أحمد بيضي
تخليدا للذكرى 108 لـ «معركة لهري» الشهيرة، وقبل الانتقال للحفل المقام بالمناسبة في قرية لهري، تم يوم الاثنين 14 نونبر 2022، بإقليم خنيفرة تدشين «وحدة للفرز» تابعة لمركز الطمر وتثمين النفايات، والتي كلف إنجازها غلافا ماليا قدره 15 مليون درهم، وذلك بحضور المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، الدكتور مصطفى الكثيري، وعامل الإقليم، محـمد فطاح، ومدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين، مصطفى السليفاني، ورئيس المجلس العلمي المحلي ورؤساء عدد من المجالس المنتخبة ومجموعة الجماعات الأطلس وشخصيات عسكرية ومدنية.
وتأتي عملية تدشين «وحدة الفرز» ، وفق بلاغ في الموضوع، في إطار «تنفيذ البرنامج الاستثماري لمركز الطمر وتثمين النفايات المنزلية والمشابهة لها، الذي أعطيت انطلاقته سنة 2017، ورصد له غلاف مالي إجمالي يقدر ب 556.2 مليون درهم على مدى 20 سنة، بمساهمة من المجلس الجهوي لبني ملال خنيفرة والوزارة الوصية على قطاع البيئة والمديرية العامة للجماعات الترابية والمجلس الإقليمي ومجموعة الجماعات الأطلس وباقي الجماعات الترابية بالإقليم»، ويتوخى المركز «تقليص المشاكل البيئية التي تسببها المطارح العشوائية، وإعادة تدوير وتثمين ما يقارب 25 % من النفايات الواردة عليه في أفق الخمس سنوات الأولى من الخدمة».
وفي السياق ذاته تم تدشين المدارة الطرقية المتواجدة عند تقاطع مدخل مركز الطمر والطريق الوطنية رقم 8، عند النقطة الكيلومترية 564 + 370، «التي تطلب إنجازها ما يناهز 3.6 ملايين درهم بتمويل من مجموعة الجماعات الترابية الأطلس والشركة المشرفة على المركز»، الأمر الذي «سيمكن من الرفع من مستوى الخدمات لفائدة مستعملي الطريق وتسهيل ولوج الشاحنات إلى مطرح النفايات وتفادي وقوع حوادث السير على مستوى هذا المقطع».
وفي أفق الرفع من «نسبة النفايات المنزلية الواردة على المركز بغية تغطية العجز الحاصل من حيث الكميات المنقولة، تم تسليم ثلاث شاحنات لجمع ونقل النفايات (شاحنة كبيرة من سعة 16 طنا وشاحنتين من سعة 7.5 طن) لفائدة الجماعات الترابية المعنية»، وذلك في إطار «البرنامج الوطني لتدبير النفايات المنزلية والمشابهة لها، تم اقتناؤها من طرف مجموعة الجماعات الترابية الاطلس بمبلغ 2.37 مليون درهم» وفق المصدر ذاته.
وبقرية لهري، تمت زيارة للمعلمة التذكارية المخلدة للمعركة قبل افتتاح مهرجان خطابي بكلمة النيابة الإقليمية لقدماء المقاومين، وأخرى لرئيسي المجلس الإقليمي وجماعة لهري التي استحضرت في مجملها ما حققته المقاومة الزيانية «من ملاحم بطولية في سبيل الحرية»، واستعراض ما تنطوي عليه المناسبة من «دلالات في التضحية والمواطنة»، ومن تذكير «بالمواقف البطولية لقدماء المقاومين والشهداء». وتميزت أجواء الاحتفال بفقرات غنائية وطنية من إبداع تلميذات وتلاميذ ورشة الموسيقى لمؤسسة الإبداع الفني والأدبي بخنيفرة، بقيادة الأستاذ يوسف الرشيد.
وبخصوص حدث ذكرى معركة لهري، انطلق المندوب السامي، الدكتور مصطفى لكثيري، من مرحلة توغل الجيش الفرنسي في البلاد، واحتلاله لمدينتي وجدة والدارالبيضاء والشاوية، و كيف تمت مواجهته بشجاعة على يد أبناء قبائل زيان، بقيادة الشهيد موحى وحمو الزياني، هذا الأخير الذي سارع إلى التنسيق مع قادة المقاومة بالمغرب، وتعبئة القبائل لمساندة قبائل الشاوية، وخوضه لمعارك طاحنة، ما بين سنتي 1908 و1912، دون أن يفوت المندوب السامي التركيز على المرحلة التي تمكن فيها المستعمر من بسط سيطرته على مدينة خنيفرة، مذكرا بمقتطفات مما تلقاه المقيم العام، الجنرال ليوطي، عام 1914، من القيادة العليا لأجهزته العسكرية التي كانت ترى في قبائل زيان عبارة عن مناطق «تصلح لكل العصاة بالمغرب الأوسط، وأن إصرار هذه المجموعة الهامة في قلب منطقة الاحتلال وعلاقتها المستمرة مع القبائل الخاضعة يكون خطرا فعليا على وجود القوات الفرنسية»، لافتا إلى مخططات ليوطي في قلب الأطلس المتوسط وغيرها من مناطق البلاد على مستوى الجهات والموانئ والخطوط الأساسية، مستعرضا فترة تمكن القوات الاستعمارية من التوجه نحو مدينة خنيفرة، من باب إدراكها أهمية احتلال هذه المدينة بالنظر لموقعها الاستراتيجي، ولكونها معبرا لتموين القوات الفرنسية المنتشرة بين أطراف المغرب، وبالتالي كمنطقة خصبة تمثل مصدرا لتوفير المواد الحيوانية والنباتية، ناهيك عن كونها المجال الذي اتخذه المقاومون مركزا لمواجهة قوات الاحتلال والحيلولة دون دخولها وإحكام قبضتها على المنطقة» .
