في ندوة وطنية بالجديدة حول «الصناعات الثقافية وتحديات التنمية»:

محمد الدرويش : تنفيذ مقتضيات النموذج التنموي لتجويد حياة المواطن

يحيى بوغالب: الصِنَاعَات الثَّقَافِيَّة تحْتَلُّ مَكَانَةً هَامَّةً فِي حَقْلِ الدِّرَاسَاتِ الأَكَادِيمِية

زهور كرام: الصناعات الثقافية ديبلوماسية ناعمة يجب الاشتغال عليها وتطويرها

حسن قرنفل:الصناعة الثقافية أهم
ركائز التراث اللامادي

عبد المجيد نوسي : الثقافة في المغرب طرحت
في لحظة من اللحظات أسئلة سياسية

 

 

احتضنت مدينة الجديدة ندوة وطنية حول «الصناعة الثقافية والإبداعية وتحديات التنمية» من تنظيم مؤسسة الفكر للتنمية والثقافة والعلوم،وقطاع الثقافة وجمعية جهات المغرب، والجمعية الإقليمية للشؤون الثقافية بالجديدة، ورئاسة الجامعة شعيب الدكالي بالجديدة ومختبر التاريخ والعلم والمجتمع وكلية اداب الجديدة .
كان من المفروض أن تنظم هذه الندوة يوم 8 دجنبر من السنة الماضية،إلا أن ظروف الجائحة والإجراءات الاحترازية التي واكبتها، أدت إلى تأجيلها. وقد كانت عبارة عن ملتقى ثقافي كبير شاركت فيه أسماء ثقافية وطنية لامعة، وقد تزامن مع 8 مارس ، وهو مناسبة للإشادة بما تقوم به الأستاذات الجامعيات والموظفات والطالبات من أعمال جبارة ، حيث ينخرطن في أدوارهن بكثير من المسؤولية والعزيمة والحزم .

الندوة افتتحت بكلمة مؤسسة فكر للتنمية والثقافة والعلوم التي ألقاها محمد الدرويش رئيس المؤسسة الذي أكد أن تنظيم هاته الندوة جاء في سياقات دولية ووطنية أبرزها العلاقات الدولية المتوترة والتي انتهت بشن روسيا الحرب على اوكرانيا وما تخلفه من ويلات ودمار إنساني في المنطقة يمتد الى دول أخرى بسبب التبادلات التجارية بين هاته الدول وباقي دول العالم ومنها المغرب. حرب ستجر الويلات على كل دول العالم بسببها وبسبب المخاض الذي يعيشه العالم، بالإضافة الى الإيمان القوي بأن الصناعات الثقافية والإبداعية مدخل من مداخل النمو الواعد لكونها تشكل مكونا من مكونات الاقتصادات الدولية شريطة بناء تعاون بناء بين القطاعين العام والخاص، وانطلاقا من كون واقعها سجل شللا بسبب جائحة كوفيد 19 الشيء الذي أضر بحياة الثقافة والمثقفين والابداع والمبدعين والفكر والمفكرين والفن والفنانين، وهو ما دفع اليونسكو لاتخاذ قرار تاريخي بدعوتها لجعل سنة 2021 سنة دولية للاقتصاد الابداعي من اجل التنمية المستديمة. فالاقتصاد الإبداعي يساهم بنسبة 3% من الناتج المحلي الاجمالي الدولي وهو قطاع يوظف ما يقارب 32 مليون شخص في العالم، وهو يدر ما يقارب 2500 دولار أمريكي سنويًا ويساهم في تشغيل عدد كبير من الشباب الامر الذي حدا بمجموعة من الدول لإيلاء عناية خاصة لهذا المجال باعتبار الابداع من صناعات الغد، وذلك بالرفع من نسبة مساهمات الناتج المحلي الاجمالي الى 5% خلال العشر سنوات المقبلة، ودعم مبادرات تربط بين المفكر والمبدع والمهني والاقتصادي كما حصل في الامارات المتحدة مثلا، وهي قرارات تنفذ التوجه الاممي لمقتضيات السنة الدولية للاقتصاد الابداعي من اجل التنمية المستديمة. أما على المستوى الوطني فقظ اكد محمد الدرويش أن تنظيم هذه الندوة جاء أولا في فضاء مؤسسة جامعية من مهامها التفكير والتأطير والبحث والتكوين؛ وفي إطار انفتاحها على المحيط يتم تنظيم هذا اللقاء الوطني الهام.وثانيا بتزامن مع رغبة المسؤول الحكومي في تنفيذ مقتضيات النموذج التنموي الشامل حتى يتمكن المغرب من تجويد حياة المواطنات والمواطنين وتوفير الخدمات الاجتماعية والثقافية وغيرها بما يلائم حاجياتهم المتطورة والمتجددة ؛ في وقت لم تعد الثقافة بكل مكوناتها وتجلياتها تلقى ذاك الاهتمام والعناية اللائقين بها؛ سواء في المؤسسات الحكومية أو المدنية رغم المجهود المبذول.
وأما السياق المشترك بين الدولي والوطني، فقد أضاف رئيس “مؤسسة فكر” أن تنظيم الندوة يوم 8 مارس يصادف اليوم العالمي للمرأة وهي مناسبة لتجديد الالتزام الراسخ بالدفاع عن حقوقها كاملة اقتصاديا واجتماعيا وحقوقيا وسياسيا . مشددا على ارتباط الثقافة بمفهوم الذاكرة الذي يسهم في تحديد الثقافة انطلاقا من أن الذاكرة تُسهم في ترجمة ماضي الخبرة التاريخية إلى نصوص ولغات وتعبيرات متنوعة.
وتوقف الدرويش عند الإشكال المطروح اليوم على الثقافة المغربية وهو: كيف نواجه إشكالات العولمة والتعليب والاستيلاب التي تفقد الإبداع الثقافي هويته وقدرته على الفعل داخل الواقع؟ وكيف ننتقل من عناصر ثابتة إلى عناصر فاعلة ومساهمة في التنمية على المستوى المجالي والقطاعي والوطني؟ معتبرا أن تثمين الثقافة رهين أيضا بالصناعات الثقافية والتي تمثل الأنشطة الهادفة إلى إنتاج وإعادة إنتاج وتوزيع واستهلاك المحتويات التي تتميز ببعد فني وذات حمولة رمزية.
إن إدماج الثقافة في التنمية يتوقف على الوعي بهذه الإشكالية لتسجيلها ضمن السياسات العمومية والتوجهات الاقتصادية والمخططات التي تنظم الجانب التشريعي للدعم والمواكبة وإنجاح إدماج المنتوج الثقافي في سيرورة التنمية . وفي سياق هذه الرؤية، يمكن للصناعات الثقافية والابداعية او الاقتصاد البرتقالي وفي ضوء تصورات اليونسكو، أن تنعش القطاعات الإنتاجية التي ترمي إلى إبداع وتطوير وإنتاج وإعادة إنتاج وتثمين الخيرات والأنشطة التي تتميز بمحتوى ثقافي أو فني أو تراثي على أساس أن يكون لهذه الأنشطة، إضافة إلى قيمتها الاقتصادية، قيمة اجتماعية تُسهم في الرخاء الاجتماعي.
وانتقل محمد الدرويش إلى طرح إشكال الثقافة والتنمية في صلب النقاش العمومي، والذي سيتيح الفرصة للفاعلين لطرح التصورات الكفيلة بالإجابة عن الأسئلة من مثل:
– ماهي الترتيبات التشريعية والتنظيمية الساعية إلى تثمين المنتوج الثقافي؟ – كيف تسهم الثقافات الصناعية عبر الإنتاج وإعادة الإنتاج والتوزيع في إدماج الثقافة في سيرورة التنمية ؟ – كيف يمكن أن تصبح الثقافة عبر الصناعات الثقافية والابداعية عنصرا فاعلا في تنمية الجهات والمجالات ؟ داعيا إلى ايلاء أهمية قصوى للمسألة الثقافية في إطار معالجة شمولية وشاملة تجعلنا أمام نهضة ثقافية متجددة تتجاوز العجز البنيوي الذي يمكن أن يكون أصاب مجتمعنا بكل مكوناته ومستوياته، وهي دعوة موجهة للمثقفين كما للحكومة وعبرها الفاعل السياسي والاقتصادي والترابي.
رئيس جامعة شعيب الدكالي الدكتور يحيى بوغالب أكد أن هَذِه الندوة المنظمة مِنْ قِبَلِ مؤسسة فكر للتنمية والثقافة، والجمعية الاقليمية للشؤون الثقافية بالجديدة، بتعاون مع جامعة شعيب الدكالي، تَسْعَى إِلى تَعْزِيزِ التَّوَاصُلِ مَعَ كُلِّ الفَاعِلِينَ، لِتَقَاسُمِ الآرَاءِ، وَتَنَاوُلِ المَوْضُوعِ مِنْ عِدَّةِ جَوَانِبَ وَمُقَارَبَاتٍ. وأضاف أن َموْضُوعُ “الصِنَاعَات الثَّقَافِيَّة والابْدَاعِيَّة ” اضحى يَحْتَلُّ مَكَانَةً هَامَّةً، فِي حَقْلِ الدِّرَاسَاتِ الأَكَادِيمِية، مؤكدا أنَّ الاهْتِمَامَ المُتَزَايِدَ وَالمُتَجَدِّد الَّذِي تَحْظَى بِهِ الثَّقَافَةُ عُمُومًا، جَعَلَهَا فِي صُلْبِ النَّمُوذَجِ التَّنْمَوِيِّ الجَدِيد.فَالمَشْهَدَ الثَّقَافِيَّ الرَّاهِن بِالمَغْرِبِ يَتَمَيَّزُ بِالحَرَكِيَّةِ والتَّنَوُّعِ، وَهُوَ غَنِيٌّ بِالتَّجَارِبِ الَّتِي رَاكَمَهَا، نَتِيجَةً للتحوُّلاَتِ الَّتِي عَرَفَتْهَا شُرُوطُ الانْتَاجِ الثَّقَافِيِّ.وَرَغْمَ هَذِهِ التَّحُوُّلات ظَلَّ مُنْسَجِمًا معَ هُوِيَّتِنَا، وأَصَالَتِنَا، وَقِيَمِنَا، وَمُنْفَتِحٌ – فِي الوَقْتِ نَفْسِهِ – عَلَى تَجَارِبَ عَالَمِيَّة.
وأكد بوغالب أن القِطَاعَ الاقْتِصَادِي المُتَعَلِّق بالثَّقَافَة لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَتَطَوَّرَ بِدُونِ تَوَفُّرِ مَجْمُوعَةٍ مِنَ المُتَطَلَّبَاتِ الأَسَاسِيَّةِ : مِنْ تَنْظِيمٍ للقِطَاعِ، وَتَوْفِيرِ التَّمْوِيلِ، وَالتجْهِيزَاتِ، واليَدِ العَامِلَةِ المُتَخَصِّصَةِ وَالمُؤَهَّلَةِ، والاهْتِمَامِ بِالمُبِدِعِ…

