1 – البحر يحمل مروحة
فجأة يظهر البحر. تقترب منه قليلا، فتجده يقرأ خلسة أشعارا، وهو يخفي رأسه بمروحة كبيرة صينية الصنع. عرفت ذلك فقط من رسوماتها وألوانها. كما أنك تعتقد اعتقادا راسخا أن الصينيين وحدهم يصنعون هاته المراوح، وإن كنت غير متأكد من السبب الذي جعل البحر يحمل مروحة في يده اليسرى. ‹فهل غلبه الصهد هو أيضا؟!». قلت في سريرتك، ثم أضفت « وهل هناك من يصنع هاته المراوح غير الصينيين؟». واستمررت في مخاطبة نفسك» ماذا نصنع نحن؟أو على الأصح ماذا صنعنا إلى حد الآن؟!».
2 – البحر ينتحل صفة
علا صوت البحر مرة أخرى. فتساءلت: «البحر يقرأ أشعارا خلسة ممن؟أو خلسة مماذا؟ وهي أشعار من؟!».
اقتربت أكثر، لتكتشف أنه يتلو وصايا هرقل.
تساءلت مرة أخرى:» وصايا لمن؟ ماذا يريد أن يقول هرقل؟ وهل كتب هرقل شعرا؟ وأي دار نشر نشرت شعره؟! وهل هو هرقل فعلا؟!». هجست:»هل كان يحتاج هرقل لدار نشر تنشر أعماله الشعرية الكاملة؟!».
تصل إليه الآن، فتكتشف أنها مجرد وصايا لغريق، وهي ست وصايا فقط ؛ لا أكثر ولا أقل!
تصيخ السمع هاته المرة؛ فتكتشف أنه متلبس بانتحال صفة قاص، وأن نص الخطابات هو نص قصصي يعود إليك. وصايا كنت قد كتبتها في لحظة ضجر.
تتزايد وتيرة المفاجأة أكثر حينما تسمع أحدهم يطرق باب البحر. يجيب البحر قائلا:» من؟ من؟من الطارق؟!».
يجيب الطارق:»أنا هرقل!أنا هرقل سيدي البحر!».
3 – غرقى في كل مكان
ينفتح باب البحر، ويدخل هرقل، وهو يصيح قائلا: «توقف! توقف عن قراءة هاته الوصايا! الغرقى لا يستمعون، ثم إنهم في كل مكان.! الغرقى في كل مكان.! ومهما علا صوتك، فهو لن يصل إليهم. فكيف سيصل صوتك لغريق يغرق الآن فوق أريكته الحمراء أمام تلفاز ذكي من الحجم الكبير؛ لا يتوقف عن عرض أخبار عاجلة أعتى وأشرس من أمواجك؟!». سأله البحر:» أية أخبار؟ أية ترهات؟!». صمت هرقل قليلا ، ثم أجابه:» هي أخبار يشيب لها الولدان. أخبار الحروب، أخبار الإبادات الجماعية، أخبار المجاعات، أخبار الاغتيالات ،أخبار المهووسين بالسلطة، أخبار الاضطرابات البيئية، أخبار الإجهاد المائي، أخبار شح الأمطار، أخبار التضخم المالي، أخبار ارتفاع الأسعار، أخبار التهم الملفقة، أخبار الحرائق الغابوية، أخبار حوادث السير المميتة، أخبار الفساد المالي، أخبار الريع الاقتصادي، أخبار الإضرابات طويلة الأمد، أخبار صيارفة المياه العذبة، أخبار باعة الغابات بالتقسيط و الكتب المدرسية المستوردة!».
لكن البحر لم يتوقف عن القراءة، فقد يصل صوته إلى أولئك الغرقى البعيدين عنه.
تنويه: باب البحر المذكور في النص لا علاقة له بباب البحر الموجود بمدينة طنجة القديمة، والمشرف على البحر. ولكن القصة حقيقية، وحدثت بكورنيش مرقالة أسفل مقهى الحافة بطنجة.