قراءة في مقترحات الاتحاد الاشتراكي بخصوص قانون المالية التعديلي: استشراف إبداع، تميز، مسؤولية، واقعية…

عبر تاريخه الحافل، تميز الاتحاد الاشتراكي بمواقفه ومبادراته المتعددة الأبعاد. لا أحتاج إلى استعراض أهم هذه المبادرات والمواقف (وهي، على كل حال، ليست قليلة) التي تميز بها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سواء في الماضي (وكم منها احتاج إلى سنوات عدة كي يدرك الناس، وبالأخص الاتحاديات والاتحاديون منهم، صوابها وأهميتها) أو في الحاضر، والتي لا زالت تتفاعل في الساحة السياسية والإعلامية، إن سلبا أو إيجابا؛ وهي، في نهاية المطاف، كلها مبادرات من أجل الوطن والمواطنين، نابعة من ثقافته واختياراته الاشتراكية الديمقراطية.
وسوف أكتفي، هنا، باستعراض آخر مبادرة أقدم عليها حزب القوات الشعبية بهدف المساهمة، من جهة، في تحليل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها بلادنا في ظل جائحة كورونا؛ ومن جهة أخرى، للإسهام والمشاركة في تقديم الحلول التنظيمية والتدبيرية التي يرى أنها الأنسب في مواجهة المخلفات الكارثية لهذه الجائحة.
وبما أن المناسبة شرط، كما يقال، فقد اختار الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مناسبة الإعداد لقانون مالي تعديلي ليقدم مقترحاته بخصوص هذا القانون المالي الخاص بما تبقى من السنة المالية الحالية (2020)، دون أن ينسى التأكيد بنفس المناسبة على أن جائحة كورونا، هي فرصة لانطلاق النموذج التنموي الجديد على أسس سليمة.
وقد نُشرت مذكرة المقترحات الاتحادية بجريدة «الاتحاد الاشتراكي» يوم 7 يونيو 2020؛ وتتألف هذه المذكرة من حوالي 10 صفحات، مبوبة حسب المجالات والقطاعات التي يعتبرها الاتحاد ذات الأولوية والمردودية الاجتماعية والاقتصادية من منظور المنفعة العامة. وكل الفقرات الموضوعة بين مزدوجتين، في هذا المقال، مأخوذة من هذه المذكرة؛ لذلك، لن أُذكِّر بالمرجع كل مرة.
ومقترحات الاتحاد الاشتراكي، التي تتطلع إلى المستقبل من منظور الاشتراكية الديموقراطية، تنطلق من رؤية واضحة للواقع الحالي الذي تم تشخيصه اعتمادا على منهجية التحليل الملموس للواقع الملموس. وتكفي الإشارة إلى معطى واحد (من بين معطيات أخرى) أبرزته عملية توزيع الإعانات المالية (بمتوسط 1000 درهم شهريا) على الفئات المعوزة أو الهشة، حيث تبين أن أزيد من خمسة ملايين أسرة مغربية تعيش في وضعية الفقر والهشاشة.
فبعد تشخيص عام للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وطنيا ودوليا، في ظل حياة الانعزال والانغلاق بفعل الحجر الصحي الذي فرضته جائحة كورونا على العالم بأسره؛ وبعد استعراض ما قامت به بلادنا من خطوات احترازية ووقائية للحد، من جهة، من انتشار الوباء، ومن جهة أخرى، للتخفيف من الآثار الوخيمة للجائحة، مع التعبير عن الاعتزاز بقرار إنشاء «الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا كوفيد 19» لمواجهة الحاجيات الطارئة والملحَّة…؛ وبعد تثمين الدور الفعال للقطاعات العمومية (الصحة، التعليم، النظافة، السلطات والقوات العمومية بكل فئاتها وأصنافها…) التي تصدرت المشهد في مواجهة الوباء وتداعياته، كل في مجال اختصاصه؛ وبعد التأكيد على ضرورة الحفاظ على اللحمة التي تحققت – بفضل الخطة الوطنية الاستباقية المتعددة الأبعاد- بين الدولة، بمختلف مؤسساتها وسلطها التنفيذية والتشريعية والقضائية، وبين المجتمع المنضبط للقرارات والإجراءات المؤسساتية، والتأكيد، أيضا، على ضرورة حماية هذا الرصيد من الهدر بسبب تجاذبات أو حسابات سياسية ضيقة قد تعصف بمصلحة البلاد؛ وبعد استحضار معنى الدولة القوية العادلة ومعنى المجتمع الحداثي المتضامن؛ وبعد الإشارة إلى النقاش المؤسساتي والنقاش العمومي الذي تعرفه بلادنا حول تدبير الوضعية الراهنة واستشراف آفاق ما بعد مرحلة كورونا؛ وبعد الإقرار بعدم إمكانية القيام، حاليا، بتقييم موضوعي ونهائي لآثار الجائحة ومضاعفاتها الاجتماعية والاقتصادية؛ بعد كل هذا وغيره من الملاحظات والتقديرات المتعلقة سواء بالحاضر أو بالمستقبل، عمد الاتحاد الاشتراكي إلى تقديم رأيه ومقترحاته حول قانون المالية التعديلي الخاص بما تبقى من السنة الحالية، وكذا مقترحاته بخصوص القانون المالي للسنة المقبلة 2021.
