قافلة من خنيفرة نحو السمارة والعيون لصلة الرحم واستنطاق التاريخ والتفاعل مع الفعاليات المحلية

 

بمشاركة 20 فردا من مختلف الأطياف والميادين، الاقتصادية منها والإعلامية والجمعوية والمهنية والحرفية والتعليمية والشبابية، انطلقت قافلة من مدينة خنيفرة نحو إقليمي السمارة والعيون بالأقاليم الجنوبية الصحراوية للمملكة المغربية، تحت يافطة «منظمة جمع شمل الصحراويين الملكيين عبر العالم»، وعرفت هذه القافلة استقبالات حارة على طول الطريق الممتدة على مسافة 1400 كيلومتر، وأحرها الاستقبال الذي حظيت به بمدخل مدينة السمارة من جانب فاعلين محليين من أبناء الصحراء المغربية، وبينهم من تربطهم علاقة عمومة مع بعض المشاركين في القافلة، في إشارة واضحة للدم الواحد الذي يجري في عروق المغاربة من طنجة إلى الكويرة.
وبقلب السمارة، أو «السمارة العالمة»، كما يحلو لأهاليها تسميتها، والمتكونة من جماعة حضرية واحدة، وخمس جماعات قروية، سجل المشاركون حجم الموروث التاريخي والأركيولوجي، وكذا المؤهلات الثقافية والطبيعية والاقتصادية بهذه المدينة العريقة، والتجربة التنموية التي ترجمتها الأرقام والمبادرات والمشاريع المهيكلة، والبرامج الاقتصادية والاجتماعية والبنيات التحتية، وكان لأعضاء القافلة لقاءً رسمي مع عامل إقليم السمارة الذي استقبلهم استقبالا حارا دام أزيد من ساعتين، وكان مرفوقا برئيسي المجلسين الاقليمي والبلدي، والكاتب العام للعمالة وبعض المنتخبين، قبل قيام وفد القافلة بتسليم هدايا رمزية من الصناعة الزيانية.
وعلى خلفية ما تكتسيه مدينة السمارة من مكانة بارزة في تاريخ المغرب، باعتبارها نقطة استراتيجية، وجسرا بين الشمال والجنوب، والتي اتخذها السلطان مولاي الحسن الأول معقلا للجهاد، وقاعدة خلفية لمواجهة المعتدين على المناطق الجنوبية، وبعده السلطان مولاي عبد العزيز الذي ساهم في جعلها مركزا للإشعاع الديني، تميز اللقاء بجو من النقاش المثمر، تقدم فيه أعضاء القافلة بكلماتهم، دون أن يفوت عامل الإقليم استعراض ما تم وسيتم إنجازه من مشاريع تنموية، بينما أبرز كل من رئيسي المجلسين البلدي والإقليمي عمق الأصول التاريخية التي تميز مدينة السمارة، وارتباط شيوخها بباقي الشيوخ والأولياء المنتشرين عبر المناطق الداخلية للمملكة.
وسجل أعضاء القافلة الأصول المحتملة لاسم «السمارة»، ومن ذلك تواجد نبات «السمار» على طول وادي سلوان، إلى جانب تسميات أخرى مثل «الصمارة» و»السميراء»، بينما سجلوا تاريخ المقاومة الباسلة بزعامة قبائل: «الرقيبات»، وأصل أهالي هذه القبائل، وكيف ينحدرون من الشيخ أحمد الركيبي الذي عاش في منطقة الساقية الحمراء  في القرن السادس عشر، فضلا عن صحة ما يؤكد أن جدهم أحمد الركيبي ينتسب إلى عبد السلام بن مشيش أو لقبائل صنهاجة الأمازيغية، في حين تمت الإشارة إلى ما عرفته المنطقة من نزاعات ومعارك، ومن هجومات متوحشة لم تثنيهم عن تعلقهم بمغربيتهم.
وبينما تزامنت زيارة «القافلة الخنيفرية» مع معرض للصناعة التقليدية، المنظم في إطار احتفالات الذكرى 47 للمسيرة الخضراء، حرص المشاركون فيها على حضور الافتتاح الرسمي لهذا المعرض بساحة المسجد الكبير، في حضور عامل الإقليم وعدة مسؤولين سياسيين وعسكريين ومنتخبين، تحت شعار «الصناعة التقليدية موروث أصيل في خدمة التنمية»، وذلك بمشاركة 45 عارضا من جمعيات وتعاونيات تنتمي لجهات العيون الساقية الحمراء وكلميم واد نون وأكادير إداوتنان، قاموا فيها بعرض عدة منتجات وصناعات وفنون وابداعات تقليدية، فيما عرفت المناسبة توزيع مجموعة من المعدات التقنية على عدد كبير من الصناع والحرفيين.