وتوقف العرض عند «الإغراءات التي حاول الاستعمار إسقاط موحى وحمو الزياني بها،» وكيف لم يقبل الأخير بذلك مقابل اختياره الاعتصام بالجبال المحيطة بخنيفرة، حين «شرع في تنظيم صفوف رجاله وتوحيده للقبائل وفق استراتيجية جديدة استهدفت وضع الحامية العسكرية الفرنسية بمدينة خنيفرة تحت الحصار، ومواصلة هجماته وضرباته للقوات العسكرية الاستعمارية»، مستحضرا مساهمة المرأة الزيانية في دعم المقاومة.
وانتقل العرض إلى مرحلة لجوء موحى وحمو الزياني صوب قرية لهري، وكيف «أعدت القوات الاستعمارية مخططها للغارة على القرية، في فجر 13 نونبر 1914، بكتيبة تضم ألف وثلاثمائة من الجنود المعززين بالمدفعية، تحت قيادة الكولونيل لافيردور، لتشتعل المنطقة بعد نزوح حشد من المقاومين إليها من عدة قبائل لا تقل عن إشيقرن وآيت احمد وآيت إسحاق وآيت سكوكو وامرابطن وآيت سخمان وآيت مكيلد وغيرها»، حيث تم تطويق زحف الجيوش الاستعمارية من كل جهة، باستخدام كل ما يجب من بنادق وأدوات وفؤوس وخناجر، كانت كافية لتسجيل أبشع هزيمة في تاريخ القوات الاستعمارية الفرنسية.
ولم يفت المندوب السامي استعراض حجم الهزيمة التي منيت بها القوات الفرنسية، استنادا لشهادة الجزائري الأصل، القبطان في صفوف قوات الاحتلال الفرنسي، سعيد كنون، وذلك بسقوط حوالي 700 جندي فرنسي، و33 ضابطا، وقائدهم الكولونيل لافيردور، علاوة على 176 جريحا، و ضياع 8 مدافع من نوع 75 و 10، فضلا عن 65 رشاشا و700 بندقية وأحصنة وغيرها»، ويتذكر ذات القبطان كيف كان المقاومون الزيانيون «يتقدمون للمعارك كأنهم يذهبون للحفلات»، إلى جانب تذكره ل «تبادل جثث القتلى بين القوات الفرنسية والمقاومين الزيانيين، فيما تم تبادل جثة الكولونيل لافيردير، وخمسة ضباط، مقابل زوجتين لموحى وحمو الزياني».
وبعد إشارته لنهاية شخصية موحى وحمو الزياني الذي ظل يواجه المستعمر الأجنبي إلى حين استشهاده، صباح الأحد 27 مارس من عام 1921، بأزلاك نزمورت بجبل توجكالت، ودفنه بتملاكت، توقف العرض عند النزاع المفتعل الذي تعرفه القضية الوطنية بالصحراء المغربية، مركزا على التطورات الإيجابية التي عرفتها القضية الوطنية. وذلك قبل إعلان المندوب السامي عن تتويج مناسبة ذكرى معركة لهري، على غرار كل سنة، بتكريم 7 من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وجميعهم من المتوفين، حيث تم تقديم نبذة عن حياة كل منهم وتسليم تذكارات تكريمية لزوجاتهم أو ذويهم من الحاضرين، مع توزيع إعانات مالية واجتماعية لفائدة 74 مستفيدا بغلاف مالي إجمالي بلغ 113 الف درهم.
وبالمناسبة تم توقيع اتفاقية إطار للتعاون والشراكة بين المندوبية السامية للمقاومة و»جمعية واد سرو للتواصل ودعم التنمية والمحافظة على البيئة»، في شأن إحداث فضاء للذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بمنطقة سرو، وذلك بهدف «تعزيز التعاون والعمل المشترك بين المندوبية السامية وعمالة الإقليم والمجلس الاقليمي لخنيفرة ومجلسي جماعتي لهري وتغسالين، وجمعية واد سرو من أجل الحفاظ على الموروث التاريخي والحضاري والثقافي لإقليم خنيفرة وتلقينه للناشئة والاجيال المتعاقبة». كما تميز الحفل بتسليم جوائز وشهادات تقديرية لفائزات في مسابقات عالمية، منهن التلميذة نجوى بورصاص الحائزة على المرتبة الثالثة عالميا، والحاصلة عليها من طرف اللجنة المشرفة على الدورة السابعة الدولية للأعمال الفنية التي نظمتها ثانوية الفنون التشكيلية ببولونيا، تحت الرعاية الشرفية لوزارة الثقافة والتراث البولونية، من خلال موضوع يتعلق بتخليد سيرة وأعمال الملحن العالمي البولوني، ستانيسلاف مونيوسكو، إضافة إلى الفائزات من الثانوية الإعدادية 13 نونبر بمركز لهري، في المسابقة العربية المفتوحة في دورتها 13 للروبوت التي أقيمت في الفترة الممتدة من 1 إلى 4 يوليوز 2022 بمصر.