قراءة في ديوان «النار وحرقة الغرام» للزجال المغربي عزيز زوكار

نسعى في هذه الورقة البسيطة إلى تقديم قراءة في ديوان الزجال المغربي عزيز زوكار؛ من خلال الوقوف على المضامين الواردة في الديوان مبرزين أبعادها الفلسفية والاجتماعية. فمن هو عزيز زوكار؟ وماذا أراد أن يتقاسم معنا من خلال هذا الديوان؟ ما هي الرسائل التي بثها في عمله الإبداعي؟
التعريف بالمؤلف
عزيز زوكار المبدع المتعدد الأبعاد، الذي استطاع أن يحفر اسمه في مجالات مختلفة، فهو باحث في مجال الأدب، كاتب ومخرج مسرحي إلى جانب اهتمامه بالعمل الجمعوي، فهو عضو المكتب الوطني لجمعية الشعلة للتربية والثقافة، ومنسق شعبة الثقافة بالجمعية نفسها، منشط متعاون مع مجموعة من المؤسسات في مجال الطفولة مثل : مندوبية وزارة الشباب والرياضة، إلى جانب العديد من مؤسسات المجتمع المدني.
صدرت له مجموعة من الأعمال الأدبية والنقدية:
• في مجال المسرح: صلب يحي/صمت الصقور/رقصة شبح/اغتصاب ليلة ولادة الدجال/ العولمة والقيامة/سفر
• في مجال الشعر الفصيح: مرايا العري/أزرار قبل الانفجار
• في الزجل: النار وحرقة الغرام.
• في النقد: مسرح الطفل التجريب والتأصيل.

غلاف الديوان

صورة غلاف الديوان لوحة للفنان التشكيلي المغربي شفيق الزكاري ؛ الذي يقول بخصوص هذا العمل الإبداعي “تلك اللوحة تعد جزءا من تجربة تدخل ضمن اهتماماتي بالجسد منذ أوائل الثمانينات بمعنى أنها نموذج سجلت به حضوري في المشهد التشكيلي كتشكيلي اهتم من الأوائل في هذا المجال صحبة الفنانين أمثال نور الدين فاتحي وعبد الكريم الأزهر وغيرهما قليل. لماذا هذا الاهتمام؟ لأن المرحلة كانت تدعو لذلك موازاة مع ما يجري في العالم من تحولات على المستوى الثقافي والاجتماعي وحتى السياسي. مما دفعني لأن أغير اتجاهي من التجريد مع الخط العربي إلى التشخيص الذي اعتبرته الأقرب تعبيريا لهذه المرحلة في شموليتها فكان الجسد صرخة ضد كل أنواع التهميش في العالم بصوت إنساني متمرد على تلك الوضعية التي تفاقمت في أيامنا الحالية خاصة مع ما تتعرض له غزة من إبادة جماعية من طرف القوى الظلامية التي تتمثل في الصهيونية بمعية من الولايات المتحدة الأمريكية. وبما أن ديوان الصديق الزجال والشاعر عزيز زوكار يحمل في طياته وخباياه معاناة من جنس خاص وعميق حاولت أن ألخصها في ذلك الجسد المنفلت من السيطرة كثائر على الاستبداد والقهر”.
في إلزامية الاحتفاء بالإبداع والمبدعين
عندما طلب مني الزميل الأستاذ عزيز زوكار، المشاركة في حفل توقيع ديوانه، لم أتردد لثانية واحدة
أولاً: لأنني عرفت الرجل مؤطراً ومناضلاً ومنخرطاً في قضايا الشأن العام، إلى جانب كونه إنساناً مبدعاً منذ أن كنت طالباً بسلك الإجازة.
ثانياً: لكوني أحسست بالفخر للمشاركة في حفل الاحتفاء بهذا الرجل المناضل والشاعر والمربي الذي ” نقل تطوان إلى باقي مدن المغرب، ونقل باقي مدن المغرب إلى تطوان”، خاصة من خلال نشاطه داخل جمعية الشعلة.

