في كلمة إدريس لشكر ، الكاتب الأول، في الذكرى الأربعينية لرحيل بنيونس مرزوكي

فقدنا مناضلا يساريا اتحاديا،عُرف بفصاحة الفكر وتفاؤل الإرادة

بحضور العديد من الشخصيات السياسية والنقابية والحقوقية والعلمية وأصدقاء المرحوم، نظمت الكتابة الإقليمية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة، مساء أول أمس السبت، حفل تأبين الراحل بنيونس مرزوكي في الذكرى الأربعينية لوفاته، وفاء لمسيرته الحافلة بالعطاء في ميدان التعليم والبحث العلمي والنضال السياسي والنشاط الجمعوي، كما استحضرت خلاله مواقفه وإسهاماته التي تركت بصمة في قلوب كل من عرفوه، وألقيت في هذا الحفل التأبيني كلمة إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ألقاها نيابة عنه جمال الصباني، ( ننشرها كاملة على أن ننشر بقية الشهادات لاحقا ) بحضور وفد من المكتب السياسي، عبد الحميد جماهري، جمال الصباني، سعيد بعزيز، عمر أعنان، عبد السلام الموساوي، المهدي مزواري، والعديد من الشخصيات التي ألقت شهادات في حق المرحوم: الحسين بلحساني، صديق المرحوم، عمر أعنان، كلمة باسم الكتابة الإقليمية، سعيد بعزيز، كلمة باسم الكتابة الجهوية لجهة الشرق، وشهادة محمد أوجار، كطالب درسه المرحوم بنيونس مرزوكي، شهيب محمد، صديق المرحوم، رئيس جامعة محمد الأول، ياسين زغلول، وعميد كلية الحقوق بوجدة إدريس الدريوشي، وشهادة محمد اعمارتي، المجلس الوطني لحقوق الإنسان بجهة الشرق، الهبري الهبري، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي، عبد الله الإدريسي، الكاتب الجهوي للحزب سابقا، وصديق المرحوم، جابري محمد، سارة أعنان، باسم الشبيبة الاتحادية، وزوجة المرحوم، مليكة مرزوكي.
وفي الأخير قدم محمد السعيدي كتابا عن الراحل بنيونس مرزوكي، من إنجاز كلية الحقوق، كما تم تقديم هدايا رمزية لزوجته.

 

