اعتبر ذ عبد الرحمان العمراني رئيس اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بجهة فاس مكناس، في الورشة التي نظمتها اللجنة مؤخرا ، حول واقع النسيج المعماري بالمدن العتيقة والحياة داخلها، «أن الامر يتعلق بحق من حقوق الإنسان، يدخل ضمن اهتمامات المجلس الوطني لحقوق الإنسان، و نقاش هذا الموضوع يتوخى ربط الديناميات الحضرية في المدن العتيقة بالحاجيات المتجددة لسكانها، مضيفا « إنني معتز بالحياة في مدينة حقوقية»، متمنيا «الرفع من جاذبية فضاءات المدن العتيقة وتملك ساكنتها الحق في الحياة بشكل ايجابي واستثمار المخزون اللامادي لها تحقيقا لمتطلبات التنمية بكل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية».
الورشة التفاعلية شارك فيها 40 مشاركا و مشاركة يمثلون العديد من الفعاليات المهتمة بموضوع المدن العتيقة من فاعلين سياسيين ، منتخبين وأساتذة باحثين وسوسيولوجيين وبعض رؤساء جمعيات المجتمع المدني المشتغلة في المجال.
من أجل إعادة الحياة
تحت عنوان « كنوز فاس» قدم ممثل وكالة التنمية الحضرية عرضا حول مشاريع الإنقاذ قائلا «.. إننا عندما نتكلم عن فاس نتكلم عن 12 قرنا وعن 24 كم سورا عتيقا و12 ألف بناية ذات نسيج معماري ترجع إلى القرون الوسطى وعن 11 ألف بناية تاريخية و11 مدرسة عتيقة ومدارس قرآنية عريقة و40 حماما تقليديا و7 مدابغ و117 فندقا عتيقا وحديقة جنان السبيل الأندلسية..» لهذا تعمل الوكالة ، بمساهمة عدد من الشركاء، على المحافظة على ما تزخر به المدينة من تراث معماري و المحافظة على صناعتها التقليدية ، حيث عملت على إعادة الحياة إلى فنادق الشماعين والسطوانيين والبركة والقطانين ، وبأمر من جلالة الملك محمد السادس تمت هيكلة 27 معلمة تاريخية وترميم مجموعة من المدارس المرينية وكذا قنطرة الرصيف والخراشفيين والأبراج ودور الدبغ … مع تدعيم 3660 بناية آيلة للسقوط ودعم المواطنين الراغبين في إصلاح منازلهم على أساس أن يكون المستفيد هو صاحب المشروع ، زيادة على إعداد 8 مواقف للسيارات انطلاقا من مداخل المدينة العتيقة… ، ويتم العمل لإعداد المرشد الاوتوماتيكي بأربع لغات ، وإعادة الحياة إلى ناعورة جنان السبيل ومنظومة مجاري مياه وادي الجواهر المنطلقة نحو دور فاس العتيقة وكذا إنارة المآثر التاريخية وإعادة الاعتبار للمساجد» .
الباحثة ذ نعيمة برادة تحدثت عن تراث فاس انطلاقا من مؤلفها الذي اعتمدت في تأليفه على الذاكرة و التراث الشفوي والاحتكاك بالأجداد ، متطرقة إلى» التعايش بين اليهود والمسلمين وكذا العرب الاندلسيين والتمازج بين الامازيغ الذين لعبوا أدوارا هامة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالمدينة».
