قضايا راهنة للنساء المغربيات

المسار والتجربة داخل القطاع النسائي الاتحادي:
تستعد المنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات لعقد مؤتمرها الوطني الثامن في ظل تطورات متسارعة وتحولات مجتمعية كبرى يعرفها المجتمع المغربي، والتي لا محالة ستكون لها انعكاسات على المرأة المغربية.
وعندما نعود للوراء ونقوم بقراءة للتنظيم الاتحادي، والذي رأى النور بعد المؤتمر الاستثنائي 1975، نسجل بكل اعتزاز الرؤية المتبصرة للحزب في تلك المرحلة، حيث اعتبر البعض أن حدوث تغيير في المجتمع سيؤدي لا محالة إلى تغيير وضعية النساء في حين رأى البعض الآخر أن قضايا النساء ترتبط بحاجيات ومطالب محدودة مرتبطة أساسا بما هو اجتماعي. في حين أكد الحزب ان للنساء خصوصيات وأن بناء المجتمع الديمقراطي الحداثي يستند إلى المساواة الفعلية بين الجنسين. وقد كان لي الشرف أن تحملت القيادة داخل الكتابة الوطنية للنساء الاتحاديات لمدة أربع ولايات متتالية حقق القطاع مكتسبات متعددة لفائدة النساء المغربيات، ويكمن إجمال ذلك في العناصر التالية:
حضور النساء الاتحاديات بقوة في كل المعارك السياسية للحزب وتصدرهن في التمثيلية المؤسساتية محليا ووطنيا.
دفاع مستميت عن الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية إبان حكومة التناوب التوافقي بقيادة الفقيد عبد الرحمان اليوسفي، والتي كانت وراء دعوة جلالة الملك لتأسيس لجنة لتغيير مدونة الأحوال الشخصية التي أفضت إلى صدور قانون مدونة الأسرة، والذي اعتبر تقدما كبيرا لإنصاف المرأة المغربية، والذي يدخل ضمن المصالحات الكبرى الذي أتى بها العهد الجديد.
مناهضة كل الدعاوي النكوصية والظلامية الساعية للحط من كرتمة المرأة المغربية.
التواجد المتميز للقطاع النسائي داخل الأممية الاشتراكية مما أدى إلى قيادة هذا التنظيم الدولي من قبل الأخت وفاء حجي.
الدفع بالحزب إلى تبني خيار الكوطا للتمثيل النسائي داخل المؤسسات المنتخبة مما ساهم في رفع التمثيلية النسائية سياسيا.
الحضور في الملتقيات الدولية للدفاع عن قضايا النساء، وقبل ذلك الدفاع عن وحدة بلادنا وسيادتها على أقاليمها الجنوبية.
التواجد بكثافة في التظاهرات النسائية للدفاع عن قضايا النساء المشروعة.
عقد ندوات وطنية متميزة في قضايا مصيرية للنساء من قبل مدونة الأسرة، والسجل الاجتماعي الموحد .
الرفع من تمثيلية النساء داخل الأجهزة الحزبية محليا ووطنيا
عقد شراكات مع منظمات دولية تشتغل بالحقل النسائي وفق برامج محددة.
الرفع من قدرات النساء الاتحاديات عبر عقد لقاءات وندوات جهوية، لتسليحهن بأدوات للترافع عن قضايا النساء
استهداف المنتخبات الاتحاديات عبر عقد لقاءات وطنية وجهوية
لذا سأعالج قضية واحدة من قضايا النساء المرتبطة بالتمكين السياسي للمرأة المغربية.