«أربعون يوما مرت على رحيل فقيدنا الغالي بنيونس مرزوقي، ‬وبرحيله‮ ‬فقد المغرب مفكرا كبيرا، مناضلا وطنيا مدافعا عن قضية المغرب المركزية، قضية الصحراء المغربية، وفقد الاتحاد الاشتراكي‮ ‬للقوات الشعبية أحد قادته المخلصين،‮ ‬ومناضلا من أبناء الحركة الاتحادية واليسارية الأوفياء‮، ‬وفقدت فيه الحركة الديموقراطية والحقوقية والنقابية أحد المدافعين المخلصين عن قيمها ومبادئها وقناعاتها‮، وفقدت فيه الجامعة المغربية أستاذا ملتزما ومجتهدا، وفقيها دستوريا .
رحيله خسارة كبرى للوطن، للفكر في مختلف أبعاده، للاتحاد الاشتراكي وكل القوى الحية ببلادنا .
الأستاذ بنيونس مرزوݣي شاهد على منعطفات سياسية مفصلية عاصر خلالها كبار السياسيين والإعلاميين المغاربة. ذاكرة حية زاخرة بتفاصيل عدة عن الحياة السياسية والدستورية المغربية منذ ثمانينيات القرن الماضي، ذو معرفة عميقة ودقيقة بالكثير من محطات التاريخ الراهن للمغرب.
حضور إعلامي قوي في القنوات التلفزية والإذاعية الوطنية والجهوية، ذو فكر موسوعي، متعدد المواهب، حياته لم تعرف فراغا ولا مللا، هي مملوءة بزخم من الأنشطة التدريسية الأكاديمية والسياسية والجمعوية والنقابية. مناضل يساري اتحادي،عُرف بفصاحة الفكر وتفاؤل الإرادة .
هو نافذة واسعة مفتوحة تطل على الكثير من التفاصيل الدقيقة للتاريخ الراهن للمغرب، والتي لن تجد لها أثرا في أي كتاب أو مذكرة،خصوصا المرحلة الحرجة للصراعات السياسية والتدافع الإيديولوجي الحاد بالمغرب .
تمرس وخبر العمل الصحفي والنقابي والجمعوي والنشاط الحزبي السياسي، راكم تجربة طويلة وثرية في تقريب الجامعة والبحث العلمي من القضايا الضاغطة للسياسة والمجتمع، وجعل الجامعة في صلب المجتمع والتدافع السياسي وخدمة قضايا الوطن. ولم يبخل يوما في الإسهام في أنشطة الجامعات والجمعيات والأحزاب في كل الربوع، كرس جزءً كبيرا من حياته لربط الجامعة بمحيطها الاجتماعي والسياسي، فكان دائم الحضور في العديد من الندوات، متتبعا نهما وفاعلا لمختلف المسارات السياسية والدستورية المفصلية في تاريخ المغرب الحديث .
انخرط بشكل مبكر في العمل الحقوقي، واكب وشارك في العديد من الأنشطة والتكوينات والمحاضرات والندوات التي نظمتها الجمعيات الحقوقية المختلفة، وكانت تهم مواضيع متعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، الحقوق السياسية والمدنية، الحقوق الثقافية، قضايا المساواة ومقاربة النوع، الدستور وحقوق الإنسان، الانتخابات، الضمانات القانونية والقضائية للحق في الإضراب، والحق في تأسيس الجمعيات… كما نشر العديد من المقالات والدراسات والتقارير ذات الصلة الوثيقة بحقوق الإنسان. وكان بنيونس مرزوقي من أوائل الأكاديميين الذين أثاروا مسألة دسترة الأمازيغية .
الاهتمام بمجال الحقوق والحريات جعل الأستاذ بنيونس ينخرط في مختلف المبادرات الحقوقية بل ويساهم في أنشطتها، بغض النظر عن تحيزاتها السياسية. بادر للمطالبة بإحداث المجلس الأعلى للمرأة ودسترته وتم تعيينه عام 2012 عضوا باللجنة الجهوية لحقوق الإنسان لوجدة–فكيك التابعة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان.
عرف بنيونس مرزوقي بدفاعه عن حقوق النساء، وكرس جزءا كبيرا من جهوده الأكاديمية والتكوينية للدفاع عن تعزيز تمثيلية النساء في مراكز صنع القرار وإنصاف المرأة المغربية، ونشر عدة دراسات تهم إشكاليات وقضايا المناصفة والمساواة والتمكين السياسي للنساء، ووضعية النساء في كل من مدونة الأسرة والقانون الجنائي وقانون الشغل.
شارك في تحرير أو تنقيح وتصحيح العديد من التقارير الدولية حول الحقوق النسائية، وخاصة من ذلك التقرير حول «القوانين والسياسات والممارسات المتعلقة بواقع مقاربة النوع الاجتماعي بالمغرب»، لصالح المركز الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية، إضافة لدراسات أخرى لفائدة هيئة الأمم المتحدة للمساواة، من قبيل دراسة موسعة حول مشروع قانون هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز. كما أنه واكب أشغال لجنة مجلس النواب الخاصة بالمساواة والمناصفة .
