قضية الصحراء المغربية بدأت مع الجزائر ولابد أن تنتهي مع الجزائر
حل عبد الواحد الراضي، القيادي بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ضيفا على فرع حسان للحزب أول أمس، في إطار سلسلة من اللقاءات الرمضانية التي ينظمها هذا الأخير، بمقر طولكان بالرباط، وكان هذا اللقاء مفتوحا مع مناضلي ومناضلات الحزب حيث استمتعوا في سمر ليلي بجرد عدد من القضايا السياسية التاريخية والراهنة التي ميزت تاريخ البشرية والتاريخ السياسي الوطني، وفي مقدمة هذه القضايا التي استأثرت بانتباه واهتمام الحضور السرد التاريخي لأهم مراحل تطور القضية الوطنية ومستجداتها، بالإضافة الى مسار تطور النضال والبناء الديمقراطي بالمغرب، فضلا عن الديمقراطية التمثيلية بالمغرب والتطلع إلى تطبيق الديمقراطية التشاركية على أرض الواقع.
قال القيادي الاتحادي عبد الواحد الراضي إن الاتحاد الاشتراكي مستمر كحركة تحرير وطنية، بما أنه كان دائما يجر المغرب إلى الأعلى والتقدم، في حين كان البعض الآخر يجره للأسفل والوراء والتخلف، كما هو الشأن الحالي بالنسبة لبعض النخب السياسية التي من المفروض فيها أن تقود الشعب نحو التقدم والتطور إلا أنها تسعى اليوم لتدجينه والمساهمة في تخلفه ومسايرته في تعثراته واستغلال بؤسه وهشاشة بعض فئاته عوض الرفع من مستواه الفكري والنظري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي.
لقد اعتبر عبد الواحد الراضي، خلال هذا اللقاء الذي حاوره فيه الكاتب والشاعر وعضو المكتب السياسي حسن نجمي، في رد على أول سؤال وجه له من قبل محاوره حول»التجربة الديمقراطية والعياء الذي أصابها»، أن المغرب راكم تجربة أساسية في الديمقراطية التمثيلة ويمارسها بكل معنى للكلمة، ولايزال في طور تعميق هذه التجربة وتحسينها، مستدركا بالقول إن الدول المتقدمة الآن قد تجاوزت التجربة الديمقراطية التمثيلة التقليدية لتنتقل إلى البحث عن تحسين تطبيق الديمقراطية التشاركية، من أجل إشراك المواطن أكثر في تدبير القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وصنع القرار.
واستعرض الراضي كأقدم برلماني بالمغرب، تطور التجربة الديمقراطية التمثيلية في العالم منذ خروجها للوجود مع الإغريق مرورا إلى تطورها في فرنسا، ملفتا النظر، خلال سرده التاريخي هذا، إلى أن الانسان هو محور التقدم والتطور بواسطة الفكر والممارسة الميدانية وتصحيح المسارات والفراغات في تاريخ تطور البشرية.
وأبرز الراضي، في ذات السياق، أنه في الوقت الذي نصارع فيه نحن لتحسين الديمقراطية التمثيلية، كان هم الدول المتقدمة الشاغل هو البحث عن كيفية تنزيل الديمقراطية وتطبيقها بشكل سليم حتى يتمكن المواطن من المشاركة في صنع القرار السياسي وتدبير القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تخصه، مؤكدا أن هذا المعطى هو تطور جديد داخل المجتمعات الديمقراطية، وساق مثالا على أن مايقع الآن بفرنسا من احتجاجات “للبذلات الصفراء” ما هو إلا مظهر من مظاهر مخاضات الديمقراطية التشاركية.
وأوضح القيادي الاتحادي أن العالم اليوم لم يستطع أن يجد المنهجية الملائمة لابتكار الأسلوب الجديد لكي يساهم المواطن مساهمة فعالة في صنع القرار، باعتبار أن المواطن اليوم أصبح على دراية كبير بأمور الأشياء، كما أن العالم تطور بفعل العلوم والتكنولوجيات الحديثة ووسائل الاتصال والتواصل، لذلك، يقول الراضي، نرى أنه أصبح للمجتمع المدني اليوم دور كبير وأساسي في الوساطة ما بين الشعب والحاكمين، مثمنا في الوقت ذاته ما جاء به دستور المملكة المغربية من مقتضيات دستورية تقوي صلاحيات وتمثيلية المجتمع المدني المغربي كي توفر له جميع الشروط والصلاحيات حتى يقوم بدوره على أحسن وجه، وأشار في هذا الباب إلى الحق الذي أعطي للمواطن في القيام بعرائض وملتمسات من أجل اقتراح قوانين.
وارتباطا بموضوع الديمقراطية التمثيلة، سجل الراضي رئيس اتحاد البرلمان الدولي السابق، أن المغرب كان في مرحلة الانتقال الديمقراطي ولم يتم ذلك، وكان الاتحاد الاشتراكي حطب هذا الانتقال، موضحا في هذا الإطار أن تغيير الأفكار والعقليات والذهنيات والاعتقادات وتطور القيم والأخلاق والمبادئ لا يمكن أن يتم في أسبوع أو سنة بل يتطلب أجيالا باعتبار أن الأشياء المادية بالإمكان تغييرها لكن التفكير والسلوك صعب المنال ويتطلب أجيالا وأجيالا.
