البحر والمياه العادمة رهان لتحصيل ملايير الأمتار المكعبة من المياه
أضحت تحلية مياه البحر وجهة لا بديل عنها من أجل توفير الماء الشروب ومياه السقي في المجال الفلاحي. ففي القريب سيتمكن المغرب من جلب وتحلية ملايير الأمتار المكعبة ،من أزيد من 3500كلم من مياه المتوسط والاطلسي كما سيتجه المغرب الى الاهتمام بإعادة استعمال المياه العادمة بقوة في المستقبل بعد أن ثبتت سلامتها وصلاحيتها للاستهلاك والاستعمالات المتعددة، وهو ما يستدعي أيضا حسن تدبير ما هو موجود من ثروة مائية حاليا في ظل أرقام صادمة عن تراجع مصادر المياه، سواء عبر الامطار او المياه الجوفية وغير ها.
تلك بعض من فيض أفكار وآراء صدرت عن فعاليات رسمية ومدنية وازنة شاركت أول أمس في أشغال اليوم الدراسي حول مادة الماء، والمنظم بأروقة مجلس النواب من طرف لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة التي يرأسها عضو الفريق الاشتراكي محمد ملال، حيث سجل حضور الوزير نزار بركة والمدير العام للكهرباء والماء الصالح للشرب وممثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي وممثلي مجالس العمالات والجهات وخبراء وطنيين وجمعيات وازنة .
وقد سجل غياب وزارة الفلاحة القطاع المعني بشكل مباشر بأزمة المياة وندرتها، حيث أكدت التدخلات على توجيه الدعوة واعتبرت الغياب غير مبرر كما غاب ممثلو وزارة الداخلية التي تباشر الإشراف على عدد من المؤسسات المعنية بالماء.
وعرفت الندوة حضور عدد كبير من البرلمانيات والبرلمانيين ارتباطا بأهمية وحساسية الموضوع .
وفي كلمته الافتتاحية أكد محمد ملال، أن موضوع الأمن المائي يكتسي أهمية قصوى، حيث عرفت السياسة المائية بالمغرب تطورات إيجابية مهمة منذ تبني المغرب سياسة إنشاء السدود من طرف الملك الحسن الثاني ،طيب الله ثراه، بهدف تحقيق التنمية والعيش الكريم لكافة المغاربة، وتحقيق النمو الاقتصادي والارتقاء الاجتماعي.
وأشاد ملال بسياسة التقييم والتقويم التي تم اعتمادها لمواكبة التغيرات المناخية، والتي استدعت تحسين السياسة المائية حسب كل مرحلة، مما جعل المغرب في منأى عن معضلة العطش والعجز الكبير في توفير المواد الغذائية الأساسية، وذلك بفضل المخططات الاستراتيجية المعتمدة خلال الفترات السابقة.
ودعا ملال إلى تحيين السياسة المائية المتبعة في المغرب، بالنظر إلى التحديات المختلفة التي تواجهه، وكذا استثمار المؤهلات الطبيعية والتكنولوجية المتوفرة لوضع تصور جديد ومنسجم يحقق الأهداف المرجوة من السياسة المائية، ويلامس كل الحاجيات والتحديات ويحافظ على هذه الثروة للأجيال اللاحقة.
وقال نزار بركة وزير التجهيز والماء، بالمناسبة، إن حجم المخزون المائي بحقينات السدود إلى غاية 11 أبريل 2022 بلغ حوالي 5,52 مليار متر مكعب، أي ما يعادل 34,2 بالمائة كنسبة ملء إجمالي، مقابل 50,82 بالمائة سجلت في نفس الفترة من السنة الماضية.
وأوضح الوزير أنه بالرغم من هذه التساقطات المهمة، فإن العجز المسجل بالنسبة للموارد المائية من فاتح شتنبر 2021 وإلى حدود يوم 11 أبريل الجاري بلغ حوالي 86 بالمائة مقارنة مع متوسط الواردات لنفس الفترة.
وسجل الوزير أن توالي سنوات الجفاف التي عرفها المغرب خلال العقد الأخير أبان عن هشاشة بعض منظومات التزود بالماء إزاء فترات الجفاف الطويلة، وهو ما أملى صياغة البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، تنفيذا للتعليمات الملكية السامية.
ويهدف هذا البرنامج الوطني، يوضح الوزير، إلى تسريع وتيرة الاستثمار في مجال الماء من أجل مواكبة الطلب المتزايد على الموارد المائية وضمان الأمن المائي للبلاد والحد من تأثير التغير المناخي، مبرزا أن كلفته الإجمالية تبلغ 115,4 مليار درهم.
وذكر بركة أن محاور البرنامج تتلخص في تنمية العرض المائي ببلادنا، وتدبير الطلب واقتصاد وتثمين الماء، بالإضافة إلى تقوية التزويد بالماء الصالح للشرب بالمجال القروي، وإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة، وكذا تقوية الحملات التحسيسية بأهمية الاستعمال المعقلن للمياه.