حسن قرنفل :الصناعة الثقافية تشكل أهم ركائز التراث اللامادي

الدكتور حسن قرنفل عميد كلية الآداب والعلوم الانسانية، الجهة التي احتضنت الندوة، شدد على أن الصناعات الثقافية الإبداعية هي قطاعات النشاط المرتبطة بإبداع وتطوير وإنتاج وترويج ونشر المنتوجات والخدمات والأنشطة ذات المحتوى الثقافي والفني والتراثي، وهي التي تشكل أهم مكونات الرأسمال اللامادي، حيث تسهم بشكل كبير في إشعاع الدول وإبرازها على الساحة الدولية وجلب مختلف أنواع الاستثمارات إليها.واكد أن الصناعات الثقافية تجعل من الإبداع هاجسها الأساسي، إضافة إلى حفاظها على ثقافة المجتمع الصادرة عنه، مع انفتاح واسع على مختلف أشكال التعبير والإبداعات الإنسانية.
واعتبر قرنفل أن صناعة الكتاب والسينما والموسيقى وباقي الفنون الجميلة، من أهم ركائزها، إضافة إلى مختلف أنواع الفرجة من مسرح وحلقة وفنون شعبية. وقد اغتنت هذه الصناعات الثقافية في مرحلة من مراحل تطور المجتمع الاستهلاكي بالانفتاح على مجالات جديدة، مثل صناعة الإشهار والتواصل، ثم انضافت إليها، مع التطور المتزايد للعالم الرقمي، مختلف الألعاب البصرية من رسوم متحركة وألعاب فيديو وغيرها.
وأضاف أن المجالات الكلاسيكية للثقافة مثل الكتاب والسينما والموسيقى وباقي الفنون الجميلة، تحضر فيها الإبداعات الوطنية بشكل متصاعد ومتميز، يعبر عن الدينامية القوية التي تشهدها الساحة الثقافية الوطنية والانخراط القوي للفاعلين الثقافيين في هذه العملية، مشيرا الى أن الأشكال الجديدة من التعبيرات الثقافية ما زالت في طور الاستهلاك فقط دون الخوض الجدي في عملية الإنتاج والإبداع، حتى كادت هذه الأشكال الجديدة من التعبير تقتصر على دول قليلة جدا.
واختتم قرنفل كلمته بأن التحدي المطروح اليوم، هو ربط الثقافة بالتنمية، وجعلها أولوية من الأولويات الوطنية، والابتعاد بها عن الطابع الفولكلوري والمناسباتي، والارتقاء بها لتصبح مكونا أساسيا من مكونات الهوية المغربية.

ع اللطيف بيدوري :من مهامنا دمقرطة الولوج إلى المجال الثقافي

عبداللطيف بيدوري رئيس الجمعية الأعمال الثقاقية الاقليمية بالجديدة أكد أنه بحكم الموروث الثقافي الواسع والشامل، موروث تتراكم فيه حضارات متنوعة ومتعددة، فإن إقليم الجديدة يقع في خانة التراث القابل للتصنيع، وهو ما يستدعي الدعم والحماية والرعاية حتى يصبح الاستثمار في مجال الصناعات الثقافية والابداعية هدفا ومبدأ أساسيا.وأضاف أنه من بين أهداف الجمعية الإقليمية للشؤون الثقافية الأساسية دمقرطة الولوج إلى الخدمات الثقافية، وإبراز المكونات وإنعاش الحياة الثقافية، وربط الثقافة بمفهوم الذاكرة بحكم تجليات كل الروافد والمكونات لتكون الثقافة نسقا وسيطا بين الإنسان ومحيطه الخارجي.
وأضاف البيدوري أن الصناعة الثقافية تشكل إحدى الدعامات التي يمكن تطويرها انطلاقا من الرصيد الثقافي المتنوع والمتعدد، وهو ما يدفع اليوم للاشتغال على الفعل الثقافي وفقا لمقاربة شمولية متداخلة ومتكاملة بين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لضمان استمرارية تشجع الصناعات الثقافية والابداعية من أجل تنمية مستدامة خدمة للإنسان والإنسانية.

الثقافة من المحلي
الى الكوني

أكد د .عبد المجيد نوسي خلال الجلسة الأولى، التي أدار أشغالها الدكتور محمد السيدي من جامعة محمد الخامس بالرباط ،على أن الثقافة في سياق التحديدات الفلسفية والسيميائية تعد نسقا مركبا مُكوًّنا من العلامات المادية واللا-مادية والرمزية التي أنتجها الأفراد والجماعات، وشكلَّت هوية المجتمع.لذلك عملت الهيآت الأممية على اقتراح اتفاقيات تهدف إلى صيانة التراث العالمي، وتعزيز التنوع الثقافي والحفاظ على اللغات والثقافات والمواقع الأثرية والمدن والنقائش والتعبيرات الفنية والجمالية وأشكال التراث الشفوي، مضيفا أن الثقافة في المغرب تكتسي أهمية بالغة لأنها طرحت في لحظة من اللحظات أسئلة ذات بعد سياسي، تقترن باختيارات الدولة السياسية وبالحقوق الثقافية واللغوية؛ من هذا المنظور حاولت الدولة القيام بتشخيص لواقع الثقافة والتراث، وأصدرت قوانين لحماية التراث ولحماية الأشكال اللغوية والثقافية والمواقع والمدن والنقائش وكل ما يرتبط بالحفاظ على النسيج الثقافي الوطني في وحدته وتعدده والطذي ، للأسف يحتاج الى تثمين، ليكون عنصرا فاعلا في سيرورة التنمية. كما أن الهيئات الفاعلة في المجال تُعاني من إكراهات التدبير الثقافي والبرمجة والتنشيط. في هذا السياق يندرج الرصيد الثقافي بإقليم دكالة، ويستمد تعدده وتنوعه من إكراهات الجغرافيا والتاريخ. فتعدد المجال والثروة البشرية والتاريخ، جعل هذا الموروث تتقاطع فيه إبداعات التاريخ الوطني والوجود البرتغالي وفترة الحماية، هذه المكونات أغنت ثقافة دكالة على مستوى الداخل والساحل بعلامات ثقافية هامة تمثلت في: المدن، المواقع، المحميات، الأسوار، الأبراج، القلاع، البنايات والأشكال المعمارية؛ وهي قابلة بتدخل الصناعات الثقافية أن تكون عنصرا فاعلا في التنمية.
واختتم نوسي مداخلته بأن غير الصناعات الثقافية لها خاصية مزدوجة، فهي تُسهم في خلق الثروة وفرص الشغل، ولكن أيضا في إنتاج المعنى والقيم، لذلك يجب الإقرار بهذه الأبعاد في كل استثمار، ومن هنا فإن هذا التراث يفترض الجانب المؤسساتي والتشريعي وسيرورة ناجعة للتثمين، وكل ذلك لا يمكن أن يكون ناجحا سوى في ضوء مشروع ثقافي يقوم على مناخ الحرية والإبداع ودمقرطة الفعل الثقافي.
الأكاديمية زهور كرام من كلية آداب الرباط أكدت في مداخلتها التي عنونتها ب”الصناعات الرقمية ومهن المستقبل” على خلاف النظرة السائدة حول الصناعة الثقافية كوسيلة لتوفير فرص الشغل داخل المغرب، أن التفكير في الصناعة الثقافية مختلف جدا لعدة اعتبارات اقترحتها الأستاذة في هذا اللقاء، اعتمادا على مجموعة من المراجع الدولية
المرجع الأول خطة التنمية المستديمة لدى الأمم المتحدة 2015/2030 والتي ركزت على الثقافة كمؤشر مهم، يجب التعامل معه كنشاط اقتصادي وكآلية لرصد طبيعة تنفيذ الخطط، على أساس أن الثقافة تلعب دورا مهما في هذا المجال لأنها ترصد طبيعة وطرق تنفيذ الخطة ولها دور في توفير قاعدة بيانات للدولة.
المرجع الثاني الصناعات الثقافية ومهن المستقبل، والتي قدمت عدة أرقام ستغير موقع الإنسان بسبب الثورة الصناعية
• 87 في المائة من المهن الجديدة ستظهر في المستقبل.
• هناك مهن حالية سيتم التخلي عنها أو تعديلها لكي تتماشى مع العصر الجديد.
وقد أشارت الأستاذة زهور كرام إلى ضرورة الاهتمام بالصناعات الثقافية من بينها:
ألعاب الفيديو والتي تعد من أهم الصناعات الرقمية. المنصات الموسيقية التي أصبحت توفر للشباب فرص للإبداع، والمؤثر الرقمي الثقافي الذي يلعب دورا مهما لتسويق وترويج الثقافة المغربية عالميا. وقد اعتبرت الأستاذة زهور كرام هذا الأمر بمثابة ديبلوماسية ناعمة يجب الاشتغال عليها وتطويرها بشكل جيد.

