في المدينة، كان يعيش رجل اعتاد أن يستيقظ كل يوم في السادسة صباحا دون أي تغيير في روتينه.
كان يبدأ يومه بزيارة أمه العجوز التي تعيش في منزل صغير عند أطراف المدينة، ثم يتوجه إلى عمله . كان رجلا بسيطا، لا يحب التغيير ولا يرغب في الذهاب إلى أماكن جديدة، فحياته كانت تدور حول العمل والعائلة فقط.
في ذلك الصباح، شعر بشيء غريب لم يعتده. حين استيقظ، شعر بانقباض في قلبه، وكأن شيئا ما سيحدث.
حاول أن يتجاهل هذا الشعور، وخرج من منزله كالعادة متجها إلى بيت أمه. كان الجو غائما، والرياح تعصف بشدة، لكنه لم يعر ذلك اهتماما.
صعد إلى الأتوبيس الذي يقلّه كل يوم إلى حيث تسكن أمه، وجلس في مقعده المعتاد ينظر من النافذة وهو يحاول أن يهدئ من روعه.
عندما وصل إلى محطته، هم بالنزول من الأتوبيس، وفجأة شعر بدوار شديد. حاول أن يتمسك ، لكنه لم يستطع. صرخ بصوت عال وهو يسقط على الأرض، وفقد وعيه للحظات.
التف حوله الركاب والمارة، وحاولوا مساعدته ليعود إلى وعيه. نهض متثاقلا، شعر بألم شديد في كفه، وعندما نظر إليه، صدم لما رأى.
إصبعه لم يكن في مكانه! بل كان معلقا في دبلته التي كان يرتديها دائما. الدبلة التي كانت ترمز إلى ارتباطه بحياته الروتينية، أصبحت الآن تحمل إصبعه المقطوع.
نظر حوله بذهول، ولم يفهم كيف حدث هذا. كان الناس ينظرون إليه بدهشة، ولم يستطع أحد أن يفسر ما حدث.
عاد إلى منزله وهو يشعر بالارتباك والألم. جلس على كرسيه القديم، ينظر إلى الدبلة وإصبعه المعلق بها. بدأ يتساءل عن معنى ما حدث. هل كانت هذه علامة؟ هل كان عليه أن يتغير؟ أم أن الحياة كانت تحذره من شيء ما؟
منذ ذلك اليوم، تغيرت حياته . لم يعد ذلك الرجل الذي يتبع الروتين بلا تفكير. بدأ يتأمل في حياته، وفي العلاقات التي أهملها، وفي الأحلام التي تركها وراءه.
الدبلة التي كانت ترمز إلى الاستقرار أصبحت ترمز إلى التغيير. وإصبعه المفقود كان تذكيرا بأنه أحيانا، يجب أن نفقد جزءا من أنفسنا لنكتشف من نحن حقا.
وهكذا، أصبحت دبلة بلا إصبع قصة تروى، قصة عن رجل وجد نفسه بعد أن فقد جزءا منها.
قصة قصيرة .. دبلة بلا إصبع

الكاتب : محمد شحاتة
بتاريخ : 07/04/2025