تواصل أزمة الماء الشروب ببلدة القباب بإقليم خنيفرة تعمّقها، والتي عمرت طويلا، مقابل انتظار الساكنة الانتهاء من المشروع الهيكلي الذي من المقرر أن يربط مركز البلدة بمدينة خنيفرة، علما أن منطقة القباب الواقعة على ارتفاع 1300 متر فوق سطح البحر، وتعد من بين المناطق الجبلية التي تعرف بتساقطاتها الثلجية وبعيونها السطحية والباطنية، التي جفت جلها، ما ظل يحمل الساكنة لقطع المسافات القصيرة والطويلة، أو الاصطفاف في الطوابير الطويلة أمام «السقايات»، من أجل قطرة ماء صالحة للشرب، فيما برزت بعض المبادرات الترقيعية التي لا تقل عن التعامل مع الأمر بالتناوب بين الأحياء السكنية لساعات قصيرة لا تكفي لتلبية الحاجيات الأساسية.
احتجاجات شعبية
ومطالب حقيقية
كم من مرة عاشت فيها القباب وقفات ومسيرات احتجاجية طلبا للماء والحد من هيمنة العطش أو مع الانقطاعات اليومية المتكررة، وليس آخرها المسيرة النسائية السلمية التي نظمت، يوم الثلاثاء 20 ماي 2025، مشيا على الأقدام في اتجاه عمالة الاقليم بمدينة خنيفرة، على بعد حوالي 30 كيلومترا، خاصة أن النساء يتحملن القسط الأكبر من أعباء تدبير الماء للأسر، وتمت محاصرة مسيرتهن على بعد خطوات خارج البلدة من طرف السلطات المحلية، مع تقديم وعود بإيجاد حل للمشكل الذي لم يعد أي أحد ينكر أو يجادل في كون هذا الملف قد بات من أولى الأولويات القصوى، وبحاجة إلى حلول طارئة وجذرية.
وفات لعدة أطراف مسؤولة ومراكز منتخبة أن اهتمت بمعاناة السكان مع الماء، ليواجه الأمر بتعثرات بررها البعض ب «حسابات مزاجية وسياسوية لا مسؤولية فيها للسكان»، فيما البعض الآخر علقها على «العلاقة المتشنجة مع مجلس الجهة»، بينما اختار آخرون موقف الدعوة إلى فتح تحقيق محايد وموضوعي بشأن حرمان ساكنة لقباب من الماء الصالح للشرب، والعمل على تحقيق مبدأ العدالة المجالية، دون أن يفوت البعض التذكير المستمر باتفاقية شراكة وتعاون تهم إنجاز مشاريع في قطاع الماء الصالح للشرب بالجماعات الترابية بالإقليم، سيما منها التي تعاني النقص الحاد وصعوبة توفير هذه المادة الحيوية لساكنتها القروية.
ولم يمر مشروع تزويد مركز لقباب بالماء الصالح من طرف المصالح الإقليمية دون خرجات شددت على أن يكون المشروع متكاملا وحلا هيكليا لإشكالية الماء الشروب بهذه المنطقة، وإنجاز الربط عبر قنوات مركبة باحترافية على طول المسافة المتفق عليها لغاية تزويد مركز القباب بالماء الشروب بشكل معقول يساهم في تخفيف أو رفع حدة الأزمة، وضمان تلبية الحاجيات اليومية للسكان، مع فتح الباب أمام تفويض تدبير هذا المرفق للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب / قطاع الماء، هذا الأخير الذي انخرط بكامل أطره وتقنييه في محاولة لمعالجة الوضع، بتنسيق مع السلطات الإقليمية والمحلية.
