذا القانون، حيث شكل فرصة سانحة لأعضاء الفريق ولجهازه الإداري، من أجل تملك الميكانزمات الضرورية للمساهمة الفعالة في مناقشة هذا القانون.
بالإضافة إلى الندوة التي نظمها الفريق الاشتراكي حول «تطورات القضية الوطنية وجهود الديبلوماسية الموازية: المكتسبات ومتطلبات الترصيد» التي أشرنا إليها سابقا، استقبلنا خلال هذه الدورة، وفي إطار جلسات الاستماع والتواصل التي ينظمها مع الهيئات المهنية والمدنية، وبهدف اطلاعه على مشاكل وانتظارات أغلب الفئات المجتمعية، أزيد من 30 هيئة مدنية ومهنية.
ونعتقد أن هذه الأنشطة المتعلقة بالديمقراطية التشاركية مفيدة للنقاش العمومي حول القضايا ذات الأولوية والتي تمكن من إيجاد الحلول الناجعة للإشكالات المطروحة.

 طرحت قضايا ارتفاع الأسعار ومنها المحروقات والمواد الغذائية، كيف تقيمون ردود الحكومة ؟

لقد نبهنا الحكومة في محطات كثيرة، وكلما سنحت لنا الفرصة لذلك، ومن منطق وحيد وهو منطق الدفاع عن إقرار الدولة الاجتماعية، إلى أن استمرار موجة ارتفاع الأسعار، يفرض عليها التدخل المباشر والاهتمام الكبير، لكننا سجلنا وبكل أسف عدم قدرتها على اتخاذ تدابير فورية وحقيقية تواجه الارتفاع المهول لأسعار المواد الاستهلاكية والمحروقات، وبالتالي تحمي القدرة الشرائية للمواطن.
وفي هذا الإطار، وبكل مسؤولية، يمكننا القول إن التاريخ لم يسجل أبدا، أن حكومة ما تعاملت بهذا الكم من الاستهانة، حتى لا نقول اللامبالاة مع خطر يهدد بشكل مباشر التوازن الاجتماعي بالبلد، حيث نسجل أن الحكومة الحالية لم تكلف نفسها حتى عناء التواصل مع المواطنات والمواطنين، لتبين لهم أنها مدركة لحجم القلق الذي بات يسكنهم بسبب ارتفاع الأسعار، حيث لم تتجاوز في حديثها عن هذه المشكلة، منطق التبرير والتسويف.
وتجدر الإشارة إلى أننا في الفريق الاشتراكي لطالما أكدنا أن ما يقع في السوق العالمية في ارتباط بارتفاع متصاعد لأثمنة المحروقات، والمضاربات التي تقع في المواد الأولية بسبب عودة النشاط الاقتصادي والصناعي للانتعاش بعد التعافي التدريجي من مخلفات جائحة كوفيد 19. لايعفي الحكومة من تحمل مسؤولياتها في الحماية الاجتماعية للمواطنات والمواطنين عبر إبداع حلول مستعجلة كفيلة بالتقليل من انعكاس ما يقع خارجيا على المعيش اليومي للأسر، وفي هذا الإطار، وانطلاقا من مرجعيتنا الاشتراكية الديموقراطية الاجتماعية، طالبنا الحكومة بمناسبة مناقشة مشروع القانون المالي لسنة 2023 بضرورة اتخاذ الإجراءات الاستعجالية الكفيلة بمواجهة الارتفاع المهول في الأسعار، وذلك بإدخال التعديلات التي تسمح بإجراءات ضريبية وتشريعية تحمي الدخل الفردي للأسر، وتحد من ارتفاع الأسعار، وسن إجراءات فورية لحماية العالم القروي المتضرر الأول من تزامن الجفاف مع التقلبات الاقتصادية الكونية إلى جانب التدخل لحماية المواطنات والمواطنين من كل أشكال الاحتكار والمضاربة والاتفاق القبلي بين الشركات على تحديد أسعار مرجعية في ضرب صارخ للمنافسة النبيلة، وضرورة التفعيل الأمثل لصندوق دعم العالم القروي، مع إخضاعه للرقابة والمحاسبة المواطنة.