وهكذا، فإن الاتحاد الاشتراكي يرى أن الظرفية الاستثنائية التي تجتازها بلادنا، هي مناسبة «للتعبير عن ضرورة بذل مجهود وطني جماعي، تتم بشأنه القطيعة مع كل مناهج تحضير قوانين المالية السابقة، وضرورة انخراط كل القوى الحية في البلاد في بلورته وترجمته في أجوبة دقيقة وشاملة وناجعة، تحد في وهلة أولى من مخلفات الوباء، وتحدد أجندة رفع الحجر الصحي، على أن تضمن في مرحلة تالية الإقلاع الاقتصادي الذي يخدم التنمية الاجتماعية والاستقرار المعيشي والسلم الاجتماعي»، مضيفا «أن قانون مالية 2021 يجب أن يشكل المنطلق الحقيقي للإصلاحات المهيكلة للمالية العمومية ولموضوع الإصلاح الضريبي علما أن عددا من مخرجات المناظرة الوطنية حول الجبايات أصبحت متجاوزة في ظل الازمة الحالية».
وقد ركزت مقترحات الاتحاد الاشتراكي على محورين أساسيين؛ ولكل محور عنوانه الدال عل محوريته وأهميته الآنية والمستقبلية. المحور الأول يحمل عنوان « حماية صحة المواطنين وضمان العيش الكريم»، والمحور الثاني عنوانه « وضع الحجر الأساس لاقتصاد وطني جديد». وتتضح من خلال هذه العنونة محورية ومركزية الشق الاجتماعي والشق الاقتصادي في منظور الاتحاد الاشتراكي. ومن نافل القول التأكيد على ترابط وتكامل هذين البعدين.
وقد بُني تصور الاتحاد الاشتراكي بخصوص المسألة الاجتماعية (المحور الأول) على مبدأ الدفاع عن الحقوق الاجتماعية للمواطنين؛ هذا المبدأ الذي ترسخ، فكرا وممارسة، في ثقافته ومرجعيته الاشتراكية الديمقراطية؛ وهو نفس المبدأ الذي شكل المدخل الأساسي لمنظور الاتحاد للنموذج التنموي الجديد الذي تحتل فيه المسألة الاجتماعية الصدارة.
وتوخيا للفائدة والنجاعة، فقد تحاشت مقترحات الاتحاد الاشتراكي معالجة كل القطاعات الاجتماعية وركزت على تلك التي أبرزت جائحة كورونا أهميتها وكشفت النواقص التي تعاني منها (وهي الصحة والتعليم وشبكات الأمان الاجتماعي).
وفي هذا الإطار، تم التطرق إلى الاختلالات الهيكلية التي تعاني منها منظومتنا الصحية؛ مما يتعين على بلادنا أن تجعل من جائحة كورونا حافزا للنهوض بهذا القطاع لجعله قادرا على حماية صحة المواطنين؛ وهذا يحتاج، من جهة، إلى تصحيح الخريطة الطبية وتوفير الموارد البشرية والإمكانات المادية الكفيلة بتحقيق الإنصاف والعدالة الترابية؛ ومن جهة أخرى، يتعين إقرار نظام شامل للمساعدة الطبية.
أما المنظومة التربوية فقد وضعها الحجر الصحي أمام تحد كبير يتمثل في التأقلم مع الوضع؛ وقد أبانت عن قدرتها على تحقيق ذلك، رغم ما يمكن تسجيله من نواقص؛ فمن أجل ضمان استمرار الدراسة، تم اللجوء إلى التعليم عن بعد؛ ومن أجل المساهمة في مواجهة الجائحة، فقد نشط البحث العلمي في الميادين المرتبطة بالوباء ومخلفاته؛ «مما بَين بالملموس الدور المحوري لمنظومة التعليم العمومي من جهة ومحدودية الاختيارات النيو-لبرالية في السنوات الأخيرة من جهة أخرى».
