في ندوة منظمة النساء الاتحاديات «قراءة في مقترحات تعديل مدونة الأسرة» ، حنان رحاب : ضرورة مناقشة وتتبع مقترحات تعديلات مدونة الأسرة لمواجهة المغالطات والمساهمة في نقاش جاد وحقيقي حول الإصلاحات المطلوبة

 

نظمت منظمة النساء الاتحاديات، ندوة، أول أمس الثلاثاء بالدار البيضاء، ناقشت فيها موضوع «قراءة في مقترحات تعديل مدونة الأسرة» شارك فيها كل من حنان رحاب، الكاتبة الوطنية لمنظمة النساء الاتحاديات، فضلا عن أساتذة محامين من قطاع المحامين الاتحاديين، مشهود لهم بالمسار الكبير في البناء القانوني والحقوقي لبلادنا، ويتعلق الأمر بأمينة الطالبي، محامية وعضو الكتابة الوطنية للنساء الاتحاديات، عبد الكبير طبيح محام رئيس لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب سابقا، النقيب علال البصراوي، المنسق الوطني لقطاع المحامين الاتحاديين، وخالد الإدريسي،عضو مجلس هيئة المحامين بالرباط .
في مستهل الندوة أكدت حنان رحاب أن منظمة النساء الاتحاديات كحركة نسائية وكحركة سياسية وحقوقية في حاجة لمناقشة وتتبع ما جاء من مقترحات تعديلات المدونة من أجل مواجهة المغالطات ومن أجل المساهمة في النقاش الحقيقي المرتبط بمدونة الأسرة مبرزة أن مشاركة قطاع المحامين الاتحاديين في النقاش يساهم في إنجاح اللقاء، وهو اللقاء الأول كمنظمة نسائية وقطاع محامين اتحاديين، لأنه انتماء واحد وأفكار واحدة وهدف واحد، معلنة عن لقاءات أخرى متعددة حول القضايا المشتركة المتعلقة بما هو حقوقي وقانوني في النقاش المرتبط بقضايا النساء، حيث ساهم المحامون الاتحاديون والاتحاديات مساهمة كبيرة في صياغة مذكرات النساء الاتحاديات وفي تأطير الكثير من اللقاءات والندوات بل كل الندوات المرتبطة بمراجعة مدونة الأسرة، والتي وصلت إلى 145 ندوة حول مناقشة مدونة الأسرة .فقط، «لأننا نعتبر الأمر، تقول ، التزاما كاملا للنساء الاتحاديات ولحزب الاتحاد الاشتراكي عبر كل قطاعاته لمواكبة هذا النقاش الحقوقي والقانوني فيما يحتمل الصواب والدفاع عن الحقوق الإنسانية للأسرة المغربية بكل أطرافها، وبما يمنع من أن نناقش هذا الموضوع من خلال مزايدات سياسوية ضيقة، والاتحاد الاشتراكي ومن خلال منظمة النساء الاتحاديات، يناقش المدونة من باب المصلحة الفضلى للأسرة المغربية ولكل مكوناتها ولا نناقش المرأة والرجل بل نناقش وضعية الأب والأم والابن والطفل والجدة والعمة إلى غير ذلك…من داخل مدونة الأسرة .