ومن أجل مواكبة تطور الحالة الهيدرولوجية على الصعيد الوطني، أكد وزير التجهيز والماء أنه من المرتقب إدخال بعض التعديلات على البرنامج، وتهم على الخصوص، مراجعة برمجة بعض السدود وإدراج سدود جديدة، ورفع القدرة الإنتاجية لمحطات تحلية مياه البحر لكل من الدار البيضاء الكبرى وآسفي والداخلة، بالإضافة إلى إدراج مشاريع جديدة لتحلية مياه البحر كمحطة الجهة الشرقية.
ومن جهة أخرى، أشار الوزير أنه تم إعداد وتوقيع مجموعة من الاتفاقيات بين مختلف المتدخلين من أجل تنفيذ مجموعة من الإجراءات الاستعجالية الرامية إلى ضمان التزويد بالماء الصالح للشرب بأحواض ملوية وأم الربيع وتانسيفت التي تعرف ضعفا على مستوى المخزون المائي بها، بالإضافة إلى برنامج استعجالي تكميلي لتأمين التزويد بالماء الشروب بالوسط القروي في المناطق التي قد تعرف خصاصا ونقصا في التساقطات، بغلاف مالي إجمالي لبرنامج الإجراءات الاستعجالية والبرنامج الاستعجالي التكميلي يقدر بـ 3,195 مليار درهم.
وبخصوص الآفاق المستقبلية لمشروع المخطط الوطني للماء 2050، أورد الوزير أنها تتمثل أولا في تعزيز العرض المائي من خلال مواصلة سياسة السدود الكبرى والصغرى والبحيرات التلية، وتوسيع شبكة الأنظمة المائية عبر مشاريع الربط بين الأحواض المائية لضمان تدبير مرن للموارد المائية والتقليص من الفوارق المجالية، وتطوير تحلية مياه البحر مع اللجوء إلى الطاقات المتجددة، بالإضافة إلى خفض معدل توحل السدود بنسبة تصل إلى 20 بالمائة عبر تهيئة الأحواض المائية.
بدوره، أكد المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، عبد الرحيم حافظي، أن الصبيب اليومي المجهز من الماء الصالح للشرب يبلغ حاليا 6,9 مليون متر مكعب في اليوم ويمتد إلى غاية 2030، مما يعني أن هناك فائضا بالنسبة للطلب على الماء الصالح للشرب، مبرزا أن المغرب لديه تحكم في البنيات التحتية والتجهيزات والاستثمار والتكنولوجيا المستخدمة في مجال الماء.
وقال حافيظي إن المغرب يتوفر على مؤهلات من مستوى عال في ما يخص الطاقات المتجددة، بحكم أن هناك رؤية واضحة في ما يخص كلفة الإنتاج الكهربائي تمتد لأربعين سنة، وبالتالي يجب إدراجها في منظومة الماء، مبرزا أن هذا المعطى لا يمكن أن توفره الطاقات الأحفورية التي عرفت أسعارها ارتفاعا كبيرا في الآونة الأخيرة، وهو ما يعني ارتفاع كلفة إنتاج الطاقة الكهربائية التي تتحملها الدولة حتى لا يتأثر بها المواطنون بشكل مباشر.
وأشار المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب إلى أن المملكة تتوفر على 3500 كيلومتر من الشواطئ، وهو مخزون كبير من الماء من شأنه توفير رؤية على المديين المتوسط والبعيد في ما يتعلق بالتبعية للمياه السطحية والجوفية، وارتباطها بالتغيرات المناخية، موضحا أن التبعية الحالية للمياه السطحية بالمغرب تفوق 28 بالمائة، بينما تناهز التبعية للمياه الجوفية حوالي 30 بالمائة.
اللقاء عرف أيضا مداخلات جد مهمة للمهندس باعلي الصغير رئيس جمعية “الماء والطاقة للجميع” عرّف من خلالها بالمجهودات التواصلية والترافعية للجمعية التي يساهم فيها عشرات الاطر والمختصين المغاربة من مختلف مشارب التكوين العلمي، كما تطرق لمساهمة الجمعية مع مختلف الجهات عبر فروعها الجهوية، وكذا مركزيا، مبديا اقتراحات الجمعية بخصوص التدبير الناجع للمياه المختلفة المصادر.
وتطرقت جميع التدخلات الى أن مستقبل المغرب المائي يوجد في تحلية مياه البحر خاصة بعد أن هبطت كلفة الإنتاج بشكل كبير ونظرا لوفرة المياه فقد أضحى البحر حلا سيقلب كل المعادلات، وذلك لا يلغي حسب الخبراء والمتدخلين اعتماد ترشيد الاستهلاك في جميع الحالات .