نفى إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وجود قبضة أمنية في المغرب، محذرا من تفسير قوة الدولة على أنها قبضة، لأن الدولة يجب أن تكون قوية بجميع مؤسساتها، سواء على مستوى القضاء أوالبرلمان أو الحكومة، معتبرا أن ضعف هذه المؤسسات سيكون كارثة.
وفي الجزء الأول من حواره مع هسبريس، يرى لشكر أن «في هذه التجربة الطويلة تم التعاطي مع الاحتجاجات بمسؤولية من طرف الدولة بكافة مؤسساتها، سواء في الريف أو جرادة أو زاكورة أو غيرها»، مسجلا أن الحكومة «فتحت حوارات، وسُمح بالاحتجاج لمدة 24 ساعة في اليوم في العديد من المناسبات».
وقال لشكر إن مكونات الأغلبية كانت منخرطة ومساهمة في هذه الاحتجاجات في العديد من المواقع، منها زاكورة وجرادة، ونسبيا في الحسيمة، موردا أنها تعاملت بمسؤولية لأنه عندما يكون الحوار لا يمكن المساهمة في العنف، وكانت حريصة على مواجهة أي انفلات يمكنه أن يؤثر على أهداف الاحتجاج.
وبخصوص دعوات المقاطعة التي شهدها المغرب، والتي انطلقت من مواقع التواصل الاجتماعي، علق لشكر على هذه الخطوة بالقول إن «ما وقع يدخل ضمن الإبداع المغربي لتوجيه التنبيه إلى الحاكمين في المغرب، من الاحتجاج إلى المقاطعة»، مبرزا أن «المقاطعة هي تنبيه للحكومة، وبمجرد انطلاق هذا الأمر دعوت إلى اجتماع للأغلبية».
لشكر وصف تحرير أسعار المحروقات بالمشكل الذي اتخذ من طرف حكومة بنكيران، وهو ما تحاول الحكومة تجاوزه عبر العودة إلى السعر المرجعي والتسقيف وغيرها من السيناريوهات، مؤكدا أن قرار الحكومة السابقة بخصوص المحروقات لم يكن في محله وأنه جاء دون إجراءات وآليات تجعل التحرير مهيأ.
إليكم الجزء الأول من الحوار…
– هناك دعوات للحكومة بتقديم استقالتها، والتهديد بإقالتها بسبب الأوضاع الاجتماعية، هل من داعٍ لهذه المطالب؟
– لا أعتقد أن هناك دواع لتقديم الحكومة لاستقالتها، لأنه ليس هناك مبررات لهذا الأمر، وإلا فإن ما يتداول من كون حزب في المعارضة سيقدم ملتمس رقابة لإسقاط الحكومة يجب أن يكون موضوعا للنقاش، أو ما يجري من حوار اجتماعي اتخذ أشكالا متعددة ووصل نوعا من الاحتقان يستدعي إنهاء عمل الحكومة.
إن تغيير الحكومات يفرضه التوتر بين المؤسسات، ولكن ما يجري في المغرب اليوم هو نوع من التنبيه للحكومة لمضاعفة الجهد والعمل لمواجهة المشاكل التي لا أحد ينكرها.
– المبررات التي تساق أن الحكومة منذ تعيينها وهي لا تكاد تخرج من مشكلة إلا لتواجه أخرى دون إجراءات فعلية منها، لتأتي حملة المقاطعة وتجعلها عاجزة، ما قولكم؟
– مواجهة المشاكل هو مبرر تأسيس الحكومات، وأي حكومة افتقدت مبرر وجودها، وهو التدبير ومواجهة المشاكل، لن تكون الحاجة إليها.