وقبل توديع أعضاء وفد القافلة لمدينة السمارة، تمت دعوتهم لحفل عشاء أقيم تحت خيمة صحراوية أصيلة، نصبت على تراب النفوذ المجالي لأمكالة، وقد تم إعدادها لتكون مثاليةً تحت سماء ليلية صافية، وأمام نار موقدة على طريقة تقاليد عيش الأجداد، وذلك في حضور عامل الإقليم وشخصيات عسكرية ومدنية، وفعاليات محلية، إلى جانب مشاركين في قافلة طبية متعددة التخصصات حلت بالمدينة لتقديم خدماتها للساكنة ونزلاء سجنها المحلي، حيث عاش الجميع لحظة ممتعة تميزت بحفل غنائي حساني جميل، وبكلمة عاملية أشارت لظاهرة نيازك المنطقة، ولطابع بريدي تم إصداره بمناسبة ذكرى المسيرة وبمشروع طريق نحو موريتانيا.
ومن خلال اللقاءات والمبادلات الفكرية، لم يفت بعض أعضاء القافلة اقتراح التفكير في صيغ ملائمة لعقد اتفاقيات شراكة مع جمعيات محلية، وفي تعزيز النسخة المقبلة من القافلة بمستثمرين ورجال أعمال وفاعلين في مجال السياحة، وأمام الصيت الذي أحدثته القافلة، بادرت الإذاعة الأمازيغية الجهوية إلى ربط الاتصال بإعلاميين مشاركين في القافلة لوضع الرأي العام في أهداف وبرنامج هذه القافلة، ليتم توديع السمارة في اليوم الموالي بحفل رمزي جمع فرعي منظمة جمع شمل الصحراويين، لخنيفرة والسمارة، جرى خلاله تبادل الهدايا والشكر على غرار باقي المحطات التي ضمنتها القافلة في برنامجها المسطر.
ومن السمارة إلى العيون، كبرى حواضر مدن الصحراء المغربية، والتي عرفت تطورا بشريا وعمرانيا وتنمويا كبيرا منذ تحريرها من الاستعمار الإسباني سنة 1975، تاريخ المسيرة الخضراء، حين انتقلت من مجرد ثكنة عسكرية أسسها المستعمر الإسباني عام 1928، إلى أكبر مدينة في الصحراء المغربية، حيث اطلع فيها وفد القافلة على ما عرفته من تطور متسارع ومن جهود استثمارية كبيرة وأوراش مفتوحة ومؤهلات سياحية، وشوارع وبنايات حديثة ومرافق اجتماعية ورياضية وثقافية، وأماكن للتسوق وفنادق كبرى، ومن شوارع وأسواق معروفة بحركيتها التي لا تتوقف إلا في ساعات متأخرة من الليل.
هنا بمدينة العيون، وجد أعضاء «قافلة خنيفرة» عدة استقبالات حارة من لدن المجتمع المدني وأبناء العمومة، وعدة لقاءات وحوارات، فيما حرصوا على مشاركة أبناء المدينة احتفالات المملكة بالذكرى 47 للمسيرة الخضراء، من خلال حضورهم جميعا بساحة المشور التي شهدت أجواء احتفالية غير مسبوقة، تميزت بفرق غنائية من الفن المحلي الأصيل، وأهازيج وزغاريد، وغطاء بالأعلام المغربية، وسجلت حضور عامل الإقليم ووالي الجهة وشخصيات عسكرية ومدنية، ورؤساء المصالح الخارجية، إلى جانب القناصلة الممثلين للبلدان العربية والإفريقية والأجنبية التي فتحت قنصلياتها بمدينة العيون.
وتميزت «احتفالات المسيرة» هذه السنة بتظاهرة نصف ماراطون العيون، في دورته الثانية والعشرين، المنظمة من طرف جمعية شباب الساقية الحمراء لألعاب القوى، تحت رعاية جلالة الملك محمد السادس، وبدعم من ولاية جهة العيون – الساقية الحمراء والمجلس الجهوي والمجلس الإقليمي للعيون وجماعتي العيون والمرسى ووكالة الجنوب وفوسبوكراع، وعدد من الشركاء والداعمين، وجرى الماراطون بمشاركة حوالي 8000 عداءة وعداء من مختلف الأعمار والأجناس، من إثيوبيا وكينيا وإريتيريا وفرنسا وإسبانيا والسنغال وجزر القمر والغابون وساحل العاج وأوغندا والبحرين وجنوب إفريقيا، إلى جانب أبرز العدائين المغاربة.
