نظمت منظمة النساء الاتحاديات، مساء أول أمس الخميس بالدار البيضاء، ندوة عبر تقنية البث المباشر، حول موضوع «مدونة الأسرة والحاجة إلى قانون أسري يحمي المجتمع». شارك في هذه الندوة مجموعة من مناضلات المنظمة، من بينهن عتيقة الوزيري، المحامية وعضو الكتابة الوطنية لمنظمة النساء الاتحاديات، والدكتورة سعاد بنور، أستاذة جامعية وعضو الكتابة الوطنية للنساء الاتحاديات، فيما سيرت الندوة الصحفية حكيمة أوحاجو.
تأتي هذه الندوة، في إطار النقاش المستمر حول الإصلاحات القانونية وتعزيز حماية الأسرة والمجتمع، وفي تدخلها الذي استهلته الكاتبة الوطنية للنساء الاتحاديات، حنان رحاب، بكلمة ترحيبية بالمشاركات، أشارت إلى المقترحات التي قدمتها اللجنة المكلفة بتعديل مدونة الأسرة، والتي شملت مواضيع متعددة يثار حولها النقاش من بينها الخطبة، الزواج، الطلاق، الحضانة، الولاية القانونية، النفقة، الهبة، تثمين عمل المرأة في البيت، إخراج بيت الزوجة من التركة، تبسيط المصادر القانونية، والولاية القانونية.
توثيق الخطبة: الإشكاليات والتساؤلات
وفي إجابة عن سؤال وُجه إلى الدكتورة سعاد بنور حول كيفية مقاربة موضوع توثيق الخطبة بناء على مقترحات اللجنة، أكدت أن هذه المقترحات الجديدة تثير العديد من التساؤلات، خاصة فيما يتعلق بتوثيق الخطبة وتأثيره المحتمل على النسب. مشيرة إلى أن الزواج هو العقد الشرعي الذي يجمع بين الزوجين، وأنه إذا كان توثيق الخطبة يستهدف حماية الحقوق المادية للطرفين، فإن هذا الأمر قد يكون مفهوما. لكنها أبدت قلقها من انعكاسات هذا التوثيق في حالة حدوث حمل أثناء فترة الخطبة، ما يستدعي وضع محاذير دقيقة لتفادي أي تجاوزات.
كما دعت إلى تحديد سن الزواج بوضوح لمنع تزويج القاصرات، وأكدت على ضرورة أن تكون هناك ضمانات حقيقية لحماية النساء والأطفال الذين قد ينتجون عن هذه العلاقة في حالة عدم إتمام الزواج.
تزويج القاصرات وسن الزواج القانوني
من جهتها، شددت عتيقة الوزيري على أن سن الرشد القانوني للزواج يجب أن يكون 18 سنة، واعتبرت أن أي زواج يتم تحت هذا السن هو بمثابة تزويج قاصرات قد يؤدي إلى مشاكل اجتماعية معقدة. وأعربت عن قلقها بشأن اللبس المحيط بتوثيق الخطبة، مشيرة إلى أن فترات الخطبة الطويلة لم تعد شائعة كما في السابق، وأن الواقع يؤكد أن اللبس في هذه المسائل يفتح المجال للتحايل على القانون.
وفي تعليق على هذا الموضوع، تساءلت خديجة الرباح، عضو الجمعية الديموقراطية لنساء المغرب: «من هو الطرف الذي قدم هذا المقتضى للجنة؟ معتبرة أن هناك «أطرافا محافظة لا تتماشى في منطقها معنا، وإذن فهو انحراف من نوع ما». فيما اعتبرت البرلمانية ملكة الزخنيني بخصوص توثيق الخطبة أن «عقدا جديدا يعني مشاكل جديدة»، مبرزة أن توثيق الخطبة يثير علامات استفهام كبيرة وقد يفتح الباب أمام التعدد وزواج القاصرات. وشددت على أنه لا يجب التشريع لظواهر تحاربها منظمة النساء الاتحاديات.