عزيز أزغاي: الواقع الثقافي لا يشجع على الحديث عن بوادر “صناعة ثقافية”

الباحث والتشكيلي عزيز أزغاي، أكد في معرض حديثه عن الصناعات الثقافية على معنى المفهوم وفعاليته في المغرب وعن مفهوم الثقافة وعلاقتها بالاقتصاد من خلال ثلاثة أبعاد رئيسة:
1 – الاقتصاد الثقافي، وهو الذي يتم التعامل فيه مع المنتج الثقافي باعتباره سلعة أو خدمة،
2 – ثقافة الاقتصاد، وتتجسد في التعامل مع السلوك الإنساني كمؤثر على الاقتصاد،
3 –الاقتصاد الإبداعي، وتشكل فيه المعرفة والأفكار الإبداعية رافعة لتنويع مداخيل الاقتصاد، من خلال تبني أنواع جديدة من المؤسسات لم تكن معروفة من قبل.
وركز أزغاي على البعدين الأول والثالث، لكونهما يدخلان ضمن اهتمامات ” الصناعات الثقافية “، بما هي أنشطة تهتم بكل المظاهر التجارية للمضامين الإبداعية المادية وغير المادية؛ إنتاجا، وإبداعا، وتسويقا واستهلاكا مشيرا الى أن بعض الباحثين يرجع البدايات الأولى لبروز فكرة تحويل الأعمال والمواد الثقافية إلى سلعٍ إلى الربع الأخير من القرن التاسع عشر، التي شهدت ميلاد المؤسسات الصحافية الكبرى. على أن مفهوم الصناعات الثقافية، لم يظهر كموضوع أكاديمي إلا في أربعينيات القرن العشرين (1947)، نتيجة ارتفاع التداول الجماهيري للتسجيلات الصوتية والأسطوانات والإذاعة، وانتشار البث التلفزي، ناهيك عن تسويق منتجات الفنون الجميلة والعروض الحية.
لذلك، يمكن اعتبار القرن العشرين، الذي شهد انتقال المجتمعات الغربية من الطابع الصناعي المحض إلى مرحلة ما بعد الصناعية، قرن ظهور ” ثقافة الجمهور” لاسيما في علاقتها بالمجال الثقافي، حيث أصبحت مسألة تمييز المنتوج الذي له طبيعة ثقافية عن سواه تطرح نفسها بإلحاح كبير. من هنا جاءت المحاولات الأولى لتبني مفهوم ” الصناعات ” كمحتوى لتحديد مجموع قطاع إنتاج ما هو ثقافي، والذي ينبغي استحضار قيمته الرمزية أكثر من طابعه أو تمثلاته المجسدة. ولعل هذا الواقع الجديد هو ما وضعنا وجها لوجه أمام ظواهر ثقافية تعكس التحولات السريعة التي يعرفها العالم المعاصر، كما أننا أصبحنا، كذلك، نتيجة للتفاعل الحاصل بين ما هو ثقافي وما هو اقتصادي المتأثر بتداعيات العولمة واقتصاد السوق، أمام سياقات جديدة تؤثث هذا المجال في علاقته بالجمهور، والمؤسسات الحكومية. وانتقل أزغاي إلى الحديث عن الصناعات الثقافية وجدلية الإيديولوجي والمغرب الثقافي واقتصاديات الثقافة وتيسير ولوج الشباب للثقافة والعلم والتكنولوجيا، والفن والرياضة والأنشطة الترفيهية، مع توفير الظروف المواتية لتفتق طاقاتهم الخلاقة والإبداعية في كل هذه المجالات”، مقدما أمثلة عن صناعة النشر والكتاب حيث انتقل المغرب، ما بين سنتي 1956 و2003، من نشر ما معدله 323 كتابا في السنة، إلى ما مجموعه 3200 في سنة 2019، تهم كل الحقول والمجالات. وتعزى أسباب ضعف وتيرة نمو هذا القطاع في يتعدد المتدخلين وعدم احترام تطبيق قانون حقوق المؤلف، إضافة إلى النقص الحاصل في عدد الخزانات والمكتبات والمراكز الثقافية، وهو النقص الذي يقدره تقارير منظمة اليونيسكو في 4000 خزانة.
وتحدث أزغاي عن المجال السينمائي، حيث شهد المغرب ارتفاع عدد الإنتاجات الفيلمية الطويلة بانتقالها من فيلمين في السنة حتى حدود 1980، إلى 22 فيلما سنة 2019 (حسب تقرير المركز السينمائي المغربي)، في مقابل ذلك، عرف عدد القاعات السينمائية تراجعا كبيرا. فمن 350 قاعة في السبعينيات، أصبحنا لا نتوفر إلا على 30 قاعة فقط في سنة 2018، وهو ما ينسحب على مجال الموسيقى والأغنية والفنون التشكيلية حيث أكد على أنه باستثناء مدرستي تطوان والدار البيضاء، اللتين تعتبران غنيمة حرب من المستعمرين الإسباني والفرنسي، ما زال المغرب لم ينخرط، بالجدية اللازمة، في إرساء بنيات أكاديمية على مستوى مؤسسات التعليم العالي تعنى بالفنون التشكيلية.
واختتم عرضه بأن الواقع الثقافي يشي بغير قليل من الغموض والهشاشة والالتباس، كما أنه لا يشجع، بناء على المعطيات سالفة الذكر، على الحديث عن بوادر “صناعة ثقافية” أو “اقتصاديات للثقافة” كما هي متعارف عليها في دول الشمال، بسبب ضعف بل غياب قناعة الفاعل السياسي بأهمية الفعل الثقافي، ليس فقط في لحم بنيات المجتمع وضمان تماسكه، وإنما أيضا في تنويع مداخيل اقتصادنا الوطني.

إدريس لمرابط : المحافظة على الموروث الثقافي الشعبي ليستمر بين الأجيال

إدريس لمرابط الباحث في الثرات والخبير الدولي لدى الأمم المتحدة في التنمية المحلية ، اكد في معرض حديثه عن “الصناعة الثقافية الثرات الدكالي نموذجا ” أن ملحمة “فرحة دكالة” مكونة من مجموعة من هذه العيوط التي تغنت بها مجموعة “فرحة دكالة” تم رسمها على خريطة تمتد جغرافيتها ابتداء من عبدة؛ دكالة؛ الشاوية حوز اسطات؛ أولاد حدو ؛ حيث تم التركيز على الأغاني التي تغنى على مستوى هذه الخريطة :مثال خربوشة التي تحكي قصة الشيخة حادة مع القايد عيسى بن عمر أواخر القرن 19؛ ثم حاجتي في گريني؛ كبة الخيل؛ الحصبة؛ حوز اسطات؛ الحداويات ؛ والتي حاولنا استرجاعها بواسطة شيوخ العيطة؛ وقد رافق هذا اللون الغنائي قول النساء الذي لا يخلو من تشويق ومن الحكي عن بعض الظواهر الاجتماعية مثل الختان؛ تخريجة الطالب ؛الزواج؛ ركوب الخيل؛ بالإضافة إلى الساكن الذي تجول عبره الفرقة؛ مولاي بوشعيب الرداد؛ مولاي عبد الله؛ مولاي الطاهر؛ وهم صلاح البلاد؛وذلك للوقوف على الأبعاد الإنسانية للتراث القولي الرجالي النسائي بدكالة؛.
لمرابط انتقل إلى الحديث عن الموروث الثقافي الشعبي وطرق الحفاظ على استمراره بين الأجيال التي ستمتح من عناصره الشديدة الغنى والتنوع، والتي تتعدد بتعدد وتتنوع بمناحي الحياة الإجتماعية والثقافية لشعب بكامله، حيث لم يتبق لنا من هذا التراث الشعبي إلا بعض المظاهر والممارسات العتيقة الصامدة في الوقت الذي يكاد يختفي فيه هذا الموروث الثقافي الشعبي باختفاء أنماط العيش.ولفت لمرابط الى أن ما دعا إلى التفكير في هذه الملحمة ذات الحمولة التراثية هو إخراج المجموعة من مغنيين ومغنيات وهم فئات معوزة؛ من وضع اجتماعي هش إلى وضع اجتماعي يضمن لهم ولهن العيش الكريم حيث كانوا قابعين في دكاكين ضيقة معلقة فيها آلات وترية وتعاريج بشارع الزرقطوني بالجديدة ينتظرون من يطلبهم لحفلة متواضعة؛ وعملهم هذا لا يقتصر إلا على فصل الصيف.وغير هذا الموسم؛ فالنساء بعضهن مطلقات؛ أرامل؛ مساعدات في حمام تقليدي؛ يشتغلن في ضيعات فلاحية أو ينتظرن في الموقف من يأتيهن ليشتغلن كمنظفات بيوت؛ ونفس الشيئ بالنسبة للرجال تجدهم باعة جائلين أو حراس ليليين.
وبهذه الملحمة تم افتتاح مسرح محمد سعيد عفيفى بالجديدة بمناسبة الذكرى 37 للمسيرة الخضراء أمام حضور قوي من الفنانين والأدباء والشعراء والموسيقيين ورجال الدولة والسياسة، حيث كان اقتطاع شريط الافتتاح من طرف وزير الثقافة آنذاك سي محمد الصبيحي الذي ألقى كلمة مقتضبة في الاختتام وطلب تقديم الملحمة بمسرح محمد الخامس بالرباط وكان ذلك قبل ان تنطلق بربوع المغرب وتتخطى الحدود “معهد العالم العربي” بباريس؛ هولندا؛ بلجيكا وأثثت فنيا مؤتمرا شاركت سبعون دولة فيه حول وزارات الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري الذي أشرفت على تنظيمه الأمم المتحدة بمراكش.