نظرة على عنوان الديوان

ديوان النار وحرقة الغرام: في تقديري الخاص يعكس تجربة انسان اكتوى بنار الغرام، الذي من أبرز ملامحه: حب الوطن/الوله بالأصالة/الدفاع عن القيم الإنسانية النبيلة/ الاحتفاء بالحب/ التغني بالمرأة/ نشدان مجتمع العدالة، مجتمع الوفرة…الذي يتمتع فيه المرء بكامل حقوق المواطنة.
إنه ديوان يعكس تجربة إنسان قرر اقتحام جدار الصمت للكشف عن عشقه للمرأة رغم إحباطات فتاوى رجال الدين، وللتعبير عن ولهه بالوطن الذي تحرقه مكائد السياسيين؛ فهو العاشق للحياة المكبل بسلاسل الفقر والخداع والظلم والنفاق لم يعد يمتلك سوى جرأة الكلمة لتخطى جدار الصمت.
النار وحرقة الغرام: قصائد متحت من جماليات المثل الشعبي وإيقاعات شيوخ النظم في تناص يشي بعمق معاناة الإنسان، وإفصاح عن لواعج تجتاح دواخله من وضع سياسي واجتماعي مزر وحارق متأجج يلتهم الأخضر واليابس، ومن انهيار عاطفي سقطت فيه منظومة القيم، في آهات مكبوتة، وعشق ناري ممتزج بإدانة ضمنية لواقع الفساد والخيانة، هو انعكاس لعشق العامة وأوجاعهم وإدانتهم لأسباب ومسببات واقعهم المأسوي؛ حيث أثار العمل مجموعة من الأسئلة الفلسفية، كسؤال الوجود، وسؤال القيم، وسؤال العدالة، وهو بهذا المعنى يحاول أن يجد بعض الأجوبة للأسئلة التي تؤرقه، لا سيما وأن السؤال”فعل لساني يتمثل في طلب يطرحه السائل للاستعلام والاستفهام أو للتبيين والتعريف ويسمى سؤال المعرفة”. بحكم أن طارحه يسعى إلى ملئ الفراغ الذي يعيشه بمجموعة من الأفكار، التي من شأنها أن تساعده على تخطي وضعية التأرجح والتناقض، تجاوز حالة الحيرة من خلال اكتساب معرفة معقولة ومقبولة.

عن الفلسفة والزجل

يقول محمد حسنين هيكل ” فلكي يكشف الأديب للناس عما في الحياة من حق وجميل وليؤدي الرسالة العظيمة الملقاة على أدباء العصور جميعاً، ينبغي أن يتغذى ما استطاع من ورد الفلسفة ومن ورد العلم”، وغيرهما من الحقوق المعرفية المنهجسة بسؤال الإنسان.وهو ما نجده حاضراً في متن هذا الديوان، الذي استند فيه الشاعر إلى خلفية فسلفية مهمة تتمثل في الفلسفة الوجودية وفي الفلسفة الماركسية كذلك، وسيجد القارئ مجموعة من الملامح التي تعينه على إدراك مدى حضور هاته المرجعية الفلسفية.
فالشعراء لا يفتأون يُسائلون الوجود الإنساني ويشككون في بداهته ويعبرون عن قلقهم وحيرتهم أمام الوضع القائم في مستوياته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية… ونظراً لفاعلية وشرطية السؤال كانت الأسئلة-خاصة في مجال الفلسفة- أكثر أهمية من الأجوبة كما قال كارل ياسبرز، على اعتبار أن كل جواب يتحول بدوره إلى سؤال جديد. وفي حالة الزجال عزيز زوكار، فإن الدافع الأساس لطرح الأسئلة الفلسفية هو إبراز التناقض والمفارقات الصارخة التي يعرفها المجتمع الحالي)…(، فلا شك أن الرجل يشعر بالحرج ويعيش تجربة الحيرة وتطوقه العديد من الهواجس أمام الوضع المعيشي القائم، إزاء الحياة الحديثة)العولمة( في شموليتها، التي يحيا في سياقها الإنسان إشكالات مركبة، وفي طليعتها مسألة القيم التي وقعت في أزمة عميقة)من ملامحها :الأنانية/ الكذب/ المزاحمة…(، أرخت بضلالها على طبيعة العلاقات القائمة بين أفراد المجتمع.

