مع اشتداد موجة الصقيع وبداية أيام الشتاء بلياليها الباردة التي تعرفها عدد من جماعات الجهة الشرقية عموما، وإقليم جرادة تحديدا، والتي وصلت في بعض المناطق إلى ثلاث درجات تحت الصفر، تطفو على سطح هذا الجو البارد قضية الأشخاص بدون مأوى، والمختلين عقليا، وعموم المشرّدين، الذين يتخذون من الشارع بكل تفاصيله القاسية والمؤلمة مكانا للعيش، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء في ظل غياب مراكز كافية للإيواء، وانعدامها في مناطق أخرى، والنظر إليهم بعين الرحمة على الأقل خلال شهور الشتاء، حيث الحاجة ماسة وكبيرة إلى الدفء والأكل والاحتماء من لفحات الصقيع وبرودة الطقس، خاصة خلال الفترة الليلية حيث تنزل درجات الحرارة إلى أدنى مستوياتها، والتي قد يكون من نتائجها إصابة هؤلاء بأمراض خطيرة تفضي إلى الموت.
على الهامش
تعتبر ظاهرة المتشردين بدون مأوى والمختلين عقليا إحدى الظواهر الحديثة التي تميز مجتمعنا المغربي، عناصرها أشخاص محرومون من أي أمن عائلي أو مادي، يعيشون على الهامش، يتخذون من الأماكن المهملة مأوى لهم، يزداد عددهم و ينقص حسب ظروف العيش، غير مستقرين بشكل دائم لكنهم يعيشون المعاناة نفسها.
مشرّدون يبلغ عددهم، على سبيل المثال لا الحصر بإقليم جرادة، ووفقا لدراسة غير محينة، حوالي العشرين شخصا، يتمركز معظمهم بالمناطق الحضرية، هم ضحايا لمجموعة من الأسباب، نذكر منها الفقر، التفكك العائلي، تعاطي المخدرات بكافة أصنافها، وغيرها من الدوافع الأخرى المختلفة. مواطنون يجدون أنفسهم في لحظة من اللحظات بدون مأوى في العراء، وحده الشارع يحتضنهم، يتعذر عليهم التأقلم مع هذا الوضع، ويزداد الأمر تعقيدا في فترات معينة، كما هو الحال بالنسبة للفترة الحالية التي تعرفها بلادنا، حيث الطقس يعرف برودة كبيرة، أمام غياب مراكز للإيواء، وكذا غياب مبادرات جمعوية تخفف عليهم شدة الصقيع.
واقع تعيشه هذه الفئة بصعوبات عديدة، على الرغم من قيام السلطات المحلية بمبادرة نقل هؤلاء الأشخاص إلى دور الرعاية الاجتماعية كإجراء وقائي مؤقت، إلا أن هذا الحل يبقى غير كاف ويصطدم في أحيان كثيرة بالقانون المنظم لدور الرعاية الاجتماعية بسبب صعوبة إدماجهم مع باقي النزلاء.
مصير مجهول
على خلاف إقليم جرادة، تعرف مدينة وجدة وإقليم وجدة أنجاد عموما، تواجد أعداد كبيرة من الأشخاص دون مأوى والمختلين عقليا، في غياب إحصائيات رسمية حول الظاهرة، ورفض بعض الجمعيات العاملة في هذا المجال مدّنا بمعطيات رقمية، حول العدد الحقيقي لهؤلاء المواطنين الذين لا يجدون من سبيل سوى الشارع ملاذا، مستعينين بقطع البلاستيك والكارطون وبعض الأغطية المهترئة المتآكلة في مواجهة قساوة الطبيعة، لأن المحظوظ منهم من يحصل على غطاء وأفرشة جيدة نسبيا، التي لا تفي بالغرض المطلوب.
مشرّدون يتوزعون على أمكنتهم المعتادة، سواء بأزقة وشوارع المدينة، أو بالدور المهجورة، في غياب حلول واقعية تتعامل مع الظاهرة في بعدها الإنساني، لانتشال هذه الفئة من الضياع، ولما لا تأهيلها نفسيا وبدنيا، وتسقط عنها صفة الأشخاص دون مأوى، وتعمل على معالجة المصابين بامراض نفسية وعقلية، بدلا من الرمي بهم إلى الشارع، حيث يواجهون مصيرهم المجهول.
دار للتضامن
من هنا جاء التفكير في إحداث مركز اجتماعي يحتضن هؤلاء الأشخاص، ويكون ملاذا آمنا لهم، ويتعلق الأمر بدار التضامن، وهو الاسم الذي تم إطلاقه على المكان الذي سيكون من وظائفه رعايتهم صحيا من طرف أطباء نفسانيين، والتكفل بهم، في أفق إعادة إدماجهم وفق مقاربة تشاركية بين جميع المتدخلين في هذا المشروع، الذي تم إنجازه في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بغلاف مالي يفوق 17 مليون درهم.
دار، تضم جناحا للرجال وآخر للنساء، وجناحين لمن يعانون من أمراض نفسية، إضافة إلى مطعم وحمام بلدي، وقد عٌهد للجمعية الخيرية الإسلامية الإشراف على تسيير هذا المرفق، الذي نتمنى أن يفتح أبوابه أمام هذه الفئة في القريب العاجل خاصة في ظل اشتداد موجة البرد.
دعم مستمر
لقد أصبح من الضروري اليوم إيلاء الأشخاص دون مأوى، والمختلين عقليا، العناية التي يستحقونها باعتبارهم مواطنين مغاربة، رمت بهم الظروف في مستنقع الإهمال واللامبالاة، وحان الوقت للتخفيف عنهم بتكثيف الحملات التحسيسية، وبالتفكير الجدي في مضاعفة إنجاز أعداد مهمة من الفضاءات التي تستقبلهم وتمنحهم الدفء والرعاية وتخصص لهم الاهتمام، بعيدا عن الفعل المناسباتي، وعلى الجماعات الترابية أن تتحمل مسؤوليتها في دعم هذه الفئة لأنه من المجحف ونحن نعيش أولى أيام سنة 2024، أننا لازلنا نتحدث عن كيفية الاهتمام بهذه الفئة من المواطنين.