ومن خلال المجهودات التي بذلت والنتائج التي تحققت، ندرك أن إصلاح تعليمنا، بكل مستوياته وأسلاكه، ممكن إذا ما توفرت إرادة سياسية حقيقية وقوية مدعومة بلحمة وطنية شاملة وبمنظور قائم على المسؤولية السياسية والأخلاقية تجاه الأجيال الصاعدة؛ تلك المسؤولية الكفيلة بتحقيق العدالة الرقمية واللغوية بين كافة الفئات، تحقيقا لمبدأ تكافؤ الفرص في تملك المعرفة الجديدة اللازمة لتكوين الكفاءات المختلفة الضرورية لبلادنا.
وبعد الصحة والتعليم، تناولت مذكرة الاتحاد الاشتراكي موضوع شبكات الأمان الاجتماعي التي تستهدف بشكل مباشر الفئات المعوزة أو الفئات التي تعيش في وضعية هشاشة، لتؤكد على ضرورة «التعامل بجدية مع المعطيات التي كشفتها الوضعية الحالية، والتي تمثل بنكا للمعلومات عن حالة البلاد الاقتصادية والاجتماعية، وما أفرزته من حقائق رهيبة بخصوص الهشاشة العامة للاقتصاد، وما يعتريه من ضعف، يتمثل في كون الاقتصاد غير المهيكل أكبر بكثير من الاقتصاد المهيكل في المغرب، وهو ما يستدعي ثورة في التصور المطلوب لتجاوز الوضع الحالي ولتجاوز الهشاشة، وفرصة سانحة لتفعيل السجل الاجتماعي الشامل الذي طال انتظاره».
في المحور الثاني المتعلق بالشق الاقتصادي، سعت مذكرة الاتحاد الاشتراكي إلى تقديم تصور يساهم في الخروج من الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة، الناتجة عن جائحة كورونا؛ وهو تصور يرمي، من جهة، إلى إقناع كل الفاعلين بضرورة القطع مع ممارسات الماضي؛ ومن جهة أخرى، يدعو إلى العمل على بناء أسس اقتصاد وطني جديد يأخذ بعين الاعتبار معطيات الواقع المستجد.
ولوعي الاتحاد بمخاطر السيولة (القدرة على الوفاء بالالتزامات النقدية عند حلولها) ومخاطر الملاءة المالية (القدرة على الوفاء بالالتزامات النقدية المطلوب سدادها على المدى الطويل) لدى أغلب المقاولات المغربية بسبب الأزمة الاقتصادية المفاجئة والمرشحة للتفاقم مع تأخر عودة الدورة الاقتصادية، فإنه يرى أن الحكومة قد تضطر « إلى شراء ديون بعض المقاولات أو حتى الدخول في رأسمالها لتخفيف عبئ المديونية على ميزانيتها والسماح لها بالاستمرار في الاستثمار والتشغيل، وربما تأميمها كليا ولو بشكل مرحلي لحمايتها من الإفلاس»؛ مضيفا أن «اللجوء إلى التأميم هنا لا يستند إلى مرجعية إيديولوجية بقدر ما يتوخى إنقاذ آلة الإنتاج الوطني وحماية مناصب الشغل». وقد قدمت مذكرة الاتحاد شركة سامير كمثال لسوء تدبير القطاع الخاص لشركة وطنية مهمة؛ الشيء الذي يجعل من المفيد «التفكير في تأميمها للاستفادة من أصولها، خاصة بالنظر إلى وضعية سوق المحروقات».
ومشكلة السيولة لا تعني فقط المقاولات، وإنما تنعكس أيضا على ميزان الأداءات والميزان التجاري المغربي. لذلك، يرى الاتحاد أنه من «المستعجل اتخاذ تدابير للحد من واردات المواد الكمالية ومراجعة اتفاقيات التبادل الحر التي فيها غبن للفاعل الاقتصادي المغربي».
ومن بين ما يقترحه الاتحاد الاشتراكي من أجل تقوية نجاعة ومناعة سياسة بلادنا الاقتصادية – بعد تسجيله أن أغلب المغاربة يوجدون خارج النظام الجبائي وصناديق الضمان الاجتماعي- يقترح الخروج من القطاع غير المهيكل وسن سياسة جبائية منصفة ومتوازنة مصحوبة بآليات الحماية الاجتماعية.