 شكل أداء المنتخب المغربي بكأس العالم بارقة أمل في كرة القدم، هل هناك تصور للنهوض بقطاع الرياضة الوطنية؟

وجب التأكيد أولا أن ما حققه المنتخب الوطني لكرة القدم خلال فعاليات كأس العالم الأخيرة التي أقيمت بدولة قطر، هو صورة معبرة عن النبوغ المغربي الذي يترجم إيمان المغاربة بقدراتهم الذاتية وبوطنهم وبانفتاحهم على العالم، وتفانيهم في الدفاع عن مصالحهم العليا وعن قيم العيش المشترك والسلم والتنمية الشاملة. هذه الصورة من النبوغ والتي لا يجب أن تكون مجرد طفرة، أومفاجأة لن تتكرر مجددا، وهو ما يتطلب وجود رؤية واضحة غايتها النهوض بالرياضة الوطنية.
الأكيد أنه وبالرغم من أهمية الرياضة، باعتبارها أهم المجالات الحيوية بالمجتمع، سواء في ما يتعلق بدورها في تحقيق التماسك الاجتماعي ونشر قيم التسامح والتعايش، وتعبئة الشباب على مواجهة ظاهرة التطرف والعنف والإدمان، أو في ما يتعلق بدعم الاستثمار الاقتصادي والتجاري أيضا، وبالرغم كذلك من المجهودات التي بذلت مستوى البنيات التحتية الرياضية، إلا أن الرياضة الوطنية تعرف مجموعة من النواقص، حيث لا سبيل لتجاوزها وتصحيحها، غير تحديدها والوقوف عليها، وقد سبق لنا في الفريق الاشتراكي وفي حزب الاتحاد الاشتراكي وفي إطار تصورنا للنهوض بقطاع الرياضة المغربية، أن حددنا العديد منها، أي من هذه النواقص، ولعل أهمها هو غياب منظومة قانونية متكاملة خاصة بالتربية البدنية، وضعف الميزانيات المرصودة في إطار الميزانية العامة للقطاع الرياضي، ثم إغلاق مجموعة من ملاعب القرب والمسابح الرياضية والمرافق المختلفة نتيجة غياب الموارد البشرية المؤهلة.
وعليه، إننا نعتقد أنه ومن بين أهم الإجراءات التي يجب أن يتضمنها أي تصور للنهوض بقطاع الرياضة بالمغرب، ضرورة بلورة سياسة عمومية للنهوض بالرياضة الوطنية تأسس على اعتبار الرياضة بعدا إنسانيا داخل المجتمع، وبعدا استراتيجيا شاملا يأخذ بعين الاعتبار مختلف الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمنظومة الرياضية، ويتجاوز النظرة الضيقة التي تعتبر الرياضة مجرد ترفيه، مع اعتماد مقاربة تشاركية لجميع الفاعلين الحكوميين والشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين ومكونات المجتمع المدني والخبراء والرياضيين، بالإضافة إلى إعادة النظر في الإطار التشريعي والتنظيمي للمنظومة الرياضية وسن قوانين محفزة ومشجعة ومساعدة على الفعل الرياضي، والإسراع بإحداث مرصد وطني لتتبع وتقييم المخططات الرياضية في مختلف الأصناف (وطنيا ودوليا) وعلى صعيد مختلف المناطق والجهات لتمكين الفاعلين الرياضيين من دراسات علمية وتقنية تساعد على اتخاذ الحلول الملائمة.
كما نعتقد أنه قد بات من الضروري تعزيز الشراكة بين قطاع التربية الوطنية والجامعات والهيئات الرياضية بما يضمن تعزيز حضور الرياضة داخل المؤسسات التعليمية، واستغلال المرافق الرياضية بشكل جيد من طرف جمعيات الأحياء.

 ما هي مستجدات النظام الداخلي للمجلس، وهل هناك قضايا خلافية، وما أفق تجويد الأداء البرلماني؟