الطلاق بأنواعه ومقترحات المنظمة
أما في ما يتعلق بالطلاق، خاصة الطلاق للشقاق والطلاق الاتفاقي، فقد قالت حكيمة أوحاجو: «إذا رجعنا إلى المدونة، نجد مجموعة من أنواع الطلاق، وترافعنا في المنظمة من أجل أن يبقى هناك نوعان فقط تحت نظر القاضي». وأضافت أن المقترح الحالي يسعى إلى جعل الطلاق الاتفاقي يتم خارج نظر القاضي، وهو ما اعتبرته إشكالية.
و في هذا الصدد أوضحت سعاد بنور أن تصور المنظمة يتمثل في تقليص أنواع الطلاق إلى اثنين، مع تطويل مدة الصلح بهدف رأب الصدع بين الزوجين. كما شددت على أهمية ضمان القضاء للحقوق لحماية الأسرة وضمان استقرارها.
هذه النقاشات تُظهر أهمية وضع إطار قانوني واضح وصارم لحماية حقوق جميع أفراد الأسرة وضمان عدم استغلال أي ثغرات قانونية تؤدي إلى الإضرار بالنساء والأطفال. كما تؤكد على ضرورة استمرار الحوار المجتمعي حول هذه القضايا للوصول إلى حلول عادلة ومتوازنة تراعي مصالح المجتمع ككل.
التعدد: قضايا المرأة وتقييد الاستثناءات
أما بخصوص تيسير مسطرة الزواج في الخارج، فقالت عتيقة الوزيري إنه اجتهاد مفيد للمغاربة في ظل تغير المجتمع، مشيرة إلى أن الهدف من مدونة الأسرة الجديدة هو حماية الأسرة. وناقشت موقف المنظمة من منع التعدد لما له من تأثير سلبي على المرأة. وأضافت أن المدونة الحالية تجعل الأصل هو منع التعدد مع استثناءات محددة، ولكن هذه الاستثناءات تُستغل بطرق غير منطقية، مثل اعتماد مرض السكري كمبرر للتعدد، مما يفتح المجال لتفسيرات لا تتماشى مع متطلبات العصر والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب.
وأشارت سعاد بنور إلى أن التعدد لا يشكل نسبة كبيرة في المجتمع المغربي، وحتى في الدين الإسلامي هناك تحفظ كبير عليه. واعتبرت أن بعض التبريرات التي تُطرح للتعدد تندرج في إطار نقاشات شعبوية لا تخدم مصلحة الأسرة، مطالبة بضمانات حقيقية لتقييد هذا الاستثناء.
الاعتراف بعمل المرأة المنزلي وتدبير الأموال
في الندوة تمت مناقشة المادة 49 من مدونة الأسرة المتعلقة بتدبير الأموال المكتسبة خلال فترة الزواج، وأكدت المتدخلات على أهمية الاعتراف بعمل المرأة المنزلي في تنمية أموال الأسرة، ليس فقط في حالة الطلاق، بل أيضا في حالة وفاة الزوج. وأثير التساؤل حول نسبة الأموال التي يمكن أن تحصل عليها الزوجة في هاتين الحالتين، وهل سيُعطى القضاء سلطة تحديد تلك النسبة؟ المنظمة طالبت بتوضيح هذا الأمر في النصوص القانونية لضمان العدالة وحماية حقوق المرأة.
في تعقيب لها حول الموضوع، قالت حنان رحاب إن مناقشة هذه المقترحات تهدف إلى تجاوز الأخطاء السابقة، مؤكدة أن هذه التعديلات لن تثني المغاربة عن الزواج كما يُروّج له في مواقع التواصل الاجتماعي. وأشارت إلى أن تثمين عمل المرأة داخل البيت المغربي ليس أمرا جديدا، بل هو تقليد قديم عشناه في أسرنا، ولا خوف على مؤسسة الزواج لأنها شراكة إنسانية تتقاسمها جميع المجتمعات.
