في دراسة لنيل الدكتوراه حول الشباب والجريمة .. حمزة البوحياوي يقدم دراسة تخرج البحث الجامعي إلى الميدان وتربط الجامعة بمحيطها السوسيوثقافي

لا أحد يجادل في وظيفة البحث السوسيولوحي، في فهم المجتمعات وفك شفرات الظاهرة المركبة، وكل المنظمات المجتمعية، وفق رؤية تنموية لا تركن للنظرية، ولا تكتفي بترف التفكير، والباحث حمزة البوحياوي أجاد ببعد علمي تطبيقي، وأفحم وأقنع في بحث متميز لنيل الدكتوراه، وهو يعرض خلاصات ونتائج عبارة عن مؤشرات تساهم لا محالة في إثراء منظومة التخطيط للتنمية وعقلنة المشاريع المجتمعية، وتروم دمج وإدماج الشباب وحمايته من براثين الجريمة.
وفي هذا السياق، يندرج هذا البحث السوسيو ثقافي بعمق تربوي ثقافي، ومقاربة شبه أركيولوجية في تتبع جذور الظاهرة، كان تحديا كبيرا للدكتور حمزة البوحياوي، لأن الظاهرة متشابكة القضايا وتتقاطع فيها عدة تخصصات وعلوم معرفية، لكن الأستاذ بالمعهد الملكي لتكوين أطر الشبيبة والرياضة، حمزة البوحياوي، وتحت إشراف الدكتور إبراهيم حمداوي، خاض غمار البحث للحصول على درجة الدكتوراه في هذا الموضوع الشائك تحت عنوان» الشباب والجريمة: المحددات السوسيوثقافية والاقتصادية لجريمة ترويج الشباب للمخدرات بمدينة القنيطرة»، فاستحق هذه الدرجة العلمية، يوم السبت 09 مارس 2024، حيث نوقشت بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة ابن طفيل، أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع، وأمام لجنة علمية تكونت من ثلة من الدكاترة الباحثين المتخصصين في علم الاجتماع وعلم النفس والقانون.
نالت الأطروحة ميزة مشرف جدا ونوهت بها لجنة المناقشة وأوصت بطبعها، ونسبت إلى صنف الدراسات النسقية الكيفية.
وفي هذا السياق صرح الدكتور حمزة البوحياوي أن رهان هذه الدراسة، كان تعرية الفعل الإجرامي المتمثل في ترويج الشباب للمخدرات، مع تسليط الضوء على المحددات السوسيوثقافية والاقتصادية لهذا الفعل، مؤكدا أن السوسيولوجيا في هذا التصور تقدم معرفة كفيلة بفك الشفرات، وكشف دينامياته الأكثر استعصاء على المقاربة والفهم»
وعلاقة بالموضوع ذاته صرح أنه بفضل دقة الخطوات المنهجية المتبعة
وزمن جمع بيانات وتحليل نتائج الأطروحة مستحضرة ضوء فرضياتها، تألفت مؤشرات المحددات الثلاثة لتؤكد صدقية تداخل هذه المحددات في فهم وتفسير جريمة ترويج الشباب للمخدرات»
ونسوق أهم مقاطع موجز الدراسة وإن كانت لا تغني عن قراءة بحث غني يفيد عدة جهات تشتغل على التربية والقانون والتنمية وقضايا الشباب عامة، فالدراسة توصلت إلى «استنتاج الاتجاه أكثر نحو المقاربات الأحادية في عملية المكافحة، إما قانونية عقابية، أو تقنينية لنبتة «القنب الهندي»، أو مبادرات توعوية، تجد صعوبة في تحقيق الأهداف المسطرة. في حين أن ترويج الشباب للمخدرات يتخذ أشكالا عديدة، خصوصا وأن السياق الراهن يتسم بظهور أشكال متطورة لجريمة ترويج المخدرات، وأنواع هذه المخدرات، مفكرا فيها ومخططا لها في إطار قوانين ضمنية، سواء في إطار ردود أفعال فردية، أو في إطار شبكات محكمة التنظيم. إنه فعل إجرامي يجد تفسيره في محدد اجتماعي أساسه انعكاسات تفكك الرابط الاجتماعي. وفي محدد ثقافي بمكونات أبرزها التغير الحاصل في منظومة القيم واندحار رمزية أغلب قواعد الضبط الاجتماعي، مقابل ظهور مكونات جديدة مرتبطة بنظام التفاهة والسلعنة والاستهلاك التفاخري والتنمر والعنف الرمزي. بالإضافة إلى محدد اقتصادي مرتبط بعدم الاندماج في عجلة الحركة الاقتصادية، وضعف الاستفادة من فرصها المتاحة. لذلك، بدا واضحا، ومن خلال هذه الأطروحة العلمية، ما يمكن أن تحتله الدراسة السوسيولوجية لثنائية الشباب والجريمة من أهمية قصوى في بناء وتنضيد حال ومآل المجتمع المغربي.»
دراسة تخرج البحث الجامعي من البحث غير الميداني والتطبيقي، وتساهم في ربط الجامعة بمحيطها السوسيوثقافي، للإجابة عن قضايا يحتاج إليها صاحب القرار في مختلف تجليات السلطة التنفيذية والتشريعية وحتى القضائية، ليؤسس لمشروع مجتمعي عقلاني يسنده البحث الأكاديمي، ويقدم له مؤشرات نوعية كمية لفهم الظاهرة والتخطيط لها.
هي دراسة نال بها صاحبها الدكتوراه، ولكنها أعادت سؤال ربط البحث الأكاديمي بقضايا المجتمع، فقد كانت لها الشجاعة الأدبية والعلمية، لتخوض في قضية يتقاطع فيها الماكرو سوسيولوجي والميكروسوسيولوجي، وهي رحلة مرهقة، لكنها ستشكل سندا للحكامة والتخطيط العقلاني، ففهم الظاهرة أساس كل تخطيط يروم التنمية برؤية دمجية أو لا عقابية، وبمشروع إصلاحي يبحث في حفريات الخلل، بعقل سوسيو أركيولوجي، يسائل التشكلات البدائية للتجليات المجتمعية، وينبش بعيدا في جينالوجيا الظاهرة، ليقدم خريطة للجريمة، تساهم في الفهم والتفسير والتأويل العلمي ثم بناء تصور لتطويقها وفق مؤشرات تكاد تنطق وحدها من قوة مصداقيتها التي استمدتها من زمن البحث ومنهجه وصدقية خلاصاته.


الكاتب : محمد قمار

  

بتاريخ : 02/04/2024