فيضانات 8 شتنبر .. تداعيات كارثية على البنية التحتية والمجتمع في طاطا

عكست مدى ضعف الإقليم أمام التغيرات المناخية والمخاطر الطبيعية المتزايدة

هذه الكارثة تؤكد مدى ضعف المناطق النائية أمام التغيرات المناخية والمخاطر البيئية المتزايدة، فضلا عن كون مختلف البنايات تم تشييدها بدون دراسات وافية

شهدت المنطقة فيضانات متكررة على مدار السنوات العشر الماضية، أبرزها في عام 2014، حيث تسببت في خسائر فلاحية
دون وقوع أضرار بشرية كبيرة

يعتبر إقليم طاطا، أحد أقاليم جهة سوس ماسة، يحده من الشمال الغربي كل من إقليم تارودانت وإقليم تزنيت، ومن الجنوب الغربي إقليم آسا الزاك. يمتد الإقليم على مساحة 26 ألف كيلومتر مربع ويبلغ عدد سكانه 117,841 نسمة وفقًا لإحصاء 2014، بمعدل فرد واحد لكل كيلومتر مربع، ما يجعله من الأقاليم قليلة الكثافة السكانية بجهة سوس ماسة التي تعتمد بشكل كبير على الزراعة التقليدية والواحات المسقية بشكل تقليدي.
رغم قلة سكانه، يحتل الإقليم مكانة جغرافية مهمة ويتكون من 16 جماعة وأربع بلديات، إلا أن مناخه القاري يجعله عرضة بشكل مستمر للكوارث الطبيعية صيفا وشتاء مثل الفيضانات وانجراف التربة. فعلى مستوى الأضرار لم تسجل على مستوى الإقليم إلا في المنشآت الطرقية ( جرف قنطرة مدخل بلدية فم زكيد مثلا) والممرات الفلاحية والطرقية دون جرف البشر.

 

شكّلت جماعة تمنارت الاستثناء، التي كانت الأكثر تضررا من الفيضانات، وهي التي يبلغ عدد سكانها 6,190 نسمة وتغطي مساحة 4,362 كيلومتر مربع. تقع هذه الجماعة في منطقة جبلية هشّة الطبوغرافيا، حيث تلتقي الأودية، مما يزيد من تعرضها للمخاطر البيئية. يحدها شمالا جماعة إغير أفلا بإقليم تزنيت، وجنوبا جماعة فم الحصن، وغربا جماعتي أداي وأمتضي بإقليم كلميم، وشرقا جماعة أيت وابلي. هذه الطبيعة الجغرافية تزيد من تعرضها لمخاطر مثل زحف الرمال، الحرائق، والفيضانات، وقد شهدت المنطقة فيضانات متكررة على مدار السنوات العشر الماضية، أبرزها في عام 2014، حيث تسببت في خسائر فلاحية دون وقوع أضرار بشرية كبيرة.

صباح استثنائي بـ «سموكن»

عكس السابق، فقد استيقظت منطقة سموكن التابعة لجماعة تمنارت بإقليم طاطا صباح يوم 8 شتنبر 2024، على كارثة طبيعية غير مسبوقة، إذ اجتاحت فيضانات مدمرة القرى والمزارع، وبصفة خاصة دواوير سموكن السياحية، أكردا، وإكمير، محدثة دمارا شاملا وتسببت في خسائر بشرية ومادية فادحة. فيضانات لم تكن مجرد حدث عرضي، بل هي نتيجة مباشرة لتدهور البنية التحتية ( الطبقات التكتونية االتي زعزعها الانجراف القوي) في المناطق الهشة من الجنوب الشرقي المغربي، حيث لم يتم اتخاذ تدابير وقائية كافية رغم التحذيرات المتكررة. وتأتي هذه الكارثة لتؤكد مدى ضعف المناطق النائية أمام التغيرات المناخية والمخاطر البيئية المتزايدة، فضلا عن كون مختلف البنايات تم تشييدها بدون دراسات وافية أخذا بتدبير المخاطر بمثل هذه المجالات الجبلية. مما يطرح تساؤلات ملحة حول الجهود اللازمة لحماية هذه المجتمعات من التهديدات المتكررة.