وللتصدي للاختلالات التي تعتري المنظومة الجبائية، تؤكد مذكرة الاتحاد الاشتراكي على ما يلي:
(1) توسيع التعريف الضريبي ليشمل كل الأنشطة التجارية بما في ذلك الجديدة منها (الاقتصاد الرقمي مثلا). (2) معاقبة التهرب الضريبي والتعامل الصارم مع المخالفين.(3) الخروج من القطاع غير المهيكل الذي يمثل الجزء الأهم من الاقتصاد الوطني؛ وذلك بمراجعة العتبات الجبائية بالنسبة للضريبة على الدخل والضريبة على الشركات للتشجيع على هذا الخروج.(4) سن ضريبة على الثروة؛ ذلك أن «روح الوحدة الوطنية، ومبادئ التضامن الجماعي، وضمان قدرة الدولة على صيانة الحقوق المكتسبة، يقتضي مشاركة قوية وواضحة ومعبئة للرأسمال الوطني، ولأصحاب الثروات الكبيرة في حماية القدرة التدخلية للدولة، من خلال سن ضريبة على الثروة، تشكل على المستوى المادي احتياطيا اضافيا لما تملكه الدولة من موارد (خاصة بالنظر لتقلص المداخيل جراء الجائحة)، وعلى المستوى الأخلاقي تعبيرا عن انخراط واعي وفعال في تأمين شروط ميلاد الدولة الحامية التي تُعتبر الحجر الأساس لأي نموذج تنموي جديد».
وتعتبر هذه الإجراءات من الشروط « السبقية لإعادة التوازن للمالية العمومية من جهة وتمكين الحكومة من آليات تحفيز القطاعات المتضررة وتوجيه الاستثمار نحو قطاعات جديدة، من جهة أخرى».
ويرى الاتحاد الاشتراكي في دعم الإنتاج الوطني والنهوض به مسألة حتمية في زمن «كورونا» وما بعده، مذكرا بمرافعته في مذكرة الحزب حول النموذج التنموي الجديد وفي برنامجه الانتخابي لتشريعية 2016، حيث تم التأكيد على أهمية عدم المراهنة فقط على الخارج، سواء كسوق أو كمصدر للاستثمارات الأجنبية. وفي هذا الإطار، يعتبر الاتحاد « أن المقاولة الصغيرة والمتوسطة يجب أن تكون في مركز السياسات النقدية والاستراتيجيات القطاعية وهاجس تدبير مناخ الأعمال، كي نطورها ونحميها ونرفع من قدرتها التنافسية بما يمكن من ضمان مناصب الشغل وتوفير حاجيات السوق الداخلية ثم التوجه للتصدير».
وقد أبرزت الأحداث الطارئة قدرة الآلة الصناعية الوطنية على التأقلم، كما أبرزت قدرة العامل المغربي على الإبداع حيث تمكنت صناعة النسيج خلال أسابيع من تطوير صناعة الكمامات بكمية تجاوزت الطلب الداخلي وتم الشروع في تصدير الفائض لبعض البلدان المتقدمة صناعيا.
وبما أن بلادنا بصدد وضع الحجر الأساس لنموذج تنموي جديد، فلا بد من النظر بإمعان إلى ما أحدثته جائحة كورونا من ارتباك في بعض القطاعات الاقتصادية لدرجة أصبحت معها في وضعية استحالة العودة إلى سابق عهدها؛ وهو ما يستدعي ابتكار أساليب جديدة لإنتاج الثروة ووضع سياسة قطاعية جديدة تضمن لبلادنا وللأجيال القادمة الاكتفاء الذاتي من المواد الاستهلاكية الضرورية للعيش الكريم.
وتمشيا مع مفهوم المجتمع الحداثي المتضامن، يرى الاتحاد الاشتراكي أن أحد الروافع الأساسية التي يمكن أن يتأسس عليها النموذج التنموي المنشود، هو الاقتصاد الأخضر الكفيل بجعل مجتمعنا متضامنا جيلا بعد جيل. ومن شأن النمو الأخضر أن يتيح لبلادنا إمكانية تجاوز أنماط الإنتاج والاستهلاك غير المستدامة والمهدرة لرأس المال الطبيعي. «والأمر هنا، تقول المذكرة، لا يقتصر على إدراج القضايا البيئية في قرارات الاستثمار في البنية التحتية مثلا، وإنما هو تصور شامل لكل السياسة الوطنية يتوخى التنمية المستدامة التي تحمي رأس المال الطبيعي وتضمن العيش الكريم للمواطنين أينما تواجدوا بالتراب الوطني».