نظرة على متن الديوان

يحتوي متن هذا الديوان على تسعة عشرة قصيدة مترابطة فيما بينها من حيث الموضوع والبناء صور فيها الشاعر الحياة في شكل تجربة أليمة وحُرقة من ملامحها انتشار الفقر، وإدانة المشاعر، انتشار النفاق، ارتفاع الأسعار، غياب الرعاية الصحية…إلى غير ذلك من الظواهر التي تحط من كرامة الإنسان وتقلل من قيمته. ومن بين القصائد التي يتكون منها العمل نجد القصيدة الافتتاحية المعنونة بــــ:
1. شهقة الغرام: الغير مرآة للأنا: حضور مرجعية فلسفية تتمثل في فلسفة سارتر/ الغرام كمبدأ مؤسس للعلاقة بين الناس.
2. الشوفة: آش قالو أهل الفتوى؟تتناسل أسئلة الزجال في هذه القصيدة في محاولة منه لإبراز إحراجات العقل الفقهي والرقابة التي يضعها على المشاعر الإنسانية النبيلة بما في ذلك تجريمه للحواس؛ حيث تناول الزجال بشكل شعري جمالي مسألة النظر إلى المرأة بين التحريم والإباحة، منتفضاً في وجه الفقهاء بالقول: واش هاذ الشي حرام؟
3.  وراق راشية: قصيدة عميقة رسم فيها الشاعر ملامح مجتمع مر من مراحل متعددة الخيط الناظم لها هو ” أزمة القيم وانحطاطها”:
أولا: مرحلة السيبة وما يميزها من صراع دموي)حقد، ضعينة، حسد، نفاق…(
ثانياً: مرحلة الدولة، والتي رغم أن قيامها يرتبط بوجود مؤسسات علانية من المفروض أن تكون من نتائج الاتفاق والتعاقد إلا أنها مع ذلك تتسم بمجموعة من النقائص من أبرز ملامحها القمع، والحصار والمراقبة )مخزن، بوليس، سربيس، شرطة(.
ثالثاً: ما يمكن أن أسميه المرحلة المأمولة أو ما ينشد الزجال تحقيقه على أرض الواقع) مجتمع العدالة /مجتمع الوفرة(.
رابعا: مرحلة الاصطدام بالواقع المر والعمل على تشخيصه من خلال نقد الممارسة السياسة.
1. دواري: تشخيص واقع الدوار بين الماضي والحاضر/ الوقوف على ثنائية الأصالة والمعاصرة/ ثنائية الوفرة والندرة/ رصد التغيير الاجتماعي الذي مس العالم القروي) تغيير نمط العيش، القيمة المادية لحفلات الزفاف…(. “العرس بجوق وميكروفون والعريس الله يكون في العون”.
2. خفت نهجرك: تجربة الخوف المركب من الذات /ومن المجتمع / من القدر/ الخوف من الفقد؛ وهي بعض ملامح حرقة الغرام التي يوحي إليها عنوان الديوان.
3. حجاب: الحجاب بين الإخفاء والكشف
4. السبيطار:: تشخيص واقع الطب في المجتمع من خلال:
أولا: وصف تجربة الشاعر وهو يرفض اللجوء إلى الطب الشعبي قصد العلاج )رفضت الزيت والعسل مريوتة والسحتر…(
ثانياً: الاستنجاد بالطب العصري: وصف حالة المرضى في المستشفى: انتظار وترقب/تماطل تسويف / تحول المستشفى من مكان للعلاج إلى مكان للإصابة بأمراض جديدة) أمراض نفسية: قلق، اضطراب(.
نقد وضع المؤسسات الصحية: “السبيطار عنوان لسياسة مريضة المريض فيها سلعة”.
ثالثا: الرجوع إلى نقطة البداية: العلاج برضات الوالدين ومريوتة والسحتر والزيت والعسل.
1. لغا الغرام فجمعة ما كان حرام
2. فدان الزغبي: الماكلة فيه النعلةفيه
3. كيف جيتي: تصوير مجموعة من الطابوهات : معاداة المجتمع للمشاعر النبيلة / ثنائية الحلال والحرام
تصوير واقع مجتمع المراقبة: استخدام حقل لغوي يدل على المنع والمراقبة/الحراسة/التقييد.
وصف الواقع المزري للبلد)بلادي لقيتها مقيوسة مسكونة بتماسيح وعفاريت من زمان قديم…(ص53؟
غربة الشعب عن نفسه: شعب فبلادو عايش غريب….لماذا هذه الغربة؟ لانعدام حقوق المواطنة….
1. تخزيرة
2. هدير الزنك: بوح حول مفارقات مجتمع يجهض أحلام أبناءه)امرأة، رجل، مثقف، مواطن…( ويدفعهم إلى وضع حد لحياتهم )المازوط كان مفتاح…ص60(…بلاد عواجت وتاهت من غصة الحكرة.
3. بحر بلادي: تصوير الواقع المزريللمجتمع )فقر، جوع…(/ الخوف على المجتمع في أبعاده الشمولية/ إثارة مجموعة من الأسئلة والوقوف على العديد من المفارقات.
4. ياصاح: الهجرة السرية/ وصف التجربة المأسوية للمهاجر الذي لقي حتفه. لماذا الهجرة؟
كلاك الحوت يا أحمد وتركت وراءك آمال وآلام ) الأخت والأصدقاء والمجتمع(.
نقد مجتمع الاستغلال : يا أحمد كلاك الحوت وكلشي كيف كلاك ص 74.
1. العولمة
إبراز مساوئ العولمة :” العولمة هادي يا شطار التجارة حرة والديوانة مشرعة” ص 77.
ارتفاع الأسعار: ماطيشةخرجو ليها عينين/ جلبانة سلطانة/ البطاطا توحشا الطاجين/ واللفت طلعلو الشأن/ فبلاد الخضورةعايشين ما عايشين. فما معنى أن يكون الإنسان حيا؟
1. البير
2. سوق النسا: هذه القصيدة – في تقديري-حوار مفترض في نقد المجدوب، خاصة في موقفه من المرأة؛ حيث فتح الزجال عزيز زوكار بابا لإعادة قراءة تاريخ الزجل خارج سلطة “عبد الرحمان المجدوب”.
3. الدواية
4. نموت على بلادي وهي القصيدة التي يختتم بها الشاعر ديوانه
عبر الرجل في هذه القصيدة ن مجموعة من القيم من بينها: التشبث بالوطن، قيم الوطنية الحقة، فرغم كل المعضلات التي يعانيها الوطن، وعلى الرغم من كل المشاكل التي يتخبط فيها إلا أنه يحتل مرتبة كبرى في مدونة الشاعر “البلاد زينة بيضة وخضرة”، وهذا يعني أنه يقدر هذا الوطن ويحبه.