التمكين السياسي للمرأة المغربية:
لعبت المرأة المغربية دورا متميزا في الحركة الوطنية، وكان لها شرف توقيع عريضة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944 م وكان من الضروري أن تكون حاضرة بقوة في المجال السياسي، ولكنها غيبت بشكل كلي عن دوائر القرار السياسي، وظل هذا المجال حكرا على الرجل، وأصبحت المرأة كائن غير سياسي، استنادا لمعطيات غير موضوعية (تقسيم العمل، النزعة الذكورية ، الاستناد إلى الأعراف والتقاليد البالية)، مقابل ذلك أعطي لها الاعتبار أوقات الاستحقاقات الانتخابية لاستغلال صوتها منذ تنصيص دستور 1962 م على ذلك، ومنحت حق الترشيح والتصويت في الاستحقاقات التشريعية لسنة 1963 م ويمكن أن نتحدث عن مسار التمثيلية النسائية عبر 3 مراحل :
المرحلة الأولى: تجسدت في استحقاقات 1963 و1977 و1984 البرلمانية، والتي لم تتمكن أي امرأة من اقتحام المؤسسة التشريعية والتي ظلت ذكورية بامتياز.
المرحلة الثانية تمثلت في استحقاقات 1992 -1997 البرلمانية حيث تمكنت نائبتين من دخول البرلمان في المرحلة الأولى عبر نائبة استقلالية واتحادية وفي الثانية بنائبتين اتحاديتين هما الأختان: فاطمة بلمودن وبديعة الصقلي، وتم انتخابهما عبر دوائر محلية وفق نمط الاقتراع الأحادي الأسمي في دورة واحدة.
المرحلة الثالثة: امتدت عبر استحقاقات 2002-2007-2001-2016-2021 تميزت هذه المرحلة بتحمل المسؤولية لتدبير الشأن العام (1998-2002) عبر انتقال توافقي مما أنعش الآمال الكبيرة وسط الشعب المغربي، ولدى النساء خاصة باعتباره حزبا تقدميا ديمقراطيا واشتراكيا يؤمن بالمساواة بين الجنسين، وهذا ما تجسد مع مشروع سعيد السعدي، الذي ناهضته القوى الظلامية والنكوصية، وإبان الإعداد لاستحقاقات 2002 سيتم إحداث نظام الكوطا، عن طريق إحداث لائحة وطنية إضافية تخصص للنساء، وقبل ذلك قام المغرب بنشر اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة بالجريدة الرسمية في 18 يناير 2001، وتعديل وإصدار عدة نصوص تشريعية رامت النهوض بأوضاع النساء. وبفضل هذه الآلية وصل عدد النساء بمجلس النواب إلى 35 امرأة واستمر ذلك سنة 2007 حيث وصل عدد النساء 34 عضوة بالبرلمان.
وشكلت سنة 2011 منعطفا أساسيا في الحياة السياسية بالمغرب نتيجة ما سمي بالربيع العربي ونسخته حركة 20 فبراير، وتولد عن ذلك إقرار دستور جديد (دستور 1 يوليوز 2011 م)، حيث نص الفصل 19 على ما يلي ‘’ يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها.
تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء. وتُحدث لهذه الغاية، هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز.»
وعلى إثر استحقاقات 2011 م ارتفع عدد البرلمانيات بمجلس النواب إلى 67 امرأة، وفي 2016 إلى 81 امرأة وفي 2021 إلى 96 امرأة . فيما وصل عدد النساء بمجلس المستشارين حاليا إلى 14 مستشارة.
وقد انعكس ذلك على النظام الداخلي لمجلس النواب (الصيغة النهائية بعد صدور قرار المحكمة الدستورية رقم 65117 بتاريخ 30 أكتوبر 2017، والذي نص في المادة 11 على ما يلي: ‹› يتعين على كل جهاز من أجهزة المجلس، كل في مجال اختصاصه، التقيد عند ممارسة مهامه وفق الضوابط والكيفيات المنصوص عليها في هذا النظام الداخلي بالمبادئ التالية:
العمل على تفعيل أحكام الفصل 76 من الدستور المتعلقة بإقرار المساواة والسعي نحو تحقيق مبدا المناصفة بين الرجال والنساء، ومكافحة مختلف أشكال التمييز».
وقد انعكس تحسن تمثيلية النساء بمجلي النواب على موقعها داخل هياكله، وتمثل ذلك في انتخاب 3 نائبات للرئيس وترؤس امرأتين للجنتي الخارجية ومراقبة المالية العامة، مقابل ذلك لم يضم مجلس المستشارين سوى مستشارة واحدة كأمينة للمكتب مقابل 10 مستشارين ورئاسة لجنة الخارجية لمستشارة.
أما على مستوى حضورهن بالسلطة التنفيذية، حيث انتقلت نسبة النساء الوزيرات في الحكومة من 5.12 في المئة سنة 2000 وصولا إلى 28 في الحكومة الحالية.
وكخلاصة أولية لم يبلغ المغزى في تمثيلية النساء إلى نسبة 30 في المئة كما حددها الاتحاد البرلماني الدولي، لذا لابد من مضاعفة المجهودات لتحسين وضعية تمثيل النساء سياسيا وذلك بما يلي:
تفعيل مقتضيات الفصل 19 من الدستور الذي نص على إحداث هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز ‘’فعلى المؤسسة التشريعية الإسراع بإخراجها إلى حيز الوجود بعد مرور 11 سنة على المصادقة على الدستور ‘’.
اعتبار نظام الكوطا حلا مرحليا وضرورة تقويم تجربة الكوطا النسائية.
النهوض بحقوق المرأة ونشر ثقافة المساواة والإنصاف وقيمها وهي مسؤولية المجتمع المغربي.
اهتمام مؤسسات التنشئة الاجتماعية بنشر الوعي وغرز قيم المواطنة وحق المشاركة السياسية على قدم المساواة بين النساء والرجال.

