في رواية «مشكلة سبينوزا» لإرفين د. يالوم، نقرأ على ما يلي: «التفت هتلر إلى ألفريد، وقال: «آه باعتبارك صحفيا، أرجو أن توافقني الرأي بأن الحقيقة هي كل ما يصدقه عامة الناس….»..». لا تهم الحقيقة «الواقعية» ما دامت الحقيقة تعتمد على نحو كلي على الأداء الإعلامي، لأن هذا هو ما يؤثر بالفعل في تكوين الصورة العامة للقوة المهيمنة. ولهذا يستثمر الغرب ثروة هائلة لبناء قوته الإعلامية وإنشاء وسائل إعلامية تحقق أهداف سياساتها الخارجية وتؤثر في اتجاهات الجماهير في دول العالم.
في حديثه عن الغرب الرأسمالي، يذهب المفكر الأمريكي بيير ثييل إلى أنه «إذا كان غالبية الناس يعتبرون أن الرأسمالية والمنافسة تسيران في منحى واحد، فإني أراهما، في الحقيقة، تقريبًا متنافرين. من هو الرأسمالي؟ إنه الشخص الذي ينجح في مراكمة الرأسمال. لكن ما يقع هو العكس، في عالم تنافسي شرس، تكون أرباحك لمتنافس هزيلة، وتراكم الرأسمال بطيئًا بل مستحيلًا. لنضرب مثالًا على ذلك، في باريس يمكن أن نقول إن قطاع التموين هو بالضرورة قطاع تنافسي، إلا أنه مجال غير رأسمالي: إن الممونين، خصوصًا قطاع التموين Standing، يستدينون ويشتغلون بكثرة، لكن مدخراتهم من المال هزيلة».
ويعطي ثييل مثالًا بشركة غوغل، التي يعتبرها «رمزًا للنموذج الرأسمالي»، ذلك أنها – يقول – تولد رأسمالًا ضخمًا خاليًا من منافس واقعي لها، منذ أن تجاوزت منافسيها الأساسيين على موقع «محرك البحث». إنها إحدى الحقائق غير السليمة سياسيًا للرأسمالية: «الشركات الأكثر ازدهارًا تمتلك دومًا بعدًا احتكاريًا، ولا أحد يريد، ولا حتى بإمكانه، الاعتراف بذلك».
مدراء غوغل عاجزون عن التصريح بذلك رسميًا: «نحن ما زال لدينا احتكار أكبر مما لدى مايكروسوفت في سنوات التسعينيات»، وبالتالي، فهم يفضلون تقديم الأشياء على هذا النحو: «نحن شركة للتكنولوجيا تتنافس بشراسة مع آبل حول أندرويد، ومع فيسبوك حول الشبكات الاجتماعية، ومع أمازون حول التجارة». فالناس الذين لديهم قطب احتكاري يتظاهرون دومًا بأنهم ليسوا كذلك.
والحال أن العكس هو الصحيح، حينما يتم الإعلان عن مشروع في وسط تنافسي شرس، فإنه ينبغي منك أن تعرض نفسك على المستثمرين كمن لا منافس له حتى يقبلوا على المراهنة عليك. لكن مع ذلك، فإن إمكانية الحصول على الاحتكارات تعتبر أحد الحوافز لاختراع احتكارات أقوى من ذي قبل.
هكذا، يتيح الابتكار إعادة النظر في الاحتكارات العتيقة من خلال بناء احتكارات أخرى جديدة.
ويتابع: «في الغالب، نعتبر أن منطق العولمة وروح التكنولوجيا يتشابهان. أعتقد أنهما شيئان مختلفان أيما اختلاف. منطق العولمة يشمل نسخ الأشياء الموجودة سلفًا على مستوى عالمي، بينما روح التكنولوجيا يكمن أساسًا في اختراع أشياء جديدة. وهذا يستدعي ديناميتين متعارضتين. العولمة تمتثل لمعدل النمو العمودي الذي يسير من 1 إلى: فأنت تتوفر على حاسوب، ثم تنتج مائة عينة، ثم مائة مليون… إلخ.
وتعد الصين النموذج المجسد لهذه الظاهرة. مستقبلها إذن متوقع ومقلق في آن معًا: فهي تحاول، إجمالًا، الالتحاق بركب الغرب. لكن على هامش هذه الظاهرة، توجد لديّ تكنولوجيات تدعم الديناميكية الاختراعية. فهي تفترض مسبقًا أننا قادرون على إعادة النظر في أشكال الـ «هابيتوس» (Habitus) والتوافق. ذلك أن تزايد النمو يتخذ له طابعًا عموديًا لا أفقيًا. فهو ينطلق من 0 إلى 1، من آلة كاتبة إلى معالجة النص».