وتساءل الراضي عن الأسباب الحقيقية وراء اجهاض عملية الانتقال الديمقراطي “هل الحاكمين قاموا بجميع واجباتهم والقرارات والإجراءات المساهمة في إنجاحه، دون استثناء المجتمع باعتبار أن الدولة لا تعني الحاكمين والمسؤولين فحسب لكن هناك المجتمع والمواطن؟” في إشارة إلى نسب التصويت في الانتخابات والمصوتون وطبيعتهم وعمليات الإفساد الانتخابي التي تزيف إرادة الناخبين.
وفي معرض رده على سؤال ثان من قبل منشط اللقاء حسن نجمي حول التعامل مع القضية الوطنية باعتبار أن التحرير من مبادئ الاتحاد الاشتراكي، تحرير الأرض والإنسان كفكر وممارسة، استعرض الراضي القائد السياسي والديمقراطي، الذي تدرج في مواقع المسؤولية من الموقع البرلماني إلى الموقع الحكومي، تاريخ الوحدة الترابية للمغرب انطلاقا من استعمار اسبانيا للصحراء، وجهود المغرب في منظمة الوحدة الإفريقية ثم منظمة الأمم المتحدة دفاعا عن وحدته الترابية واسترجاع أقاليمه الصحراوية، وقدم كرونولوجيا الأحداث والمحطات التي طبعت ملف الصحراء المغربية، كالاتفاق الثلاثي بين المغرب وإسبانيا وموريتانيا لتسليم الصحراء للمغرب، بالإضافة إلى انسحاب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية وملابسات وحيثيات تحيزها للبوليساريو بدعم من بعض الدول الإفريقية المعادية للمغرب، وصولا إلى المسيرة الخضراء المظفرة، ثم المفاوضات مع إسبانيا من أجل تسليم الساقية الحمراء ووادي الذهب باعتبار الحق التاريخي للمغرب والبيعة التي تجمع سكان الصحراء بحكام المغرب تاريخيا، ثم توجه المغرب الى محكمة لاهاي التي أصدرت رأيها التاريخي على أن الصحراء لم تكن أرض خلاء وكان لساكنتها علاقة البيعة بالملوك العلويين ثم مسألة الاستفتاء التي طرحت وموقف الحزب وقائده عبد الرحيم بوعبيد منه، فضلا عن تطورات القضية الوطنية في ردهات الأمم المتحدة والمناورات السياسية التي كانت تقودها الجزائر وجنوب إفريقيا ضدا عن الوحدة الترابية .
وذكر الراضي أن المغرب بلد عريق وله أكثر من 1400 سنة وحدوده التاريخية كانت معترفا بها دوليا من البحر الأبيض المتوسط إلى حدود نهر السنغال، إلا أن الاستعمار هو من رسم حدودا جديدة، وغير الخريطة، مشيرا إلى أن قضية الصحراء المغربية كان لها أن تنتهي بعد الاتفاق مع اسبانيا لتسلم هذه الأقاليم بكيفية رسمية للمغرب وموريتانيا خاصة أن الاتفاقية تم وضعها في أرشيف الأمم المتحدة لكن الجزائر لم تستسغ استرجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية.
وأكد الراضي أن قضية الصحراء المغربية ابتدأت مع الجزائر لذلك يجب أن تنتهي مع هذه الجارة الشرقية التي غيرت في كل شيء، “الجزائر السوفياتية، غيرت السياسة وغيرت الاقتصاد وغيرت كل شيء لكن عداءها للوحدة الترابية للمغرب وقضية الصحراء المغربية لم يتغير وظلت سياستها كما هي بهذا الخصوص».
وأكد عبد الواحد الراضي أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في المغرب ضرورة وليس اختيار، باعتبار أن الاتحاد الاشتراكي شكل دوما مدرسة في الأخلاق والقيم والممارسة السياسية النبيلة من الحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة، مذكرا بمسيرة النضال الديمقراطي والحقوقي للحزب من أجل رفعة المغرب وتقدمه وتطوره إلى الأحسن.
وأشار الراضي إلى أن الاتحاد الاشتراكي كان يقود منذ فجر الاستقلال تيارا يتمثل في التيار التقدمي الحداثي الديمقراطي الاشتراكي المبني على التضامن والتآخي في مواجهة تيار كان يريد المذهب الرأسمالي الليبرالي، وهذا ما جعل الاتحاد الاشتراكي يبقى على مدى 40 سنة، وهذه هي حقيقة الاختلاف والصراع ودون هذا فهي مجرد أقاويل كان هدفها إضعاف الحركة الاتحادية، خاصة أن أدبيات ووثائق الحزب كانت تنص على الملكية الدستورية.