جمال فزة : عقلانية الرأسمالية تتوقف على تقييم العوامل التقنية الأكثر أهمية

الجلسة العلمية الثانية الي أدار أشغالها الدكتور يوسف الكواري، تميزت بالعرض الأول الذي ألقاه الدكتور جمال فزة من كلية اداب الرباط تحت عنوان “الوصل بين العلم والتقنية أساس التنمية” حيث أكد في معرض مداخلته أن التلازم بين العلم والتقنية هو أساس التجديد (l’innovation). وحتى يتغلغلَ التجديدُ في روح المجتمع، ويصيرَ علامتَهُ الفارقةَ، لا بد أن يقتنع الناسُ بأن تسخير العلم لتطوير التقنية وتحسينها يغير حياتهم نحو الأفضل. هكذا، وعلى خلاف الاعتقاد السائد بأن أساس التجديد يوجد في تفتق الذهنيات، يبدو أن الكلمة الأخيرة في هذا الباب تعود إلى البنية الاجتماعية. وماكس فيبر، بالرغم من أنه لم يُخْفِ الدور الكبير الذي يضطلع به تطور الإمكانات التقنية في تحديد الشكل الحديث للرأسمالية الغربية، ولم ينكر، بأي حال، أن عقلانية هذه الرأسمالية تتوقف أساسا على إمكان تقييم العوامل التقنية الأكثر أهمية (…) إلا أنه جعل من الحوافز الاقتصادية التي سخرتها الرأسمالية الغربية من أجل الاستعمال التقني للمعرفة العلمية، والذي أسهم بشكل مباشر في تغيير حياة الغالبية العظمى من الناس، العامل الحاسم في تفسير طبيعة العقلانية الغربية وخصوصيتها التاريخية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحوافز والامتيازات المتعلقة بالاستعمال التقني للمعرفة العلمية تجد أساسها في البنية الاجتماعية المميزة للحضارة الغربية. هكذا يرى جمال فزة التنمية التي تبنى على اساس الوصل بين العلم والتقنية. وأضاف فزة انه يبدو، أن تطوير البحث العلمي لا ينفصل عن المجتمع والمشروع التنموي الذي ينشده. ولعل الدرس البليغ الذي يمكن أن نُفِيدَهُ من الثورتين الصناعيتين الأولى والثانية هو أن التجديد التكنولوجي لم يكن أبدا ظاهرة معزولة؛ فقد كان يعكس مستوى المعرفة، والبيئة المؤسساتية والصناعية الحاضنة، والكفايات والمهارات المكتسبة الكفيلة بتعريف مشكل تقني ومعالجته، والعقلية الاقتصادية التي تسعى إلى الرفع من مردودية التطبيقات التكنولوجية، ثم شبكة من المنتجين والمستعملين الذين يعملون، شيئا فشيئا، على تبليغ تجاربهم بفضل قابليتها للتعلم، سواء من خلال الاستعمال أو بفضل الفاعلية المنتجة.
واختتم الاستاذ جمال فزة أنه باختصار، يبدو أن خلق ذلك التلازم المنشود بين العلم والتقنية يتوقف على توفير الحوافز الاقتصادية والأطر المؤسساتية الكفيلة بالتمكين له، وشبكة المنتجين والمستعملين التي تساعد على رواجه، والوسط الذي يمكن أن يحتضن أنظمة الابتكارات والأجهزة التكنولوجية، ويسمح بتفاعل كل هذه العناصر في كلية واحدة نطلق عليها، حينما نستند إلى التراب (le territoire) في تقييم التجديدات العلمية والتقنية، أوساط التجديد (les milieux d’innovation). من هذا المنظور لا يمكن التفكير في تطوير البحث العلمي خارج بلورة استراتيجيا لتهيئة ترابية مندمجة تأتلف مكوناتها حول محور التجديد، وتكون ثمرتها جماعة ترابية يمكن أن توصف بأنها وسط للتجديد.