وأملا في أن يُظهر الإبداع المغربي، من جديد، مهاراته في هذا المجال؛ وأملا في أن يتدخل رأس المال الوطني، بتحفيز من الدولة، لتطوير بعض التجارب الجنينية لتصبح أكثر فعالية وقادرة على أن تحسن سبل العيش وتخلق فرص العمل للحد من الفقر والهجرة، تقدم مذكرة الاتحاد الاشتراكي بعض الأمثلة للتجارب القابلة للتطوير (سلسلة إنتاج الأعشاب الطبية، استغلال الطاقات المتجددة، تحويل النفايات وغيرها…).
وتقترح المذكرة أن يكون مدخل بلادنا للاقتصاد الأخضر «عبر قطاع الفلاحة وذلك بتشجيع الزراعات العضوية ودعم الفلاحين الصغار بتمليك الأراضي وتوفير التمويل والمواكبة التقنية. الشيء الذي سيكون له مفعول مزدوج، من جهة توفير مواد غذائية بجودة أكبر للسوق الوطني بما يحسن صحة المواطنين، ويمكن حتى من تصدير الفائض بالنظر الى تزايد الإقبال على هذه المواد، ومن جهة أخرى الرفع من مدخول الأسر في العالم القروي والتخفيف من ضغط الهجرة على المدن التي تعاني أحياؤها الهامشية من الاكتظاظ وظروف عيش متدنية».
وفيما يخص القطاعات التي تضررت كثيرا من الحجر الصحي، تقدم المذكرة قطاع السياحة كمثال. ويرى الاتحاد الاشتراكي أن هذا القطاع لن يستطيع استرداد عافيته خلال عام أو عامين كيفما كان دعم الدولة له. ومن الحلول المرحلية والجزئية التي يقترحها تشجيع السياحة الداخلية، من جهة؛ ومن جهة أخرى، إعادة تأهيل جزء من شغيلة القطاع لتندمج في قطاعات أخرى.
وإلى جانب الدور المركزي للدولة، لم تهمل مذكرة الاتحاد الاشتراكي دور الجماعات الترابية، حيث ركزت على ضرورة تطوير الإمكانيات المحلية للجهات والأقاليم تجنبا للمخاطر المحتملة في المستقبل كالتي نعيشها اليوم. وتقترح المذكرة آليتين لتحقيق هذا التمكين: «تطوير شبكة لوجيستيكية بهدف تعزيز قدرات الجهات والأقاليم على توفير نوع من الاكتفاء الذاتي في المجالات الحيوية كالطاقة والمواد الغذائية الأساسية والصحة. حماية الأراضي الفلاحية المجاورة للحواضر من التوسع العمراني وتشجيع استغلالها فلاحيا».
وقبل أن تضع المذكرة نقطة الختام للمقترحات الاتحادية بفقرة تحمل عنوان «التقييم والتحيين والمراقبة» كآلية لليقظة والتتبع، أشارت إلى ضرورة القطع مع كل الممارسات المضرة بالاقتصاد الوطني والمنافية لمبادئ التكافؤ والتضامن وحسن التدبير، من قبيل اقتصاد الريع والمضاربة والاحتكار والتهرب الضريبي وغيرها من الظواهر السلبية.
ومن أجل وضع حد لهدر المال العام، تقترح المذكرة إقرار قاعدة قانونية، يتم بمقتضاها منع تعدد الأجور والتعويضات في الهيئات التمثيلية الترابية والمهنية والمؤسسات الدستورية والإدارية، للمساهمة في تخليق الحياة العامة، ومحاربة المظاهر السلبية التي تتناقض مع مبادئ الحكامة الجيدة، وحسن التدبير وترشيد النفقات العمومية؛ وقد طالبت المذكرة، أيضا، بأن لا يستفيد الشخص من المالية العمومية الا بتقاعد واحد من اختياره.
وفي نفس السياق، يرى الاتحاد الاشتراكي «ضرورة التخفيض من نفقات التسيير، والحد من مظاهر البذخ العمومي لتوفير الموارد المالية واستثمارها في الخدمات العمومية وتلبية المطالب المتزايدة للفئات الهشة أو السائرة في طريق الهشاشة».
ولمواجهة كل الظواهر التي تكلف كثيرا الاقتصاد المغربي، تؤكد المذكرة، في الأخير، على «ضرورة تفعيل عمل هيئات الحكامة المختصة بالمنافسة ومحاربة الرشوة والفساد».
مكناس في 15 يونيو 2020


الكاتب : محمد إنفي

  

بتاريخ : 17/06/2020