نظم فرع حزب الاتحاد الاشتراكي بعين الشق بالدار البيضاء، يوم الأربعاء 26 فبراير 2020، لقاء تواصليا مع شقران أمام، رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، في موضوع «الفاعل السياسي سؤال الثقة والمبادرة»، هذا اللقاء الذي حضرته ثلة من المناضلات والمناضلين والمتعاطفين، قام بتسييره محمد لشقر، الذي افتتحه بكلمة تم من خلالها تقديم المحاضر، مبرزا الجدوى من تنظيم مثل هذه اللقاءات التواصلية في كل المدن المغربية، والذي يدخل في إطار الدينامية التي أطلقها حزب الاتحاد الاشتراكي وكذا بمناسبة احتفالاته بالذكرى الستين لتأسيسه، وكذلك إطلاق مبادرة الانفتاح والمصالحة. هذا الحزب اليساري الذي تولدت منه عدة فصائل وتيارات يسارية وتناست المنشأ، وأضاف أن موضوع اليوم حول الفاعل السياسي وسؤال الثقة والمبادرة، إننا محتاجون لفضاء سياسي مستقل بفاعلين سياسيين يتوفرون على الحرية في الفعل والمبادرة، لأنه يستحيل إبرام تعاقد مع المواطنين بدون تنظيمات قادرة على ممارسة السياسة، لا تستوعب ولا تدبر حاجيات الأجيال الصاعدة.
إن الثقة في السياسة هي عامل أساسي في التنمية الاجتماعية والاقتصادية لإرساء الديمقراطية، وفقدان الثقة في المؤسسات، كالحكومة والأحزاب والنقابات وجمعيات المجتمع المدني، راجع لكونها تخلت عن دورها كوسيط وأصبحت مؤسسات مستهلكة لا تنتج الثروة، وهذا ما أدى بالشباب إلى العزوف عن السياسي، ليطرح السؤال لماذا فقد المغاربة الثقة في الطبقات السياسية؟ وعدم رضاهم في جهود الحكومة في محاربة الفساد والرشوة.
بعد ذلك تناول الكلمة شقران أمام، الذي تطرق في معرض تدخله في السياق السياسي لأسئلة : «الفاعل السياسي» و»سؤال الثقة» و»سؤال المبادرة» وماذا يميزنا عن الآخرين؟ وهل هناك جرأة لطرح البدائل؟ وماذا يجب القيام به لاسترجاع الثقة؟
في هذا اللقاء يقول شقران:» بكل صدق، طرحت السؤال على نفسي، كيف يمكن الاستمرار في طرح وخلق نقاش يبتعد عما هو سائد في الأيام والأسابيع والشهور الأخيرة، في الحديث عن الوضع السياسي الراهن، الحديث عن النموذج التنموي الجديد والحديث عن الإكراهات، وجميع الأمور التي ربما تطبع الساحة السياسية والثقافية والاجتماعية والحقوقية في بلادنا.
وكانت الفكرة أن أشارككم في ما يشغلني كمناضل شاب بسؤالين مرتبطين بالسياسي وبالفاعل السياسي، وسؤال الثقة وسؤال المبادرة، واللذين اعتبرهما بالنسبة لي ركيزة أساسية لكل فاعل سياسي، لديه مشروع مجتمعي يريد طرحه ليحشد الدعم الجماهيري بهذا المشروع، يريد أن يعبئ الطاقات لأجل أن تنخرط معه فيه، ولكي تتجسد على أرض الواقع، حين يتحمل مسؤولية تدبير الشأن العام.
وأنا لست مختصا في القانون السياسي ولا في العلوم السياسية ولا السوسيولوجية السياسية، ولا متخصص في هذه المجالات، ربما الإنسان يقرأ ويطلع على هذه الأشياء، وقد كان عندنا احتكاك مع بعض الرجالات في الحزب الذين استفدنا منهم كالأستاذ محمد جسوس، لكن ربما سأفكر معكم بصوت مرتفع، على أن النقاش سيثري ويغني هذه الجلسة للخروج بمجموعة من الأفكار .
حين نتحدث عن الفاعل السياسي فهل يمكن اليوم أن نحدد من هو الفاعل السياسي؟ الفاعل السياسي هو ذلك الحزبي الذي ينتسب إلى حزب والذي يناضل من داخل حزب وعنده مشروع سياسي ولديه مرجعية إيديولوجية يؤمن بها، فهناك من لا يمارس السياسة ويبتعد عنها أو يخاف منها ويقول أنا لا أمارس السياسة.
اليوم نقول إن الجميع يتحدث في السياسة ويمارسها، في ظل تكنولوجيا المواقع الاجتماعية والتواصلية، الكل أصبح فاعلا سياسيا، الكل يتحدث في السياسة والكل يعبر عن مواقفه وآرائه تتسم أحيانا بالجرأة وتتجاوز القانون بنفسه بنوع من اللاوعي والاندفاع، وبنوع من الشفهي والاستماع.