محمد الداهي: ولوج الثقافة ودمقرطتها

مداخلة الأستاذ محمد داهي من جامعة محمد الخامس والتي عنونها ب “ولوج الثقافة ودمقرطتها” أكد فيها أن الصناعة الثقافية تعزز دورها بفضل الثورة التكنولوجية الحديثة لتوفير الثروات الفكرية والفنية والخدمات الثقافية، وترويجها على نطاق واسع حتى يستفيد منها أكبر عدد من المواطنين في الرقي بذوقهم وأدائهم وسلوكهم، وفي تبني أشكال حياة جديدة. ويتعلق الأمر بقطاع إبداعي يُعنى بالإنتاج السينمائي والتلفزي، والوسائط التفاعلية الرقمية، وصناعة الموسيقى، ونشر الكتاب والمجلات، وصناعة الصحافة المكتوبة. وبفضل الأنشطة المرتبطة به تحققت الطفرة من الاقتصاد الصناعي إلى اقتصاد المعرفة أو الرأسمالية المعرفية التي تراهن – من بين غايات أخرى- على تأهيل المورد البشري، وتطوير صناعة المعرفة، وتحسين التنافسية الاقتصادية، وتطوير المعدات التكنولوجية، وتشجيع الطلبة تنمية شخصياتهم ومؤهلاتهم باكتساب مهارات الابتكار والإبداع والنقد والرقمنة.
وأضاف الداهي أنه حصلت تحولات في تلقي المنتج الفني والثقافي بسبب تطور التقنيات والوسائط المتعددة. كان المتفرج من قبل يقتصر على البرامج المتلفزة التي توفر له باقة من الإنتاج السينمائي بطريقة غير منتظمة، لكنه أصبح الآن يشاهد فيديهودات مجانا أو يحملها بالاشتراك في قنوان بعينها.(ارتفع عدد المنخرطين في كندا من 22 في المائة عام 2014 إلى 60 في المائة عام 2019)(). كما بدأت نسبة مشاهدة التلفاز تتراجع بسبب الإقبال على تتبع الأخبار والنشرات والتعليقات، وعلى الاستماع إلى الأغاني الأثيرة أو متابعة مسلسل مت على النت، وخاصة على موقع يوتوب.
وهكذا أصبحت مشاهدة الأفلام السينمائية على المستوى المعمورة مرتفعة في السنوات الأخيرة أكثر من أي وقت مضى بفضل تعدد الوسائل والأجهزة المتاحة. وعليه ارتفعت نسبة مشاهدة الأفلام بالهواتف الذكية من 9 بالمائة إلى 17 بالمائة 2014
كما ساهمت تكنولوجيا المعلوميات والتواصل (Tic) في تحقق الطفرة من الوسائط الجماهيرية التي تتحكم فيها الدولة لحماية نظام حقوق الملكية الفكرية، وتنظيم القطاع وتمويله حرصا على الهوية الثقافية إلى جماهرية الوسائط التي حفزت على دمقرطة ” أدوات الإنتاج”، وتخزين المعلومات، وترويجها وتفاسمها مع الآخرين. بموزاة مع ذلك استُبشر خيرا بأن يكون النت عونا للفقراء وخير مساعد لهم على ولوج المحتويات الثقافية والاستفادة منها في إطار ما أضحى يعرف بمجتمع المعرفة ومجانية الثقافة. لكن سرعان ما خاب أملهم بسبب تعمق الفجوات الرقمية بين رأسماليي المعلوميات والبروليتاريا من جهة، وبين الشركات الصناعية الكبرى والمقاولات الصغرى من جهة ثانية. وأضاف أن الصناعة الثقافية تحظى بدعم متفاوت من مختلف الدول لما لها من دور في تمثيل الهوية السردية، والتعريف بالتراثين المادي واللامادي،وتوحيد معايير الاستهلاك، وجلب السياح ( على نحو ما روجت له الدراما التركية). ومع ذلك لا تستطيع وأيا كانت إمكاناتها ومؤهلاتها أن تنافس الشركات العملاقة والمتعددة الجنسيات التي تعتمد على موارد مالية ضخمة وتقنيات متطورة لتسويق المحتويات، والنهوض بها، وتدبير الحقوق الرقمية، والبيع المباشر، ومنح الرخص أو تفويتها، وحماية حقوق الملكية الفكرية (براءة الاختراع، العلامات التجارية، الأسرار الصناعية).
وأضاف الداهي أنه من مساعي الصناعة الثقافية دمقرطة الثقافة وتوسيع قاعدتها (الثقافة الجماهرية) حتى يستفيد أكبر عدد من المواطنين من المنتجات الثقافية والإبداعية في توافق مع ما يلي:
تحسين حكامة القطاع الثقافي من أجل توفير بيئة ملائمة للعمل الثقافي، وتضافر جهود البنيات التي تتدخل فيه.دعم العمل الثقافي باستحداث صناديق التنمية الثقافية، والنهوض بصناعة الكتاب، تمويل الأفلام والعروض المسرحية، ودعم الجمعيات الثقافية والفنية.
حماية التراثين المادي واللامادي والتعريف بهما لما لهما من قيمة حضارية ورمزية.
تخصيص جوائز تحفيزية لمختلف فروع الصناعة الثقافية سعيا إلى إذكاء الحماسة والتنافس بين المبدعين، وتطلعا إلى تجويد المنتجين الفني والثقافي.وتطوير البنيات التحتية وتجهيزها بالمعدات التكنولوجية المتطورة؛ وتيسير ولوج مختلف الفئات الاجتماعية المجال الثقافي والاستفادة من ترواثه وخدماته.وتشجيع المبدعين على الإنتاج والابتكار، ودعم أعمالهم، وتكوين المتدخلين في القطاع الثقافي، وتطوير مؤهلاتهم المهنية، وتمكينهم من القدرات المقاولاتية، وحماية المصنفات الثقافية من القرصنة والاعتداء على حقوق مؤلفيها والحقوق المجاورة، ومعاقبة مخالفي القانون لأنهم يكبدون القطاع الثقافي خسائر فادحة، ويؤثرون سلبا على أدائه وأصالة منتجاته واعتماد الثقافة عنصرا ممتدا مدمجا في جميع الميادين والمجالات الاجتماعية، والبرامج السياسية والاقتصادية، والمشاريع الثقافية، وتوطيد اللا مركزية الاقتصادية والسياسية، واستهداف المناطق والأحياء المهمشة، ودعم الفئات(الشباب وذوي الحاجات الخاصة والنساء) التي مافتئت تعاني من الهشاشة الاجتماعية.
وأجمل أنه لا يُكتفى بتعداد مزايا ولوج الثقافة فحسب بل يجب مأسستها أو تنزيلها في شكل قوانين على النحو المعمول به في بعض البلدان المتقدمة التي تعتبر” ولوج الثقافة” “هدفا وطنيا” لتمتيع المواطنين جميعهم بحقوق المواطنة وتحسين ولوج الفئات المهمشة المرافق الثقافية المجهزة، وتمتين صلتها بالأعمال الفنية، وتشجيعها على ارتياد المتحف والموقع الأثري والمسرح والسينما والمكتبة.
وينبغي للدولة – علاوة على مأسسة “ولولوج الثقافة”- أن تحرص على جعل المؤلفات التاريخية والإنسانية الأساسية في متناول المواطنين جميعهم، وبطريقة ميسرة ومستجيبة لتوقعاتهم ومستوياتهم الثقافية، كما يجب أن تمكنهم من الاطلاع على التراث الثقافي والاستفادة منه.
الداهي لفت في السياق نفسه، الى عدم إغفال الأقليات التي تعيش في المغرب التي تعتبر من مظاهر تعدده وتلاحمه عبر التاريخ، ومن ضمنها توافد المهاجرين الأفارقة الذين يتخذونه معبرا إلى أوروبا. فعلاوة على معاناتهم من الإقصاء الاقتصادي ( البطالة) والاجتماعي ( التهميش والتحقير)، يكابدون الإقصاء الثقافي والدونية الاجتماعية. وهو ما يتطلب -في هذه الحالة وغيرها- احترام التعدد الثقافي وتفعيله وفق إعلان منظمة اليونسكو عام 2005.

فتيحة الطايب: الاستثمار
في الترجمة

فتيحة الطايب الاستاذة بجامعة محمد الخامس بالرباط ترى في معرض حديثها عن قطاع الترجمة في المغرب وأفاق التنمية أن قطاع الترجمة يعد رافعة أساسية للتنمية، وأن بلوغ التنمية يستلزم الاستثمار في الترجمة، فالترجمة بصفتها ممارسة حيوية لا تثمر إلا ضمن بنية حية متفاعلة العناصر، فهي ضرورة حتمية للنمو الاجتماعي والاقتصادي لما لها علاقة مع الاقتصاد والسياسة والفكر والمجتمع. في سياق هذا المعطى والتطور الهائل الذي عرفه قطاع الترجمة عالميا تحت تأثير نظام العولمة والثورة التكنولوجية، يجب – حسب الأستاذة فاتحة الطايب – أن نفحص الإمكانات والمؤهلات التي يتوفر عليها المغرب من أجل الاستثمار في الترجمة بصفتها قطاعا حيويا يدخل في تجارة الخدمات، قصد تحقيق التنمية بالتركيز على الترجمة الأدبية والترجمة المهنية والترجمة السياحية وترجمة المنظمات والمؤامرات.
وأشارت الأستاذة فاتحة الطايب في مداخلتها إلى أربعة قطاعات تهتم بالترجمة
قطاع الترجمة المهنية الذي يتفرع بدوره إلى قطاعات متعددة، فالسوق العالمية تشهد منافسة من طرف أزيد من 10 جهات فاعلة تهيمن عليه مؤسستان أمريكيتان عابرتان للقارات، تليهما من حيث الأهمية، المؤسسة الفرنسية للترجمة والمؤسسة البريطانية، فهي مؤسسات لها أرقام مبيعات ضخمة وقد ذكرت الأستاذة فاتحة الطايب بعض منها:
• 150 مليون أورو بالنسبة للمؤسسة الفرنسية للترجمة
• 450 مليون دولار بالنسبة للمؤسسة البريطانية للترجمة
• 750 مليون دولار بالنسبة لأمريكا
فهذه الأرقام حسب الأستاذة فاتحة الطايب تعكس مدى حرص الدول الكبرى على الاستثمار في قطاع الترجمة من أجل النمو ومن أجل اختراق العالم.
أما في ما يخص المغرب، فقد ركز بشكل كبير على الترجمة القانونية والقضائية وهو مجال يوفر دخلا مهما للمغرب وفرص شغل لعدد كبير من المترجمين المغاربة، لكن الرقم يبقى ضعيفا مقارنة مع الأرقام العالمية
✓ الترجمة السياحية
قطاع السياحة له أولوية استراتيجية لتحقيق التنمية الاقتصادية للمغرب وفي ظل المنافسة العالمية فإن هذا القطاع يتطلب مهنية عالية من طرف المترجمين.
وحسب تقرير الجمعية العامة للمجلس الاقتصادي سنة 2020 والذي حمل عنوان “السياحة رافعة للتنمية المستدامة والإدماج من أجل استراتيجية جديدة للسياحة” تم التأكيد على الإمكانات الهامة التي تتيحها السياحة للاقتصاد العالمي لتحقيق النمو من حيث جلب الاستثمارات وخلق فرص الشغل، ويتم النظر إليها كوسيلة فعالة للتنمية في المجالات الترابية. كما قدمت الأستاذة فاتحة الطايب عدة توصيات لتطوير المجال السياحي من بينها الاستثمار في قطاع الترجمة السياحية بواسطة تأسيس وكالات مختصة في هذا المجال متصلة مع باقي المديريات والهيئات الوطنية، نظرا لما لها من أهمية كبيرة على القطاع في ظل الجو التنافسي العالمي في مجال السياحة، وضرورة العمل على وضع قاموس سياحي مغربي متجدد.
بالإضافة إلى ضرورة الاهتمام بالترجمة في مجالات أخرى:كالمؤتمرات والمنظمات الدولية وهو مجال يعتمد على الترجمة الفورية وله دور جد حيوي، وقد أصبح المغرب حسب ما جاء في مداخلة الأستاذة فاتحة الطايب منافسا مهما في هذا المجال بحيث استطاع المترجمون المغاربة العمل مع عدة منظمات دولية، كمقر الأمم المتحدة بنيويورك وبمكتب الأمم المتحدة بجنيف وبمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة ومنظمة التعاون الإسلامي فضلا عن القنوات العربية والأجنبية وعدة مؤسسات إقليمية في العالم العربي وأوروبا.فالترجمة الفورية أصبحت حسب الأستاذة فاتحة الطايب موردا للعملة الصعبة ومصدرا من مصادر التنمية، مما يستدعي زيادة الاهتمام بها وتطوير مؤهلات المغاربة في مجال تعلم اللغات من أجل تحقيق إقلاع اقتصادي وتنمية اجتماعية حقيقية، وهو أمر أصبح مهم نظرا للتحولات التي حصلت على مستوى وطرق العمل عن بعد.
أما فيما يخص الترجمة الأدبية، فقد توصلت الدراسة التي قامت بها الأستاذة فاتحة الطايب حول الترجمة الأدبية في المغرب “مسارات ورهانات ” إلى أن المغرب يعد من أكثر البلدان العربية نشاطا في مجال الترجمة إلى جانب لبنان ومصر، ويتصدر بعد سوريا لائحة الترجمة العربية في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية، رغم غياب برامج حكومية ناظمة وداعمة للترجمة في هذا المجال.
وبإمكان المغرب أن يستثمر في مجال الترجمة الأدبية ودعم حركة الترجمة نظرا للكفاءات العالية والمراكز التي يشهد لها بالجودة كدار المركز الثقافي العربي …. وهذا من شأنه حسب الأستاذة فاتحة الطايب أن يخلق فرص شغل جيدة داخل المغرب.
الندوة اختتمت بتكريم عدد من الأسماء الجامعية وفعاليات أخرى بمناسبة اليوم العالمي للمرأة.