الصانع التقليدي وحماية الهوية
عبد الرجيم بلخياط ، المدير الجهوي للصناعة التقليدية ، ركز على «الصانع التقليدي حامي وحامل الهوية»، مشيرا إلى « أنه لايجب الاعتناء بالفضاءات داخل المدن العتيقة فقط، بل يجب التركيز على الإنسان/ الصانع التقليدي وتوفير شروط العيش له من تطبيب وتقاعد ، باعتباره حافظا للذاكرة وحاملا للهوية والتراث، علما بأن 27 في المائة من سكان المدينة العتيقة يشتغلون بالصناعات التقليدية التي تبلغ 200 حرفة …»، متوقفا عند «دور الصانعة التقليدية في إعداد المنتوجات التقليدية من طرز بمختلف أنواعه وخياطة … داخل السكن الخاص، حيث تعد ركيزة أساسية في مختلف الصناعات التقليدية» . وتوقف المتحدث عند أهمية الصناعات التقليدية بفاس كنموذج حي اقتدت به عدد من الدول العربية ، مشددا على حماية بعضها من الاندثار «كصناعة المشط من قرون الماشية وكذا صناعة الإستبرق، اعتمادا على تكوين الشباب والتدرج المهني» ، كما تحدث عن مشاريع إعادة الهيكلة ضمنها «مشروع الحي الصناعي عين النقبي الخاص بالنحاسيات حيث كانت هذه الصناعة تشكل خطرا بيئيا ومشكلا صحيا للسكان»، داعيا المجالس المنتخبة إلى» تنويع الروافد الاقتصادية للمدن العتيقة وسن إعفاءات جبائية تشجيعا للصناع القليديين، واعتماد منظومة الاعتراف بهم «.
عبد العزيز الرغيوي، المديرالجهوي السابق للصناعة التقليدية بفاس ومراكش ومسؤول بمؤسسة محمد الخامس، أوضح «أن مدينة فاس ترفض أن تتحول إلى متحف، فهي تتعايش مع التقدم الحضاري «، مشيرا إلى « أن فاس ومراكش تلتقيان في كثير من الأشياء في طليعتها الصناعة التقليدية، التي عرفت هجرة عدد من الصناع من فاس نحو مراكش ، حيث مارسوا نفس المهن، إذ أصبح عدد المشتغلين بالمهن الحرفية 120000 صانع يمثلون 49 في المائة من الساكنة النشيطة بمراكش.. و لرد الاعتبار للمدينة العتيقة ، تم ترميم الفنادق العتيقة وانجاز مواقف السيارات وترصيف الممرات … كما اهتم الخواص بالنهوض بالرأسمال اللامادي والروحي للثقافة ، وتم تأسيس 1000 دار للضيافة و400 مطعم مصنف داخل المدينة العتيقة مما ساهم في إنعاش مداخيل الصناع التقليديين ، كما انصب الاهتمام بالحرف التي كادت أن تندثر في طليعتها حرفة تقشارت بأمر من المرحوم الحسن الثاني طيب الله ثراه».
ذاكرة المدن العتيقة
خلال مناقشة العروض، أشارت ذ نعيمة لهبيل إلى « العلاقة المتينة بين المدن العتيقة المرتبطة بالذاكرة التاريخية» ، متسائلة «ماذا نريد أن نصلح،؟ وماذا نريد أن نفعل؟ «مستحضرة مؤرخين اهتموا بتاريخ المدن العتيقة ، سواء في المغرب أو في بعض الدول العربية ، ضمنهم د الراحل محمد مزين ، معتبرة أن الاهتمام بالعنصر البشري داخل المدن العتيقة يبقى من الأولويات، وكذا تنمية موارد الصناع التقليديين على اعتبار «أن حرفهم كنوز يجب تثمينها ، باعتبارها الذاكرة الحقيقية للمدن العتيقة» .
الإعلامي عبد الرحيم أريري تحدث عن « التنمية الحضرية بالدار البيضاء» انطلاقا من سنة 2009 ومشكل مدن الصفيح والأحداث الإرهابية التي كان من نتيجتها محاربة مدن الصفيح ، كما تحدث عن المدينة العتيقة وما تعرفه من مشاكل وانهيارات للدور القديمة ، مؤكدا أن الاهتمام بها يعد مدخلا لمصالحة الساكنة مع الذاكرة التاريخية ، معتبرا « أن المسؤول عن الاجرأة هو الفاعل السياسي ، مما يوجب خلق سلالة من السياسيين لها تصورات في هذا الجانب، بالإضافة إلى إشراك جمعيات المجتمع المدني ، علما بأن المسؤول السياسي هو الذي يتحمل مسؤولية تنمية المدن».
وأكد البرلماني عمر الفاسي ، «أن الصناع التقليديين ، هم صانعو الذاكرة الثقافية «، مشيرا إلى إشكالية الحكامة في السياسات العمومية ، ومشاكل تمويل المشاريع المزمع القيام بها، متسائلا عن أسباب عدم إعادة إسكان المواطنين بالمدينة العتيقة بفاس عند إعادة هيكلة بعض المناطق،حتى يظلوا مرتبطين بالمدينة العتيقة ولا يغادرونها في اتجاه الأحياء الجديدة المهيكلة خارج أسوار فاس؟».