تراجع في القوانين ذات البعد الحقوقي، نظرا لغياب النفس الحداثي والديمقراطي

في مداخلته، اعتبر النقيب علال البصراوي أن موضوع مدونة الأسرة ومقترحات التعديلات التي جاءت بها اللجنة موضوع مهم وشاسع، لكنه مؤطر بفكرتين أساسيتين:
الأولى تتعلق بطبيعة المجتمع المغربي، الذي يعيش انقساما فكريا منذ عقود. فمن جهة، هناك تيار متشبث بمرجعيات تقليدية، يرفض أي تعديل للنصوص القانونية بناء على قراءته الخاصة للأصول الفقهية، وهو تيار نشيط وله تأثير كبير في عدد من القوانين. ومن جهة أخرى، هناك تيار حداثي يسعى إلى التغيير انطلاقا من منظور حقوقي وحداثي، غير أن الصراع بين التيارين يؤثر بشكل مباشر على مسار الإصلاحات. واعتبر البصراوي أن التيار الأول، الذي وصفه بـ»النكوصي»، يمتلك تأثيرا أقوى ويستخدم وسائل التواصل لترويج أفكار غير صحيحة، كما يمارس ضغوطا كبيرة لمنع التطورات القانونية من السير في الاتجاه الصحيح.
أما التيار الثاني، فرغم الجهود التي تبذلها بعض الفعاليات، مثل منظمة النساء الاتحاديات، إلا أنه لا يقوم بما يكفي لمواجهة التيار المحافظ، إذ لا يبذل مجهودا كافيا لشرح الأهداف المتوخاة من المدونة والتعديلات المقترحة. وخلص المتحدث إلى أن التيار الحداثي يعاني من قصور في المجهود التوعوي والتواصلي.
وفي حديثه عن السياق السياسي، اعتبر البصراوي أن الحكومة الحالية تشهد تراجعا في القوانين ذات البعد الحقوقي، نظرا لغياب النفس الحداثي والديمقراطي. كما أشار إلى أن الأحزاب الثلاثة المشكلة للحكومة لم تناقش ما جاء في التعديلات المقترحة، رغم أن الحزب الأول في الحكومة يُفترض فيه أن يكون أكثر انفتاحا على مناقشتها، كونه حزبا ليبراليا.
وأكد المتحدث أن تعديلات المدونة طُرحت بتوجيه من جلالة الملك في خطاب العرش لسنة 2022، استنادًا إلى ثلاثة أسباب رئيسية:
قصور النصوص الحالية وتحديات تطبيقها.
ضرورة مواكبة تطور المجتمع.
ملاءمة المدونة مع باقي النصوص التشريعية ومع دستور 2011.
وتساءل البصراوي عما إذا كانت التعديلات المقترحة تستجيب فعلا لهذه الأسباب، مجيبا بالنفي، خاصة أن بعض التعديلات المهمة، مثل اعتماد الخبرة الجينية في إثبات النسب، قد تم رفضها، وهو ما لا ينسجم مع الدوافع التي أدت إلى طرح هذه التعديلات أصلا.
وأشار إلى التناقض في التعامل مع التطور العلمي، إذ يتم قبول الخبرة الجينية في القانون الجنائي، بينما تُرفض في مدونة الأسرة، معتبرا أن هذا المنطق غير مقبول. كما حذّر من أن حتى التعديلات التي تم قبولها قد تكون مهددة بالإلغاء أو التعديل بفعل ضغوط التيار المحافظ، خاصة عند مرحلة الصياغة النهائية للنصوص القانونية.

نقاش يفرض نفسه

من جانبها، اعتبرت عضو منظمة النساء الاتحاديات، المحامية مينة الطالبي، أن هذا النقاش يفرض نفسه وتفرضه اللحظة. فعندما اشتغلنا على المدونة، تقول، عملنا عليها في المنظمة ككل، من الفصل الأول إلى الفصل 400، ومع ذلك، لا نزال إلى حدود الآن نجهل مضمون التعديلات المتبقية التي لم تكشف عنها اللجنة، والتي يبلغ عددها 139 تعديلا.
وتطرقت المتحدثة إلى موضوع رفض الخبرة الجينية في إثبات النسب، معتبرة أنه لا توجد إحصائيات وأرقام حول الأطفال الذين يُرفض إثبات نسبهم استنادا إلى الخبرة الجينية، متسائلة عن مصيرهم، ومن سيتكفل بهم، ومن يتحمل مسؤوليتهم، أم أنهم سيظلون أطفالا في وضعية الشارع، مما سيؤدي إلى كوارث جديدة مثل التشرد والانتحار والجريمة والانحراف، وهو ما سيبقى وصمة عار على جبين الدولة المغربية.
وأضافت أن هذا النقاش ليس ترفا، مشيرة إلى أن هناك من يعتبرون أنفسهم حماة للفقه الديني، في حين أن السند الشرعي لرفض الخبرة الجينية غير موجود، حيث إن السند الوحيد المعتمد في نفي إلحاق النسب هو الحديث الشريف: «الولد للفراش وللعاهر الحجر»، الذي تختلف الآراء حول تفسيره. كما أنه لا يوجد أي نص قطعي في القرآن يناقش مسألة الأطفال المولودين خارج مؤسسة الزواج.
وأكدت الطالبي أن المغرب صادق على الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الطفل دون تحفظات، مما يجعله ملزما بتطبيق ما جاء فيها وتوفير الحماية لجميع الأطفال بالتساوي. وأوضحت أنه لا يمكن إنكار التطور الذي عرفه المغرب في القوانين الخاصة بحقوق الطفل، لكن لا يزال هناك طريق طويل لإنصاف جميع الأطفال، بمن فيهم المولودون خارج إطار الزواج.
وشددت على أن المنظمة النسائية لا تطالب بشيء خارج ما صادق عليه المغرب في الاتفاقيات الدولية وما جاء في الدستور المغربي، مشيرة إلى أن الخبرة الجينية نناقشها فقط لمعرفة نسب هؤلاء الأطفال، لأن عدم حفظ الأنساب وعدم نسب الأبناء لآبائهم سيفتح الباب أمام مشاكل أكبر، مثل زنا المحارم وزواج المحارم. وأضافت أن العلاقة خارج إطار الزواج، عندما ينتج عنها طفل، تتحمل فيها المرأة وحدها المسؤولية، وهو أمر غير منصف.