الأفق والتوصيات:
ونحن على أبواب انعقاد مؤتمرنا الثامن، كمحطة تنظيمية نسعى من خلالها لتقييم تجربتنا الذاتية للوقوف على اخفاقاتها ونجاحاتها بعد تمكين النساء الاتحاديات من تنظيم نسائي يشتغل من قلب المجتمع وستعى لتطويره لتحقيق المجتمع الديمقراطي الحداثي المستند على المساواة الفعلية بين الجنسين ، لذا فانشغالاتنا يجب أن تستهدف النساء في مواقعهن الحياتية، لذا فتغيير أساليب عملنا داخل المجتمع ستشكل لا محالة عنصر قوة للتنظيم النسائي وللحزب مستقبلا، وكذا الالتفات للتحولات المجتمعية العميقة والتي تمس النساء أساسا والتقاطها والدفع بها إلى الأمام. ولن يتحقق ذلك إلا بالانفتاح واستقطاب الطاقات النسائية الفاعلة والتي نتقاسم معها قيم الكرامة والحرية والمساواة.
التوصيات:
من أولى أولويات الكتابة الوطنية الجديدة، إصلاح مدونة الأسرة كما نادى بذلك خطاب جلالة الملك في العرش . لذا لابد من الدفع بخلق نقاش وطني بمشاركة كل الفاعلين من هيئات حقوقية ونسائية وأطباء وعلماء النفس والاجتماع والمشتغلين بالحقل الديني لمعالجة كل الاختلالات التي صاحبت المدونة أثناء التطبيق ولإصدار مدونة للأسرة عصرية تتماشى ومضامين الفصل 19 من الدستور.
إصلاح مدونة القانون الجنائي.
تعديل القانون 13-103 المتعلق بمحاربة العنف.
توسيع مشاركة النساء في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
إصلاح القوانين التنظيمية للجماعات الترابية والغرف المهنية.
إيجاد آلية للتنسيق وطنيا بين كل المهتمين بقضايا النساء للترافع المشترك عنها .
جعل التكوين والمعرفة رافعة أساسية لتوسيع التنظيم النسائي.
الدفع بالاشتغال خارج المقرات الحزبية عبر أعمال وأنشطة تستهدف النساء.
استعمال التكنولوجيا الحديثة في الاشتغال الحزبي.


الكاتب : فاطمة الزهراء الشيخي

  

بتاريخ : 05/10/2022