الثقافة وعلاقتها بالاقتصاد من خلال ثلاثة أبعاد رئيسة:
1 – الاقتصاد الثقافي، وهو الذي يتم التعامل فيه مع المنتج الثقافي باعتباره سلعة أو خدمة،
2 – ثقافة الاقتصاد، وتتجسد في التعامل مع السلوك الإنساني كمؤثر على الاقتصاد،
3 –الاقتصاد الإبداعي، وتشكل فيه المعرفة والأفكار الإبداعية رافعة لتنويع مداخيل الاقتصاد، من خلال تبني أنواع جديدة من المؤسسات لم تكن معروفة من قبل.
وركز أزغاي على البعدين الأول والثالث، لكونهما يدخلان ضمن اهتمامات ” الصناعات الثقافية “، بما هي أنشطة تهتم بكل المظاهر التجارية للمضامين الإبداعية المادية وغير المادية؛ إنتاجا، وإبداعا، وتسويقا واستهلاكا مشيرا الى أن بعض الباحثين يرجع البدايات الأولى لبروز فكرة تحويل الأعمال والمواد الثقافية إلى سلعٍ إلى الربع الأخير من القرن التاسع عشر، التي شهدت ميلاد المؤسسات الصحافية الكبرى. على أن مفهوم الصناعات الثقافية، لم يظهر كموضوع أكاديمي إلا في أربعينيات القرن العشرين (1947)، نتيجة ارتفاع التداول الجماهيري للتسجيلات الصوتية والأسطوانات والإذاعة، وانتشار البث التلفزي، ناهيك عن تسويق منتجات الفنون الجميلة والعروض الحية.
لذلك، يمكن اعتبار القرن العشرين، الذي شهد انتقال المجتمعات الغربية من الطابع الصناعي المحض إلى مرحلة ما بعد الصناعية، قرن ظهور ” ثقافة الجمهور” لاسيما في علاقتها بالمجال الثقافي، حيث أصبحت مسألة تمييز المنتوج الذي له طبيعة ثقافية عن سواه تطرح نفسها بإلحاح كبير. من هنا جاءت المحاولات الأولى لتبني مفهوم ” الصناعات ” كمحتوى لتحديد مجموع قطاع إنتاج ما هو ثقافي، والذي ينبغي استحضار قيمته الرمزية أكثر من طابعه أو تمثلاته المجسدة. ولعل هذا الواقع الجديد هو ما وضعنا وجها لوجه أمام ظواهر ثقافية تعكس التحولات السريعة التي يعرفها العالم المعاصر، كما أننا أصبحنا، كذلك، نتيجة للتفاعل الحاصل بين ما هو ثقافي وما هو اقتصادي المتأثر بتداعيات العولمة واقتصاد السوق، أمام سياقات جديدة تؤثث هذا المجال في علاقته بالجمهور، والمؤسسات الحكومية. وانتقل أزغاي إلى الحديث عن الصناعات الثقافية وجدلية الإيديولوجي والمغرب الثقافي واقتصاديات الثقافة وتيسير ولوج الشباب للثقافة والعلم والتكنولوجيا، والفن والرياضة والأنشطة الترفيهية، مع توفير الظروف المواتية لتفتق طاقاتهم الخلاقة والإبداعية في كل هذه المجالات”، مقدما أمثلة عن صناعة النشر والكتاب حيث انتقل المغرب، ما بين سنتي 1956 و2003، من نشر ما معدله 323 كتابا في السنة، إلى ما مجموعه 3200 في سنة 2019، تهم كل الحقول والمجالات. وتعزى أسباب ضعف وتيرة نمو هذا القطاع في يتعدد المتدخلين وعدم احترام تطبيق قانون حقوق المؤلف، إضافة إلى النقص الحاصل في عدد الخزانات والمكتبات والمراكز الثقافية، وهو النقص الذي يقدره تقارير منظمة اليونيسكو في 4000 خزانة.
وتحدث أزغاي عن المجال السينمائي، حيث شهد المغرب ارتفاع عدد الإنتاجات الفيلمية الطويلة بانتقالها من فيلمين في السنة حتى حدود 1980، إلى 22 فيلما سنة 2019 (حسب تقرير المركز السينمائي المغربي)، في مقابل ذلك، عرف عدد القاعات السينمائية تراجعا كبيرا. فمن 350 قاعة في السبعينيات، أصبحنا لا نتوفر إلا على 30 قاعة فقط في سنة 2018، وهو ما ينسحب على مجال الموسيقى والأغنية والفنون التشكيلية حيث أكد على أنه باستثناء مدرستي تطوان والدار البيضاء، اللتين تعتبران غنيمة حرب من المستعمرين الإسباني والفرنسي، ما زال المغرب لم ينخرط، بالجدية اللازمة، في إرساء بنيات أكاديمية على مستوى مؤسسات التعليم العالي تعنى بالفنون التشكيلية.
واختتم عرضه بأن الواقع الثقافي يشي بغير قليل من الغموض والهشاشة والالتباس، كما أنه لا يشجع، بناء على المعطيات سالفة الذكر، على الحديث عن بوادر “صناعة ثقافية” أو “اقتصاديات للثقافة” كما هي متعارف عليها في دول الشمال، بسبب ضعف بل غياب قناعة الفاعل السياسي بأهمية الفعل الثقافي، ليس فقط في لحم بنيات المجتمع وضمان تماسكه، وإنما أيضا في تنويع مداخيل اقتصادنا الوطني.

إدريس لمرابط : المحافظة على الموروث الثقافي الشعبي ليستمر بين الأجيال

إدريس لمرابط الباحث في الثرات والخبير الدولي لدى الأمم المتحدة في التنمية المحلية ، اكد في معرض حديثه عن “الصناعة الثقافية الثرات الدكالي نموذجا ” أن ملحمة “فرحة دكالة” مكونة من مجموعة من هذه العيوط التي تغنت بها مجموعة “فرحة دكالة” تم رسمها على خريطة تمتد جغرافيتها ابتداء من عبدة؛ دكالة؛ الشاوية حوز اسطات؛ أولاد حدو ؛ حيث تم التركيز على الأغاني التي تغنى على مستوى هذه الخريطة :مثال خربوشة التي تحكي قصة الشيخة حادة مع القايد عيسى بن عمر أواخر القرن 19؛ ثم حاجتي في گريني؛ كبة الخيل؛ الحصبة؛ حوز اسطات؛ الحداويات ؛ والتي حاولنا استرجاعها بواسطة شيوخ العيطة؛ وقد رافق هذا اللون الغنائي قول النساء الذي لا يخلو من تشويق ومن الحكي عن بعض الظواهر الاجتماعية مثل الختان؛ تخريجة الطالب ؛الزواج؛ ركوب الخيل؛ بالإضافة إلى الساكن الذي تجول عبره الفرقة؛ مولاي بوشعيب الرداد؛ مولاي عبد الله؛ مولاي الطاهر؛ وهم صلاح البلاد؛وذلك للوقوف على الأبعاد الإنسانية للتراث القولي الرجالي النسائي بدكالة؛.
لمرابط انتقل إلى الحديث عن الموروث الثقافي الشعبي وطرق الحفاظ على استمراره بين الأجيال التي ستمتح من عناصره الشديدة الغنى والتنوع، والتي تتعدد بتعدد وتتنوع بمناحي الحياة الإجتماعية والثقافية لشعب بكامله، حيث لم يتبق لنا من هذا التراث الشعبي إلا بعض المظاهر والممارسات العتيقة الصامدة في الوقت الذي يكاد يختفي فيه هذا الموروث الثقافي الشعبي باختفاء أنماط العيش.ولفت لمرابط الى أن ما دعا إلى التفكير في هذه الملحمة ذات الحمولة التراثية هو إخراج المجموعة من مغنيين ومغنيات وهم فئات معوزة؛ من وضع اجتماعي هش إلى وضع اجتماعي يضمن لهم ولهن العيش الكريم حيث كانوا قابعين في دكاكين ضيقة معلقة فيها آلات وترية وتعاريج بشارع الزرقطوني بالجديدة ينتظرون من يطلبهم لحفلة متواضعة؛ وعملهم هذا لا يقتصر إلا على فصل الصيف.وغير هذا الموسم؛ فالنساء بعضهن مطلقات؛ أرامل؛ مساعدات في حمام تقليدي؛ يشتغلن في ضيعات فلاحية أو ينتظرن في الموقف من يأتيهن ليشتغلن كمنظفات بيوت؛ ونفس الشيئ بالنسبة للرجال تجدهم باعة جائلين أو حراس ليليين.
وبهذه الملحمة تم افتتاح مسرح محمد سعيد عفيفى بالجديدة بمناسبة الذكرى 37 للمسيرة الخضراء أمام حضور قوي من الفنانين والأدباء والشعراء والموسيقيين ورجال الدولة والسياسة، حيث كان اقتطاع شريط الافتتاح من طرف وزير الثقافة آنذاك سي محمد الصبيحي الذي ألقى كلمة مقتضبة في الاختتام وطلب تقديم الملحمة بمسرح محمد الخامس بالرباط وكان ذلك قبل ان تنطلق بربوع المغرب وتتخطى الحدود “معهد العالم العربي” بباريس؛ هولندا؛ بلجيكا وأثثت فنيا مؤتمرا شاركت سبعون دولة فيه حول وزارات الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري الذي أشرفت على تنظيمه الأمم المتحدة بمراكش.