لكن يجب التنبه إلى أن المشاكل وتراكمها الذي عرفته المرحلة السابقة يجعل هذه الحكومة مطالبة بمعالجتها، فالمغاربة مثلا لم يستفسروا عن تجاوز مشكل تسريب الامتحانات الذي كان محط نقاش في المغرب خلال السنوات الماضية، بالإضافة إلى ذلك لم يطرح السؤال حول مشكل تحرير أسعار المحروقات الذي اتخذ من طرف حكومة بنكيران، وهو ما تحاول الحكومة تجاوزه عبر العودة إلى السعر المرجعي والتسقيف وغيرها من السيناريوهات؛ ما يؤكد أن التفكير السابق للحكومة لم يكن في محله وأنه جاء دون إجراءات وآليات تجعل التحرير مهيأ، ومنها اشتغال مجلس المنافسة.
الذي وقع هو الإبداع المغربي في توجيه التنبيه للحكومة عبر الإضراب والاحتجاجات إلى شكل آخر هو المقاطعة التي ساهم فيها العالم الرقمي؛ لذلك بمجرد ما انطلقت الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي، دعوتُ الأغلبية للاجتماع، وهو ما استجاب له السيد رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، بعد عودته من زيارة رسمية إلى كوريا، ومن الملفات التي تم طرحها أن الأغلبية لا يجب أن تستدعى فقط للتوترات، بل لمعالجة المشاكل والقضايا التي تطرح في الفضاء العام للنقاش.
– لنعود لنقاشات الأغلبية، ما هي مقترحات حزب «الوردة» للخروج من أزمة ارتفاع أثمان المحروقات التي أثارت نقاشا واسعا في الحكومة؟
– في ظل المعطيات التي تفرضها السوق الدولية نعتبر أن التسقيف هو علاج لهذه الوضعية، لأنه لا أحد يمكن أن يتصور التطورات في المستقبل؛ لذلك قلنا لا بد من التعامل بنوع من الحذر مع موضوع المحروقات، لأن لها تأثيرا كبيرا على العيش اليومي للمواطنين من نقل وسلع وغيرها؛ لذلك لا يمكن أن يتسرع الإنسان مثلما تم في السابق.
التحرير يؤكد أن ما ذهبت إليه الحكومة السابقة لم يكن في محله، ونقول كذلك إننا نرفض أي مس بأثمنة غاز البوطان لأنه يمكن أن تكون له تأثيرات مباشرة على المغاربة، خصوصا مع تعاظم دعوات التحرير من اليوم أو وضع سقف زمني له، وأعتبر أنه لا أحد له الحق للمس بالقدرة الشرائية للمواطنين، ويمكن أن يكون منطلقا لفتنة، خصوصا أن كل وضعية تستدعي إجراءات معينة.
-لكن الحكومة الحالية أعلنت الاستمرار في إجراءات الحكومة السابقة وضمنها صندوق المقاصة، وهو ما يعني رفع الدعم عن البوطا.
– يستحيل أن نستمر إن تم ذلك، وسنطرح الأمر في الأغلبية لأن التواجد ضمنها هو للتذاكر، ومثلما تراجعت الحكومة عن التحرير الذي أقرته الحكومة السابقة يمكنها العدول عن فكرة رفع الدعم عن البوطاغاز.
غاز البوطان معني به المواطن الصغير، وهناك حلول لا تستدعي أن نبيع للمغاربة الغاز بأثمنة مرتفعة، وإلا فإن هذا يكون فيه دعوة إلى كارثة، والمسؤولية تقتضي تحملها.
وفي حال عزم الحكومة على اتخاذ أي قرار سندعو إلى اجتماع طارئ للأغلبية، وسنبلغ وجهة نظرنا في الموضوع، وهو التحذير من المس بالقدرة الشرائية للمغاربة وأثمنة الغاز لأن ثمن البوطا خط أحمر، لأنها تدخل ضمن معيش المغاربة اليومي.
– رغم الإجراءات الحكومية التي لا تتماشى مع القدرة الشرائية للمواطنين، لم نسمع لكم ردود فعل قوية وأنتم من عارض الإجراءات نفسها مع حكومة بنكيران، لماذا؟
– أبدا، الحكومة الحالية ليست في نهج الحكومة السابقة نفسه، بل بالعكس تتجه إلى اتخاذ إجراءات تعديلية لما أقدمت عليه الحكومة السابقة، وخصوصا في مجال المحروقات. لسنا دعاة قطيعة ونحن مقتنعون بأن جميع الحكومات كانت لها آثار في المسيرة التنموية للمغرب، ولكن لن نقبل بالاستمرار في الأخطاء نفسها التي ارتكبت في الحكومة السابقة، وهناك تواصل لتصحيح ما ظهر من اختلالات للحكومة السابقة، أو التي بصمت عليها هذه الحكومة منذ تعيينها إلى الآن.