خاتمة:

إن الأفكار التي يطمح الزجال عزيز زوكار، إلى بثها في القصيدة الزجلية- مثله مثل باقي الزجالين الأصيلين ليست تلك الأفكار المبتذلة التي يمكن أن يدلي بها أي كان، وليست بتلك السهولة التي يظنها عامة الناس، والتي تصل بالقصيدة الزجلية أحيانا إلى درجة الانحطاط والابتذال سواء تعلق الأمر باللغة المستعملة أو بالمواضيع التي تتناولها، وإنما هي في حاجة ماسة شأنها شأن باقي الأجناس الأدبية الأخرى)قصة، رواية، مسرح…(، إلى مستوى من النضج الثقافي والأكاديمي أولاً وإلى وسائل فنية  وبلاغية ثانياً، هي بمثابة عدة يتسلح بها كل من يقدم على خوض مغامرة الكتابة في هذا المجال الأدبي؛ الذي يقتضي الجمع بين رهافة الإحساس ورصانة الأفكار إلى جانب بلاغة العبارة وعمق الإشارة؛ أي خلق الموازنة بين بلاغة الإقناع والرغبة وفي الإمتاع والمؤانسة إذا جاز لنا استخدام لغة أبي حيان التوحيدي.


الكاتب : د.محمد جيلالي

  

بتاريخ : 23/01/2024