زراعة تدر على كبار الفلاحين الذين «تشجعهم» الحكومة 18 مليون دولار في 9 أشهر
المغرب يصدر 95 ألف هيكتومتر مكعب من المياه الافتراضية عبر المنتجات الزراعية
الخبير السرايري: لابد من مراجعة السياسات العمومية المتبعة حاليا في القطاع الزراعي
على الرغم من الجفاف الحاد الذي يضرب البلاد منذ 6 سنوات، فإن صادرات المغرب من عصير البرتقال تجاوزت 11000 طن في عام 2024، وحققت إيرادات ضخمة تزيد عن 18 مليون دولار. وفقا للبيانات التي أوردها «إيست فروت». وهذه الأرقام تمثل «أداء تاريخيا»، حيث تضاعفت الصادرات 3.5 مرة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023، متجاوزة بنسبة 9% الرقم القياسي السنوي الذي تحقق في 2019. ويعكس هذا الإنجاز المنافسة المتزايدة لعصير البرتقال المغربي على الأسواق الدولية.
وقد تحققت هذه الزيادة في الوقت الذي يعاني فيه البرازيل، أكبر منتج عالمي لعصير البرتقال، من تراجع كبير في إنتاجه بسبب الظروف المناخية الصعبة ونضوب بعض المناطق الزراعية. من جهة أخرى، تظل أوروبا السوق الرئيسي لصادرات عصير البرتقال المغربي، حيث سجلت دول الاتحاد الأوروبي زيادات ملحوظة في وارداتها من المغرب. تتصدر هولندا قائمة الدول المستوردة بعصير البرتقال المغربي، حيث استقبلت 8,200 طن من العصير خلال الأشهر التسعة الأولى من 2024. تليها سويسرا التي استوردت 1,400 طن، ثم فرنسا التي استوردت 600 طن، وألمانيا 500 طن، والسنغال 140 طن. وهذا النمو يعكس التحسن المستمر في التنافسية للمنتجات المغربية في الأسواق الأوروبية التي تعد من بين الأكثر تطلبا في العالم من حيث الجودة.
ويثير هذا الإنجاز تساؤلات هامة حول الاستدامة والآثار البيئية المترتبة على تصدير المنتجات الزراعية، وخاصة في ظل الظروف المناخية الصعبة التي يعيشها المغرب. فبينما يحقق قطاع صادرات عصير البرتقال أرقاما قياسية، يتجاهل كثيرون حقيقة أن هذا النجاح يأتي على حساب المياه، وهي المورد الطبيعي الأكثر شحا في البلاد، خصوصا في ظل سنوات من الجفاف المستمر.
ورغم أن تصدير عصير البرتقال يشكل مصدرا هاما للإيرادات من العملة الصعبة، فإن المغرب يواجه تحديات بيئية خطيرة ناجمة عن استنزاف موارده المائية. وفقا لدراسة علمية أجراها باحثون مغاربة، فإن المياه الافتراضية المصدرة من المغرب عبر المنتجات الزراعية من فواكه وخضروات قد تجاوزت 95,033 هيكتومتر مكعب، وكان أكثر من 72% من هذه المياه مرتبطة بالمنتجات الزراعية مثل الخضروات والحمضيات. وعليه، فإن تصدير هذه المنتجات يتطلب في الواقع تصدير كميات ضخمة من المياه المخزنة داخلها، في وقت أصبح فيه المغرب يواجه نقصا حادا في المياه بسبب الجفاف المستمر، وهو ما يجعل من هذه الصادرات قضية بيئية مثيرة للقلق.
من منظور بيئي، يعتبر تصدير المياه عبر الفواكه والخضروات أحد المظاهر الواضحة للتهديدات المستقبلية التي تواجه البلاد، لا سيما وأن القطاع الزراعي في المغرب يستهلك حوالي 5 مليارات متر مكعب من المياه سنويا، رغم أن هذا الرقم شهد تراجعا كبيرا في السنوات الأخيرة بسبب الجفاف المستمر. ففي عام 2021، تراجع استهلاك المياه في القطاع الزراعي إلى 1.22 مليار متر مكعب، وهو انخفاض كبير مقارنة بالسنوات السابقة. هذا التراجع، بالإضافة إلى انخفاض المساحات المزروعة بالأراضي المروية، يعكس مدى تأثر المغرب بالتغيرات المناخية.
وتطرح هذه التحولات في الوضع المائي سؤالا جوهريا: هل من الصواب أن يستمر المغرب في تصدير كميات ضخمة من المياه الافتراضية في شكل عصير البرتقال والفواكه الأخرى بينما يعاني من نقص حاد في المياه؟ وهل من المنطقي أن نضحي بثرواتنا المائية من أجل تحقيق أرباح قصيرة الأجل على حساب مستقبل الأجيال القادمة؟
وفي حديث لصحيفة «الاتحاد الاشتراكي» حذر الدكتور محمد الطاهر السرايري الأستاذ الباحث في معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، من استمرار الاعتماد على الزراعات التي تستهلك كميات هائلة من المياه، مثل الحمضيات والبطيخ الأخضر. فقد أدى الاعتماد الكبير على المياه الجوفية لري هذه المحاصيل إلى استنزاف المخزونات الجوفية، وهو ما جعل العديد من الفلاحين في مناطق مثل سوس وملوية يواجهون صعوبة في الحصول على المياه اللازمة لري أشجارهم. هذه المشكلة تزداد تعقيدا مع استمرار الجفاف، مما يهدد استدامة هذه الزراعات في المستقبل.
ويرى الدكتور السرايري أن هناك حاجة ملحة لمراجعة السياسات العامة المتبعة حاليا في القطاع الزراعي، والقائمة على الاستعمال المفرط للموارد المائية، خصوصا تلك المعبأة من المصادر الجوفية. واعتبر الأستاذ السرايري، أن بعض الزراعات التي شهدت طفرة كبرى في الإنتاج في إطار المخططات الزراعية المتبعة منذ 15 عاما، تستلزم اليوم إعادة النظر في ظل الوضعية المائية الخطيرة التي تشهدها البلاد، والتي لم تعد تسمح بهدر الثروات المائية المتضائلة، سنة تلو أخرى. وقال الدكتور السرايري «ليس أمامنا الكثير من الخيارات، الخصاص المائي الراهن يلزمنا بوضع حد لجميع الزراعات المستهلكة للمياه بشكل مفرط، وحتى إذا رفضنا هذا الخيار، فإن الطبيعة هي التي ستفرض علينا الرضوخ للأمر الواقع». وأعطى الخبير الفلاحي المثال ببعض الزراعات التي وقفت اليوم أمام الباب المسدود، كما هو الشأن لزراعة الحوامض بجهتي سوس وملوية، حيث أدى الاعتماد المفرط على المياه الجوفية لسقي عشرات الآلاف من أشجار الحوامض إلى استنزاف المخزونات الجوفية التي لم تعد تتجدد بفعل توالي سنوات الجفاف، وها نحن اليوم نرى كيف أصبح العديد من المزارعين بالمنطقة يقتلعون أشجار الحوامض من حقولهم بعدما أصبحوا عاجزين عن استخراج ما يكفي من المياه لسقيها. «وهذا ما يؤكد، حسب السرايري، «أن الطبيعة في النهاية هي التي تقول كلمتها».