تكتسي الكتابة حول تاريخ الجنوب المغربي دورا مهما في إغناء المكتبة التاريخية المغربية، نظرا لأهمية هذا المجال في فهم واستيعاب العلاقة بين المركز والهامش ، أي العلاقة بين السلطة المركزية والقبائل وتمكننا دراسة هذه العلاقة بشكل يستجيب والموضوعية التاريخية إمكانية كتابة التاريخ من أسفل. ولعل ما كُتب حول الجنوب المغربي لا يغطي متطلبات الباحثين من مختلف مشارب المعرفة الانسانية، بمن فيهم المؤرخين الذين وجدوا صعوبات ما تزال قائمة لصياغة مونوغرافيات مركبة تتماشى والتوجه الجديد في الكتابة التاريخية الجديدة والتي تركز على التاريخ الاجتماعي والاقتصادي وتاريخ الذهنيات وتاريخ المهمشين أو المسكوت عنهم في الكتابة التاريخية.
بالفعل فقد قبل السلطان تبريات دار إيليغ حول الموضوع ولم يعر أي اهتمام لشكاوي باعقيلة، وكما شدد على ذلك بول باسكون فإن تمت اعتبارات سياسية كانت أقوى هي التي جعلته يتني على الموضوع ويغطي الجور. (رسالة السلطان بتاريخ 28-7-1303/2-5-1886 أوردها بول باسكون في مؤلفه «دار إيليغ والتاريخ الإجتماعي لتازروالت»الوثيقة 116، ص،135. نقلا عن البزاز محمد الأمين ، م.س، ص :306.) لكن هذه المرة سيتم وضع حد لهذه الخروقات وسيتوج ذلك بمراسلة السلطان في الموضوع. وفي الوقت الذي لم يبالي فيه السلطان بأقاويل باعقيلة والتي كذبتها دار إيليغ فإنها ستأخذ الثأر مجددا لكن هذه المرة ستنكسر شوكتها بدعم المخزن لشريف تازروالت، فقد أخذ السلطان على عاتقه الوقوف إلى جانب ممثله محمد بن الحسين أهاشم على اعتبار أن ما قام به البعقليون يتنافى ومبادئ الشريعة الإسلامية، وقد كان جواب السلطان واضح الدلالة والمقصد والغاية وبقوله : « وصل كتابك ببيان القبائل المتفقين على الإضرار بكم والتعدي عليكم وضربكم وصار بالبال، فبيس الوفق وساء الفعل وكل ما ليس فيه رضاء الله ولا نهضة لله ولا بوفق من ولاه الله فهو حرام باطل لا تقوم قائمة لمرتكبيه ولا ينج الله عملا ولا فعلا وباء بغضب من الله ومأواه جهنم وبيس المهاد …»، (مراسلة من السلطان الحسن الاول إلى محمد بن الحسين أهاشم، بتاريخ 2 ربيع الاول 1304 /29 نونبر1886) يكون قد أعطى للشيخ الضوء الأخضر للرد بالعنف أمام أي هجوم محتمل ضده، وبالفعل فقد تحقق ذلك لما رد الصَّالح الثأر لأبيه في معركة «تامدان إرعمان» (لا تسعفنا المضان على تحديد اليوم والشهر الذي وقعت فيه هذه المعركة، وقداكتفى المحقق بتأريخها بسنة 1304 أنظرالهامش رقم 590 في كتاب إليغ قديما وحديثا ، م س، ص، 294. وبعد تفحص وثائق دارإليغ يعتقد أنها وقعت بين شهري صفر وربيع الأول من سنة 1304 بدليل أن هناك مراسلتين جوابيتين تناولتا نفس الموضوع وخلال نفس السنة إحداهما مؤرخة ب 2ربيع الأول 1304 والأخرى بتاريخ 3 صفر 1304. (خزانة الأستاذ البوخاري أبودميعة).)بعدما كسب ود المجاطين وتحالفه مع الباعمرانين الذين سبق وأن تحالفوا مع البعقليين في وقعة «تارغنا»، وقد تحقق النصر بفضل عزيمة الشيخ وأعيد الاعتبار لمكانة دار إليغ في المجال السوسي وهو ما يؤكده السوسي بقوله : «… فلذلك كانت معركة تامدان إرعمان درسا قويا تلقنته باعقيلة من إيليغ، لتعلم أن إيليغ لا تزال حية كما كانت، فرجع ابن الحسين وقد أخذ بثأر والده، ومثله من يأخذ بالثأر…».( السوسي محمد المختار، إليغ قديما وحديثا…، م س، ص: 295)