فالفاعل السياسي الحقيقي الذي يمارس السياسة من خلال حزب سياسي، موضوع اتهام من قبل الجميع، فحين نبحث في الكتب سنجد التعريف بالفاعل السياسي، وحين نسقطه على أرض الواقع، سنكتشف أن الأمور أصبحت مبهمة، ونحن كفاعلين سياسيين بحكم انتمائنا للحزب، بالنسبة إلينا، هم أمانة سلمت إلينا من أجيال ناضلت وضحت وقدمت الشيء الكثير وبنته بالغالي والنفيس، إنما كانت تبني الوطن، لكن في نفس الوقت كانت تبني حزبا قويا الذي يسمى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لتتركه للأجيال اللاحقة، وهذه الأجيال عليها أن تتركه للأجيال التي تليها، ويبقى السؤال، بطبيعة الحال: ماذا تسلمنا؟ وماذا سنسلم؟
ففي المؤتمر الوطني الثامن للحزب، وفي ظل الظروف التي كان عليها المؤتمر، سألت الأستاذ محمد جسوس، ما هذا الحزب الذي ستتركونه لنا، فكان جوابه: ما أنتم فاعلون إذا تركنا لكم حزبا سليما معافى، بمعنى أن هذه الصيرورة التاريخية، تعني أن حزبا تسلموه في مرحلة بصراعاته وبإشكالاته وبصعوباته وبخطورته، ويهم كل من يعبر أو يصرح أنه اتحادي، واستمروا في بنائه إلى أن وصلنا إلى جزء من الحرية التي انعكست حتى على حزبنا، والتي جعلت مجموعة من السلوكيات التي لم تتركه حزبا كاملا.
لقد تركوا لنا حزبا له تاريخ وله مسار، كما تركوا مجموعة من المشاكل والتي من المفروض أن تحل مع مرور الوقت، نحن فاعلون سياسيون نعتز بانتمائنا للاتحاد الاشتراكي، نعتز بماضيه ونقلق على حاضره ونتطلع إلى مستقبله بتفاؤل، لأنه إذا لم نكن متفائلين فلن نكون حداثيين.
وهنا يطرح السؤال بالنسبة إلي، من هو الفاعل السياسي اليوم؟ لماذا هو موضوع اتهام؟ مقارنة مع الفاعل السياسي بالأمس، لماذا هو في تراجع؟ فحين نتحدث عن الاتحاد الاشتراكي، نتحدث عن الأحزاب الوطنية الديمقراطية التي ناضلت، لأنه لسنا وحدنا في الساحة، والتي هي أيضا فقدت دعم جماهيرها، وكذلك فقدت جزءا كبيرا من ثقة من كانوا يثقون بها، وفقدنا نحن كاتحاد اشتراكي جزءا من الثقة من قبل الجماهير الشعبية، التي كانت تضع الاتحاد الاشتراكي فوق رأسها باعتباره هو الأمل وهو المستقبل الذي يمكن أن يخلص البلاد من كافة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي كانت تعرفها.
الثقة اهتزت لهذا اخترت موضوع الفاعل السياسي وسؤال الثقة والمبادرة، لأن هناك علاقة جدلية، فالفاعل السياسي بدون ثقة بدون مبادرة أحسن ما يمكن أن يفعله هو الجلوس في منزله، فمهما كانت الرسالة التي يقدم ومهما كانت البضاعة التي سيعرضها للمواطن حتى ولو كانت ستحل كافة المشاكل، فإنها إذا انتفى فيها عنصر الثقة، لا قيمة لها.
فالثقة عنصر أساسي في العمل السياسي، ولكن هذه الثقة لها علاقة بالوفاء، فهناك من يتحدث عن الوفاء والثقة، وكأسرة اتحادية فهل الثقة حاضرة بيننا، بنفس القوة التي كانت حاضرة بها في الماضي؟ فحين كانت الاعتقالات في صفوف المناضلين في سنوات الجمر والرصاص، كان كل الاتحاديين متضامنين، وأسرة المعتقل كانت لا تفكر في مصروفها الشهري، كان هناك نوع من التضامن والتماسك وروح الأخوة.
كانت هناك ثقة داخلية، ثقة في المشروع الذي يناضلون من أجله، هذه الثقة الداخلية التي تحرك ذلك المشروع الجماعي، لأن الثقة أساسية حتى لا نبيع الوهم بيننا، فكيف نبيع الوهم لأناس يقاسموننا الانتماء الحزبي، وحين أصل إلى ما وصلت إليه، يصفونني بما أرادوا، فعنصر الثقة هنا عنصر أساسي وخاصة عنصر الثقة داخليا، ثم في اتجاه الآخر.
فأنا لم أعاصر المهدي أو عمر أو بوعبيد، لكن الذي يجمعنا بالفعل هوالوفاء للقيم، فحين نتحدث عن هؤلاء الرجال فإننا نتحدث عن الوفاء وعن القيم لمشروع ناضلوا من أجله.