حلول مؤقتة
واتفاقيات مهدئة
لم يكن غريبا أن تنتفض الساكنة كما كل صيف لأجل التسريع في أشغال المشروع، ما استدعى استجابة استثنائية من السلطات الإقليمية، بقيادة عامل الإقليم، حيث باشرت السلطة المحلية تحركاتها الميدانية بغاية تحديد موارد مائية قابلة للاستغلال، وتم رصد ثلاث آبار ذات صبيب هام بأساكا وإيلي وعيسى وتيمدغاس مثلا، وإرساء التعاون مع مالكيها تحت عناوين التضامن والتآزر والمواطنة، حيث تم التنسيق مع المكتب الاقليمي للماء الصالح للشرب والمختبر الاقليمي، لأجل مد قنوات التوزيع انطلاقا من هذه الآبار إلى مركز القباب، خلال يونيو 2025، على الأقل لإيجاد متنفس مرحلي ومؤقت إلى حين استكمال وإطلاق المشروع الذي استبشرت الساكنة به خيرا.
ورغم الحلول المؤقتة، تعيش ساكنة منطقة القباب حالة من الترقب اليومي والانتظار القوي، في ظل أزمة متواصلة تهدد أمنها المائي وتؤثر بشكل مباشر على استقرارها اليومي ومعيشها الكريم، هذه الأزمة التي تحجب ضمان أبسط حقوق الساكنة المتمثلة في التزود المنتظم والكافي بالماء الصالح للشرب بمنطقة كالقباب يناهز عدد سكانها 15 ألف نسمة من أصل أكثر من 24 ألف نسمة موزعين على حوالي 24 دوارا، وتعد من بين المناطق الأكثر تضررا من جفاف المياه إما بسبب الندرة القائمة أو الانقطاعات المتكررة أو التوزيع غير المنتظم للمادة الحيوية، إضافة إلى مساهمة اهتراء شبكات الربط والتوزيع في هدر كبير للمياه.
ويذكر أنه مع توالي مواسم الجفاف الذي شهدته البلاد قبل خمس سنوات، تضاعفت معاناة السكان وتضررت الماشية وتفاقمت التحديات، ما دفع بالكثير من الأسر إلى التفكير في الهجرة من المنطقة بحثا عن ظروف عيش أكثر استقرارا، حيث يعتبر مشكل الماء الصالح للشرب واحدا من أعقد الإشكاليات التي تعانيها منطقة القباب، وسط تضارب في تدبير هذا القطاع الحيوي بين الجماعة الترابية والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، إلى درجة وصلت فيها الأمور إلى مستوى ما يشبه «حرب بلاغات» بين المجلس الجماعي والمجلس الجهوي، في وقت اصطدمت فيه الأحوال بغضب الشارع.
وفي أكثر من مناسبة، برزت الإشارة إلى اتفاقية شراكة متعددة الأطراف تشمل وزارة الداخلية، والمجلس الجهوي لبني ملال خنيفرة، والمجلس الإقليمي لخنيفرة، والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، بالإضافة إلى الجماعات المعنية بندرة المياه، وهي القباب، الحمام، واومنة، البرج، وأيت سعدلي، هذه الاتفاقية، التي تبلغ كلفتها الإجمالية 89 مليون درهم، تهدف إلى إنجاز مشاريع مهيكلة في قطاع الماء الصالح للشرب، من شأنها تزويد مركزي القباب والبرج و52 دواراً بالماء، عبر مد 226 كلم من الأنابيب، وإنجاز 3650 ربطا فرديا، وإنشاء 52 حنفية عمومية، إضافة إلى بناء وتجهيز خزانات ومحطات ضخ وصهاريج.
ورغم الانطلاقة الرسمية التي أعطيت في يناير 2022 بالقباب لأشغال الشطر الاستعجالي من هذه المشاريع، ويتضمن تنفيذ 20 كيلومترا من القنوات لربط حوالي 2000 أسرة بشبكة الماء، كان يفترض أن يشكل بداية فعلية لحل معضلة الماء بالمنطقة، وبين التطلعات والوعود، بقي الأمل معلقا على التسريع بالحل النهائي من باب تحقيق العدالة المجالية في الولوج إلى الخدمات الأساسية، وعلى رأسها الحق في الماء، باعتباره ركيزة للكرامة الإنسانية والاستقرار المجتمعي، في انسجام تام مع النداءات المدنية والتوجيهات الوطنية الرامية إلى ضمان الأمن المائي وتعزيز صمود المناطق المتضررة.