كما أكدت خلال مناقشة مدونة الأسرة أن الحديث لا يجب أن يقتصر على مصطلحات مثل «رجل» أو «امرأة»، بل يجب استخدام المصطلحات التي تحمل حمولة قانونية وإنسانية مثل «زوج»، «زوجة»، «أب»، «أم»، «جد»، «جدة»، «محضون»، و»حاضن». وأشارت إلى ضرورة الابتعاد عن حصر النقاش في إطار صراع بين الجنسين أو جعله حالة نضالية هدفها تحقيق مكاسب لطرف على حساب الآخر.
وشددت على أهمية مناقشة مدونة الأسرة بمعزل عن القانون الجنائي والقانون 103.13، لأن مدونة الأسرة تتناول قضايا إنسانية وليست تقنية. وأكدت أن النقاش حول مدونة الأسرة ينبغي أن يتم بعيدا عن أي صراعات بين الرجل والمرأة، بل في إطار يكرّس المساواة والإنصاف والكرامة لجميع أفراد الأسرة.
حق الزوجة في بيت الزوجية وتساؤلات حول أسباب رفض الخبرة الجينية لإثبات النسب
أما بخصوص حق الزوجة في بيت الزوجية بعد الطلاق أو وفاة الزوج، رأت عتيقة الوزيري أن هذا المقترح إيجابي، حيث إن المنظمات النسائية استندت إلى وقائع وإحصائيات تُظهر مشاكل كثيرة تنتج بعد وفاة الزوج ومن أبرزها طرد البنات أو كبار السن من بيت الزوجية من قبل الأبناء أو الأقارب للحصول على الإرث.
وفي ما يتعلق بموضوع الخبرة الجينية لتأكيد النسب، اعتبرت سعاد بنور أن رفض هذا المقترح قد يؤدي إلى ضياع حقوق العديد من الأطفال. وأشارت إلى أن الطفل الناتج عن علاقة خارج إطار الزواج هو المتضرر الأكبر، مشددة على ضرورة مراجعة النصوص التي تُحمّل الأم وحدها مسؤولية هذه العلاقات، في حين يتم تجاهل الأب المشارك في هذا الوضع.
وأوضحت أن استخدام القيافة لإثبات النسب كان معروفا قبل الإسلام وتبنّاه الرسول صلى الله عليه وسلم في حالات معينة،مثل الشبه مثلا ، أما اليوم فهناك وسائل علمية يمكن الاعتماد عليها لإثبات نسب الابن إلى أبيه إلا أن القانون المغربي لا يزال يرفض تبني هذا الإثبات العلمي، مما يُثير الجدل حول حقوق الأطفال غير المنسوبين إلى آبائهم، وخصوصا البنات، وتساؤلات حول حرمة العلاقة بينهن وبين الآباء.
وختمت المتدخلة بالتأكيد على ضرورة وضوح القانون المغربي في هذا الجانب وتحمله مسؤوليته تجاه الأطفال وفقا للاتفاقيات الدولية التي وقع عليها المغرب بشأن حقوق الطفل.
الولاية الشرعية وارتباطها بالإشكاليات الواقعية
الوزيري أكدت أن مسألة الولاية الشرعية بعد انفصام العلاقة الزوجية يجب ألا تُبنى على فكرة انفصال العلاقة حتى مع الأطفال، ووصفت هذا التصور بأنه فكر ذكوري محض تدافع عنه بعض النساء أيضا. وأشارت إلى أن المطالبات الحالية تستند إلى إشكاليات واقعية تتعلق بمناهضة جميع أشكال العنف ضد المرأة، مع التأكيد على انسجام هذه المطالب مع مبدأ المساواة، باعتباره مبدأ أساسيا لتوفير الحماية للأطفال تحت مسؤولية الأسرة.