لا بد من التأكيد أولا، أننا في الفريق الاشتراكي لا نعتبر أن مسألة مراجعة النظام الداخلي لمجلس النواب هي مجرد لحظة لتنزيل أحكام الدستور الذي وضع البرلمان في النواة الصلبة للإصلاحات السياسية والدستورية، خاصة الفصل 69 منه الذي نص على أن « يتعين على المجلسين، في وضعهما لنظاميهما الداخليين، مراعاة تناسقهما وتكاملهما، ضمانا لنجاعة العمل البرلماني». وهي ليست لحظة أيضا لإقرار نظام داخلي يحدد قواعد عمل المجلس ويؤطر علاقاته بباقي المؤسسات الدستورية والمجالس والهيئات، ولملاءمة هذا الأخير مع الدستور والقوانين التنظيمية واجتهادات القضاء الدستوري فقط، بل إننا نعتبر أن مسألة مراجعة النظام الداخلي لمجلس النواب هي لحظة مهمة لتكريس وترصيد البنيان الدستوري والقانوني والمؤسساتي، والنهوض بوظائف المجلس التمثيلية والتشريعية والرقابية وتطويرها، وحماية حقوق المعارضة البرلمانية، إلى جانب تعزيز علاقاته بالحكومة وباقي المؤسسات والهيئات بما يضمن احترام مقتضيات الفصل الأول من الدستور وبما يضمن أيضا استقلالية السلطة التشريعية.
وانطلاقا من هذه القناعة، انخرطنا في الفريق الاشتراكي في ورش إعداد نظام داخلي متوافق بشأنه، ويعكس روح الدستور في الآن نفسه، من خلال تقديم تعديلاتنا واقتراحاتنا لتمكين مجلسنا الموقر من الاضطلاع بدوره الدستوري كفضاء للحوار وللنقاش العمومي، فضاء يعكس انشغالات المواطنات والمواطنين.
وبالرغم من أن هذه المراجعة الرابعة للنظام الداخلي لمجلس النواب بعد دستور 2011، – وإن كانت لم ترق إلى سقف مطالبنا ولم تلب كل طموحاتنا – فإننا نعتبرها تكتسي أهمية خاصة لأنها شكلت جزءا من الدينامية التي شهدتها بلادنا في الشق المتعلق بالحقوق والحريات، وذلك بتسمية لجنة حقوق الإنسان والحريات والعدل والتشريع – في أفق التفاعل مع مقترحنا القاضي بإحداث لجنة نيابية دائمة مكلفة بحقوق الإنسان والحريات -.
فمن أهم مستجدات النظام الداخلي هو إعادة تسمية هذه اللجنة الدائمة الموكولة حصرا للمعارضة البرلمانية، وإضافة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والهيئة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز، وكذا مؤسسة الوسيط ضمن اختصاصاتها، يأتي انسجاما مع التوجهات الأممية في مجال تقوية أدوار البرلمان في مجال حقوق الإنسان، ومع التقارير الدولية ذات الصلة. ومأسسة العلاقة بين المجلس وهذه الهيئات والمؤسسات طبقا لمبادئ بلغراد باعتبارها الوثيقة المرجعية الدولية الأساسية في كل ما يتعلق بتأطير العلاقة بين البرلمانات الوطنية والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بما يضمن الاستثمار الأنجع للتقارير الصادرة عن المؤسسات الدستورية وهيئات الحكامة خاصة هيئات حماية الحقوق والنهوض بها.
بالإضافة إلى تدارك النقائص وإغناء تراكمات التجارب النيابية السابقة من خلال تطوير الوظائف الرقابية وتوسيعها وذلك بتمكين الفرق والمجموعات النيابية من إمكانية طلب عقد اجتماعات اللجان الدائمة لتتبع مآل التوصيات الواردة بتقارير المهام الاستطلاعية بالنظر لأهميتها كعنوان لبرلمان القرب، وإمكانية طلب إحداث لجان فرعية لتتبع شروط وظروف تطبيق نصوص تشريعية تدخل في اختصاصاتها، وذلك في إطار التتبع البعدي للقوانين النافذة.
أما بالنسبة للقضايا الخلافية التي حظيت بحيز مهم من النقاش داخل لجنة النظام الداخلي تمحورت أساسا حول الآليات الكفيلة بتقوية الدور السياسي والقانوني للمعارضة البرلمانية خاصة في ما يتعلق بقواعد اقتسام الزمن البرلماني، لتكون متناغمة مع التحولات السياسية التي شهدتها بلادنا، ومنسجمة مع مقتضيات الفصل العاشر من الدستور. بالإضافة إلى موضوع التخفيف من قيود الرقابة الذاتية على مبادرات أعضاء المجلس في إطار ما تسمح به الوثيقة الدستورية.


الكاتب : حاوره: محمد الطالبي

  

بتاريخ : 18/02/2023