وتحدث ياسر جوهر، الرئيس المنتدب للمجلس الجهوي للسياحة، عن دور المستثمرين السياحيين في إنقاذ النسيج المعماري بالمدينة العتيقة وتحويل مئات من الدور الآيلة للسقوط إلى دور للضيافة ، منتقدا عدم تشغيل الفنادق المهيكلة لأن هدفها الأساسي من ذلك هو تقريب السائح من الاطلاع على مراحل إعداد المنتوجات التقليدية وشرائها دون وسيط ، داعيا إلى البحث عن فضاءات للتنشيط السياحي داخل أسوار المدينة العتيقة.
الإنقاذ.. مسؤولية مشتركة
من جهته تحدث د اقديم إبراهيم، نائب رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس عن دور الجامعة في مجال الإنقاذ من خلال البحوث الموضوعاتية التي يقوم بها الأساتذة والطلبة ، مقترحا تفعيل كل الفضاءات والعمل على إنعاشها ، وتفعيل الوضع العقاري للمدينة العتيقة من اجل تنمية مستدامة ، مؤكدا أن الجامعة مستعدة للتعاون المادي مع الصناع التقليديين عبر بحوث الطلبة .
الدكتور عبد الرحيم فيلالي بابا رئيس المجلس البلدي الأسبق، أشار إلى المجهودات الجبارة التي يبذلها جلالة الملك في مجال الإنقاذ ، مقترحا القيام بدراسة شمولية في عدة اختصاصات والاعتناء بالعنصر البشري وإحداث جوائز مادية للإبداع في الصناعة التقليدية «.
ممثلة الوكالة الحضرية بفاس تحدثت عن تصاميم التهيئة المعدة لكل منطقة، مؤكدة «أن النسيج العمراني بالمدينة العتيقة له خصوصيات ولا يمكن الترخيص لبناء عمارات به حفاظا على مميزات فاس العتيقة وطابعها التاريخي «، في حين تحدث ممثل وزارة الثقافة «عن دور المفتشين في مراقبة المعالم التاريخية والاعتناء بها».
حضور جمعيات المجتمع المدني جسده تدخل السيد مكني، من خلال الحديث عن إعادة الهيكلة لقصبة الاوداية بالرباط ، مستعرضا «المجهودات التي قام بها شباب الاوداية انطلاقا من عملهم الجمعوي، حيث سهروا على إحداث شبكة للوادي الحار والقضاء على الأكواخ المتواجدة داخلها وبناء دور تتوفر على مختلف المرافق الصحية مع الاعتناء بمحيط القصبة بإقامة منتزه يعتبر متنفسا للساكنة .» وعن تجربة جمعية اسمير بشمال المغرب ، تحدث د بن عبود عن «إنقاذ النسيج المعماري بتطوان والدور الآيلة للسقوط» حيث طالبت الجمعية «المسؤولين بمراجعة السياسة العامة في التدخل داخل المدن العتيقة» ، و قامت بترميم خمسة منازل آيلة للسقوط والمقبرة الاسلامية والقصبة بتكلفة 100 مليون سنتم، كما ساهمت في تأليف 200 كتاب باللغات الحية من أجل التعريف بالمجالات الأدبية والاجتماعية والاقتصادية للمنطقة الشمالية …
وتساءل زروق عبدالسلام عن جمعيات المجتمع المدني بالعرائش، عن المصالحة مع الذاكرة ؟، مؤكدا «أن العرائش لم تعط لها الإمكانيات المادية للنهوض بها ، ففي محيطها توجد مدينة اللكسوس الأسطورية والتي تبلغ مساحتها 66 هكتارا ، غير انها مازالت مهملة «، مشيرا إلى مساهمة المجتمع المدني في إصلاح كنيسة تاريخية كانت مهددة بالسقوط و8 بيعات، كما قامت الجمعيات بتنقية «الهري» التاريخي سنة 1996 وإخراج 60 طنا من الازبال منه . ليخلص إلى أن « كل المدن العتيقة محاطة بأسوار باستثناء العرائش المنفتحة على محيطها».