في ندوة بتطوان حول» المنظومة الصحية: واقع ورهانات و تحديات التنزيل»

محمد السوعلي: لا بد أن  يتماشى تطوير  النظام الصحي مع أهداف النموذج التنموي
الجديد ومتطلبات الدولة الاجتماعية

كريم بلمقدم: ضرورة إشراك المهنيين الصحيين في اتخاذ القرارات المتعلقة بإصلاح المنظومة الصحية

 

هناك مطالب بإنصاف المهنيين بالتعويض عن الأخطار المهنية. ذلك أن التعويض الحالي لا يعكس بشكل كاف المخاطر الفعلية التي يتعرض لها العاملون في القطاع

هناك نقص حاد في عدد الأطباء والممرضين، حيث يقدر العجز في عدد الأطباء بحوالي 32,000 طبيب، بينما العجز في عدد الممرضين يصل إلى 65,000 ممرض

 

أوضح الدكتور محمد السوعلي، عضو السكرتارية الوطنية لقطاع الصحة الاتحادي، في ندوة تفاعلية حول «المنظومة الصحية واقع و رهانات وتحديات التنزيل»، المنظمة من طرف الشبيبة الاتحادية بتطوان، بتنسيق مع المكتب الجهوي للنقابة الوطنية للصحة العمومية (ف.د.ش)، أن النظام الصحي في المغرب يواجه مجموعة من التحديات الكبيرة التي تبرز من خلال التشخيصات الأخيرة. حيث يعاني  بشكل خاص من نقص في البنية التحتية والموارد البشرية، مع وجود تفاوتات جغرافية واضحة في توزيع الخدمات الصحية. هذه النواقص تظهر بشكل خاص في العجز عن توفير أسرة كافية في المستشفيات عدم كفاية توزيع الأطباء والكوادر التمريضية والإدارية، مما يجعل الوصول إلى الرعاية الصحية صعباً، خاصة في المناطق القروية والنائية.
وأوضح الدكتور السوعلي، في هاته الندوة التي شارك فيها الدكتور كريم بلمقدم الكاتب العام الوطني للنقابة الوطنية للصحة العمومية، أن المواطنين يتحملون جزءاً كبيراً من النفقات الصحية، مما يشير إلى قصور في التغطية الصحية والحماية المالية، ويزيد من صعوبات الوصول إلى التأمين الصحي الكافي، الحاجة إلى تعزيز الاستثمار في التكنولوجيا والنظم المعلوماتية الصحية تظهر بشكل واضح، حيث أن هذا يمكن أن يسهم في تحسين إدارة الموارد وتقديم رعاية أفضل».
في ظل هذه التحديات، يضيف عضو لجنة التحكيم والأخلاقيات بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية: «يبرز الدور المهم للقانون الإطار للمنظومة الصحية الوطنية والتشريعات المصاحبة في محاولة لإصلاح هذه النواقص. يعتبر الاعتماد على هذه الإصلاحات رهاناً كبيراً لتحقيق نظام صحي أكثر فعالية وشمولية، مما يتطلب جهوداً متواصلة للتغلب على العقبات الحالية وتحسين جودة الخدمات الطبية المقدمة «.
واستعرض الدكتور السوعلي عدة مشاكل هيكلية   التي يواجهها  النظام الصحي، والتي تؤثر على جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين. ومن ذلك،  نقص الموارد البشرية المؤهلة، حيث لا يزال هناك نقص كبير في عدد الأطباء والممرضين مقارنة بالحاجة الفعلية. إذ بلغ عدد الأطباء حوالي 7 أطباء لكل 10,000 نسمة، بينما توصي منظمة الصحة العالمية بأن يكون هناك 23 طبيبًا لكل 10,000 نسمة.
بالإضافة إلى ذلك، تعاني البنية التحتية الصحية من تقادم وعدم توفر المعدات الطبية الحديثة بشكل كافٍ في العديد من المناطق، خصوصاً النائية منها. ويبلغ عدد الأسرة في المستشفيات حوالي 10 أسرّة لكل 10,000 نسمة، مما يعكس ضعف القدرة الاستيعابية للمستشفيات».