وإذا كنت أرفع صورهم وأنا لا أقوم بتلك المبادئ و القيم وانحرفت عن المسار الذي رسموه لنا، لأن تلك القيم والمبادئ هي التي تجعل ركن الثقة مستمر ولا يجب أن ينقطع مع مجموعة الأجيال والجماهير الشعبية، نعم هناك تحولات، فصراع الأمس ليس هو صراع اليوم، وأجيال اليوم ليست هي أجيال الأمس، فجيل اليوم يصعب أن تذكره بالماضي وبسنوات الجمر فذلك تاريخ، أما الآن فيجب أن تحدثه بلغة اليوم وبلغة الغد، لكن بنفس القيم وبنفس المبادئ. وكفاعلين سياسيين أصبحنا نتحدث مع أجيال اليوم ومع شباب اليوم بلغة الأمس، وليس بقيم ومبادئ الأمس، فالاتحاد الاشتراكي كان دائما يطرح البدائل بخصوص كافة قضايا المجتمع ويعرف اللحظة التي عليه طرح تلك البدائل وكيف يطرحها.
هناك مجموعة من النظريات حين نرجع إليها نجد مجموعة من المفردات و المصطلحات في الفعل السياسي، كانت هي من بصمت مناضلات ومناضلي الاتحاد الاشتراكي، ففي القضية الوطنية نتذكر موقف عبد الرحيم بوعبيد وفي مجال التعليم كان هناك موقف محمد جسوس.
كان الاتحاديون يعرفون اللحظة التي يطلقون فيها الرسائل ويبادرون، وليس لهم خطوط حمراء، خطهم الأحمر هو مصلحة الوطن، والموقف الذي كانوا يطرحونه يطرحونه بناء على مصلحة الوطن، وكانوا يبادرون إلى تجميع الإرادات الحقيقية، لأن مسار بلادنا يجب أن يزيد إلى الأمام، فقد كانت الجماهير تنتظر بيانات الحزب حين يجتمع المكتب السياسي، وماذا سيخرج به الاتحاديات والاتحاديون، كما كانوا ينتظرون صدور الجريدة.
اليوم البلاد في حاجة إلى اتحاد اشتراكي حقيقي وأن الاستمرارية ليست مرتبطة بكم الأنشطة التي نقوم بها، الاستمرارية مرتبطة بالأثر الذي تتركه تحركاتنا وأنشطتنا وتواجدنا وتأثيرنا على التحولات التي تعرفها بلادنا، هل حزبنا ساهم بشكل كبير في هذه التحولات التي تعرفها بلادنا أم أننا فقط نتجاوب مع الخطابات الرسمية ونتجاوب معها بهذه الصيغة أو بتلك.
اليوم هناك نقاش على مستوى مشروع النموذج التنموي ونحن نقوم بمجموعة من العروض نطرح فيها رأي الاتحاد الاشتراكي، غدا إذا وضعت هذه اللجنة تقريرها وكان لا يتماشى مع ما نطرحه، فما العمل؟ كما أن هناك نقاشا على مستوى القانون الجنائي، ما هو موقفنا الحقيقي؟ هل سنتعامل بمنطق المشروع المجتمعي بقيمه ومبادئه ؟ أم سنتعاطى «بالتاكتيك» ونعرف أن قيمنا الثقافية كانت تعتبر كل من يسيء إلى مسارنا النضالي هو حين يطغى «التاكتيك» لأنه هو من يجعلك تتغير بين فينة وأخرى، هو من يضرب الثقة، لأن الثبات والوضوح يؤسس للثقة، يمكن أن أختلف معك، يمكن أن تكون مرجعيتي ضد مرجعيتك، لكن كونك عندك خط و مسار تناضل من أجله أحترمك، لكن حين تتلون بألوان متعددة تفقد الاحترام وتفقد الثقة، وهنا أطرح ثلاثة أسئلة: أين نحن من الاتحاد من كل ما بقي؟ هل يمكن أن ننزل النقاش بكل حرية؟ ونحن الحزب الذي يتحدث عن الحرية، ما الذي يميزنا عن الآخرين؟ هل يكفي أن نقول إننا اتحاديين لنكون متميزين؟ فالاتحادي كان يتميز بالجرأة والريادة والزعامة، بالقدرة على الجهر بالحقيقة.
كانت للمستشار الاتحادي والنائب البرلماني الاتحادي الجرأة في مواجهة الوالي والعامل والباشا، كان يطرح البدائل وكان يتميز أيضا بتغليب المصلحة العليا للبلاد، على بعض الحسابات الخاصة، والقضية الوطنية هي أكبر نموذج، في عز الصراع، ففي القضية الوطنية كان الحزب واضحا، لأن الوطن كان فوق الجميع.
أما في ما يخص التراجع عن المنهجية الديمقراطية كان عبد الرحمان اليوسفي واضحا في رسالته من بروكسيل، إنه حزب الاتحاد الاشتراكي، غلب مصلحة البلاد على مصلحة الحزب، «كلينا لعصى» أي نعم، لكن كنا نعتبر ما قدمناه للبلاد هو الأساس.
والسؤال الأخير هو ما الذي يجب القيام به لكي نعيد إلى حزبنا عنصر الثقة وعنصر المبادرة؟ وهو سؤال سنجيب عنه من خلال نقاشنا مع الحضور.»