سيول جارفة

كانت فيضانات هذه السنة أكثر دمارا، فقد جرفت السيول أكثر من 7 منازل في مناطق مرتفعة، ووحدة مدرسية، كما أتت على الواحات التي كانت تشكل مصدرا رئيسيا للعيش، ودمرت الأغراس، الخطارات، والعيون التي كانت تروي المزارع، مما حول المنطقة من واحة خضراء إلى أرض جرداء. وإضافة إلى ذلك، قُطِعت الطرق المؤدية إلى مركز الإقليم عبر مركز الجماعة، وكذلك الطرق التي تربط هذه الدواوير بجماعة أيت وافقا بتافراوت على مسافة 102 كيلومتر، مما جعل العزلة المفروضة على السكان أكثر تفاقما، إذ زادت من صعوبة وصول المساعدات إلى المنطقة، سواء من طرف السلطات الإقليمية أوالجهوية التي شمرت عن السواعد من أجل تعويض الضرر المادي بالتواجد والتقرب من مختلف المتضررين، وإشعارهم بالوطنية غير المحدودة جغرافيا أو إداريا أو مجاليا. أو من طرف جالية سكان دواوير سموكن وتمنارت عموما المعروفة بالتعاون والتآزر الدائم اتجاه منطقتهم خاصة والإقليم عامة.

خسائر بشرية

كشفت لمعطيات الميدانية المتداولة انه تم فقدان 15 شخصا، من بينهم شخص وافد جرفت السيول سيارته (بيكوب)، وإلى حدود يوم 10-09-2024 في الساعة التاسعة والنصف ليلا، كانت سلطات الإقليم ومسؤول الصحة بالإقليم بمستشفى طاطا المركزي منكبون ومنشغلون بإجراءات إرسال الجثت السبع المنتشلة لدفنها في مجالات ذويها ) 6 منها ستدفن في تمنارت وواحدة لفقيه في دوار إكمير)، ليبقى عدد المفقودين 3 بعد انتشال 11 زائد الوافد.
ورغم الجهود المكثفة التي تبذلها السلطات المحلية والإقليمية (العامل)، والجهوية (الوالي) للبحث عن المفقودين وتقديم المساعدة، إلا أن الطبيعة الوعرة للمنطقة وتدمير البنية التحتية أعاقت عمليات الإنقاذ بشكل كبير.
وعكست هذه الفيضانات الكارثية مدى ضعف الإقليم أمام التغيرات المناخية والمخاطر الطبيعية المتزايدة، إذ ورغم الجهود المبذولة من قبل السلطات المحلية، إلا أن حجم الكارثة يتطلب تدابير أكثر جدية لتعزيز البنية التحتية وتنفيذ استراتيجيات وقائية تهدف إلى حماية سكان هذه المجالات من الكوارث المستقبلية. ( جغرافية الإقليم جد شاسعة وتتطلب مزيد الجهد من مختلف الدوائر المركزية بمختلف القطاعات تسهيلا لمسؤولية التدبير والتسيير القطاعي بالإقليم).

«تمنارت» .. وما بعد الأزمة

تعتبر جماعة تمنارت (الموضوع)، كغيرها من جماعات المغرب، جماعة تواقة إلى التفاعل مع مواطنيها على أساس الشعوربالمساواة ونفس التكافؤ الواضح اتجاه مختلف أرجاء الوطن، بمراعاة أصحاب الوضع الاكثر هشاشة أو الأكثر حرمانا، تكون فيه البنية التقنية والبنية السياسية تعمل برؤية واقعية، مسلحة بنظرة سوسيولوجية مزدوجة اتجاه المجتمع ( نظرة العلم الآخدة بعين الاعتبار الواقع الإنساني المطلوب تحويله ). نظرة فاحصة للواقع وبذل مجهود لفهم أسس التعاون المبني على جسم وتفكيرجماعي وطني كفيل بحمل المشروع المجتمعي القادر على قطع المسافات البعيدة بحرية واستقلالية.
وتأسيسا على ماسبق حاولنا الكتابة على ظاهرة نكبة تمنارت بطاطا، بمحاولة سبر أغوار العلاقة الجدلية بين الكوارث الطبيعية والإنسان، وذلك باستثمار المخزون الثقافي السوسيولوجي والأنثربولوجي لإنسان المغرب وإنسان مغرب الجنوب الشرقي (طاطا) خصوصا، من حيث محاولة التعاطي، لمختلف الكوارث الطبيعية التي عاشها مجال تمنارت طيلة هذا الاسبوع، لتحليل مختلف التمثلات الشعبية والمؤسساتية: ذهنيات و تعابير تحجب العقل عن فهم مختل، فالتضاريس ( كسلسلة الإهتزازات الإرتجاجية المتتالية التي تتعرض لها البسيطة من حين لآخر) والجيولوجية مثل ( تحرك الصفائح جراء السيول القوية الشبيهة بالزلزال السطحي والباطني).
وانطلاقا من كون الإنسان مرتكز التحرك والانعتاق، فإنه من المفترض الارتكاز على الإنسان بتمنارت «خاصة» بقدراته الخلاقة وطاقاته المتفجرة المصاحبة بغرس الطموح والطمأنينة، في أفق بناء إنسان في استطاعته رفع التحدي على الطبيعة المادية. إنسان طامح وقادر على تجاوز الأزمة نحو أفق ومستقبل أفضل.