جمال فزة : عقلانية الرأسمالية تتوقف على تقييم العوامل التقنية الأكثر أهمية

الجلسة العلمية الثانية الي أدار أشغالها الدكتور يوسف الكواري، تميزت بالعرض الأول الذي ألقاه الدكتور جمال فزة من كلية اداب الرباط تحت عنوان “الوصل بين العلم والتقنية أساس التنمية” حيث أكد في معرض مداخلته أن التلازم بين العلم والتقنية هو أساس التجديد (l’innovation). وحتى يتغلغلَ التجديدُ في روح المجتمع، ويصيرَ علامتَهُ الفارقةَ، لا بد أن يقتنع الناسُ بأن تسخير العلم لتطوير التقنية وتحسينها يغير حياتهم نحو الأفضل. هكذا، وعلى خلاف الاعتقاد السائد بأن أساس التجديد يوجد في تفتق الذهنيات، يبدو أن الكلمة الأخيرة في هذا الباب تعود إلى البنية الاجتماعية. وماكس فيبر، بالرغم من أنه لم يُخْفِ الدور الكبير الذي يضطلع به تطور الإمكانات التقنية في تحديد الشكل الحديث للرأسمالية الغربية، ولم ينكر، بأي حال، أن عقلانية هذه الرأسمالية تتوقف أساسا على إمكان تقييم العوامل التقنية الأكثر أهمية (…) إلا أنه جعل من الحوافز الاقتصادية التي سخرتها الرأسمالية الغربية من أجل الاستعمال التقني للمعرفة العلمية، والذي أسهم بشكل مباشر في تغيير حياة الغالبية العظمى من الناس، العامل الحاسم في تفسير طبيعة العقلانية الغربية وخصوصيتها التاريخية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحوافز والامتيازات المتعلقة بالاستعمال التقني للمعرفة العلمية تجد أساسها في البنية الاجتماعية المميزة للحضارة الغربية. هكذا يرى جمال فزة التنمية التي تبنى على اساس الوصل بين العلم والتقنية. وأضاف فزة انه يبدو، أن تطوير البحث العلمي لا ينفصل عن المجتمع والمشروع التنموي الذي ينشده. ولعل الدرس البليغ الذي يمكن أن نُفِيدَهُ من الثورتين الصناعيتين الأولى والثانية هو أن التجديد التكنولوجي لم يكن أبدا ظاهرة معزولة؛ فقد كان يعكس مستوى المعرفة، والبيئة المؤسساتية والصناعية الحاضنة، والكفايات والمهارات المكتسبة الكفيلة بتعريف مشكل تقني ومعالجته، والعقلية الاقتصادية التي تسعى إلى الرفع من مردودية التطبيقات التكنولوجية، ثم شبكة من المنتجين والمستعملين الذين يعملون، شيئا فشيئا، على تبليغ تجاربهم بفضل قابليتها للتعلم، سواء من خلال الاستعمال أو بفضل الفاعلية المنتجة.
واختتم الاستاذ جمال فزة أنه باختصار، يبدو أن خلق ذلك التلازم المنشود بين العلم والتقنية يتوقف على توفير الحوافز الاقتصادية والأطر المؤسساتية الكفيلة بالتمكين له، وشبكة المنتجين والمستعملين التي تساعد على رواجه، والوسط الذي يمكن أن يحتضن أنظمة الابتكارات والأجهزة التكنولوجية، ويسمح بتفاعل كل هذه العناصر في كلية واحدة نطلق عليها، حينما نستند إلى التراب (le territoire) في تقييم التجديدات العلمية والتقنية، أوساط التجديد (les milieux d’innovation). من هذا المنظور لا يمكن التفكير في تطوير البحث العلمي خارج بلورة استراتيجيا لتهيئة ترابية مندمجة تأتلف مكوناتها حول محور التجديد، وتكون ثمرتها جماعة ترابية يمكن أن توصف بأنها وسط للتجديد.

محمد الداهي: ولوج الثقافة ودمقرطتها

مداخلة الأستاذ محمد داهي من جامعة محمد الخامس والتي عنونها ب “ولوج الثقافة ودمقرطتها” أكد فيها أن الصناعة الثقافية تعزز دورها بفضل الثورة التكنولوجية الحديثة لتوفير الثروات الفكرية والفنية والخدمات الثقافية، وترويجها على نطاق واسع حتى يستفيد منها أكبر عدد من المواطنين في الرقي بذوقهم وأدائهم وسلوكهم، وفي تبني أشكال حياة جديدة. ويتعلق الأمر بقطاع إبداعي يُعنى بالإنتاج السينمائي والتلفزي، والوسائط التفاعلية الرقمية، وصناعة الموسيقى، ونشر الكتاب والمجلات، وصناعة الصحافة المكتوبة. وبفضل الأنشطة المرتبطة به تحققت الطفرة من الاقتصاد الصناعي إلى اقتصاد المعرفة أو الرأسمالية المعرفية التي تراهن – من بين غايات أخرى- على تأهيل المورد البشري، وتطوير صناعة المعرفة، وتحسين التنافسية الاقتصادية، وتطوير المعدات التكنولوجية، وتشجيع الطلبة تنمية شخصياتهم ومؤهلاتهم باكتساب مهارات الابتكار والإبداع والنقد والرقمنة.
وأضاف الداهي أنه حصلت تحولات في تلقي المنتج الفني والثقافي بسبب تطور التقنيات والوسائط المتعددة. كان المتفرج من قبل يقتصر على البرامج المتلفزة التي توفر له باقة من الإنتاج السينمائي بطريقة غير منتظمة، لكنه أصبح الآن يشاهد فيديهودات مجانا أو يحملها بالاشتراك في قنوان بعينها.(ارتفع عدد المنخرطين في كندا من 22 في المائة عام 2014 إلى 60 في المائة عام 2019)(). كما بدأت نسبة مشاهدة التلفاز تتراجع بسبب الإقبال على تتبع الأخبار والنشرات والتعليقات، وعلى الاستماع إلى الأغاني الأثيرة أو متابعة مسلسل مت على النت، وخاصة على موقع يوتوب.
وهكذا أصبحت مشاهدة الأفلام السينمائية على المستوى المعمورة مرتفعة في السنوات الأخيرة أكثر من أي وقت مضى بفضل تعدد الوسائل والأجهزة المتاحة. وعليه ارتفعت نسبة مشاهدة الأفلام بالهواتف الذكية من 9 بالمائة إلى 17 بالمائة 2014
كما ساهمت تكنولوجيا المعلوميات والتواصل (Tic) في تحقق الطفرة من الوسائط الجماهيرية التي تتحكم فيها الدولة لحماية نظام حقوق الملكية الفكرية، وتنظيم القطاع وتمويله حرصا على الهوية الثقافية إلى جماهرية الوسائط التي حفزت على دمقرطة ” أدوات الإنتاج”، وتخزين المعلومات، وترويجها وتفاسمها مع الآخرين. بموزاة مع ذلك استُبشر خيرا بأن يكون النت عونا للفقراء وخير مساعد لهم على ولوج المحتويات الثقافية والاستفادة منها في إطار ما أضحى يعرف بمجتمع المعرفة ومجانية الثقافة. لكن سرعان ما خاب أملهم بسبب تعمق الفجوات الرقمية بين رأسماليي المعلوميات والبروليتاريا من جهة، وبين الشركات الصناعية الكبرى والمقاولات الصغرى من جهة ثانية. وأضاف أن الصناعة الثقافية تحظى بدعم متفاوت من مختلف الدول لما لها من دور في تمثيل الهوية السردية، والتعريف بالتراثين المادي واللامادي،وتوحيد معايير الاستهلاك، وجلب السياح ( على نحو ما روجت له الدراما التركية). ومع ذلك لا تستطيع وأيا كانت إمكاناتها ومؤهلاتها أن تنافس الشركات العملاقة والمتعددة الجنسيات التي تعتمد على موارد مالية ضخمة وتقنيات متطورة لتسويق المحتويات، والنهوض بها، وتدبير الحقوق الرقمية، والبيع المباشر، ومنح الرخص أو تفويتها، وحماية حقوق الملكية الفكرية (براءة الاختراع، العلامات التجارية، الأسرار الصناعية).
وأضاف الداهي أنه من مساعي الصناعة الثقافية دمقرطة الثقافة وتوسيع قاعدتها (الثقافة الجماهرية) حتى يستفيد أكبر عدد من المواطنين من المنتجات الثقافية والإبداعية في توافق مع ما يلي:
تحسين حكامة القطاع الثقافي من أجل توفير بيئة ملائمة للعمل الثقافي، وتضافر جهود البنيات التي تتدخل فيه.دعم العمل الثقافي باستحداث صناديق التنمية الثقافية، والنهوض بصناعة الكتاب، تمويل الأفلام والعروض المسرحية، ودعم الجمعيات الثقافية والفنية.
حماية التراثين المادي واللامادي والتعريف بهما لما لهما من قيمة حضارية ورمزية.
تخصيص جوائز تحفيزية لمختلف فروع الصناعة الثقافية سعيا إلى إذكاء الحماسة والتنافس بين المبدعين، وتطلعا إلى تجويد المنتجين الفني والثقافي.وتطوير البنيات التحتية وتجهيزها بالمعدات التكنولوجية المتطورة؛ وتيسير ولوج مختلف الفئات الاجتماعية المجال الثقافي والاستفادة من ترواثه وخدماته.وتشجيع المبدعين على الإنتاج والابتكار، ودعم أعمالهم، وتكوين المتدخلين في القطاع الثقافي، وتطوير مؤهلاتهم المهنية، وتمكينهم من القدرات المقاولاتية، وحماية المصنفات الثقافية من القرصنة والاعتداء على حقوق مؤلفيها والحقوق المجاورة، ومعاقبة مخالفي القانون لأنهم يكبدون القطاع الثقافي خسائر فادحة، ويؤثرون سلبا على أدائه وأصالة منتجاته واعتماد الثقافة عنصرا ممتدا مدمجا في جميع الميادين والمجالات الاجتماعية، والبرامج السياسية والاقتصادية، والمشاريع الثقافية، وتوطيد اللا مركزية الاقتصادية والسياسية، واستهداف المناطق والأحياء المهمشة، ودعم الفئات(الشباب وذوي الحاجات الخاصة والنساء) التي مافتئت تعاني من الهشاشة الاجتماعية.
وأجمل أنه لا يُكتفى بتعداد مزايا ولوج الثقافة فحسب بل يجب مأسستها أو تنزيلها في شكل قوانين على النحو المعمول به في بعض البلدان المتقدمة التي تعتبر” ولوج الثقافة” “هدفا وطنيا” لتمتيع المواطنين جميعهم بحقوق المواطنة وتحسين ولوج الفئات المهمشة المرافق الثقافية المجهزة، وتمتين صلتها بالأعمال الفنية، وتشجيعها على ارتياد المتحف والموقع الأثري والمسرح والسينما والمكتبة.
وينبغي للدولة – علاوة على مأسسة “ولولوج الثقافة”- أن تحرص على جعل المؤلفات التاريخية والإنسانية الأساسية في متناول المواطنين جميعهم، وبطريقة ميسرة ومستجيبة لتوقعاتهم ومستوياتهم الثقافية، كما يجب أن تمكنهم من الاطلاع على التراث الثقافي والاستفادة منه.
الداهي لفت في السياق نفسه، الى عدم إغفال الأقليات التي تعيش في المغرب التي تعتبر من مظاهر تعدده وتلاحمه عبر التاريخ، ومن ضمنها توافد المهاجرين الأفارقة الذين يتخذونه معبرا إلى أوروبا. فعلاوة على معاناتهم من الإقصاء الاقتصادي ( البطالة) والاجتماعي ( التهميش والتحقير)، يكابدون الإقصاء الثقافي والدونية الاجتماعية. وهو ما يتطلب -في هذه الحالة وغيرها- احترام التعدد الثقافي وتفعيله وفق إعلان منظمة اليونسكو عام 2005.