وأوضحت الوزيري أن الاستجابة لهذه المطالب هي خطوة إيجابية لصالح الأطفال والأسرة ككل. أما الاعتراضات التي تُثار فهي مجرد جدل يظهر على الشاشات ولا يعكس الواقع، حيث يعي الجميع الصعوبات التي تواجهها المرأة المطلقة في إدارة شؤون أبنائها في غياب الزوج.
من جهة أخرى، أوضحت سعاد بنور أن مطالب المنظمة كانت تركز على إلغاء نظام التعصيب، إلا أن المجلس رفض ذلك واستبدل هذا الرفض باستخدام الهبة أو الحيازة الحكمية بدلا من الحيازة الفعلية. وأشارت إلى وجود تخوفات من عدم وضوح الوثائق المتعلقة بالهبة، معربة عن أملها في أن يتم التنصيص بوضوح على أن الهبة تُعطى حسب إرادة الواهب دون قيود تفرغها من هدفها.
كما ذكرت أن اللجنة اقترحت الوصية في ما يتعلق بالإرث بين الزوجين من ديانتين مختلفتين كحل بديل للتعامل مع هذه المسألة، مع التأكيد على أهمية أن يتم هذا الطرح بطريقة واضحة تضمن حقوق الأطراف المعنية.
وفي تعقيبها، أشارت حنان رحاب إلى وجود العديد من الأسئلة المرتبطة بهذا الموضوع، خصوصاً حول الجهات التي قدمت هذه المقترحات. وأكدت على وجود نقاط خلافية عديدة تجعل من الصعب الحديث عن الأمانة الأخلاقية للجنة المكلفة قبل الوصول إلى النص النهائي لمدونة الأسرة. وأضافت أن بعض الأحزاب السياسية لم تُبد اهتماما كافيا بهذا الموضوع، في حين أن التنظيمات النسائية، وخاصة منظمة النساء الاتحاديات، كانت السباقة في مناقشة مقترحات المدونة. وشددت على ضرورة تصحيح المغالطات وتوحيد الرؤى فيما يتعلق بمدونة الأسرة لتحقيق الإنصاف والمساواة.
وفي موضوع نفقة الحاضن أكدت أن النفقات التي تُدفع في هذا الإطار هي لصالح الأطفال فقط، وتشمل التمدرس، التطبيب، والنفقات الأخرى الأساسية، ولا تتعلق بدعم الزوجة. ووصفت هذه الاتهامات بأنها محاولات لزرع الفتنة بين الطرفين.
وشددت على أن مدونة الأسرة يجب أن تكون إطارا يحقق المصلحة الفضلى للطفل، بعيدا عن تحويلها إلى ساحة صراع بين أفراد الأسرة، لضمان حياة مستقرة وعادية للأطفال حتى بلوغهم سن الثامنة عشرة، حتى ولو كان الأبوان منفصلين.
يذكر أن منظمة النساء الاتحاديات دأبت ومنذ الكشف عن مقترحات اللجنة المكلفة بتعديل مدونة الأسرة على تنظيم لقاءات وندوات تواصلية لمناقشة هذه التعديلات من مختلف الجوانب إسهاما منها في النقاش ومواكبة لمطالب المجتمع المدني الرامية إلى ضمان حقوق المرأة والطفل في المغرب. وقد ركزت المنظمة في هذه الندوات على عرض وجهات نظر متباينة، من بينها القانونية والاجتماعية والدينية، بهدف الوصول إلى صياغة تعديلات تحقق المساواة والعدل، وتواكب التحولات الاجتماعية والثقافية التي يشهدها المجتمع المغربي.
كما أكدت المنظمة خلال هذه اللقاءات على أهمية تعزيز الحوار المجتمعي البناء حول التعديلات المقترحة، لضمان توافقها مع تطلعات النساء المغربيات، وخاصة في ما يتعلق بقضايا الحضانة، والنفقة، وإثبات النسب، والحد من تزويج القاصرات، وحق المرأة في اتخاذ القرارات الحاسمة في حياتها الزوجية.