إنسان الواحة والجبل

إن الإنسان المغربي عامة، وإنسان الواحة أو الجبل لديه خصوصيات مميزة، حيث روابط علائقية بين الإنسان والحيوانات والنبات، وبين الكائنات الحية والوسط الذي توجد فيه، إذ أن الوسط الجديد المفروز يصبح مؤثرا في أنماط الغذاء والسلوك، وبالتالي يصبح «الوسط» موضوعا للفعل والتفاعل البشري والاجتماعي.
فعل وتفاعل من أجل تحكيم وتدبير أدوات السيطرة التقنية والتكنولوجية على المجال، حماية للذات من قوة الطبيعة أو بلورة اجتهادات واستكشافات هادفة للمنفعة وتلبية الحاجات الفيزيولوجية الأولية. على الأقل في وضعية الضنك والمسغبة الناتجة عن الكارثة (الفيضانات). هذا الارتباط يعبر عنه من حيث الاختصاص بالحس المشترك النابع من علائق ساكنة مجال تمنارت، لأنه من الخطأ «أن نختزال المعرفة العلمية في حدود أداتية، مرتبطة بتلبية الحاجة ،أو الاستجابة لشروط التحول في التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية دون اعتبار الطبيعة في حالة حركة وتغير دائم، وتجدد وتطور مستمر؛ والتطور ينتقل من التغيرات الكمية التي لا دلالة لها، إلى تغيرات نوعية وجذرية بصفة كلية وفجائية.

آلام متعددة

لقد تضرر السكان إثر هذه الواقعة، وعمّ الخصاص جميع مناحي الحياة بمجال هذه الدواوير المنكوبة بتمنارت، سواء على المستوى الاجتماعي، أو الاقتصادي وبمعنى الأنثروبولوجي، حيث مسّ الألم جميع مفاصل الحياة الإنسانية. لقد جعل خروج الساكنة من منازلها المنهارة أو الآيلة للسقوط من أجل المبيت في العراء تعيش حالة عدم الاستقرار، والشعور بنوع من الشتات، نتيجة العادة غير المألوفة، فضلا عن الخوف من تعرضهم و»أبناؤهم خاصة» للهجوم من طرف الكلاب أو الوحيش المفترس بهذه المنطقة الجبلية، وخاصة بالليل. كما أن انخفاض واقتراب فصل البرد، يضاعف من معاناتهم ويضاعف من ثقل المعاناة وعدم الاحساس بالطمأنية.
آلام ومعاناة المواطنين هنا، ينضاف إليهما الوضع النفسي للأطفال الذين يعانون من الصدمة نتيجة غياب آبائهم أو أحد أقربائهم، أو بسبب ما رأوه من سقوط منازلهم وفقدانهم لكراسيهم الدراسية، وإلى جانب ذلك هنا ما يتعلق بالوضع الاقتصادي المتأزم نتيجة لضياع المحلات التجارية وضياع ماشيتهم وبهائهم ودوابهم (كون المنطقة جبلية).
مظاهر مؤلمة تتفاقم حدتها لتشمل الوضع الصحي والبيئي وانتشار النفايات المنزلية بجانب الخيم، مايشكل خطرا على صحة المواطن، وغياب المرافق الصحية، علما بأن هذا كله يسبب انتشار الأوبئة، مما يستدعي أمام هذه الوضعية المزيد من التفكير في توفير ظروف السكن المؤقتة للمتضررين. ونظرا لثقل المنطق التدبيري الذي من المحتمل بطأه حول إعادة الإعمار من بناء ومسكن وإيواء فمن المحتمل أن أغلب السكان المتضررين سيهاجرون عند أهاليهم في االدواوير المجاورة سواء بتفراوت أوتزنيت أو تمنارت أو المدن أخرى.


الكاتب : محمد جاج

  

بتاريخ : 12/09/2024