لا يمكن ذكر كلية الحقوق بوجدة إلا ويكون اسمه حاضرا، فقد كان من مؤسسيها .وكان أول كاتب عام لأول مكتب محلي للنقابة الوطنية للتعليم العالي بكلية الحقوق .
أنجز دراسات قانونية وسياسية عدة وقدم مشاريع نصوص تهم القوانين التنظيمية والقوانين العادية، كما أنه عاد مرة ثانية لنفس الوزارة كمدير ديوان انطلاقا من سنة 2009، ومرة أخرى إلى مجلس النواب كخبير استشاري انطلاقا من سنة 2016. خلال هذه المراحل كلها، لم ينقطع عن التدريس الجامعي، وكثيرا ما تم الاستماع إليه كخبير خلال إعداد الكثير من التقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية .
ارتبط الأستاذ مرزوݣي بشكل كبير بالقانون الدستوري، عرف بنشاطه الحزبي وحضوره الأكاديمي المتميز في النقاشات المتعلقة بالمسألة الدستورية خلال بداية التسعينيات في إطار بداية «الانفتاح السياسي» و»الانفراج السياسي والحقوقي».
لم يتوقف انشغاله بالقضايا الدستورية عبر المشاركة في الندوات العلمية الأكاديمية إلى جانب الندوات واللقاءات العامة. ظل مرتبطا في الجامعة بالدرس الدستوري، حيث درس القانون الدستوري المعمق في قسم الدراسات العليا بكلية الحقوق وجدة؛ ومادة الأنظمة الدستورية الكبرى التي تم فصلها عن مادة القانون الدستوري. وقد مكنته التجارب المهنية بالوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان، وبمجلس النواب، من تطوير تصوره للمسألة الدستورية، كما توسع اهتمامه ليشمل القانون البرلماني.
كانت له مساهمات عديدة عند التحضير للمراجعة الدستورية سنة 2011، من خلال المداخلات، والمقالات، والمساهمات الكثيرة في الإعلام السمعي البصري، والمكتوب، واللقاءات الحزبية والندوات الأكاديمية.وتم تكليفه لمدة شهر كامل للتحضير والإشراف على البرامج والنشرات الإخبارية بالإذاعة الوطنية، في كل ما له صله بالدستور، خلال حملة الاستفتاء.بالموازاة مع هذا الاهتمام بالمجال الدستوري والبرلماني، تخصص بشكل موسع في موضوعين اثنين: أساليب الاقتراع، وتمثيلية النساء في المؤسسات المنتخَبَة.
وإضافة إلى الأحزاب السياسية وهيئات المجتمع المدني، ساهم في أنشطة مؤسساتية كثيرة، وخاصة من ذلك: أنشطة مجلس النواب: مشروع تعديل النظام الداخلي، مواكبة أشغال مجموعة العمل «برلمانيات من أجل المساواة»، إنجاز أعمال لصالح لجنة العمل الموضوعاتية حول المناصفة، وأنجز ونشر في هذا الإطار حصيلة النساء البرلمانيات بمجلس النواب لأربع ولايات .
عرفته طالبا وعرفته أستاذا جامعيا…
لما شرفني صاحب الجلالة وعينني وزيرا مكلفا بالعلاقات مع البرلمان، استدعيته وعينته، دون أن يكون في علمه أو يطلب أحدا في هذا الشأن، عينته مديرا للديوان، اشتغلنا ولي أن أعتز أنه بجانب اشتغالنا في هذا الإطار المؤسساتي اشتغلنا حزبيا ؛
أعرف الرجل في كل المحطات التنظيمية الوطنية منذ المؤتمر الوطني السادس إلى المؤتمر الوطني الأخير… لابد أن يجد القارئ في وثائقنا الحزبية بصمة الفقيد بنيونس المرزوقي .الأستاذ بنيونس المرزوقي بصمته حاضرة في البيان السياسي وفي التقرير التنظيمي وفي كل ما يصدر عن الحزب من وثائق في هذا الشأن، كانت مساهمته ومشاركته مشاركة مهمة وكبيرة.
وأذكر للرجل زهده وعدم سعيه وراء المناصب والترقيات…
أذكر له مساهمته في كل المحطات الوطنية؛
في المحطات الوطنية، كل وسائل الإعلام، أغلبية ومعارضة، وكل المؤسسات تسعى وراء أفكاره واقتراحاته ومساهماته …
يمكن الرجوع إلى مساهماته في مختلف الجامعات، في مختلف الأكاديميات وفي مختلف الإطارات وخاصة حزبه الذي انتمى إليه وهو الاتحاد الاشتراكي.
لا يجب أن ننسى، مساهماته الكبيرة في ما يتعلق بمؤتمرنا الإقليمي التاسع بوجدة …صدرت وثيقة من الوثائق التي ساهم فيها بشكل أساسي ولعب فيها دورا أساسيا.
افتقدناه، وسنفتقده أكثر، سنفتقد كفاءة هادئة، بعيدا عن الصخب والضجيج فهو حكيم، سنفتقد مفكرا استثنائيا، مفكرا محللا ونابغا …سنفتقد إنسانا نظيفا، خلوقا، بسيطا، متواضعا وبشوشا …سنفتقد إنسانا عظيما وقنوعا …
فرحمة الله على فقيدنا والله يقدرنا ويقدر عائلته الصغيرة خاصة على الصبر والسلوان…
فقدنا قامة كبيرة. «


الكاتب : مراسلة خاصة

  

بتاريخ : 20/01/2025