قصتان قصيرتان

الحلم

كل ما فعلته هو أنني قررت أن أحلم وألا أترك الحلم ينفلت مني كما كان يفعل في كثير من الأحيان، وضعت أمامي مجموعة من الأحلام التي يمكن أن أقبض عليها وأن أختار منها ما أريد، وأضعه في علبة وأقفل عليه؛
في الصباح قبل أن أغسل وجهي و حتى لا يطير الحلم من الذاكرة ثم من العلبة، أنرت غرفة النوم ثم فتحت العلبة، وجدت الحلم في ركن قصي  منها، يضع يده تحت ذقنه، لما أحس بحركة يدي وجسمي، رفع بصره نحوي، وضحك، قلت له: ما يضحكك؟ وأنا أتشوق إليك وأتعبت نفسي كي أقبض عليك؟
مد يده إلي وقال لي: انتشلني أولا من هذا الحيز الضيق، مددت له أنا كذلك يدي، و لما التقت اليد باليد جرني إلى داخل العلبة وأغلقها علي باليد الأخرى؛
وجدت نفسي في ظلام دامس لم أألفه، فأحسست بالخيبة من مصيري الذي حاولت كثيرا ألا أقع فيه، أشعل الحلم المنزوي في الركن الأيمن من العلية سيجارة ونفث دخانها في وجهي، ولما أردت أن أحتج على فعله، قال لي: تحتج على سحابة دخان عابرة، فماذا علي ان افعل أنا الذي احتجزتني ليلة كاملة في علبة مظلمة وأغلقت علي منافذ الضوء، ومسخت حقيقتي كي تحقق أمنية كاذبة أوحت لك بها نزواتك الخادعة، أنا لست حلما ولست واقعا، أنا مجرد هلوسة ناتجة عن طعام ابتلعته ولم تحسن هضمه ولما وصل معدتك اختلطت عليك عصارات المعدة، فبدوت، لك أنا الذي لم أكن مجرد بطاطس مقلية في زيت نباتي، أمنيّة كانت لك في الماضي، حين ضربتك شمس صيف قائظ! كنت تحلم بطائر  يحلق فوق رأسك وينزع شعيرات منه ويحولها إلى كرات للقدم، وكنت تضربها مع الجدار فتعود إليك أسماكا تجمعها وتضعها في قناني بلاستيكية وتطوف بها الدروب كي تضحك من الطائر ومن البطاطس المقلية!
لا أعرف من حمل العلبة الحديدية، الشيء الوحيد الذي كنت أخافه هو أن يفتح حامل العلبة بابها ويقع في حبال الحلم، فيمد له يده هو كذلك ، ويجره إلى زاوية من زوايا العلبة، فتتكسر  أحلامه كذلك كما تكسرت أحلامي .
الأسئلة

أنا أبحث عن جثة تتحمل عبء الأسئلة التي سيطرحها علي الملكان لما تخرج روحي، فالحياة التي عشتها في المكان الذي ولدت به، جعلتني مرتبكا في الإجابة عن أسئلة الآخرين، مثلا، لما سألني المعلم في بداية دخولي إلى المدرسة عن اسمي، ارتبكت وبذل أن أقول له: عبد المولى، قلت له عبد المنى، فاهتز القسم بالضحك، أما انا فقد بكيت لأن يد المعلم نزلت على قفاي فجعلته أحمر!
منذ ذلك اليوم بدأت أتوارى وراء الآخرين حين أسأل عن شيء ما! فكيف لي أن أجيب ملكين نازلين من السماء خصيصا لي وهما يحملان أقلاما وأوراقا، ويقال أنهما كذلك يحملان عصيا غليظة.
أخذت كل يوم أتوجه إلى المقبرة وأبدأ بتتبع الموتى لأعرف شيئا ما عن الميت الذي سأختفي وراءه، فأدون عمره، العمل الذي كان يقوم به، كم له من الأولاد؟ هل حج أم لم يحج؟
لاحظت أن المشيعين يجاملون أهل الميت فيصفونه بصفات غير موجودة فيه إرضاء لهؤلاء الأهل!
في يوم الاثنين من شهر يونيو، دخلت المقبرة وجلست فوق جدار قصير أنتظر السيارات التي تحمل الموتى، أتى رجل في سن تشبه سني قال لي: السلام عليكم، فأجبته : وعليك السلام، ثم قال لي: هل جئت تزور ميتا من أقربائك؟ ولأنني لم أريد أن أدله على نيتي ومقصدي قلت له: مات صهري وكان رجلا طيبا و كلما سمحت لي الوقت آتي لزيارة قبره، قال لي: أنا أجيء إلى المقبرة كي أتفقد قبر زوج عمتي، كان إذا رحمه الله، خشنا وكاذبا وسارقا ويشهد بالزور، أخرجت دفتري وقلمي وبدأت أكتب وأدون هذه الصفات التي وجدت أنها توافق الميت الذي أبحث عنه، ولما انتهى من تعداد سلبيات ميته، سألته عن القبر وفي أي مربع من مربعات المقبرة يوجد، فدلني عليه.
انتظرت انصرافه، فهرولت ناحية المربع الذي قال لي عنه. على الشاهدة كتب: عبد المولى، ولد سنة كذا و مات سنة كذا، كان عبد المولى أنا، ولم يكن الرجل سواي، أحمل صفات الخوف والرعب الذي تسلل إلي في المدرسة! وأن حقد الرجل على زوج عمته، جعله يلبسه صفات ليست فيه!


الكاتب : عبد العزيز حاجوي

  

بتاريخ : 16/08/2024