أول ما يؤكد على قوة ومتانة العلاقة بين الطرفين هو وقوف السلطان إلى جانب محمد بن الحسين أهاشم الذي تذوق مرارة موت أبيه نتيجة تأثره النفسي بانهزامه في حرب تارغنا، هذه الأخيرة التي فتكت بدار إيليغ وساهمت في انهيارها معنويا، ومن خلال المراسلة التالية سيتضح أن السلطان كان وراء استرجاع الدار لحيويتها ونشاطها وأنه ظل ملتزما بالوقوف إلى جانب الشيخ ضد البعقليين. وجاء في نص الرسالة السلطانية : « خديمنا المرابط القائد محمد بن محبنا المرحوم السيد الحسين أهاشم سلام عليك ورحمة الله، وبعد وصل كتابك بتوجيهك الحاج الطاهر بن الحسين نائبا عنك في تعزية جنابنا الشريف في والدك المرحوم لما أوضحته في الأعذار شارحا فيه ما وقع بينكم وبين باعقيلة حتى رجعوا على أعقابهم وأخليتم منهم البلاد واستوليتم على إخوانكم الذين كانوا معهم وعاملتموهم بالرفق واللين حتى لم يضع لهم شيء من ذخائرهم وصار بالبال، أما النائب فقد وصل وقام بالواجب وقوبل مقابلة أمثاله، والحسين يرحمه الله. وأما ما أبديته من العذر فمقبول، وأما ما صدر من بعقيلة فما كان ينبغي لهم ذلك وعلى كل حال فقد كفاكم الله شرهم سكن الله روعة المسلمين. وأما ما سلكته مع إخوانك الذين كانوا في حزبهم فقد أصبت وأحسنت وجربت فيه على النهج أصلحك الله والسلام في 3 صفر عام 1304» (مراسلة من السلطان المولى الحسن الأول إلى محمد بن الحسين أهاشم، بتاريخ 3 صفر 1304هـ/ 1 نونبر1886) . وقد سار الشيخ على نهج أبيه في مباشرة الصلح بين القبائل المتقاتلة فيما بينها خاصة تلك التي لم يفلح الأب في إيجاد حل مرضي بينها، ويتضح ذلك بقول السلطان: «..وبعد فقد وصل كتابك بما وقع بين الخصاص وأيت أحمد من تكنة من القتال وما جرى في ذلك وصار بالبال».( مراسلة من السلطان المولى الحسن الأول إلى الشيخ محمد بن الحسين أهاشم بتاريخ، 7ربيع الثاني عام 1306/ 11 دجنبر1888)وقد جاءت هذه المبادرة بناء على رغبة المخزن المركزي الرامية إلى ضبط المجال بعيد الحركة الثانية، وتهدئة أوضاع سوس الذي ثار أهله على القواد بعيد رحيل الحسن الأول عنه. واعتبر السلطان ما يقوم به زعيم دار إيليغ بادرة طيبة لفائدة المصلحة العامة. كما شدد أوامره بضرورة نقل الصغيرة والكبيرة حول ما يحوم بسوس، بقوله : « وقد أحسنت في الإعلام ولا تُغَيِّب خبرا والسلام …».(نفس المراسلة) وللإشارة فمحمد بن الحسين أهاشم لم يكن المخبر الوحيد للسلطان بل كان هناك من ينصب أعينه تجاه هذا الأخير نفسه، فينقل أخباره إلى السلطان الذي يعاتب شريف تازروالت بعدم نقله لما يروج بسوس قبل أن تصله المعلومات من جهات مختلفة. ويمكن أن نستشف ذلك من خلال مراسلة بعثها له السلطان ونبهه فيها بضرورة الامتثال للطاعة الشريفة وأن يقتدي بالحسين أهاشم الذي كان ينقل الصغيرة والكبيرة .
«خديمنا الأرضى المرابط الخير القائد محمد بن الحسين أهاشم وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله وبعد، فقد بلغ علمنا أن بابورا ورد في هذه الأيام لساحل أيت باعمران ومكث به نحو الثلاثة عشر يوما ومر بتلك المراسي إلى أن وصل لمرسى بنهاية أكلو، وفيها ذهب لحال سبيله. ولم ندر من أي جنس هو لكونه كان يعلق السنجق الأبيض وكان يخرج مدفعا في الصبح وآخر في الزوال، ويجاب بالبارود من البر، واستقرعدم إعلامك به إذ من المتعين عليك في مثل ذلك الإعلام به قبل كل أحد، إقتداءا بوالدك رحمه الله. فقد كان يعلم بالشاذة والفاذة من أخبار تلكم النواحي ويقبض على الجواسيس الذين يخطرون بها ويوجههم لحضرتنا الشريفة، كما في علمك مع أنه كان غير مكلف هناك من قبل المخزن وأنك مكلف. وعليه فلابد البحث في ذلك البابور لمن هو من الأجناب، وعمن تكلم معهم من أهل تلك الناحية… وما تبث عندك فيه طير لنا الإعلام به فإن أخبارك لدينا معتمدة… وإن عثرت على جواسيس هنالكم من قبلهم أقبض عليهم وأعلمنا والسلام في فاتح رجب عام 1304.» (مراسلة من السلطان المولى الحسن الأول إلى محمد بن الحسين أهاشم، بتاريخ فاتح رجب 1304/26 مارس1887) وقد رضخ الشيخ لهذه الأوامر وهو ما تعبر عليه مراسلة أرسلها له السلطان بعد سنة بشأن الصراع الدموي الذي كان بين الأخصاص وتكنة من هذا الحادث «…وقد أحسنت الإعلام ولا تغيب خبرا».( مراسلة من السلطان المولى الحسن الأول إلى محمد بن الحسين أهاشم، بتاريخ فاتح رجب 1304/26 مارس1887)