في لقاء حول «السؤال الثقافي وإشكالية المعرفة بالمغرب»

الفائدة: الرهان الثقافي يحمله المثقف بالدرجة الأولى

حليفي: نفتقر لخطاب مرتبط بالهوية والتاريخ والثقافة المغربية

 

بحضور وازن من فاعلين من مجالات مختلفة في المجتمع المدني؛ نظمت جمعية تميز بالدار البيضاء، مائدة مستديرة بعنوان: «السؤال الثقافي وإشكالية المعرفة»، وذلك، يوم السبت 5 نونبر 2022، بفضاء الاجتماعات بملحقة أنوال التابعة لمقاطعة المعاريف بالدار البيضاء، بمشاركة كل من شعيب حليفي وسالم الفائدة، وبتقديم محمد الزاير وتسيير سناء حدنان. وقد انطلق هذا النشاط من تصور واضح مبني على وعي عميق بأوضاع المجتمع في الفترة الراهنة وبالتغيرات الحاصلة فيه، حيث حاول اللقاء التفاعل مع الأسئلة الآتية: ما هي حدود المعرفة؟ وما سبل التعامل معها اليوم، على ضوء الانتشار الواسع للتقنيات؟ وما الفاصل بين المعرفي والإيديولوجي في المعرفة؟ وهل يمكن للمعرفة أن تبقى قيمة في حد ذاتها؟ وكيف يمكن للمعرفة أن تكون عنصرا دافعا لإغناء الثقافة الوطنية (سواء في بعدها العالِم أو الشعبي)، وتثبيت الهوية دون السقوط في (الشوفينية)؟
افتُتحت الندوة بكلمة ترحيبية بالضيوف والمشاركين لمحمد الزاير رئيس جمعية تميّز، تناول فيها السياقات التي تقوم عليها أرضية هذا النشاط، مشيرا إلى أن الثقافة اليوم داخل المجتمع هي الوعي الذي يساهم في نشر المعرفة، إذ إنه في ظل غياب مجتمع المعرفة، لا يمكننا توسم التقدم والازدهار بالشكل الذي ننتظره. وأضاف أن الثقافة لا ترتبط فقط بالكتاب أو المقرر المدرسي وبالمستويات الدراسية فقط، بل ترتبط ببلورة الوعي وترسيخ روح المسؤولية. ومن هنا، يكتسب السؤال الثقافي أهميته في النهوض بالمجتمع والحفاظ على مكتسباته، والعمل على تجويدها، في انسجام تام مع المصلحة العامة.
و تناول الكلمة، بعد ذلك، سالم الفائدة، الذي أثنى في مستهلها على اختيار «السؤال الثقافي وإشكالية المعرفة» موضوعا للنقاش، ليشرع، بعد ذلك، في تفكيك مكونات عنوان النشاط، وتناول كلماته بالعرض والتحليل، وإضاءة شبكات المعاني التي تحيل عليها، مع استحضار مختلف السياقات المرتبطة بها، سواء أكانت عالمية أم وطنية، مشيرا إلى أن الرهان الثقافي يحمله المثقف بالدرجة الأولى، دونا عن مؤسسات الدولة، ويكفي، بحسبه، تأمل تاريخ الثقافة المغربية، ليتضح لنا أن أغلب الإنتاجات المثمرة التي اغتنى بها المشهد الثقافي المغربي، هي حصيلة لجهود فردية، على عكس تجارب مشابهة في دول أخرى، التي هي حصيلة لرعايتها للثقافة وتبنيها لمشروع ثقافي طموح، تمت صياغته وفقا لرؤية استراتيجية واضحة معدة بعناية ودقة شديدين. وقد عرّج المتدخل في كلمته على تصورات موريس بلانشو، كما أكد على دور الفلسفة في مقاربتها لمفهوم المثقف المٌلتزم ، فالمثقف الحقيقي يُسائل السلطة، و يُخلخل قناعات الحس المُشترك، مشيرا