قناع الغرب.. البروتوكولات المضللة -05- الروائي النيجيري تشينوا أشيبي: «هل فكرتم حقا بأن الأفارقة بشر؟»

في رواية «مشكلة سبينوزا» لإرفين د. يالوم، نقرأ على ما يلي: «التفت هتلر إلى ألفريد، وقال: «آه باعتبارك صحفيا، أرجو أن توافقني الرأي بأن الحقيقة هي كل ما يصدقه عامة الناس….»..». لا تهم الحقيقة «الواقعية» ما دامت الحقيقة تعتمد على نحو كلي على الأداء الإعلامي، لأن هذا هو ما يؤثر بالفعل في تكوين الصورة العامة للقوة المهيمنة. ولهذا يستثمر الغرب ثروة هائلة لبناء قوته الإعلامية وإنشاء وسائل إعلامية تحقق أهداف سياساتها الخارجية وتؤثر في اتجاهات الجماهير في دول العالم.

لدعم زيف مقولة «الغرب الكريم» أو «الغرب الإنساني» يورد كيشور محبوباتي، عميد كلية «لي كوان يو» للسياسة العامة بسنغافورة، حكاية الروائي النيجيري الأسطوري، تشينوا أشيبي، الذي شهد بشكل مباشر تكبر مسؤولي المساعدات الغربيتين تجاه المستفيدين، حينما دعي لحضور اجتماع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في وقت مبكر من العام 1989.
وقال: “لم يكن آشيبي متأكدا من السبب وراء دعوة روائي نيجيري للحديث أمام مصرفيين وخبراء اقتصاد أوروبيين وأمريكتين وكنديين وأستراليين، فدخل الاجتماع وهو وجل بعض الشيء، يقول آشيبي : حينما كنتُ أستمع إليهم… من خلال الثقة التي أظهروها، لم يبق مجال للشك بأن هؤلاء هم أسياد العالم الذين يستلدون بعوائد نجاحهم». سرعان ما أدرك أشيبي أنه جزء من ورشة خيالية»، حيث يضع المصرفيون الغربيون نظريات تهدفُ ظاهريا لمساعدة العالم النامي، فقال: ها أنتم هنا، تنسجون نظرياتكم الفاخرة لكي تطبقوها في مختبراتكم الوهمية. أنتم تطورون أدوية جديدة وتطعمونها لمجموعة من الفئرات الغينية في المختبر وتأملون الأفضل، ولكن لدي معلومات لكم أفريقيا ليست خيالاً، أفريقيا (تحوي) أناسًا حقيقيين… هل فكرتم حقا بأن أفريقيا (تحوي) بشرا؟».
وقال محبوباتي: “وزعت الدول الغربية كمية كبيرة من المساعدات الخارجية (وفقا لأرقامها الرسمية)، وتدعي منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على سبيل المثال أن المدفوعات الغربية السنوية قد ارتفعت من 53 مليار دولار في العام 2000 إلى 133 مليار دولارًا في العام 2011. ولكن ثمة شك بأن المساعدات لم تنفع أغلب المستفيدين المقصودين. ينبغي أن تدعونا الفجوة بين كمية المساعدات الموزعة والنتائج الحسنة القليلة إلى البحث عن خلل منهجي في تصميم المساعدات الغربية. الخلل واضح صُممت أغلب المساعدات لتعزيز مصالح المانحين، حيث يعلم كثير من الأفراد المطلعين في الغرب بضآلة النتائج الحسنة الناشئة عن المساعدات الخارجية، إلا أن هذا الأداء الرديء لا يُزعجهم، إنهم يقولون في سرهم: نحن في الغرب كرماء وقد حاولنا المساعدة، ولكن هؤلاء الأفارقة والآسيويون كانوا عاجزين وأهدروا مساعداتنا! ماذا نصنع؟ لا يمكننا أن تحولهم إلى أشخاص مؤهلين مثل الغرب!». حينما تفشل المساعدات، يُلقى باللوم على المستفيدين وليس على المانحين قط”.
وتابع: “يعود سبب اعتقاد كثير من المطلعين بأن حالات الفشل في التنمية تنبع من المستفيدين وليس المانحين هو أن مؤسسات التنمية الدولية العملاقة والموثوقة (كمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وصندوق النقد الدولي) تتولى الرقابة على تدفقات المساعدات الغربية، وبما أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وصندوق النقد الدولي يُراقبان تدفقات المساعدة ويقدمان التقارير حولها، ألا يمكن أن يؤكدا موضوعياً بأن الغرب قد بذل قصارى جهده؟ ولكن الحقيقة هي أن الدول المانحة الغربية تتحكم بشدة بهاتين المؤسستين – إلى الحد الذي لا يمكن أن تكونا موضوعيتين ومستقلتين في تقويماتهما”.
نظرياً، مهمة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (وفقا لاسمها هي تعزيز التعاون والتنمية الاقتصادية، ولكن هذه المنظمة في الواقع هي نادٍ للأثرياء، وأنا أتذكر أن المنظمة كانت تفتخر بهذا اللقب. بالطبع، لن يعترف أي من المسؤولين في المنظمة بأن وظيفته هي حماية الأثرياء ولكن خلال عقود ثلاثة من التفاعل مع ممثلي منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، استشعرت على الدوام أنهم ينظرون بفوقية إلى جميع الآراء التي يطرحها ممثلو العالم الثالث. كانوا واثقين من أنهم الحماة الحقيقيون لسر التنمية الاقتصادية. يمكن فهم هذا التكبر والفوقية لو كانت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قد طورت سجّلاً مميزاً من تعزيز التعاون الاقتصادي أو التنمية، ولكن المنظمة لم تحقق قط المهمة التي يُشير إليها اسمها وليس لديها قصة نجاح ترويها ..


الكاتب : سعبد منتسب

  

بتاريخ : 06/03/2025