واختتمت التظاهرة الرياضية بفوز العداء المغربي، محمد لبيباط، بعد تمكنه من قطع مسافة السباق في ظرف 1 س  و2 د، متبوعا بالعداء البحريني شيروبن ابراهام في المرتبة الثانية فيما حل الكيني كيموتاي ويسلي كيبكموا في المرتبة الثالثة، مقابل فئة الإناث التي تمكنت فيها العداءة الكينية، جبكوجيباسكاليا، من الفوز بعدما قطعت مسافة السباق في ظرف 1س و10 د و59 ث، متبوعة بمواطنتها لونغاريغلادايزشيروب في المرتبة الثانية، بينما احتلت العداءة المغربية رقية الموهين المرتبة الثالثة، مع الإشارة إلى أن نصف ماراطون العيون معترف به من الجمعية الدولية للماراطون والسباقات على الطريق المعترف بها لدى الاتحاد الدولي لألعاب القوى.
وخلال ذلك حضر وفد القافلة «قصر المؤتمرات» بالعيون حيث حظي الموسيقار والفنان المغربي عبد الوهاب الدكالي، في ذات اليوم، بتكريم خاص من طرف جهة العيون الساقية الحمراء، وبعد تقدمه بكلمة على هامش المناسبة، قدم كشكولا من أغانيه الخالدة وألحانه العريقة التي تفاعل معها الحضور الوازن بشكل راق، وفي جو متشبع بالوطنية، ذلك قبل تسليمه هدايا جميلة من إبداع الصناعة المحلية، لينتقل بالجميع إلى حفل توقيع سيرته الذاتية: «شيء من حياتي»، كما تم تكريم فعاليات ساهمت في تنمية وازدهار الأقاليم الجنوبية، بينهم محمد الإمام ماء العينين بوصفه رجل أعمال ساهم في الحركة الاقتصادية بالجنوب .
وبالنظر للدور الذي لعبته الزوايا الصوفية في بناء تاريخ المغرب وتحديد الملامح العامة للأقاليم الصحراوية، استجاب أعضاء القافلة لدعوة زيارة زاوية الولي الصالح الشيخ سيدي أحمد العروسي، على بعد 30 كلم من مدينة السمارة، والواقعة على مشارف وادي الساقية الحمراء، وذلك لكون شيخها من شيوخ عصره في العالم الصوفي، ومن الأولياء الصالحين في القرن العاشر الهجري، وقد تزامن حضور أعضاء القافلة مع الحفل الديني الذي أقامه العروسيون بمناسبة تلقي زاويتهم لهبة ملكية، وبعده انتقل الجميع لزيارة خاصة لضريح الشيخ سيدي أحمد العروسي حيث تابع الجميع شروحات حول سيرة وكرامات الشيخ الولي ومن معه من المدفونين بالضريح.
ووقف وفد القافلة على بعض أسماء ومواقع الزوايا التي ذاع صيتها، ولا تقل عن زاوية الشيخ سيدي أحمد لعروسي، زاوية أولاد تيدرارين، زاوية الشيخ سيد أحمد موسى، زاوية الشيخ ماء العينين، زاوية الشيخ سيد أحمد الركيبي وغيرها، كما التقوا بعدد من المنحدرين من قبيلة أولادتيدرارين الذين تحدثوا عن جدهم والأب الكبير لهذه القبيلة حنين بن سرحان بن عبد الوليد بن الحسن بن محمد بن كلي بن أبي دجانة الأنصاري الخزرجي، وجده كان من ضمن الفاتحين الذين قدموا مع عقبة بن نافع في حملته الأولى سنة 662 ميلادية، وقد عرفت القبيلة في كتب التاريخ بأسماء متعددة منها أبناء اعز وهو ابويعزى بن إبراهيم بن حنين أو مولاي بوعزى المغربي.
من اللحظات المؤثرة التي سجلتها القافلة، حدثت بعد تمكن أحد أعضاء القافلة من التعرف على قبر والده، بفضل أحد المسنين من أبناء الصحراء، والذي توفي خلال أوائل الثمانينيات، حيث لم يتخلف كافة أعضاء القافلة عن مرافقة زميلهم لزيارة القبر في خشوع دامع ومهيب، ذلك قبل اختتام برنامج القافلة، وبداية عودتها لقلعتها الحمراء بالأطلس المتوسط، وفي طريق عودتها تم استقبالها في ضيافة مقر جمعية القاضي عياض بتزنيت من طرف جمعية بيت الأنصار اولاد تيدرارين للتنمية والتواصل، وتم تتويج الاستقبال بقراءات قرآنية ومأدبة عشاء ونقاشات، ثم بتبادل عدد من الهدايا وتسليم شهادات تقديرية.


الكاتب : أحمد بيضي

  

بتاريخ : 16/11/2022