إلى أن مفهوم السلطة و المعرفة عند ميشيل فوكو، ثم أوضح المتدخل صورة المثقف المغربي في الثلاثينيات والأربعينيات ، حيث ظهر المثقف السلفي ثم الليبيرالي . أما فترة نهاية الخمسينيات ، فقد اتسمت بحضور صورة المثقف الملتزم كالمهدي بن بركة، كما نبّه المتدخل إلى هيمنة القراءات الإعلامية في الإعلام عوض القراءات الثقافية العميقة، ليتساءل في الختام عن نوع الثقافة التي نريدها اليوم ؟
أما الروائي والناقد شعيب حليفي فقد تطرق في كلمته إلى جوانب مهمة من وضعية الثقافة بالمغرب، والتي لا تزال مهمشة، بحسبه، في ظل غياب سياسة ثقافية حقيقية وواضحة وصريحة، حيث إن المغرب لا يزال خاليا من المشاريع الجادة التي تروم دراسة المجتمع، ويذكر القرية المغربية مثالا حيّا على ذلك، التي، على حد تعبيره، لم نصل إليها بعد ولم نستهلك ولو نسبة ضئيلة مما يوجد فيها من مخزون ثقافي لا ينضب، وهذا ما يعكسه غياب الدراسات والأبحاث التي تتناولها، باستثناء المجهودات التي بذلها الأجانب وخاصة تلك التي بذلت في الفترة الكولونيالية، خدمة لأغراض استعمارية أكثر منها خدمة لأغراض ثقافية، ناهيك عن نزر ضئيل من جهود لبعض الباحثين السوسيولوجيين، كأن المغرب خال من الباحثين في مجال السوسيولوجيا. مضيفا أننا، وفقا لذلك، لم نفهم بعد المجتمع المغربي ولا مختلف هيئات المجتمع المدني، وحتى إذا كنا نفهم القليل بخصوص المدينة، ففهمنا لها يظل متأخرا بالنظر إلى التطورات الحاصلة التي تشير إلى مجتمع جديد، مختلف عن المجتمع الذي نتصوره. هذا وقد اعتبر حليفي المهدي بن بركة نموذجا لمثقف ينشد التغيير ، فضلا عن تعريف مفهوم المجتمع الجديد . يزكي هذا التصور مدى حضور الثقافة عند أبناء حركة اليسار، إلى جانب تهميش العلوم الإنسانية لصالح العلوم التقنية . بهذا ، لا يمكن الوصول إلى الديمقراطية بدون مجتمع المعرفة، مشيرا إلى انتشار الجهل المركب وحضور خطاب الآخر عوض خطاب مرتبط بالهوية والتاريخ والثقافة المغربية . ثم انتقل إلى تعريف المُبادرة داخل المجتمع مستشهدا بعبد الله العروي ، من خلال الوقوف على أهمية المعرفة النقدية من جهة، و احترام التنوع الثقافي من جهة أخرى ، مركزا على استحضار الشك في المعرفة برؤية نسبية لا مطلقة . ليخلص إلى ضرورة التراكم المعرفي من خلال فعل الكتابة عوض الصورة النمطية المتداولة .
ليُفسح المجال، بعد ذلك، أمام المتدخلين من الحضور للمشاركة في الموضوع والتعبير عن انطباعاتهم وإبداء آرائهم حول الموضوع وأسئلته. لتختتم الندوة بفتح الافاق أمام تنظيم سلسلة من اللقاءات، تكمل ما بدأته هذه المائدة المستديرة حول الموضوع، وتناوله من منظورات وأبعاد متعددة، تساهم في تقريب وجهات النظر وتوحيد الصف لمواجهة كل التحديات التي يواجهها مجتمعنا والنهوض به.


الكاتب : متابعة: عبد الرحمان الزّْنَادِي / أمين قزدار

  

بتاريخ : 10/11/2022