الإشكالات القانونية، المسطرية، والواقعية التي أفرزها تطبيق المدونة منذ عشرين سنة تفرض إيجاد حلول واضحة

خالد الإدريسي، عضو مجلس هيئة المحامين بالرباط، قدم تقييما لمقترحات مدونة الأسرة من منظور السياسات العمومية، والإحصاء، والاجتهاد القضائي. وفي مستهل حديثه، أشار إلى انتمائه الموضوعي إلى اليسار، انطلاقا من دفاعه عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة والتنمية المستدامة، معتبرا أن هذه القضايا تؤثر بشكل مباشر على تصورنا لهذه التعديلات.
وأوضح المتحدث أن هذه المقاربة لا يمكن فهمها أو تقييمها تقييما صحيحا دون الرجوع إلى خطاب العرش لسنة 2022، الذي دعا إلى تعديل المدونة وفق مجموعة من الضوابط، أهمها «عدم تحليل الحرام أو تحريم الحلال». لكنه أشار إلى أن هذه العبارة أصبحت تُستعمل بشكل واسع، لا سيما من قبل التيار المحافظ، كوسيلة للدفاع عن عدم تطوير المنظومة التشريعية الأسرية. واعتبر أن الخطاب الملكي لم يكن يهدف إلى تأطير النقاش في بعد ديني أو إيديولوجي، بل كان الإصلاح في جوهره تقنيا، وإجرائيا، وقانونيا، ومسطريا، بدليل أن اللجنة المكلّفة بتقديم التعديلات تتألف من وزارة العدل، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئاسة النيابة العامة، وهي جهات مسؤولة عن تنزيل هذه التعديلات وتطبيقها.
وأضاف الإدريسي أن الإشكالات القانونية، المسطرية، والواقعية التي أفرزها تطبيق المدونة منذ عشرين سنة تفرض إيجاد حلول واضحة، وأن فتح المجال أمام النقاش السياسي والإيديولوجي قد يبعدنا عن تحقيق الأهداف المتوخاة من هذه التعديلات. وأوضح أن المقترحات لم تُرفع إلى المجلس الأعلى إلا بعد فتح آلية للنقاش الموسع، والتي عرضت في إطارها مجموعة من المذكرات المطلبية والترافعية.
وأشار إلى أن بعض المذكرات، مثل مذكرة حزب الاتحاد الاشتراكي، كانت متقدمة في رؤيتها للمنظومة الأسرية، في حين أن هناك تيارات أخرى طالبت بالتراجع والعودة إلى ما قبل 2004. واعتبر أن التدافع بين التيارين هو ما دفع المجلس الأعلى إلى رفض بعض التعديلات.
وأكد المتحدث أن أي قراءة حالية لهذه التعديلات تبقى جزئية ونسبية، نظرا لعدم الكشف عن جميع التعديلات الـ139. كما شدد على ضرورة اعتماد مقاربة تشاركية في الصياغة التشريعية، حتى لا تفقد المبادئ جوهرها الحقوقي. وأضاف أن رفض المجلس الأعلى الموافقة على بعض التعديلات قد يُفسَّر إما كتنصل من المسؤولية أو كمحاولة للالتفاف عليها، بينما يرى البعض أن اجتهادات المجلس كانت مهمة، لأنه لم يكن سلبيا، بل قدّم بدائل وحلولًا للتعديلات التي رفضها.
وبخصوص السياسات العمومية والإحصائيات، أشار الإدريسي إلى أن بعض القضايا، مثل التعدد، تُثير صراعًا فكريًا وإيديولوجيًا بين التيارات المختلفة، لكن الأرقام تكشف أن المطالبين بالتعدد في المغرب لا يمثلون سوى نسبة ضئيلة جدا، حيث لا تتجاوز طلبات التعدد 0.66% من مجموع الطلبات. أما بخصوص الزواج والطلاق، فقد أظهرت الإحصائيات أن نصف الزيجات تنتهي بالطلاق خلال السنة الأولى، وهو مؤشر خطير يستوجب معالجة تشريعية خاصة، من خلال تيسير وتوسيع مجال الزواج، والعمل على تقليص وتضييق حالات الطلاق.
أما على مستوى الجهاز القضائي، فقد تساءل المتحدث عن الضمانات المتوفرة لضمان تفعيل النصوص المتقدمة والمتطورة بما يحافظ على مضمونها وروحها، متخوفا من أن يُفرغها العمل القضائي من محتواها عند التطبيق.