وأبرز المتحدث ذاته أن بعض المشاكل الأخرى تتعلق بالنقص الحاد في عدد الأطباء والممرضين، ما يؤثر سلباً على جودة الرعاية الصحية ويزيد من فترة انتظار المرضى للحصول على العلاج. حيث يقدر العجز في عدد الأطباء بحوالي 32,000 طبيب، بينما العجز في عدد الممرضين يصل إلى 65,000 ممرض».
البنية التحتية والتجهيزات الطبية، في نظر الدكتور السوعلى،  تظلان ضعيفتين،  مما يؤثر على القدرة على تقديم الرعاية الصحية اللازمة للمواطنين. حيث تقدر نسبة التجهيزات الطبية غير الحديثة بحوالي 40% من إجمالي التجهيزات المتوفرة».
وعرج المتحدث نفسه على التباين الكبير على مستوى الخدمات الصحية بين المدن الكبرى والمناطق الريفية والنائية، حيث يعاني سكان هذه المناطق من صعوبة الوصول إلى الخدمات الطبية الأساسية والمتخصصة. يبلغ عدد المراكز الصحية في المناطق الريفية حوالي 20% من إجمالي المراكز الصحية في البلاد، مما يعكس التفاوت الكبير في توزيع الخدمات الصحية.ناهيك عن مسألة التمويل و الإستدامة المالية .إذ يبلغ الإنفاق الصحي العام حوالي 5.9% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أقل من المتوسط العالمي البالغ 9.8%..
وأشار الدكتور السوعلي أن  النظام الصحي يحتاج  إلى تحسين في جوانب الحكامة والتدبير والإدارة لضمان فعالية وكفاءة تقديم الخدمات الصحية، حيث تعاني بعض المؤسسات الصحية من ضعف في التنظيم والإدارة. تقدر نسبة الفاقد من الموارد المالية بسبب سوء الإدارة بنحو 15.%.
وتوقف ذات المتحدث عند الفجوة بين السياسات الصحية الموضوعة وفعالية تنفيذها، مما يؤثر على النتائج الصحية للسكان (اشكالية تنزيل القوانين والنظم)، مطالبا في نفس السياق بضرورة إقرار إصلاحات سياسية وتشريعية لتحديث القوانين وتحسين الإدارة والفعالية في القطاع الصحي.
وتحدث السوعلي، خلال هاته الندوة التي حضرها مدير المستشفى المدني بتطوان ومدير المعهد العالي للمهن التمريضية وتقنيات الصحة بتطوان وعدد  من الأطر الصحية، وفعاليات نقابية،  عن القانون الإطار رقم 06.22 الذي يشكل، في نظر المتحدث، أساساً متيناً لإعادة تنظيم وتحسين النظام الصحي في المغرب. حيث يهدف هذا القانون إلى بناء نظام صحي متكامل وفعال يضمن الوصول العادل والمتساوي للخدمات الصحية .متسائلا عن مدى ملاءمة هذا القانون  مع النموذج التنموي الجديد ومتطلبات الدولة الاجتماعية.
وخلص السوعلي إلى طرح العديد من الحلول والمقترحات  لمعالجة الوضع الحالي، وذلك  من خلال تعزيز برامج التعليم والتدريب الطبي، وزيادة عدد المؤسسات التعليمية الصحية، وتحفيز الكفاءات للانخراط في القطاع الصحي من خلال تحسين ظروف العمل. بالإضافة إلى تحديث المستشفيات والمراكز الصحية، وتوفير المعدات الطبية الحديثة، وضمان توزيعها العادل بين المناطق الحضرية والريفية، مع بناء مراكز صحية جديدة في المناطق النائية، وتوفير وسائل نقل طبي للطوارئ، وتطوير نظام صحي رقمي يسهل الوصول إلى الرعاية عن بعد.
كما أكد السوعلي على ضرورة إنشاء صندوق وطني لتمويل الصحة يعتمد على مصادر متنوعة مثل الضرائب، والشراكات بين القطاعين العام والخاص، والمساعدات الدولية، وتحسين نظم الحوكمة في القطاع الصحي، وتطوير آليات للمراقبة والتقييم، وتعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة الموارد الصحية.
