في ظلال أرز إفران* -04- محادثات حرة مع الحسن الثاني ملك المغرب

(الفصل الثاني)
حفل غداء بالقصر الملكي

ها قد مضت وانقضت عدة أسابيع على وجودي بالمغرب. زرت الشمال وذهبت إلى طنجة والشاون والحسيمة. أعجبت بغابات الأرز في كتامة والمناظر الصخرية في الريف، ثم عدت إلى الرباط عبر تازة، وعبر المدينتين المرموقتين: مكناس وفاس.
جعلتني حرارة شهر غشت أقدر بكيفية مضاعفة نضارة إفران في الأطلس المتوسط. مدينة الإجازات (العطلات) هذه ابتكرتها مبادرة إريك لابون حين كان كاتبا عاما للإقامة الفرنسية. وهذه المدينة ذات السطوح الحادة التي تسمح بانزلاق الثلوج في الشتاء، تشكل تغيرا رائعا في المشهد من منظور سكان إفريقيا الحريصين على المرتفعات والهواء النقي، وأنا الجبلي السويسري، أثار إعجابي جمال المغرب المتنوع: النهر الذي تظلله أشجار الدردار وأشجار البلوط الأخضر، والذي نصطاد فيه سمك السلمون المرقط، غابات الأرز المترامية، أشجار الحور التي تمتد أوراقها اللامعة والمرتعشة إلى نوافذ غرفنا في الفندق، المراعي الشاسعة التي تحوي قطعانا من الأغنام ترعى قصبا جافا…
غير أني جئت المغرب لا من أجل السياحة، وإنما لدراسة قائده. لذلك، وبرغم الحرارة، عدت ثانية إلى الرباط قصد تذكير التشريفات بجلسات الاستماع الموعودة.
بعد ثلاثة أيام متتالية، أخبرت أن جلالة الملك سيستقبلني في وقت متأخر من الصباح، حينما تنتهي المجالس الوزارية واللجان واستقبالات الزوار الذين يحظون بغلاف زمني مقداره ما بين عشر وخمس عشرة دقيقة… بعد عديد إجراءات.
غير أن مجالس الوزراء تمتد إلى ساعات متأخرة؛ إذ بعض الأعمال المستعجلة يستغرق وقت الملك. وها نحن الآن على بعد يومين من سفر جلالته صوب بلغراد.
أخبرت مدير الديوان الملكي أنني أتخلى عن مشروعي، وأنني أستعد للعودة نحو سويسرا. لكن، في الليلة نفسها، هاتفني رئيس التشريفات وأخبرني أن الملك يدعوني غدا إلى حفل غداء بالقصر الملكي، كي يراني بهدوء قبل مغادرته نحو يوغسلافيا.
ويوم 23 غشت، في الساعة الواحدة والنصف زوالا، توجهت إلى رئاسة المجلس، تلك البناية الأنيقة ذات الأعمدة الموريسكية، التي تقع في نهاية سلسلة مباني القصور الملكية.
شارفت حصة المجلس الوزاري على الانقضاء. خرج أعضاء المجلس من القاعة بمناديلهم وحيوا بعضهم. هذا السيد أحمد بلافريج، الممثل الشخصي لجلالة الملك والكاتب العام لحزب الاستقلال. وذاك السيد وزير الدفاع الوطني محجوبي أحرضان الذي نظم، بمعية الدكتور الخطيب، جيش التحرير في الريف، الذي أدمج بعد ذلك في القوات المسلحة الملكية. وهناك رجل القانون السيد أحمد رضا اكديرة، اليد اليمنى للملك الحسن الثاني الذي ائتمنه على حقيبتي الخارجية والفلاحة. وذاك الرجل الشاب الأسمر ذو الوجه المستدير المتورد، إنه وزير الاقتصاد والمالية، البوليتيكنيكي السيد امحمد الدويري، صهر السيد بلافريج وفريسة المعارضة التي تتهمه بأفظع الجرائر والجرائم.


الكاتب : n ترجمة د. عبد الجليل بن محمد الأزدي

  

بتاريخ : 18/03/2025