الدعوة إلى عدم الرجوع إلى نقاش البدايات

أما مداخلة عبد الكبير طبيح، المحامي ورئيس لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب سابقا، فقد دعا في مستهلها إلى ضرورة وضع النقاش في إطاره الصحيح، معتبرا أن النقاش هو بين المجتمع والمشرع، وليس نقاشا مفتوحا، لأننا لسنا في سنة 2003، وهو ليس نقاشا مطلبيا بل دفاعا عن الحقوق المكتسبة التي لا تملك الحكومة حق التراجع عنها. كما شدد على أن المجتمع المغربي محافظ، لكنه في نفس الوقت يتم بذل المجهود لتغيير العقليات فيما هو متقدم وذو فائدة للمجتمع.
وبخصوص مقترحات تعديلات مدونة الأسرة، أكد طبيح أن الصياغة القانونية هي الأساس، وعليها يتوقف مآل التعديلات، وهي المعركة التي يجب التركيز عليها. وأضاف أن قراءة هذه التعديلات تقتضي الاطلاع على الرسالة الملكية التي وضعت الحدود لهذه التعديلات، مشيرا إلى أن المدونة من اختصاص الملك، لكنه في هذه الرسالة أشرك جهات أخرى للخروج بمقترحات تصب في مصلحة الأسرة المغربية، من بينها وزارة العدل، السلطة القضائية، والنيابة العامة.
في حديثه عن التعديلات، تطرق طبيح إلى الفرق بين قاعدة الولد للفراش، التي تُعتبر قاعدة راسخة في التاريخ ومستندة إلى حديث نبوي، حيث كان يتم بموجبها نسبة الأطفال للآباء فقط بسبب وجود عقد زواج، مما يُلزم الزوج بقبول الطفل كما لو كان من صلبه. وأوضح أن هذه القاعدة، رغم استنادها إلى الحديث النبوي، لم تكن قطعية في نتائجها، بل تم التخفيف من حجيتها عبر إعطاء الزوج الحق في المنازعة في نسب المولود المزداد في إطار الزواج، وذلك من خلال مسطرة اللعان.
وفي المقابل، أشار إلى أن الخبرة الجينية كوسيلة علمية تُعد إضافة حديثة لتحديد العلاقة البيولوجية بين الأب والطفل، غير أن نتائجها تُعتبر شبه قطعية وليست مطلقة. واعتبر أن الخبرة الجينية حق مكتسب يجب على الدولة المحافظة عليه، تنفيذًا للاتفاقيات الدولية، مثل المادة 7 من اتفاقية حقوق الطفل التي تنص على أن يكون للطفل أب معروف.
وانتقد طبيح أي تراجع عن اعتماد الخبرة الجينية، متسائلا: بأي حق تتراجع الحكومة عن هذا الحق؟ محذرا من أن ذلك سيمنح الرجال حرية التهرب من مسؤولياتهم تجاه النساء. وأضاف أن قاعدة الولد للفراش والخبرة الجينية لا تتعارضان، بل تتقاطعان في الهدف، حيث تسعيان معا لضمان نسب الطفل إلى أبيه وحماية المجتمع من الفساد، سواء بمفهومه الشرعي أو المجتمعي.
وأوضح طبيح أن مدونة الأسرة الحالية لم تعتبر قاعدة الولد للفراش وسيلة قطعية لإثبات النسب، إذ سمحت بمنازعة الزوج في نسب الطفل حتى مع وجود عقد الزواج عبر مسطرة اللعان (المادة 153). كما لم تقتصر على هذه القاعدة فقط، بل أخذت بعين الاعتبار حالات أخرى لربط نسب الطفل بأبيه الطبيعي بناء على الظن، وهو ما ورد في المادة 151 التي تنص على أن النسب يثبت بالظن…
وأضاف أن المدونة الحالية تعترف بإمكانية لحوق النسب بالشبهة (المادة 152)، مما يدل على أن إثبات النسب لا يقتصر على عقد الزواج فقط. وأكد أن المادة 155 استخدمت مصطلح الاتصال بدلً من الزواج، مما يعني أنها تعترف بنسبة الولد للرجل الذي مارس الاتصال الجنسي مع الأم حتى وإن لم يكن هناك عقد زواج.
وفي ختام مداخلته، شدد طبيح على ضرورة عدم العودة إلى نقاش البدايات، والتركيز بدلا من ذلك على الصياغة القانونية التي تحمي الحقوق المكتسبة وتراعي مصالح الأسرة والمجتمع المغربي.


الكاتب : خديجة مشتري /  تصوير : هيثم رغيب

  

بتاريخ : 27/02/2025