قضايا من التاريخ الجهوي للجنوب المغربي خلال القرن 19: سوس والزاوية السملالية ومنظومة المخزن: جدلية الديني والسياسي -17-

تكتسي الكتابة حول تاريخ الجنوب المغربي دورا مهما في إغناء المكتبة التاريخية المغربية، نظرا لأهمية هذا المجال في فهم واستيعاب العلاقة بين المركز والهامش ، أي العلاقة بين السلطة المركزية والقبائل وتمكننا دراسة هذه العلاقة بشكل يستجيب والموضوعية التاريخية إمكانية كتابة التاريخ من أسفل. ولعل ما كُتب حول الجنوب المغربي لا يغطي متطلبات الباحثين من مختلف مشارب المعرفة الانسانية، بمن فيهم المؤرخين الذين وجدوا صعوبات ما تزال قائمة لصياغة مونوغرافيات مركبة تتماشى والتوجه الجديد في الكتابة التاريخية الجديدة والتي تركز على التاريخ الاجتماعي والاقتصادي وتاريخ الذهنيات وتاريخ المهمشين أو المسكوت عنهم في الكتابة التاريخية.

تناول العديد من الباحثين من مختلف مشارب المعرفة الإنسانية علاقة الزوايا بالمخزن سواء كان ذلك بهدف دحض الطرح الكولونيالي أو تأييد مزاعم الطرح الوطني، والراجح أن المرحوم محمد حجي كان من الأوائل الذي شد انتباههم إعادة النظر في نتائج الدراسات الاستعمارية التي قد أصحابها نتائجا جاهزة للاستعلامات العامة الفرنسية من أجل التركيز على هذه الثنائية لبسط فرنسا سيطرتها على المغرب دون أية مقاومة. وإذا كانت الدراسات الأجنبية تذهب إلى حد القول أن الزاوية شكلت دولة داخل دولة وأنها، وعبر التاريخ، كانت عدائية للمخزن الشريف فإن تقارير ضباط الاستعلامات العامة تفيد أن الزوايا في المغرب مؤسسة كاملة الأركان، وأن شيخها هو الآمر والناهي داخل القبيلة، وأن كراماته هي رأسماله الرمزي الذي يعتمده في عملية الضبط الاجتماعي، وفي التحكيم وبالتالي فاستمالتها من طرف فرنسا أمر واجب لتسهيل عملية البسط والسيطرة. ومن جهة أخرى فإن هذه الاستراتيجية الأخيرة قد قام بها المخزن منذ انتصار دولة السعديين على البرتغال في معركة وادي المخازن كسنة 1578م ذلك أن الزوايا التي دعمت مشروعية السعديين، الذين هم في الأصل زاوية، أوكل إليها من طرف السوسيين مجابهة البرتغال سوف تجد نفسها مجبرة إلى ممارسة وظائفها الكلاسيكية والابتعاد ممارسة الوظيفة السياسية وهو ما يفسر توزيع السعديين «لظهائر التوقير والاحترام» من أجل نيل عطف الزوايا النافدة، وكبح غمار تطلعاتها السياسية. في الواقع فإن محمد حجي ومن خلال أطروحته حول زاوية الدلاء أكد أن استمرارية الزاوية رهين برغبة المخزن في ذلك فهي استمرار له ولا يمكن أن تتطور إلا بإرادته. وهو عكس الطرح الأجنبي الذي كان يراهن على الزوايا باعتبارها ورقة رابحة للضغط على السلطان المغربي وتخويفه وترهيبه.
إن المجال الذي نحن بصدد دراسة بعض قضاياه التاريخية يشكل حالة استثنائية مقارنة بشمال المغرب وشرقه، يتعلق الأمر بمجال سوس الذي استوطنه الولي الصالح سيدي احماد أوموسى الرمز الديني للمجال والذي ظهر في فترة انتقال السلطة وفي أجواء طبعها سخط المغاربة على السلطة المركزية الضعيفة التي مثلها حجاب بنو مرين «الوطاسيين». مما جعل ذريته تتطلع إلى ممارسة السلطة وملء الفراغ الذي أحدثه الوطاسيون الذين لم يتجاوز نفودهم فاس. إن ما يثبت أن الزاوية ظلت تتطلع إلى ممارسة السلطة هو استرجاعها للوظيفة السياسية خلال فترة الفراغ السياسي كما حدث بعد وفاة أحمد المنصور الذهبي حيث أصبح المغرب إمارات متناحرة فيما بينها. لعل الكل يجمع أن السملالين وصلوا إلى مراكش العاصمة وتراجعوا على حين غرة مما يعني أنهم كانوا يواجهون قوة صاعدة تقوم على الشرف لمع نجمها في تافيلالت؛ يتعلق اأمر بالعلويين الذين لن يذخروا جهدا في إنهاء تام للتطلعات السياسية لكل زوايا المغرب وبخاصة خلال فترة حكم السلطان مولاي إسماعيل. ففيما يخص نموذج الزاوية السملالية فقد وضع حدا لنفوذها السلطان مولاي الرشيد؛ فرغم البطولات التي سجلتها والتي ماتزال مرسخة في المخيل الشعبي السوسي لكن مكانتها الاستراتيجية ونفوذها الديني جعل العلويين يستميلون زعماءها ويتخذونهم وسيلة لبسط نفوذهم في الجنوب وهو ما حدث بالفعل بعد حركة أغناج الحاحي خلال فترة حكم المولى سليمان، حيث تحولت الزاوية إلى أكبر تجمع تجاري بالجنوب وإفريقيا جنوب الصحراء وبخاصة مع ذرية أوهاشم السملالي وابنه الحسين وحفيده محمد.
حسب الدراسة التي أنجتها الأستاذة الباحثة خديجة الراجي فإنها تفيد بكون النشاط السياسي للزاوية السملالية مورس منذ عهد الجد المؤسس، فهذا الأخير الذي استطاع لم الأتباع بالآلاف وما حققه من تراكم كبير للثروة المالية نتيجة الهدايا والزيارات في أقل من نصف قرن جعل نفوذها يتجاوز سوس ليصل الى درعة وتافيلالت، وحاحة كما تؤكد على ذلك الباحثة. إنها المرحلة التي «فاضت فيها الأسباب « كما ورد في تقييد أدفال الدرعي ونقلا عن الباحثة فإن «حكم الله في أهل الله في بدء أمرهم الفقر والذل، ثم الوجد والعز الحكمة في ذلك» . وقد سئل الشيخ ذات مرة كما تورد الباحثة في كتابها أن أحدهم سأله من هو القطب؟ فأجاب هو «أحمد، فقال له (السائل) ثم من ؟ قال: سيدي أمحند أوبراهيم (التمنارتي) فقال له ثم من ؟ قال الملك عبد الله» (السلطان السعدي عبد الله ) مما يفيد أن سيدي أحماد أوموسى اعتبر نفسه فوق السلطان مادامت سلطته الروحية تتجاوز حدود المغرب. لقد أجزمت الباحثة على أن حدود العلاقة بين الشيخ والسلطان غير واضحة نظرا للتداخل بين الديني والسياسي كما توضحه عدة محطات تاريخية مرتبطة بدولة السعديين.


الكاتب : n ربيع رشيدي (*)

  

بتاريخ : 30/03/2024