– لكن سجل تناقض من طرفكم في تقييم الوضع الحقوقي بين حكومتي بنكيران والعثماني رغم أن الحزب الأول لم يتغير، بم تردون؟
– أشدنا بتجاوز التوجه المحافظ للوضعية الحقوقية في المغرب، والمتتبع اليوم يرى أن هناك تقدما في مجموعة من القضايا، في المساواة وحقوق الإنسان والانفتاح. في المقابل، فإن الحكومة الحالية لم يسجل ضدها مقاطعة برنامج ثقافي أو منع كتاب، ولا بد من تسجيل أن هناك تحولا في هذا النوع، بل سمعنا لوزير حقوق الإنسان، مصطفى الرميد، تجاوبا في قضايا خلافية، وكذلك لوزيرة المرأة، وهناك مشاريع متقدمة مطروحة للنقاش، سواء لمواجهة العنف ضد النساء أو في ملفات كان فيها موقف من حزب العدالة والتنمية، لكننا اليوم نتابع بشكل مسؤول التجاوب الذي يقع بين مكونات الأغلبية، وخصوصا بيننا كحزب اشتراكي والعدالة والتنمية.
– لكن الحكومة الحالية سجلت تراجعات حقوقية بشهادات داخلية وتقارير خارجية.
– عشنا كاتحاديين الاحتجاجات وتدرجنا فيها، ونعرف كيف كان التعاطي مع الفعل الاحتجاجي في المغرب، فبمجرد تبلوره يواجه بالاختطافات والاعتقالات، لكن اليوم مع العهد الجديد أصبح هناك تطبيع مع الاحتجاجات، وخصوصا أثناء ما سمي بالحراك، لأن الشعوب التي لم تتدرج في الاحتجاجات أعطت لاحتجاجاتها طابعا عنيفا، وعلى خلاف ذلك، فالمغرب تمرس على الاحتجاجات، سواء بمواجهتها أو بالسماح بها.
-في هذه التجربة الطويلة تم التعاطي مع الاحتجاجات بمسؤولية من طرف الدولة بكافة مؤسساتها، سواء في الريف أو جرادة أو زاكورة أو غيرها، وفتحت حوارات وسمح بالاحتجاج لمدة 24 ساعة في اليوم في العديد من المناسبات.
– لكن يجب التنبيه إلى أن هناك فرقا بين من يريد استغلال هذه الاحتجاجات، وبين من يريد أن تظل في مسارها العادي، ونحن في الأغلبية كنا منخرطين ومساهمين في هذه الاحتجاجات في العديد من المواقع في زاكورة وجرادة، ونسبيا في الحسيمة، وتعاملنا بمسؤولية لأنه عندما يكون الحوار لا يمكن المساهمة في العنف، وكنا حريصين على مواجهة أي انفلات يمكنه أن يؤثر على أهداف الاحتجاج.
– لكن البعض يذهب أبعد من ذلك ليرى أن هناك نوعا من العودة إلى القبضة الأمنية في المغرب، ماذا عنكم؟
– أقول إننا محتاجون إلى دولة قوية؛ لذلك حذار من تفسير قوة مؤسسات الدولة على أنه قبضة أمنية، لأن الدولة يجب أن تكون قوية بجميع مؤسساتها، سواء على مستوى القضاء أو البرلمان أو الحكومة، وضعف هذه المؤسسات هو الكارثة، ونحن نرى اليوم التعامل مع المسيرات في المدن الكبرى. عندما تكون قانونية، فإن التعامل معها يكون بشكل عاد، وغير ذلك فهي انفلات أمني، وحتى عندما تحدث نرى تفاعل الأجهزة الأمنية ببلاغات.