بلاغات «حربية»
واتهامات سياسية
ومن باب التذكير، تجدر الإشارة إلى أن أزمة الماء بمنطقة القباب لم تكن فقط أزمة تقنية أو لوجستيكية، بل تحولت في إحدى مراحلها إلى «نزاع سياسي علني» بين المجلس الجماعي للقباب والمجلس الجهوي لبني ملال خنيفرة، مما زاد من تعقيد الوضع وعمق من إحباط الساكنة التي لم تجد من يحمي حقها الحيوي في التزود بالماء الصالح للشرب، إذ اندلعت فصول هذه «الحرب السياسوية» بشكل حاد في مارس 2021، حين أصدر المجلس الجماعي للقباب بلاغا ندد فيه بما وصفه بـ «إقصاء ساكنة الجماعة من عملية جلب وتأهيل شبكة الماء الصالح للشرب»، رغم ما تعانيه المنطقة من خصاص حاد في هذه المادة الأساسية».
كما لم يفت المجلس الجماعي للقباب، ضمن بلاغه المطول، مناشدة وزير الداخلية بفتح تحقيق في ما أسماه ب «الخروقات التي يعرفها مجلس الجهة»، مشككا في «مآل المبلغ المخصص لجماعة القباب ضمن تمويل اتفاقية الماء الصالح للشرب»، بينما لم يفت ذات المجلس الجماعي مهاجمة رئيس مجلس الجهة آنذاك (السابق)، متهما إياه بـ «مقايضة» رؤساء الجماعات ب «مشاريع تنموية مقابل تغيير انتمائهم الحزبي»، معتبرا أن هذا السلوك «يمس بمبادئ التنمية المحلية ويكرس منطق تصفية الحسابات السياسية الضيقة على حساب مصلحة المواطنين، خاصة في الجماعات الهشة والمتضررة كجماعة القباب».
ومن جهته، لم يتأخر مجلس الجهة في الرد الفوري، حيث سارع إلى إصدار بلاغ مضاد نفى فيه كل الاتهامات، معتبرا أن المجلس الجماعي للقباب «يعلق فشله على شماعة مجلس الجهة»، وأن رئيسه «حاول لعب دور البطولة السياسية رغم أنه وحيد حزبه ضمن تركيبة المجلس الجماعي، وتم تنصيبه خارج الأعراف الديمقراطية»، وأضاف بلاغ مجلس الجهة بالتالي أن «البيان الصادر عن جماعة القباب يفتقد للشرعية ولم تبذل فيه أدنى محاولة للتواصل المؤسسي مع رئاسة الجهة لمعرفة حيثيات المشروع»، مؤكدا أن مجلس الجهة «لم يدخر جهدا في تخصيص اعتمادات مالية لدعم قطاع الماء الصالح للشرب، وخاصة بجماعة القباب».
كما أوضح بلاغ مجلس الجهة أن «كلفة اتفاقية الشراكة المتعلقة بالماء تبلغ 59 مليون درهم، تم توفيرها بمساهمة من وزارة الداخلية ومجلس الجهة»، وأن أسباب تأخر تنفيذ الاتفاقية، تعود بالأساس، حسب قوله، إلى رغبة المصالح الإقليمية في مراجعة تركيبتها المالية وأهدافها وشركائها»، و»لا يتحمل أية مسؤولية في التأخير»، مختتما رده بالتأكيد على أن «بيان مجلس القباب لم يكن هدفه الحقيقي الدفاع عن حق الساكنة في الماء، بقدر ما كان مجرد ذريعة لتصفية حسابات سياسوية ضد جماعات أخرى داخل الإقليم».
وبين التراشق بالاتهامات وتبادل البلاغات، بقي سكان القباب حينها يترقبون حلولا حقيقية تضمن حقهم في الماء.