فتيحة الطايب: الاستثمار
في الترجمة

فتيحة الطايب الاستاذة بجامعة محمد الخامس بالرباط ترى في معرض حديثها عن قطاع الترجمة في المغرب وأفاق التنمية أن قطاع الترجمة يعد رافعة أساسية للتنمية، وأن بلوغ التنمية يستلزم الاستثمار في الترجمة، فالترجمة بصفتها ممارسة حيوية لا تثمر إلا ضمن بنية حية متفاعلة العناصر، فهي ضرورة حتمية للنمو الاجتماعي والاقتصادي لما لها علاقة مع الاقتصاد والسياسة والفكر والمجتمع. في سياق هذا المعطى والتطور الهائل الذي عرفه قطاع الترجمة عالميا تحت تأثير نظام العولمة والثورة التكنولوجية، يجب – حسب الأستاذة فاتحة الطايب – أن نفحص الإمكانات والمؤهلات التي يتوفر عليها المغرب من أجل الاستثمار في الترجمة بصفتها قطاعا حيويا يدخل في تجارة الخدمات، قصد تحقيق التنمية بالتركيز على الترجمة الأدبية والترجمة المهنية والترجمة السياحية وترجمة المنظمات والمؤامرات.
وأشارت الأستاذة فاتحة الطايب في مداخلتها إلى أربعة قطاعات تهتم بالترجمة
قطاع الترجمة المهنية الذي يتفرع بدوره إلى قطاعات متعددة، فالسوق العالمية تشهد منافسة من طرف أزيد من 10 جهات فاعلة تهيمن عليه مؤسستان أمريكيتان عابرتان للقارات، تليهما من حيث الأهمية، المؤسسة الفرنسية للترجمة والمؤسسة البريطانية، فهي مؤسسات لها أرقام مبيعات ضخمة وقد ذكرت الأستاذة فاتحة الطايب بعض منها:
• 150 مليون أورو بالنسبة للمؤسسة الفرنسية للترجمة
• 450 مليون دولار بالنسبة للمؤسسة البريطانية للترجمة
• 750 مليون دولار بالنسبة لأمريكا
فهذه الأرقام حسب الأستاذة فاتحة الطايب تعكس مدى حرص الدول الكبرى على الاستثمار في قطاع الترجمة من أجل النمو ومن أجل اختراق العالم.
أما في ما يخص المغرب، فقد ركز بشكل كبير على الترجمة القانونية والقضائية وهو مجال يوفر دخلا مهما للمغرب وفرص شغل لعدد كبير من المترجمين المغاربة، لكن الرقم يبقى ضعيفا مقارنة مع الأرقام العالمية
✓ الترجمة السياحية
قطاع السياحة له أولوية استراتيجية لتحقيق التنمية الاقتصادية للمغرب وفي ظل المنافسة العالمية فإن هذا القطاع يتطلب مهنية عالية من طرف المترجمين.
وحسب تقرير الجمعية العامة للمجلس الاقتصادي سنة 2020 والذي حمل عنوان “السياحة رافعة للتنمية المستدامة والإدماج من أجل استراتيجية جديدة للسياحة” تم التأكيد على الإمكانات الهامة التي تتيحها السياحة للاقتصاد العالمي لتحقيق النمو من حيث جلب الاستثمارات وخلق فرص الشغل، ويتم النظر إليها كوسيلة فعالة للتنمية في المجالات الترابية. كما قدمت الأستاذة فاتحة الطايب عدة توصيات لتطوير المجال السياحي من بينها الاستثمار في قطاع الترجمة السياحية بواسطة تأسيس وكالات مختصة في هذا المجال متصلة مع باقي المديريات والهيئات الوطنية، نظرا لما لها من أهمية كبيرة على القطاع في ظل الجو التنافسي العالمي في مجال السياحة، وضرورة العمل على وضع قاموس سياحي مغربي متجدد.
بالإضافة إلى ضرورة الاهتمام بالترجمة في مجالات أخرى:كالمؤتمرات والمنظمات الدولية وهو مجال يعتمد على الترجمة الفورية وله دور جد حيوي، وقد أصبح المغرب حسب ما جاء في مداخلة الأستاذة فاتحة الطايب منافسا مهما في هذا المجال بحيث استطاع المترجمون المغاربة العمل مع عدة منظمات دولية، كمقر الأمم المتحدة بنيويورك وبمكتب الأمم المتحدة بجنيف وبمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة ومنظمة التعاون الإسلامي فضلا عن القنوات العربية والأجنبية وعدة مؤسسات إقليمية في العالم العربي وأوروبا.فالترجمة الفورية أصبحت حسب الأستاذة فاتحة الطايب موردا للعملة الصعبة ومصدرا من مصادر التنمية، مما يستدعي زيادة الاهتمام بها وتطوير مؤهلات المغاربة في مجال تعلم اللغات من أجل تحقيق إقلاع اقتصادي وتنمية اجتماعية حقيقية، وهو أمر أصبح مهم نظرا للتحولات التي حصلت على مستوى وطرق العمل عن بعد.
أما فيما يخص الترجمة الأدبية، فقد توصلت الدراسة التي قامت بها الأستاذة فاتحة الطايب حول الترجمة الأدبية في المغرب “مسارات ورهانات ” إلى أن المغرب يعد من أكثر البلدان العربية نشاطا في مجال الترجمة إلى جانب لبنان ومصر، ويتصدر بعد سوريا لائحة الترجمة العربية في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية، رغم غياب برامج حكومية ناظمة وداعمة للترجمة في هذا المجال.
وبإمكان المغرب أن يستثمر في مجال الترجمة الأدبية ودعم حركة الترجمة نظرا للكفاءات العالية والمراكز التي يشهد لها بالجودة كدار المركز الثقافي العربي …. وهذا من شأنه حسب الأستاذة فاتحة الطايب أن يخلق فرص شغل جيدة داخل المغرب.
الندوة اختتمت بتكريم عدد من الأسماء الجامعية وفعاليات أخرى بمناسبة اليوم العالمي للمرأة.


الكاتب : مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 18/03/2022