واختتم الدكتور السوعلي عرضه بالإشارة  إلى النصوص القانونية المقترحة في إطار المنظومة الصحية الجديدة، ولا سيما قانون 6/2022، معتبرا إياها  خطوة هامة نحو تحسين النظام الصحي في المغرب، تتماشى مع أهداف النموذج التنموي الجديد ومتطلبات الدولة الاجتماعية من خلال تعزيز التغطية الصحية، وتحسين جودة الخدمات، وضمان العدالة الاجتماعية، والاستدامة المالية. ومن خلال تطبيق هذه النصوص، يمكن للنظام الصحي المغربي تجاوز التحديات الحالية وتحقيق تقدم ملحوظ في تقديم رعاية صحية متكاملة وشاملة لكافة المواطنين.
تساؤلات كثيرة تم طرحها خلال هاته الندوة التفاعلية التي أدار أشغالها  أشرف إجاري، وتتعلق بمدى فعالية المبادئ والأهداف التي ينص عليها القانون المنظم للصحة العمومية  في تحسين الخدمات الصحية الوطنية، وخاصة فيما يتعلق بتحقيق التكافؤ والإنصاف في توزيع الخدمات الصحية وتحسينها، كما تطرقت بعض التساؤلات إلى الانتقادات الموجهة للقطاع المرتبطة بالتعاقدات وتحفيز العنصر البشري، وكذا التعويض عن الأخطار المهنية .
في هذا الصدد، أوضح كريم بلمقدم، الكاتب العام  للنقابة الوطنية للصحة العمومية (ف.د.ش)، أن  هناك رفضا  تاما  لفكرة التعاقد في القطاع الصحي، معتبرا أن هذا النهج يضعف استقرار وظروف العمل للمهنيين الصحيين. إذ هناك قلق من أن التعاقد قد يؤدي إلى عدم الأمان الوظيفي وتدهور جودة الرعاية الصحية المقدمة. كما ذكر بموقف النقابة بخصوص  عدم الإجهاز على المكتسبات التي حققتها الشغيلة الصحية على مدى سنوات. ومن ذلك، الحقوق المكتسبة والتعويضات والمزايا التي حققها العاملون في القطاع الصحي من خلال نضالهم النقابي.
وأوضح بلمقدم أن هناك مطالب بإنصاف المهنيين الصحيين فيما يتعلق بالتعويض عن الأخطار المهنية. تعتقد النقابات أن التعويض الحالي لا يعكس بشكل كاف المخاطر الفعلية التي يتعرض لها العاملون في القطاع الصحي يوميًا
وبخصوص تحفيز العنصر البشري،  شدد المتحدث على ضرورة تحسين ظروف العمل والأجور وتوفير التكوين المستمر للمهنيين الصحيين كجزء من عملية الإصلاح الشاملة للمنظومة .
وذكر بلمقدم بالمطالب النقابية الداعية إلى تحسين الوضعية المادية والمهنية للمهنيين الصحيين وتوفير بيئة عمل آمنة ومستقرة. ويشمل ذلك رفع الأجور، وتحسين التعويضات عن المخاطر، وضمان استمرار حقوقهم المكتسبة. بالإضافة إلى ذلك، هناك مطالبة بإشراك المهنيين الصحيين في اتخاذ القرارات المتعلقة بإصلاح المنظومة الصحية وتعزيز دورهم في تحسين جودة الرعاية الصحية المقدمة للمواطنين.
وشدد بلمقدم على أن تدهور المنظومة الصحية العمومية يعود بالأساس إلى سياسة الحكومة التي تحاول الإجهاز على مكتسبات القطاع وإفساد نظام التقاعد وتفويت المؤسسات الصحية للخواص، قصد التخلص من هذا  القطاع الحيوي، الشيء الذي يتناقض مع توجهات مشروع الحماية الاجتماعية.
وعرفت الندوة التي نظمت تحت إشراف المكتب الوطني للشبيبة الإتحادية، والسكرتارية الوطنية لقطاع الصحة الإتحادي،  إلقاء عدة كلمات تناوب عليها كل من فادي وكيلي عسراوي، الكاتب العام للشبيبة الاتحادية؛ حمزة إبراهيمي، عضو السكرتارية الوطنية لقطاع الصحة الاتحادي؛ عبد الباري الشندودي، عضو المكتب الجهوي للنقابة الوطنية للصحة العمومية؛ حميد الدراق، البرلماني عن دائرة تطوان.
وفي الأخير، تم تكريم بعض الأطر الصحية نظير الخدمات الجليلة  التي قدموها والمجهودات التي بذلوها لحماية صحة المواطنين .


الكاتب : مكتب تطوان :عبد المالك الحطري 

  

بتاريخ : 24/06/2024